وبعده توضع في الجرار وتسد فوهتها باحكام مدة تتراوح بين بضعـــــــة أسابيع وبضعة أشهر تتشكل خلالها طبقة من العفن حول أقراص الشنكليش وعندئذ تصبح ( مستوية) أي ناضجة. وعند الحاجة تؤخذ بعض الأقراص من الجرة وتغسل وتزال عنها طبقة العفن فتصبح جاهزة للطعام واذا أضيف اليها زيت الزيتون طاب طعمها وزادت سعراتها .
أما الأغنياء فكان الحليب ومشتقاته وأنواع الحلويات وخاصة الفطاير المحشية بالقشطة أو بالجوز والسكر، وكان البيض المقلي أو المسلوق م الانواع المألوفة على موائد افطارهم.
بعد الافطار ينصرف رب البيت الى عمله في السوق وتقوم الأم بشؤون البيت من غسيل وتنظيف وطبخ . أما الأولاد فيذهبون الى الكتاتيب أو اللعب في الحارة واذا لم تكن الأم مشغولة فيمكنها أن تزور بعض صديقاتها أو جاراتها أو قريباتها في بيوتهن قبل الظهر لأن وقعة الغذاء لم تكـ أساسا بل كان المعوّل على وجبة العشاء التي يعد لها الطبيخ كانت وقعة العشاء تتم في العادة بعد المغرب، أما الأكابر فكانوا يتناول ون عشاءهم وقت العصر ، وعند العشاء يتحلق جميع أفراد العائلة حول (صدر ) من النحاس أو طبق من القش يوضع فيه الطعام ويمكن أن نتخيل ما يحدث في هذه الحالة : أصوات الأطفال ترتفع وأمهم تحاول اسكاتهم وتلقمهم الطعام کل بدوره ، وكلّ يحاول أن يتكى على الآخر ويدفعه ليصل الى الصحن المشترك قبله، وفي بعض الحالات تنفرد كل كنّة بأولادها وتقدّم لهـ العشاء أمام بيتها صيفا أو في بيتها شتاء، لأن العائلة كانت تتألف من الجد وأولاده وأحفاده وقد يبلغ عدد سكان الدار الواحدة أربعين شخصا أو أكثر، والميسورون يخصصون لكل ابن بيتا واذا كان البيت كبيرا دعـــي قاعة ويكون سقفه عقدا على الغالب .
كان الابن ينام في البيت أو القاعة مع زوجه وأولاده، البنين والبنات مهما بلغ عددهم. وفي بعض الحالات كانت تقسم القاعة أو البيت بـ (شرشف) أو بساط الى قسمين تنام في كل منهما عائلة لا يفصلها عن جيرانه الا ستار قماشي لا يمنع صوتا ولا يستر همسة أو شخرة !!!
لا يجوز للابن أن يخرج بأسرته عن دار أبيه ليسكن دارا خاصة به طالما كان أبوه على قيد الحياة وانقسام العائلة الكبيرة الى أسر صغـ يرة وتبعثرها في دور متعددة كان يتم في العادة بعد وفاة الجد وحصـول أولاده على الميراث وتصفية حقوقهم فيما بينهم . أما في حياة الأب فمــــن المستهجن جدا انسلاخ الابن عن سلطة أبيه في دار خاصة به و (طلوعـه عـــــن أهله)!!!
* الطعام اليومي :
مر بنا آنفا طعام الفطور، أما العشاء، وهو الوقعة الرئيسة فكـــان يعتمد على الطبيخ وكل أنواعه تعتمد على الأصناف التالية : الطحـ ــين والبرغل والعدس واللبن والسمن والزيت والبصل والأرز والحمص والفول البلد حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر وكانت تدعى (الباذنجان الافرنجي) ولا تؤكل إلا وهي خضراء ،فجة أما اذا احمرت فتعد فاسدة واللحم، أما الخضار فلم تكن مرغوبة وأهمها الباذنجان والكرات والكوس واللوبياء واليقطين والسلق والملفوف . أما البندورة فقد تأخر دخولها الـــــــى ويرمى بها !!!
لم يكن هناك برادات ولانظام تبريد لذلك كان أغلب الناس يعتمدون على تيبيس بعض الخضار الصيفية لاستهلاكها شتاء، كالباذنجان الأسـود والعادي والكوسا والبامية والقرع السلاحي الطويل واللوبياء والثوم والبصل . وفقدان التبريد والمحفوظات (الكونسروة ) فرض على الناس تموين بيوتهم بمؤونة سنوية تختلف حسب الوضع المادي لكل أسرة. أهم مادة في المؤونة ( الطحين ) وهو عماد البيت والميسورون كانوا يشترونه (طحنة بطحنة) والطحنة تقدّر بحوالي مائة كيلو أو أكثر، أما الفقراء فكانوا يشترونه بالرطل ، ولذلك قالوا في أمثالهم يصفون الفقير (بيتو بالكــري وخبز و بالشري ) أي بيته بالكراء وخبزه بالشراء. كناية عن عدم وجـــــود دار يملكها أو أملاك تدرّ عليه بخيراتها. وكانت ربة البيت تعجن الطحين ثم تنتظره ليختمر فتقرصه وترسله في الطبـ ( ٢ ) أو الصدر مع أحد أولادها الى الفرن ، أو تخبزه بنفسها على التنور . ولــــــم في (اللكن) تعمد الافران الى تقديم الخبز مباشرة الى الأهلين الا منذ أوائـــل الخمسينات من هذا القرن وبصورة محدودة . ثم انتشرت هذه العادة بعد أن لمست ربات البيوت أنّها ترفع عباً كبيرا عن كواهلهن ، اذ وفرت عليهن مهمة العجين، وتقريصه وخبزه، ووفرت على الأولاد مهمة حمل العجين الى الفرن ثم العودة به مخبوزا واضاعة الوقت في انتظار الدور . المادة الثانية في المؤونة هي ( البرغل ) ويصنع من الحنطة بعد سلقها وتكسيرها على حجر طاحون خاص. ثمّ يجفّف الناتج في الشمس ويفصــل الـــــــى قسمين : الناعم وتتخد منه (الكبة ) بأنواعها ، والخشن ويستعمل في طبخ المجترة أو يسلق ويقلى بالسّمن. ويقصد به السمن العربي لأن النباتي لم يكن عرف بعد. وكذلك الزيت النباتي.
تعليق