أنشودةُ الحياة [الجزء الأوّل] ( نصّ مفتوح )
غريبةٌ أنتِ يا روحُ في دنيا مِنْ حَجَرٍ! [3]
[نقلاً عن جريدة الوسط الجزائرية]
https://cdn.elwassat.dz/wp-content/u.../wassat-20.pdf
صبري يوسف - ستنوكهولم،
إلى أينَ يقودُنَا هذا الجموحُ
جموحُ الحضارةِ؟
تقشعرُّ روحي مِنْ شظايا الأخبارِ
مَنْ يستطيعُ أنْ يبدِّدَ هذِهِ الكآبةَ
المستشريةَ تحتَ عباءةِ اللَّيلِ؟
أريدُ أنْ أرقصَ
أنْ أخرُجَ مِنْ جلدي
أنْ أشتِّتَ ولو جزءَاً يسيراً
مِنْ ضجرِي
مِنْ وجعي
مِنْ غربةٍ مهروسةٍ
تحتَ عجلاتِ صباحاتي!
رسَمَ طفلٌ لوحةً
مكثَّفةً بالاحمرارِ ..
حتَّى دموعُهُ تحوَّلَتْ إلى لونٍ
ضاربٍ إلى الاحمرارِ!
جنازاتٌ تسيرُ
زغاريدُ النِّساءِ تسربِلُهَا شهقةٌ
غارقةٌ في الأنينِ ..
وحشيَّةٌ بغيضةٌ تتدحرَجُ
مِنْ فوقِ قممِ الجبالِ
تهبطُ دونَ وجلٍ فوقَ رقابِ الكائناتِ
لماذا فجأةً استفحلَ جنونُ البقرِ؟
.. تفاقمَ الأمرُ حتَّى الجنونِ
لَمْ يَعُدْ في الأمرِ سرَّاً ..
كنّا نقرأ في الأساطيرِ القديمةِ
عَنِ الطُّوفانِ
عَنْ زلازلَ مِنْ قيرٍ ونارٍ
ها قَدْ داسَتْ هلوساتُ
هذا الزَّمانِ
في جوفِ الأساطيرِ
أينَ أنتَ يا هابيلُ
كي تشهدَ ميلادَ ملايينَ الهابيلاتِ
هابيلُ هذا الزَّمانِ
داسَ في جوفِ أعتى المهابيلِ!
سقطَتْ قطةٌ بيضاءُ
في كهفٍ منسيٍّ
لم يَعُدْ للبكاءِ وقتٌ ولا نكهةٌ
ها قَدْ آنَ الرَّحيلُ
رحيلُ الشَّهيقِ العميقِ
رحيلُ الزَّفيرِ
لم يَعُدْ للفرحِ مساحةٌ
نستظلُّ فيها
حتّى الدُّنيا ضاقَتْ بِهِ ذَرعاً
مِنْ هطولِ زخّاتِ الجفاءِ!
أخاطبُ هذا العالمَ
هلْ تقحَّطَ الكونُ
وخلَتْ مِنْ بَينِ جوانِحِهِ حِكمةُ الأيّامِ
حِكمةُ الإنسانِ؟
يا أيُّها الإنسانُ
أيُّها المراوغُ على ذاتِكَ
أيُّها القابعُ في دياجيرِ الظَّلامِ
لماذا لا تستمدُّ
مِنْ خدودِ الأطفالِ منهجاً
مِنْ نكهةِ الورودِ رؤىً
مِنْ رحيلِ البشرِ مرفأً؟
وجعٌ مزنَّرٌ بالشَّوكِ
يهيمنُ على خدودِ اللَّيلِ
على مرافئِ الرُّوحِ
آهٍ .. يا روحُ
غريبةٌ أنتِ يا روحُ
في دنيا
مِنْ حَجَرٍ!
برقٌ مِنْ نوعٍ مريبٍ
يهطلُ فوقَ مرافئِ المساءِ
مَنْ كسَرَ أعناقَ دالياتي الخضراءَ؟
سَفَرٌ في أعماقِ المسافاتِ
ليالٍ مهجورةٌ خاليةٌ من الدِّفءِ
حولي صقيعٌ مترامي الأطرافِ ..
جفلَ عجوزٌ طحنَتْهُ الأيامُ
عندما سَمِعَ هديرَ السَّماءِ
ماتَتِ الكائناتُ الصَّغيرةُ
والكبيرةُ في طريقِهَا إلى الهلاكِ
آهٍ .. نعيشُ اليومَ مقمَّطينَ بحضارةٍ
مِنْ لَوْنِ البراكينِ
ارتبكَتْ قِطَّةٌ جائعةٌ
عندما اندَلقَتْ عليهَا شظايا
مِنْ أعماقِ اللَّيلِ
كيفَ تتحمَّلُ السَّماءُ ضبابَ الشَّظايا؟
تقعّرَتْ رُوْحُ الأشجارِ
لكنَّها ما تزالُ شامخةً كالجبالِ
ماتَتْ طفلةٌ مِنَ الحُزنِ
في زهرةِ العمرِ!
أمٌّ محتارةٌ
تبحثُ عَنْ خِرْقَةٍ مُمَزَّقةٍ
تُقمِّطُ رضيعَهَا
حلمٌ تنمو بينَ جنباتِهِ الكوابيسُ
رؤىً مهروسةٌ ..
غارقةٌ في البكاءِ
حزنٌ مِنْ لونِ قتامةِ القبورِ
حزنٌ يضاهي حجمَ المجرّاتِ
كيفَ تتحمَّلُ أيُّها الإنسانُ
كلَّ هذا الاحتراقِ؟
غرقَتْ خشبةُ الخلاصِ
احترقَتْ وجنةُ الصَّباحِ
قبّةُ اللَّيلِ والنَّهارِ
صبري يوسف