الاحاديث الخاصة :
لا تزال الاحاديث الخاصة تلقى اهتماماً شديداً من رغم ان السينما والراديو والتلفزيون والصور المختلسة وغيرها تقدم يوم للناس صوراً شتى عن حياة العظماء العالميين والشخصيات البارزة في المجتمعات ، اذ تدفع غريزة حب الاستطلاع الناس دائماً الى معرفة المزيد عن الآراء والحياة الخاصة لرجال السياسة والمؤلفين وأبطال الرياضة وزعماء المجتمع والمخترعين ونجوم السينما والمسرح ومن شاكلهم ، ومثلهم الاشخاص المغمورون الذين تجري لهم مثيرة هي من موضوعات الساعة التي تشغل بال الناس . ويمكن القول بأن نصف الاخبار التي تنشرها الصحف يعرفها المخبر عن طريق الصدفة ، وأما النصف الثاني فيستقيه . أحاديث خاصة.
يقول الاستاذ اميل لودفيج : « يعتبر الحديث الصحفي من الفنون الصحفية في الوقت الحاضر ومن أكثرها استهواء للقارىء . وقد تظن ان الحديث لا يزيد على كونه مجرد تسجيل لمناقشة أو حوار دار بين طرفين . غير ان حقيقة الامر هي أن الحديث الصحفي يتطلب قدراً كبيراً من المهارة والتفنن ، وتوفر صفات من نوع خاص في المخبر الصحفي » .
ولا ريب ان مثل هذه الاحاديث هي . خير معين للجريدة على كتابة القصص الاخبارية التي لا مكان لها في العادة بغير الصحف ، كما انها من أنجع الوسائل لتعريف الجماهير بالشخصيات ، أو المجتمعات الممتازة أو بالأناس الذين أضفت عليهم حوادث طارئة بعض البروز .
وسواء كان الحديث الصحفي حديث خبر وهو ما كان الغرض منه الانباء واستقصاء المعلومات عن حادثة معينة عن طريق الاشخاص الذين حضروا هذا الحادث أو اشتركوا فيه ، أو كان حديث رأي وهو فيه الصحيفة بالحصول على آراء ذوي الخبرة والاختصاص في موضوع يهم المجتمع ، أو حديث جماعة من المختصين بعمل من الأعمال أو فن من الفنون كالفلاحين والمحامين والرسامين ومن شابههم يسألهم فيه المخبر . المشاكل ـ هي من اختصاصهم سؤالا واحدا لا يتغير ليخرج عنهم بجواب هو شبه احصاء أو استفتاء يعرضه على الرأي العام كنتيجة لخبرة هذه الفئة من ذوي الاختصاص بهذا الموضوع، أو كان حديث مؤتمرات كما يفعل بعض رجال السياسة أو الاعمال أو غيرهم من المسؤولين من جمعهم لممثلي الصحف الموجودين في بلدهم في وقت يعينونه لهم للادلاء اليهم بحديث والاجابة على أسئلة واستيضاحات يوجهها اليهم هؤلاء الصحفيون وذلك لتفسير موقف من المواقف أو عرض مشكلة على الشعب أو غير ذلك تمس المجموع ، أو كان حديث تسلية وامتاع للترفيه عن القراء بمــا يورده الصحفي من تصوير هذه الشخصية الانسانية بما فيها من طرافة أو غرابة أو تعقيد أو بساطة وفي . يعني المخبر بحركات المتحدث الظاهرة وتصوير شخصيته أكثر من اهتمامه بما يصدر عنه من آراء . أقول سواء كان الحديث الصحفي من فلا بد للمخبر من مراعاة الشروط التي أوردناها في حديثنا عن الخبر الصحفي كالجدة والطرافة والايحاء الخ وصاه به المتحدث . فاذا طلب اليه عدم نشر اسمه مع الحديث كان عليه تلبيته ويكتفي بأن يقول مثلاً : عن مصدر مسؤول أو شخصية كبيرة أو عن مصدر لا يرقى اليه الشك ونحوه ، واذا طلب اليه أن لا ينشر هذا الجزء أو ذاك من الحديث لباه كذلك لان في وقوعاً بجريمة صحفية يعاقب عليها القانون . وعليه أن يراعي الموازنة بين الآراء المؤيدة والآراء المعارضة ، لا سيما اذا كان الحديث عن أمر سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك من الامور التي تمس كيان المجتمع وتختلف فيها الآراء . كما عليه أيضاً أن لا ينسى سياسة الجريدة حين عرضه للاحاديث الصحفية على اختلافها ، ولا سيما حديث الرأي منها حتى لا يخرج عن مبدأ صحيفته وسياستها الخاصة .
فالمخبر الصحفي يقوم في الحديث الخاص بدور المحقق والبوليس السري والصديق الحميم أثناء تحدثه أو اصغائه الى الشخص الذي يعرف المعلومات التي يجري وراءها . فاستقاء أنباء عن زواج أو جريمة أو مؤتمر لا . يتم له الا اذا تحدث مع الرجال والنساء المعروفين الذين عندهم الخبر اليقين ولاسمهم ورأيهم وزن كبير .
وقد جرت العادة أن. يحدد المحرر سؤالا أو اثنين أو أكثر من الاسئلة المعينة ، ثم يترك للمخبر أن يستخلص بعد ذلك ما يستطيع استخلاصه من تصريحات حسب قدرته . ولا شك أن تحديد أسئلة تعينها قبل بدء الحديث حيث يتكون بأجوبتها المقال المطلوب له أثر كبير في اختصار الوقت بالنسبة لهذه الشخصيات الضيقة أوقاتها ، وله أهمية قصوى في تسهيل مهمة المخبر وجعل الحديث ناجحاً اذ ليست الاهمية في مقدار ما يقوله المتحدث ، بل في كيفية الاجابة وطريقة انفعاله بأسئلة المندوب الصحفي . وأول شيء يجب أن يفعله المخبر قبل الاجتماع بالعظيم ليتسلح به للمقابلة هو أن يذهب الى أرشيف الصحيفة ليعرف ماذا تقول القصاصات عن الشخص الذي سيقابله . كما وانه يستطيع أن يجمع معلومات أخرى من دائرة معارف الاشخاص ، وممن لهم . به . واذا كان هذا الشخص صاحب مذهب خاص أو صبغة عقائدية معينة فعلى المخبر أن يلم بالوجهة التي يميل اليها ، لان الكثيرين من هؤلاء البارزين يغضبهم جهل المتحدثين بآرائهم . واذا كان وقت الصحفي لا يمكنه من الاطلاع على ذلك فعليه أن يعتمد على المحادثة ، وعلى ذكائه ، وعلى اقتناص الفرص ليسير في الطريق الصحيح . ومما يسهل الامر عليه أن يعد مقدماً طريقة للدخول في الموضوع ، وأن يحضر أسئلة محددة لالقاء الضوء على النقطة التي يريدها . وربما يجد في جواب أحد هذه الاسئلة المقدمة التي يبحث عنها ، والمدخل الذي يريده لبقية المقالة . وقد يقع المسؤول في استطرادات لا علاقة لها بالموضوع الذي جاء هو من أجله وعليه في مثل هذه الحالة أن يسترسل مع محدثه ليعرف كل ما يريد أن يقوله ، اذ قد يجد أن الموضوع الفرعي أهم بكثير مما ذهب ليتحدث فيه . وعليه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم فهناك اشخاص يحبون الملق ، وهناك آخرون لا بد من احراجهم لا تتزاع حديث منهم ، وهناك أناس يحتمون دائماً بالصمت ، وهناك الثرثارون المتحذلقون . والصحفي المدرب يعرف كيف يوجه المناقشة لكل صنف من هؤلاء ، وكيف يرد على كل منهم أثناء الحديث .
وقد جرت العادة في مثل هذه الاحاديث أن يبدأ الصحفي فيعرف محدثه بنفسه ، وبالصحيفة التي يمثلها ، ويخبره بأنه جاء ليسمع رأيه في موضوع بصراحة على الاسئلة التي توجه اليه ، لاسيما اذا كان من الذين تمرنوا على مقابلة الصحفيين ، وكلما عظمت شخصيته سهل معه الحديث . ويجب على الصحفي ان يتقيد بالموعد المضروب بينه وبين الشخصية فاذا فوجيء بارجائه الى فرصة أخرى كان منه الرد الجميل مع الاحترام ، وأن يعتمد على ذاكرته ذهنه فيما يقال فاذا غابت عنه نقطة استعادها بلطف حتى يتمكن من جمع معلوماته بدقة ، وأن يكون طبيعياً طيلة المقابلة ، وأن يتحلى باللباقة والحزم والتهذيب فلا يدعي أو يتعالى أو يشتط في المناقشة فيثير محدثه ، كما ينبغي أن لا يحتقر نفسه فيخجل ويضطرب لانه يمثل صحيفة مسؤولة يستمد كيانه من كيانها وليس متسولا يطلب حسنة من كريم أو بخيل . وقد أوصى الاستاذ كلايتون المخبر في هذا الصدد بقوله : « وعلى المخبر أن تكون له صفات البائع . فهو مضطر الى أن يذيب شخصيته في شخصية محدثه . وتلك صفة ضرورية لا يقصد بها الى الاقناع وحده فقط ، ولكنها ألزم ما تكون في الحقيقة لايجاد المشاركة الوجدانية بينه وبين المتحدث . ونحن نعلم ان الطبيعة البشرية تجعل الناس يميلون الى التبسط في الحديث بحرية وصراحة مع أولئك الذين يشاركونهم عواطفهم ومذاهبهم أكثر من أولئك الذين يعارضونهم معارضة ما في كل ذلك ، أو يقيمون من أنفسهم أوصياء على فكرة معينة أو رأي معين » .
وينبغي أن يعتمد الصحفي في تسجيل الحديث على تدوين ملاحظات قليلة بين وقت وآخر ، الا اذا طلب منه محدثه أن ينقل عنه بالحرف فواجب عليه حينئذ أن يقيد بقلمه كل ، وحين الانتهاء الكتابة يراجع ما فهمه من الحديث ليصحح ما جاء فيه من أو التواريخ أو الارقام أو الاحكام أو غير ذلك . ثم حينما يريد صياغة الموضوع يمكنه أن يبتدىء بمقدمة تتضمن خبراً جديداً ، أو بياناً مثيراً ، أو تصريحاً عاماً ، أو وصفاً سريعاً لشخصية المتحدث ، أو غير ذلك المقدمات التي تثير شوق القارىء وتدفعه الى متابعة القراءة ، ثم بعد ذلك يكيف أسلوبه حسب طبيعة الحديث . فاما أن يكون مقالة تتضمن تصريحاً هاماً يطغى على شخصية المتحدث وظروف الحديث، كالتصريحات التي يدلي بها موظف عام أو رجل أعمال أو زعيم سياسي . وهذا النوع من الحديث متى جمعت معلوماته يمكن صياغتها على النمط المعروف في صياغة موضوعات الخطب والبيانات . أي ( عبارة منقولة - ملخص - عبارة منقولة - ملخص - ) وهكذا .. أو مقالة تكون فيها شخصية المتحدث وظروف الحديث أهم بكثير من الموضوع ذاته ، كحادث انقاذ طفل صدفة الاختطاف . وهذا النوع يتطلب مهارة وخبرة ، اذ يعتني الكاتب بوصف شخصية المتحدث والظروف المحيطة بالحديث . وبشيء من روح الفكاهة والخيال يمكن للصحفي ان يخلق من أي حديث جاف قصة جميلة تعجب القارئين . وفي ذلك يقول ادوارد برايس المراسل السابق لجريدة شيكاغو ديلي نيوز : « ان الناحية الانسانية هي التي يجب أن تستأثر باهتمام الصحفي حين يريد الحصول على هذا النوع من الحديث ، فهو يعلم ان الانفعالات العاطفية تظهر في صورة أفكار ، وان الافكار تترجم الى اعمال ، وان الاعمال التي تقرر مصير العالم . وعلى ذلك فان الانفعالات والعواطف والافكار هي العناصر التي ينبغي للمحرر أن يهتم بها وبإظهارها ليحصل قراؤه على معلومات جذابة ومسلية في هذا الموضوع »
تعليق