ماذا لو كان الجهل نعمة؟ يبدو الأمر كذلك في العالم الغريب المسمّى عالم الكمّ. قد لا يظهر أنّ لهذه السمة فائدة عمليّة كبيرة طالما أنّها محصورة في ذلك العالم. لكنّ هذا الأمر غير دقيق. ليس العالمان الكمّيّ والمعيوش بعيدين كثيراً، على الأقلّ في بعض المجالات حتى الآن. نحن نستفيد من "الجهل" في هذا المضمار بشكل شبه يوميّ. كيف؟
عن هذا السؤال يجيب فرانك ويلتشك في صحيفة "وول ستريت جورنال":
في رواية جورج أورويل "1984"، كان "الجهل قوة" شعاراً صادماً يجسّد نظاماً فاسداً وشريراً. ولكن بصيغة أكثر دقّة، "الجهل يمكن أن يكون قوة"، فهو شعار مناسب لبعض العلوم المتطوّرة. إذا استخدمنا الجهل بحكمة، فسيكون بالإمكان أن يصبح قوة عظمى تجعل حواسّنا أكثر حدّة وعقولنا أكثر سعة؛ من خلال أجهزة القياس وأجهزة الكمبيوتر، على التوالي.
هذه المفارقة الظاهرة متجذّرة في طبيعة الواقع الكمّيّ، الذي يفرض قيوداً أساسيّة على معرفتنا بخصائص أيّ جسم. بالنظر إلى معرفة نظريّة كاملة عن حالة جسم، يمكننا التنبّؤ باحتمالات مكان وجوده ومدى سرعة تحرّكه، إذا قمنا بقياس تلك الأشياء. لكن وفقًا لنظريّة الكمّ، عندما نضرب الغموض في الموضع المتوقّع بالغموض في الزخم المتوقّع، لا يمكن للناتج أن يقل عن حدّ محدّد. هذا هو مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ.
فنّ
لنفترض الآن أنّنا نرغب بقياس موضع جسم اختباريّ بدقة شديدة، حتى نتمكن من اكتشاف التشوّهات الصغيرة في الفضاء التي تسبّبها الموجات الثقالية. لتقليل الغموض في موقعه، مع تلبية قوانين هايزنبرغ، نحتاج إلى زيادة الغموض في زخمه. إنّ فنّ القيام بذلك يسمّى "الضغط"، وهو مجال بحث ساخن.
تكمن الصعوبة الرئيسيّة في صنع حواسيب كمّيّة جيّدة في إبقاء الطبيعة جاهلة بما تفعله. يعمل الكمبيوتر الكلاسيكيّ عبر سلسلة من "المواضع" المحدّدة، يتكوّن كلّ منها من سلسلة من 0 و1 تمثّل حالات ترانزستوراته. الكمبيوتر الكمّيّ، مثل الجسيم الكمّيّ، يسمح لجميع هذه المواضع بالتعايش.
يعدّ الغموض في الموضع ضروريّاً حتى يتمكّن الكمبيوتر من التحرّك بشكل موثوق، مع غموض بسيط في "الزخم"، لتنفيذ الخطوة التالية في برنامجه. إذا كشف الكمبيوتر عن غير قصد معلومات حول توزيعه للمواضع، فسيقلّل من غموض هذا التوزيع ويحقن بالضرورة الغموض في الزخم المقابل، وبالتالي يجعل تنفيذ البرنامج غير موثوق.
فكرة ملموسة
عندما بدأت بالتفكير لأوّل مرة في الاستفادة من الجهل في العالم الكمّيّ، اعتبرته إحدى السمات الخاصة الغريبة بذلك العالم. لكنّني أصبحت أراه فكرة أوسع بكثير تسلّط الضوء على أشياء كثيرة حول كيفيّة تعاملنا مع العالم اليوميّ.
فكّروا، على سبيل المثال، في ما يعنيه إدراك هويّة شخص ما. سيكون النمط الأساسيّ للفوتونات التي تصل إلى شبكيّة العين لدينا مختلفاً تماماً بالاعتماد على مكان وجود ذلك الشخص، وكيفيّة توجّهه، وما إذا كان محجوباً بشكل جزئيّ خلف أشياء أخرى، وما يرتديه والعديد من العوامل الأخرى. لكن في استنتاج "إنّها بيتسي"، اخترنا تجاهل كل ذلك، ومن الواضح أنّ هذا أمر مفيد للقيام به.
عن آدم وحوّاء
لماذا لا يكون لدينا جميعاً طبقة الصوت المثاليّة؟ ضمن آذاننا الداخليّة، نملك القليل من آلات البيانو المعكوسة التي تحرّك مفاتيح محدّدة (في الواقع، شعيرات متخصّصة) استجابة لنغمات محددة. المعلومات موجودة، لكنّ قلّة منّا تستطيع الوصول إليها. أولئك الذين ليس لديهم درجة صوت مثالية ربما "اختاروا" الجهل - بدون وعي، عندما تمّ تجهيز أدمغتنا - من أجل التركيز على العلاقات المفيدة بشكل عام.
عوقب آدم وحواء لأنهما أكلا من "شجرة معرفة الخير والشر". كيفما نظرتم إلى تلك القصة فهي تذكير حيويّ بأنّ الجهل خيار جدير بالاعتبار.