قلاوون الألفي
(620 ـ 689هـ/1223 ـ 1290م)
قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجمي أبو المعالي وأبو الفتوح السلطان الملك المنصور، أحد المماليك البحرية، اشتراه الأمير علاء الدين «آق سنقر» بألف دينار وهو مبلغ ضخم يدل على أهمية صاحبه ومايتمتع به من مواهب فعُرف بالألفي، وبعد موت سيده انتقل الى الملك الصالح نجم الدين أيوب، فأصبح لقبه الألفي العلائي الصالحي النجمي أبا الناصر محمد.
يعود أصل قلاوون إلى منطقة القبجاق الواقعة شمالي البحر الأسود وهو السابع بين الملوك الأتراك الذين حكموا مصر والرابع ممن مسّه الرق.
وعلى الرغم من أن المماليك لم يؤمنوا بمبدأ الوراثة للسلطة إلا أن أسرة قلاوون شّذت عن القاعدة واحتفظت بمنصب السلطنة لأكثر من قرن من الزمن، مما يعدّ حدثاً متميزاً بين المماليك، وهذا يدّل على أهمية ماقدمته هذه الأسرة من جهة، وعلى الالتفاف الشعبي حولها من جهة ثانية، وقد مثلّت هذه الفترة عصر الازدهار في دولة المماليك.
أخذ نجم الأمير قلاوون يرتقي بسرعة في أثناء الأحداث التي رافقت قيام سلطنة المماليك، فقد أصبح أحد زعماء البحرية البارزين. وقد غادر مصر إثر مقتل زعيم المماليك البحرية أقطاي في عهد ايبك، وعاد إليها زمن بيبرس في أثناء تصدّيه للمغول، وقد اعتمد عليه بيبرس في كثير من أعماله الحربية والسلمية. تقرّب إليه بيبرس بالمصاهرة فزوج ابنه الملك السعيد بركة من ابنة قلاوون غازية خاتون، ولكن هذه المصاهرة لم تنـه أحلام قلاوون بالسلطة وطموحاته وهو يرى أنه الأكفأ، وقبوله بسلطنة أحد زملائه لايعني بالضرورة القبول بسلطة ولده، ومع ذلك فقد اختار الطريق الدبلوماسي للوصول إلى السلطة وبطريقة مدروسة، وتدريجياً لما كان يتمتع به من ذكاء وبعـد نظر، ولم يحاول مساعدة صهره الملك السعيد عندما حاصره امراء المماليك، وإنما نصحـه بالتنحي عن السلطة، وقبل أن يكون أتابكاً للسلطان الجديد الأمير بدر الدين «سلامش» ابن السلطان بيبرس. وفي هذه الفترة مهدّ لنفسه الطريق للوصول إلى السلطة فعزل كثيراً من مماليك بيبرس ومن الولاة الذين عينّهم، وأحلّ محلهم مماليك موالين له، وتقرّب من زملائه وأحسن إليهم وتخلصّ من بعض منافسيه بإبعادهم عن مصر مثل الأمير شمس الدين سنقر فقد عيّنه نائباً للسلطنة في الشام. واستقر رأي زعماء المماليك على خلع سلامش وتولية سيف الدين قلاوون منصب السلطنة عام 678هـ/1279م. وُصف قلاوون بأنبل الصفات، فإلى جانب صفاته الشخصية كحسن الصورة وإكتمال الرجولة، فقد كان تام الشكل مستدير اللحية، عليه هيبة الملك ويتميز بالحشمة والسكينة والوقار. وفوق ذلك كان حليماًً عفيفًاَ في سفك الدماء كارهاً للأذى مهيبًا وشجاعًا.
تقرب قلاوون من العاّمة بطيب أعماله وأقام عدداً من المنشآت العمرانية، منها التربة بين القصرين، ومدرسة، وبيمارستان رتّبـه على منوال بيمارستان نور الدين محمود في دمشق. لم يسلم قلاوون من المؤامرات والفتن الداخلية فقد خرج عليه شمس الدين سنقر الأشقر نائب السلطنة بالشام، وأعلن نفسه ملكاً بإسم الملك الكامل، ولكنّه لم يلق التأييد من الشاميين ودخل في سلسلة من الصراعات مع السلطان قلاوون انتهت بخسارته، ومع ذلك عفا عنه المنصور وعينّه حاكماً على إقليم انطاكية، ونتيجة لمواقف المماليك الظاهرية منه؛ أنشأعصبية خاصة به من المماليك الذين اشتراهم ورباّهم تربية خاصة في أبراج القلعة، ولذلك عرفوا بالمماليك البرجية، واعتمد عليهم كثيراً لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية. وعلى الصعيد الخارجي، فقد تصدّى لجيش المغول بقيادة أبغا ابن هولاكو، وخاض ضدهم معركة فاصلة في ضواحي حمص انتهت بهزيمة المغول وانتصار المماليك نصراً كبيراًَ.
واغتنم فرصة ضعف الصليبيين وما يسببه وجودهم من خطر، فأنزل بهم ضربة قاصمة؛ إذ استولى على حصن المرقب وجبلة واللاذقية وحاصر طرابلس وفتحها وتهيأ لحصار عكا، ولكن المنيّة حالت دون ذلك فقد وافاه الأجل فجأة، ودفن في تربة بين القصرين لتنتقل السلطة بعده إلى ولده الأشرف خليل.
عبد الكريم العلي
(620 ـ 689هـ/1223 ـ 1290م)
قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجمي أبو المعالي وأبو الفتوح السلطان الملك المنصور، أحد المماليك البحرية، اشتراه الأمير علاء الدين «آق سنقر» بألف دينار وهو مبلغ ضخم يدل على أهمية صاحبه ومايتمتع به من مواهب فعُرف بالألفي، وبعد موت سيده انتقل الى الملك الصالح نجم الدين أيوب، فأصبح لقبه الألفي العلائي الصالحي النجمي أبا الناصر محمد.
يعود أصل قلاوون إلى منطقة القبجاق الواقعة شمالي البحر الأسود وهو السابع بين الملوك الأتراك الذين حكموا مصر والرابع ممن مسّه الرق.
وعلى الرغم من أن المماليك لم يؤمنوا بمبدأ الوراثة للسلطة إلا أن أسرة قلاوون شّذت عن القاعدة واحتفظت بمنصب السلطنة لأكثر من قرن من الزمن، مما يعدّ حدثاً متميزاً بين المماليك، وهذا يدّل على أهمية ماقدمته هذه الأسرة من جهة، وعلى الالتفاف الشعبي حولها من جهة ثانية، وقد مثلّت هذه الفترة عصر الازدهار في دولة المماليك.
أخذ نجم الأمير قلاوون يرتقي بسرعة في أثناء الأحداث التي رافقت قيام سلطنة المماليك، فقد أصبح أحد زعماء البحرية البارزين. وقد غادر مصر إثر مقتل زعيم المماليك البحرية أقطاي في عهد ايبك، وعاد إليها زمن بيبرس في أثناء تصدّيه للمغول، وقد اعتمد عليه بيبرس في كثير من أعماله الحربية والسلمية. تقرّب إليه بيبرس بالمصاهرة فزوج ابنه الملك السعيد بركة من ابنة قلاوون غازية خاتون، ولكن هذه المصاهرة لم تنـه أحلام قلاوون بالسلطة وطموحاته وهو يرى أنه الأكفأ، وقبوله بسلطنة أحد زملائه لايعني بالضرورة القبول بسلطة ولده، ومع ذلك فقد اختار الطريق الدبلوماسي للوصول إلى السلطة وبطريقة مدروسة، وتدريجياً لما كان يتمتع به من ذكاء وبعـد نظر، ولم يحاول مساعدة صهره الملك السعيد عندما حاصره امراء المماليك، وإنما نصحـه بالتنحي عن السلطة، وقبل أن يكون أتابكاً للسلطان الجديد الأمير بدر الدين «سلامش» ابن السلطان بيبرس. وفي هذه الفترة مهدّ لنفسه الطريق للوصول إلى السلطة فعزل كثيراً من مماليك بيبرس ومن الولاة الذين عينّهم، وأحلّ محلهم مماليك موالين له، وتقرّب من زملائه وأحسن إليهم وتخلصّ من بعض منافسيه بإبعادهم عن مصر مثل الأمير شمس الدين سنقر فقد عيّنه نائباً للسلطنة في الشام. واستقر رأي زعماء المماليك على خلع سلامش وتولية سيف الدين قلاوون منصب السلطنة عام 678هـ/1279م. وُصف قلاوون بأنبل الصفات، فإلى جانب صفاته الشخصية كحسن الصورة وإكتمال الرجولة، فقد كان تام الشكل مستدير اللحية، عليه هيبة الملك ويتميز بالحشمة والسكينة والوقار. وفوق ذلك كان حليماًً عفيفًاَ في سفك الدماء كارهاً للأذى مهيبًا وشجاعًا.
تقرب قلاوون من العاّمة بطيب أعماله وأقام عدداً من المنشآت العمرانية، منها التربة بين القصرين، ومدرسة، وبيمارستان رتّبـه على منوال بيمارستان نور الدين محمود في دمشق. لم يسلم قلاوون من المؤامرات والفتن الداخلية فقد خرج عليه شمس الدين سنقر الأشقر نائب السلطنة بالشام، وأعلن نفسه ملكاً بإسم الملك الكامل، ولكنّه لم يلق التأييد من الشاميين ودخل في سلسلة من الصراعات مع السلطان قلاوون انتهت بخسارته، ومع ذلك عفا عنه المنصور وعينّه حاكماً على إقليم انطاكية، ونتيجة لمواقف المماليك الظاهرية منه؛ أنشأعصبية خاصة به من المماليك الذين اشتراهم ورباّهم تربية خاصة في أبراج القلعة، ولذلك عرفوا بالمماليك البرجية، واعتمد عليهم كثيراً لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية. وعلى الصعيد الخارجي، فقد تصدّى لجيش المغول بقيادة أبغا ابن هولاكو، وخاض ضدهم معركة فاصلة في ضواحي حمص انتهت بهزيمة المغول وانتصار المماليك نصراً كبيراًَ.
واغتنم فرصة ضعف الصليبيين وما يسببه وجودهم من خطر، فأنزل بهم ضربة قاصمة؛ إذ استولى على حصن المرقب وجبلة واللاذقية وحاصر طرابلس وفتحها وتهيأ لحصار عكا، ولكن المنيّة حالت دون ذلك فقد وافاه الأجل فجأة، ودفن في تربة بين القصرين لتنتقل السلطة بعده إلى ولده الأشرف خليل.
عبد الكريم العلي