بدوي (احمد)
Al-Badawi (Ahmad-) - Al-Badawi (Ahmad-)
البدوي (أحمد ـ)
(596 ـ 675هـ/1199 ـ 1276م)
أحمد بن علي بن إبراهيم البدوي، ينتهي نسبه إلى زين العابدين بن الحسين بن علي، وهو شيخ الطريقة الصوفية الأحمدية بمصر.
ولد بمدينة فاس بالمغرب وكان سابع إخوته، وكان أجداده قد هاجروا إلى بلاد المغرب، واستقروا بفاس إلى أن اضطربت الأحوال في البلاد بين الموحدين وبقايا المرابطين الذين كانت أسرة البدوي من أنصارهم، واضطرت الأسرة إلى الرحيل إلى بلاد أكثر أمناً، فقصدت الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 603هـ/1206م، ولم يكن أحمد قد أتم السابعة من عمره، ولقي أفراد الأسرة ترحاباً من القبائل العربية حيثما حلّوا في أثناء سفرهم. وقد مرّوا بمصر فأقاموا في بعض أنحائها في عهد الملك العادل الأيّوبي (592-615هـ).
واستقرت الأسرة في مكة بعد رحلة دامت خمس سنوات، وعاشت حياة كريمة رغدة، وهناك تربى أحمد تربية دينية على عادة أبناء الأشراف، فحفظ القرآن وتعلم القراءات وتفقه في الدين على المذهب الشافعي، وكان أخوه الكبير حسن من الصوفية.
مال أحمد إلى الزهد منذ صغره، واشتهر إلى ذلك بالشجاعة والجرأة، وكان كعادة المرابطين، يضع اللثام على وجهه.
أخذ أحمد بالصيام والتعبد ليل نهار منذ بلوغه مبلغ الرجال ومال إلى العزلة، فكان يتردد على مغارة في جبل أبي قبيس قرب مكة، يتعبد وحيداً، ويفكر في حاضره ومستقبله. وقد أثّر فيه موت أبيه ثم موت أخيه الأوسط، وغدا لذلك بادي الكآبة والصمت، لا يفصح عمّا يرغب فيه إلا بالإشارة ومن هنا جاء لقبه «الصمّات».
وفي سنة 634هـ/1236م رحل مع أخيه حسن إلى العراق تحدوه إلى السفر آمال كبيرة إلا أنه لم يوفق فيما رمى إليه من هذه الرحلة. فشدّ الرحال إلى مدينة طنطا في مصر وحمل معه كتاب نسب أسرته.
اعتاد أحمد منذ نزوله طنطا أن يجلس على سطح منزله، على عادة سكان البطائِح، وكان إذا بلغ مرحلة الوجد صاح صياحاً عالياً فيسمعه كل من بالقرية وسكان القرى المجاورة، ثم يأخذ بالبكاء ويتطلع إلى السماء. وقد يمتنع عن الزاد والشراب مدة تقارب أحيانا أربعين يوماً.
وفي طنطا ذاعت شهرته وتجمع حوله المريدون، وفوق السطح عاش مع مريديه الذين لقبوا في البدء «بالسطوحيين»، وقام هؤلاء المريدون بنشر أفكاره وطريقته في القرى والمدن.
كان أحمد البدوي من الروّاد القلائل في عالم المتصوفة الذين انتشرت طريقتهم في الشرق الإسلامي. وقد استندت مبادئ الطريقة الأحمدية إلى القرآن الكريم والسنة والشريعة وشددت على مكارم الأخلاق. وكان يردد «التصوف أخلاق، فمن زاد عليك خُلُقاً زاد عليك تصوفاً». وكان ينسب إلى الصوفية السنة المعتدلين، ويميل إلى مدرسة الإمام الغزالي[ر]. وهو يرى أن التصوّف رسم للسيرة الفاضلة، وأن كل مايعتمد عليه هو طاعة الله والزهد في الدنيا ليصل الطائع بسلوكه وعمله إلى رضى الله ومحبته، ولم يكن أحمد يؤمن بالحلول أو بوحدة الوجود، لذلك كان يقول لمريديه: «فكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا». وقد ألح في التصوف على البساطة القرآنية والوضوح والسلوك الأخلاقي، وكان له أثر كبير في تأكيد مدرسة الغزالي وتطبيقها عملياً.
لقبه مريدوه ألقاباً تدلّ على صفاته الخُلُقية والخَلقية التي اشتهر بها ومنها، «السيّد» لأنه كان ينتسب إلى آل البيت، و«البدوي» نسبة إلى سكن أسرته في بادية المغرب قبل أن تنتقل إلى فاس، و«الملثم» و«الفتى» وهو لقب مرتبط بالفتوة. كما لقّب «بالزاهد» و«القدسي» و«الصمّات» و«الولي» و«مجيب الأسارى».
عاش أحمد البدوي في طنطا نحو أربعين سنة ولم يتزوج. وتوفي وهو في قمة الشهرة، وغدا قبره مزاراً لأعداد كبيرة من المصريين في المواسم الدينية والأعياد خاصة.
ومع ما كان للسيد البدوي من تأثير روحي شعبي فإن آثاره الفكرية والأدبية ضئيلة، منها دعاء خاص بالطريقة الأحمدية، ومجموعة أدعية ووصايا وجهها إلى تلميذه وخليفته عبد العال الذي حمل الطريقة الأحمدية بعده، وهي أقوال وعظات عامة استقيت منها هذه الطريقة.
كتب كثيرون عن شخصية البدوي، قديماً وحديثاً، كالمقريزي والعسقلاني، وجلال الدين السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة»، والحنبلي في «شذرات الذهب». أما الشعراني فقد أفرد لأحمد البدوي في الجزء الأول من «طبقاته» فصلاً طافحاً بالتبجيل والإكرام، غير أنه أورد الكثير من الخرافات والأساطير عن شخصية البدوي.
ولعل أوسع ما كتب في أحمد البدوي كتاب: «الجواهر السنيّة في الكرامات الأحمدية» لعبد الصمد زين الدين، من القرن الحادي عشر الهجري، جامعاً كل ما كتب قبله عن البدوي وكل ما سمع من الأخبار المأثورة عنه. وهناك كتب أخرى عنه. وقد نُظمت فيه قصائد ذيل بها عبد الصمد زين الدين كتابه ورتبها على حروف المعجم. ويضاف إلى ما تقدم عدد من القصص الشعبية التي لا يعرف مؤلفوها.
نهلة الحمصي
Al-Badawi (Ahmad-) - Al-Badawi (Ahmad-)
البدوي (أحمد ـ)
(596 ـ 675هـ/1199 ـ 1276م)
أحمد بن علي بن إبراهيم البدوي، ينتهي نسبه إلى زين العابدين بن الحسين بن علي، وهو شيخ الطريقة الصوفية الأحمدية بمصر.
ولد بمدينة فاس بالمغرب وكان سابع إخوته، وكان أجداده قد هاجروا إلى بلاد المغرب، واستقروا بفاس إلى أن اضطربت الأحوال في البلاد بين الموحدين وبقايا المرابطين الذين كانت أسرة البدوي من أنصارهم، واضطرت الأسرة إلى الرحيل إلى بلاد أكثر أمناً، فقصدت الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 603هـ/1206م، ولم يكن أحمد قد أتم السابعة من عمره، ولقي أفراد الأسرة ترحاباً من القبائل العربية حيثما حلّوا في أثناء سفرهم. وقد مرّوا بمصر فأقاموا في بعض أنحائها في عهد الملك العادل الأيّوبي (592-615هـ).
واستقرت الأسرة في مكة بعد رحلة دامت خمس سنوات، وعاشت حياة كريمة رغدة، وهناك تربى أحمد تربية دينية على عادة أبناء الأشراف، فحفظ القرآن وتعلم القراءات وتفقه في الدين على المذهب الشافعي، وكان أخوه الكبير حسن من الصوفية.
مال أحمد إلى الزهد منذ صغره، واشتهر إلى ذلك بالشجاعة والجرأة، وكان كعادة المرابطين، يضع اللثام على وجهه.
أخذ أحمد بالصيام والتعبد ليل نهار منذ بلوغه مبلغ الرجال ومال إلى العزلة، فكان يتردد على مغارة في جبل أبي قبيس قرب مكة، يتعبد وحيداً، ويفكر في حاضره ومستقبله. وقد أثّر فيه موت أبيه ثم موت أخيه الأوسط، وغدا لذلك بادي الكآبة والصمت، لا يفصح عمّا يرغب فيه إلا بالإشارة ومن هنا جاء لقبه «الصمّات».
وفي سنة 634هـ/1236م رحل مع أخيه حسن إلى العراق تحدوه إلى السفر آمال كبيرة إلا أنه لم يوفق فيما رمى إليه من هذه الرحلة. فشدّ الرحال إلى مدينة طنطا في مصر وحمل معه كتاب نسب أسرته.
اعتاد أحمد منذ نزوله طنطا أن يجلس على سطح منزله، على عادة سكان البطائِح، وكان إذا بلغ مرحلة الوجد صاح صياحاً عالياً فيسمعه كل من بالقرية وسكان القرى المجاورة، ثم يأخذ بالبكاء ويتطلع إلى السماء. وقد يمتنع عن الزاد والشراب مدة تقارب أحيانا أربعين يوماً.
وفي طنطا ذاعت شهرته وتجمع حوله المريدون، وفوق السطح عاش مع مريديه الذين لقبوا في البدء «بالسطوحيين»، وقام هؤلاء المريدون بنشر أفكاره وطريقته في القرى والمدن.
كان أحمد البدوي من الروّاد القلائل في عالم المتصوفة الذين انتشرت طريقتهم في الشرق الإسلامي. وقد استندت مبادئ الطريقة الأحمدية إلى القرآن الكريم والسنة والشريعة وشددت على مكارم الأخلاق. وكان يردد «التصوف أخلاق، فمن زاد عليك خُلُقاً زاد عليك تصوفاً». وكان ينسب إلى الصوفية السنة المعتدلين، ويميل إلى مدرسة الإمام الغزالي[ر]. وهو يرى أن التصوّف رسم للسيرة الفاضلة، وأن كل مايعتمد عليه هو طاعة الله والزهد في الدنيا ليصل الطائع بسلوكه وعمله إلى رضى الله ومحبته، ولم يكن أحمد يؤمن بالحلول أو بوحدة الوجود، لذلك كان يقول لمريديه: «فكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا». وقد ألح في التصوف على البساطة القرآنية والوضوح والسلوك الأخلاقي، وكان له أثر كبير في تأكيد مدرسة الغزالي وتطبيقها عملياً.
لقبه مريدوه ألقاباً تدلّ على صفاته الخُلُقية والخَلقية التي اشتهر بها ومنها، «السيّد» لأنه كان ينتسب إلى آل البيت، و«البدوي» نسبة إلى سكن أسرته في بادية المغرب قبل أن تنتقل إلى فاس، و«الملثم» و«الفتى» وهو لقب مرتبط بالفتوة. كما لقّب «بالزاهد» و«القدسي» و«الصمّات» و«الولي» و«مجيب الأسارى».
عاش أحمد البدوي في طنطا نحو أربعين سنة ولم يتزوج. وتوفي وهو في قمة الشهرة، وغدا قبره مزاراً لأعداد كبيرة من المصريين في المواسم الدينية والأعياد خاصة.
ومع ما كان للسيد البدوي من تأثير روحي شعبي فإن آثاره الفكرية والأدبية ضئيلة، منها دعاء خاص بالطريقة الأحمدية، ومجموعة أدعية ووصايا وجهها إلى تلميذه وخليفته عبد العال الذي حمل الطريقة الأحمدية بعده، وهي أقوال وعظات عامة استقيت منها هذه الطريقة.
كتب كثيرون عن شخصية البدوي، قديماً وحديثاً، كالمقريزي والعسقلاني، وجلال الدين السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة»، والحنبلي في «شذرات الذهب». أما الشعراني فقد أفرد لأحمد البدوي في الجزء الأول من «طبقاته» فصلاً طافحاً بالتبجيل والإكرام، غير أنه أورد الكثير من الخرافات والأساطير عن شخصية البدوي.
ولعل أوسع ما كتب في أحمد البدوي كتاب: «الجواهر السنيّة في الكرامات الأحمدية» لعبد الصمد زين الدين، من القرن الحادي عشر الهجري، جامعاً كل ما كتب قبله عن البدوي وكل ما سمع من الأخبار المأثورة عنه. وهناك كتب أخرى عنه. وقد نُظمت فيه قصائد ذيل بها عبد الصمد زين الدين كتابه ورتبها على حروف المعجم. ويضاف إلى ما تقدم عدد من القصص الشعبية التي لا يعرف مؤلفوها.
نهلة الحمصي