أحلام مستغانمي روائية قبضت على مفاتيح الثورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحلام مستغانمي روائية قبضت على مفاتيح الثورة

    أحلام مستغانمي روائية قبضت على مفاتيح الثورة


    في كل ما كتبته أحلام مستغانمي كانت تؤسس لتاريخ مرتجل يصنف علاقة المرأة بالرجل باعتبارها خيارا خطرا.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    مفاجأة الرواية العربية

    قبل روايتها “ذاكرة الجسد” كانت أحلام مستغانمي قد أصدرت كتابين هما “على مرفأ الأيام” عام 1972 و”أحلام سمجة” عام 1993. أن تكون شاعرة ذلك كان حلمها الذي اجتهدت من أجل الوصول إليه من خلال تطوير ملكتها اللغوية، لكنها ستضع تلك الملكة في خدمة السرد الروائي بدلا من الشعر.

    فتحت روايتها الأولى أمامها طريقا لشهرة لم تتوقعها. عصفت “ذاكرة الجسد” بالمشهد الثقافي في العالم العربي. نظر إليها المثقفون والناس العاديون باعتبارها حجرا حرك المياه الراكدة. زاوجت مستغانمي بين لغة رفيعة وموضوع مسكوت عنه. كانت كمَن تضرب على مفاتيح بيانو وهي تحوك سجادة حكاياتها المتلاحقة التي انفتحت من خلالها على حقائق يفضل الكثيرون ومنهم السياسيون أن تبقى في العتمة ليلتقطها التاريخ في ما بعد وهي مادة جافة.
    الوجه الآخر للحقيقة



    مستعينة بالعاطفة استعادت الكاتبة التاريخ باعتباره مادة حية، ضربا من الصراع بين صنوف مختلفة من البشر


    استعادت الكاتبة التاريخ باعتباره مادة حية، ضربا من الصراع بين صنوف مختلفة من البشر، غير أن الكاتبة حين استعانت بالعاطفة لتكون مرشدها في التفكير أعادت النظر في الوقائع كما لو أنها لم تتعرف عليها من قبل. ما قالته بين السطور كان صادما. وهو ما جعل القراء يكتشفون في تلك الرواية وجها آخر للحقيقة. الحقيقة التي كان الكثيرون يخشون أن يمدوا أصابعهم إلى حافة ظلها.

    الرواية التي حازت على جائزة “نجيب محفوظ” صدرت بأكثر من عشرين طبعة. وهو رقم لم تصل إليه أكثر الروايات العربية شهرة وفي مقدمتها “موسم الهجرة إلى الشمال” للسوداني الطيب صالح.

    في كل ما كتبته أحلام مستغانمي كانت تؤسس لتاريخ مرتجل يصنف علاقة المرأة بالرجل باعتبارها خيارا خطرا، وهي في ذلك إنما تتبع إيقاع لغتها المتوترة. خلقت الكاتبة معادلة حياة تقوم على الشعر. كل ما فعلته إنما يصدر عن تداول شعري لمفردات الحياة. وهو ما عبأ كلماتها بالإلهام الذي التقطه قراؤها الذين تمكنوا بفضل ما قالته من قياس المسافة التي تفصل بين الواقع وخياله أو بين الخيال وواقعه بالقوة نفسها بالرضا نفسه.
    سيدة أحلامها


    كل رواية منها كانت حدثا غير أن أحلام نفسها كانت الحدث الذي زلزل الرواية العربية لا لشيء إلا لأنها (أي أحلام) لم تخترع شيئا شعريا إلا وكانت قد استعارت مادته من الواقع. هي سيدة واقعها مثلما هي سيدة أحلامها.

    لقد تمنى الكثيرون حسدا أن ينحصر الاهتمام بروايات مستغانمي بالمراهقين، كما فعلوا في وقت سابق مع نزار قباني. كان ذلك نوعا من الهراء المريض.

    اهتمت مستغانمي بالسياسة ولم تكتب روايات سياسية واهتمت بالجسد ولم تكتب روايات جنسية. وليست رواياتها خليطا من السياسة والجنس. ذلك لأنها تخلق تاريخا مجاورا قوامه علاقة المرأة بالرجل كونها بنية تاريخية.

    صنعت مستغانمي من الكتابة مختبرا لما لا يرغب الكثيرون في أن يكونوا عينات فيه. واجهت بتمردها جهامة المجتمع وكسرته لتقول كلمتها.

    ولدت أحلام محمد الشريف مستغانمي في تونس عام 1952. بعد الاستقلال عام 1962 انتقلت مع عائلتها للعيش في بلدها الجزائر. في سبعينات القرن الماضي ذهبت إلى باريس للدراسة ونالت شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون.

    في بداياتها عملت في الإذاعة الجزائرية وخلق لها برنامجها “همسات” شهرة كشاعرة. أصدرت أول كتاب لها عام 1972 ويحمل عنوان “على مرفأ الأيام”.

    نشرت عام 1993 روايتها “ذاكرة الجسد” هي الجزء الأول من ثلاثية ضمت “فوضى الحواس” و”عابر سرير”. عام 2023 أصدرت سيرتها الروائية “أصبحت أنت”.

    روائية وشاعرة وكاتبة مقال صحفي. أصدرت في مجال الكتابة الصحفية كتابا بعنوان “قلوبهم معنا وقنابلهم علينا” وهي تعيش في بيروت.
    جغرافيا الجسد والثورة



    أحلام مستغانمي ليست كاتبة المراهقين فقط


    استُقبلت روايتها الأولى “ذاكرة الجسد” بطريقة استثنائية. فرح بها القراء، الأمر الذي دفع ببعض المثقفين إلى التقليل من قيمتها الروائية التي فاجأتهم. فهي وإن كانت قد كتبت عن الثورة فإنها رسمت للحب والجنس خرائط لم يرسمها روائي عربي من قبل.

    تؤسطر مستغانمي كل ما يقع تحت يديها. وحبرها يظل نضرا لا ينشف وهي تتعامل مع الثورة والحب من غير أقنعة وتُسمي الأشياء بأسمائها.

    حدث ذلك أم لم يحدث. فجرت مستغانمي البداهات المسبقة ولم تكن لديها وصفة جاهزة للكتابة وقد هيأت نفسها للتنقيب في أرض، غادرتها الأغلبية كما لو أنها ماض ينبغي عدم استعادته أو النبش فيه. قالت أشياء مسكوتا عنها كان يجب أن لا تقال. بلغة متوترة، مشدودة، من غير فائض ولا ثرثرة حركت المياه الراكدة بعصا خيالها. وقفت بحساسيتها الشعرية أمام أنقاض حكايات لتعيد لها الحياة.

    كانت “ذاكرة الجسد” عملا مدهشا وساحرا، لا لأنه امتلك أدوات الرواية وتمكن من أسلوب كتابتها فحسب، بل وأيضا لأنه فاض ببوحه وهذيانه والحقائق التي انطوى عليها فلم يقف على السطح بل غاص عميقا في ما قدمه من تحليل لشخصيات مضطربة هي مرآة لما حدث وهي الأصل في ما انتهينا إليه جماعات وأفرادا. بلغة السياسة يمكن اعتبار تلك الرواية ثورة داخل الثورة.

    ~مستغانمي صنعت من الكتابة مختبرا لما لا يرغب الكثيرون في أن يكونوا عينات فيه مواجهة بتمردها جهامة المجتمع
    لكن الحب ينتصر


    بما أن أحلام مستغانمي قد أكملت ثلاثيتها من خلال “فوضى الحواس” و”عابر سرير” فإنها كشفت أن الواقع يمكن أن يكون عابرا وما تبقى هو الكتابة.

    ما حدث سلبا وإيجابا كان جزءا من الثورة التي عاشت فصولها طقسا عائليا بسبب ارتباط والدها بها غير أن الكتابة وهي طقس مختلف تنبعث من مكان آخر، تكون فيه الهزائم والآمال والخيبات والانتصارات والحقيقة والمكائد والمسرات والآلام خلاصة تجربة فردية، ليس من اليسير القفز عليها.

    وبالرغم من أن الكاتبة عالجت موضوعا فيه الكثير من السمات الشعبية غير أن رواياتها احتفظت بمسافة تفصل ما بينها وبين ذلك الفخ. تلك هي المسافة التي تفصل بين الداخل والخارج. وكلا الجانبين يتعرضان للمساءلة، الجزء الأكبر منها تاريخي، هناك حيث يكمن الألم. أما الجزء العاطفي فقد كان بمثابة المركب الذي صنعته مستغانمي من ألواحا الشخصية. كتبت أحلام على جدار الثورة قصيدة غرامها التي تؤكد مرورها.

    “كنا نريد وطنا نموت من أجله، صار لنا وطن نموت على يده”، ذلك ما كتبته أحلام مستغانمي في روايتها “الأسود يليق بك”. كتبت خارج قيود الرقابة. كتبت لكي لا تكون كذلك. وكتبت أيضا من أجل أن تحرر قراءها من وهم الرقابة.

    لم تكن الثورة في رواياتها تقع على الأرض فحسب، بل وأيضا على خرائط الجسد. فكرة الثورة تقع في حين يوازن المرء بين ذاته والعالم. سيأخذ الإنسان المكان معه إلى حيث يشاء ويستبدل المعاني بأخرى كما لو أنه يبدأ من جديد. لقد هدمت مستغانمي الكثير من المقولات السابقة لتقول لنا إن ما حسبناه حرية كان خرابا. ولكن الحب ينتصر.


    كاتبة واجهت تاريخا كاملا بالسرد والشعر




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X