الإعلام في طليعة هندسة الجهل لبناء سوق عالمي موحد
الخطاب الإعلامي الاستهلاكي خطاب عنيف ومتلون لتوحيد الثقافات.
الأحد 2023/09/03
صهر العالم استهلاكيا ودمجه ثقافيا
بات واضحا ما خلفته العولمة من نتائج ملموسة في توجهاتها الجديدة في العقود الأخيرة، إذ ألغيت الحدود بين الثقافات وباتت الشعوب تتجه شيئا فشيئا إلى ثقافة واحدة موحدة يجمعها مبدأ الاستهلاك. وفي هذا كان لوسائل الإعلام والتلاعب دور كبير فاعل ومؤثر.
إذ كانت خطة الهيمنة الاقتصادية والسياسية والإعلامية تقوم على ضرب الاقتصاد، ولكنه ليس ضربا للقمة العيش كما يتوقع البعض، فالتطور الاقتصادي العالمي عزز إمكانية توافر الغذاء البسيط لأغلب الشعوب؛ إذا لم يتم استهدافه من قبل الاقتصاد، وهو اقتصاد الرفاهية الذي باتت شعوب المنطقة تتوق إليه بتعطش شديد، هو اقتصاد لكم آليات التطور المدني والحضاري.
ومن هنا جاءت الأطروحة التي نحاول التوقف عندها، العلاقة الرابطة بين الإعلام والاستهلاك، كما تمظهرت في النتيجة المتمخضة عنهما “ثقافة الاستهلاك”، والتي تحولت إلى سلوك يظهر بشكل واضح واتجاهات شتى في الثقافة والاجتماع.
الإعلام والأخلاق
يدفعنا الخوض في الموضوع إلى تأطير مقالنا في أن نحاول أن نقارب ثلاثة أبعاد في الإعلام نجدها متقاربة بل متضامنة معا، وهي:
◙ غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة وداعمة باتجاه ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة والفضاء المفتوح
الأول: أخلاقيات الإعلام ورهانات الواقع المعاش. الثاني: صناعة الجهل جزء من إلهاء الناس. والثالث: الإعلام ودوره في صناعة الاستهلاك وثقافته.
ومن الممكن أن نضع لها ثلاث كلمات مفتاحية تجعلها تبدو أكثر تقاربا وهي: “أخلاقيات الإعلام”، “صناعة الجهل”، “ثقافة الاستهلاك”. بالتأكيد هذه الكلمات قد تدفع المتلقي إلى إثارة مجموعة من الأسئلة المترابطة بين تلك المفاهيم.
ما هو الرابط بين الأخلاق الإعلامية والجهل والاستهلاك؟ لا شك أن الرابط كبير في ظل غياب المعايير القيمية عن المؤسسات الإعلامية يجعل منها مجرد مؤسسات تحاول أن تخدم قيما نفعية، وهذا هو هدفها الأول ولا بد ساعتها من التآزر بين الجهل المصطنع والاستهلاك.
طبعا هذا السلوك المجتمعي وما يقدمه من منظومة قيم ترتبط بالإعلام؛ لأنه النبع الذي يخلق أشكالها على صعيد السلوك والممارسة، فالإعلام أصبح يمتلك حضورا كبيرا في تخليق السلوكيات الفردية عبر خلق أشكال من السلوك وإشاعتها والتي من المعتقد أنها قائمة على إثارة النزوات والعواطف والتلاعب بها من أجل دفعها إلى تقليد نماذج اجتماعية للمشاهير كـ(أبطال كرة القدم أو الممثلين أو غيرهم من المشاهير) وقد حولهم الإعلام الاستهلاكي إلى نماذج صالحة للتقليد والاقتداء بها على صعيد الاستهلاك والاقتناء.
العلاقة بين الأخلاق والإعلام علاقة أصيلة في الثقافة المعاصرة، إلا أن هناك تباينا، فإذا كانت الأخلاق تنتمي إلى عالم الفلسفة والمثال، فإن الإعلام منخرط في عالم الواقع؛ فإذا كان هذا يبدو وكأنه تباين واختلاف بين الواقعي والمثالي؛ إلا أن القول بالفصل بينهما يجعل من الإعلام أداة بيد السلطة سواء أكانت السلطة السياسية أم رأس المال، ساعتها يتحول الإعلام إلى أداة باطشة لصالح النظم الحاكمة ورأس المال، وأن يكون وسيلة لتزييف الوعي أو هيمنة الخطاب السلعي الاستهلاكي في ظل هيمنة رأس المال، بدلا من إنارة العقل، وترسيخ الاستبداد بدلا من إشاعة الحرية والديمقراطية.
ومن هنا ضرورة أن يكون “علم الأخلاق” هو علم يبحث في المثال، وما يجب أن يكون؛ سعيا للارتقاء بعالم الواقع، وما هو كائن بالفعل.
وهناك من يريد أن يستبدل الأخلاق بالقانون بوصفه قريبا من الواقع فهو “يحاول أن يعالج الواقع عبر مجموعة قواعد التصرف التي تجيز حدود العلاقات والحقوق بين الناس والمنظمات، وتحددها، والعلاقة التبادلية بين الفرد والدولة؛ فضلا عن العقوبات لأولئك الذين لا يلتزمون بالقواعد المؤسسة للقانون”. لكن هذا لا يكفي فلا بد من وجود الأخلاق وهي بمثابة القانون فهي منوطة بالضمير؛ القانون يخاطب الظاهر والعلاقات المادية، بينما الأخلاق تخاطب الباطن والدوافع النفسية.
ومن ناحية أخرى فإن الترابط بين الإعلام وبين الأخلاقيات المهنية، يتبين عن طريق الدور التربوي والتثقيفي الذي يؤديه الإعلام كونه جزءا من وظائفه العامة والشاملة، لذا تمثل الأخلاقيات بصفة عامة أحد الأبعاد المهمة في مفهوم التربية والثقافة، إذ تدخل الأخلاقيات المهنية في مجالي التربية والثقافة، وذلك من خلال غرس القيم المثالية والأخلاقيات المهنية وقضاياها في المجتمع، وترجمتها إلى سلوكيات تمارس في الحياة، أي بتحويل الأخلاقيات إلى ثقافة سلوك داخل المجتمع.
ومن الممكن النظر إلى أخلاقيات المهنة في الإعلام التي تكون بحاجة إلى تدريب حتى يكون الإعلامي بعيدا عن التحيز ودقيقا في توصيفاته الإعلامية؛ من أجل توافر التوازن في القضايا والآراء وعلى العكس من مجموعة واسعة من الآراء واستكشاف وجهات نظر متعارضة وضمان عدم إغفال أيّ فكرة مهمة من أن تمثل. من خلال السماح بحق الرد وانطلاقا من هذه الجوانب الأخلاقية يبدو أن العلاقة بين الأخلاق والإعلام علاقة عميقة؛ وهذا على العكس من رأي النقاد الذين يدعون الفصل بين الاثنين.
◙ غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة
أما دعاة الوصل فيجدونهما مترابطين للأسباب الآتية: الأول: أن الأخلاق من صفاتها: العموم والشمول، إذ من الصعب أن نجد مجالا يمكن أن نقول عنه إن الأخلاق لا تشمله، ولا تعرف عليه سلطانا.
الثاني: أن الإعلام تمتد خيوطه لتنسج علاقات متينة مع جميع فئات المجتمع والمراحل العمرية المختلفة لأفراده؛ وما لم يرتبط الإعلام حينئذ بالأخلاق فإن نسيج المجتمع وقيمه سيكونان مهددين بالانهيار من دون شك!
أما السبب الثالث، فهو أن صناعة الإعلام ترتبط بشكل كبير بالسلطة الحاكمة، وبخاصة في عالمنا العربي، وإذا ترك الإعلام من دون أخلاقيات وضوابط تنظم مساره، فإنه سيكون مطية للنظام الحاكم وبوقا له، إذ لا يقل تأثيره في تزييف الوعي عن سوط هذا النظام وبطشه المادي!
فمراعاة الجانب الأخلاقي ضرورية؛ لكن أيضا من الضرورة التمييز بين الرأي والواقع. وهذا يقتضي مناقشة الأمور بسلاسة وحيادية على أساس المساواة والحيادية. لكن مع التغيرات التي شملت الإعلام وما أثير من إشكاليات نحن بصدد التحدث عنها في هذا المقال؛ إذ أصبح نطاق الاهتمام بأخلاقيات الإعلام أكثر اتساعا مع ظهور الإعلام الجديد ودخول أطراف جديدة ومؤثرة في المحتوى من عموم مستعملي الشبكة من غير الإعلاميين. وما يجري على الصعيد العالمي إذ يتم التلاعب وإعادة إنتاج كل شيء؛ فإذا ما نظرنا إلى صناعة الصورة والصوت والكلمة على أنها من فعل الفاعل الأيديولوجي الذي يمضي ليمارس أفكاره وأهواءه في حقوله المفتوحة على قابليات لا حصر لها في ظل تغول “الميديا” المعاصرة فهي الجسم التكنولوجي الذي تتحرك الأيديولوجيا من خلاله. وما ينطبق على ثنائية الأيديولوجيا والإعلام يصح كذلك على ثنائية الأخلاق والإعلام “وما دام الخطاب – والتاريخ ما فتئ يعلمنا ذلك – ليس هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة وحسب؛ لكنه هو ما نصارع من أجله وما نصارع به، وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها” (ميشيل فوكو، نظام الخطاب، 10).
صناعة الجهل والتضليل
◙ الإعلام في خدمة رجل المال والسياسة
السلطة طوعت المعرفة والتقنية من أجل فرض هيمنتها على الإعلام وجعلت منه أداة تغيير في السياسة والاقتصاد والفكر والفن والثقافة، بل أصبح الإعلام لدى الدولة في حربها الناعمة هو المحور والمحرك والمحرض، في ما تختلقه وما تحوز عليه إذ يعبر عن رغبتها العميقة في تقنيات الاستحواذ والهيمنة.
وهي “تتخذ من آليات التجهيل وفرض القيم المغلوطة والمتدنية في المستوى المادي والفكري من أجل غواية الجمهور وإثارة غرائزه ثم اتخاذ هذه الإثارة والإقبال وارتفاع المشاهدة والمتابعة، بوصفه دليلا على النجاح بحد ذاته، (والتر ريستون، القضية والسيادة)، حتى أصبحت تلك الرؤية كما تتجلى في المسابقات والألعاب المتلفزة التي تلوح بإغراء الحصول على المال بسهولة؛ وصولا إلى الأخبار التي تخضعنا إلى تأمل كوارث العالم بغباء؛ مرورا بأفلام الصور المتحركة اليابانية، وهي كلها تنحو بانتهازيتها التجارية إلى جعل الجمهور كالأطفال، من دون تقديم ما يساعدهم على فهم نهاية الألفية الثانية إلا بالجرعات التي تعالج الداء بالداء وبعد الحادية عشرة ليلا (أي الأفلام الإباحية)”. (روجيه غارودي، ثقافة اللامعنى).
أين كل هذا مما يقوله الخبراء في الشؤون الإعلامية من أن الصحافة هي رسالة قبل أن تكون مهنة، وهي أداة مهمة في بناء القيم المجتمعية السليمة؟
أعتقد أن هيمنة الخطاب الإعلامي الاستهلاكي، وخاصة خطابه العنيف بكل أشكاله الاقتصادية والسياسية يجب أن لا يجعلنا نخفق في تشخيص الخطأ بل من الضرورة التأكيد على أن الإعلام يجب أن يكون مرآة صادقة في طرحها للقضايا وتناول موضوعاتها، الأمر الذي قاد إلى منحها لقب أو تسمية “السلطة الرابعة” لما لها من دور مؤثر في بلورة الرأي العام وتوجيه اتجاهات المجتمعات وخياراتها، ولعل هذا ما يحيلنا إلى النقطة الثانية.
وهذا يقتضي إحداث ثورة في أخلاقيات الإعلام. لماذا نحتاج تغييرا جوهريا في أخلاقيات الإعلام وليس العودة إلى القواعد الأساسية؟ على الرغم من أن العديد من الناس يتقبلون حقيقة ثورة الإعلام ولكنهم ينكرون ما يستتبعه هذا الواقع، أي ثورة في أخلاقيات الإعلام.
◙ عملية الترويج لثقافة الاستهلاك أصبحت صناعة في غاية الدقة والسهولة في الوقت نفسه باعتمادها على وسائل متنوعة
رؤية جديدة لطبيعة أخلاقيات الإعلام. ثم أخلاقيات تطبيقية تحكم الممارسات الإعلامية. ثم أخلاقيات الإعلام العالمي، أي المبادئ والمعايير التي يجب أن تتعرف على عالمية الوسيلة الإعلامية وتحددها من حيث الوصول إليها والتأثير بها.
في ظل التحولات العلمية الكبيرة التي جاءت بها الحضارة العالمية في مجالات متنوعة والتي تمثل تحولا كبيرا وناجحا، ثمة أيضا تحول آخر في توظيف المعارف إلى أهداف أخرى قد لا تكون أخلاقية بقدر ما هي معطوفة على استعمال واسع للتضليل والخداع وإن كانت هذه المرة تقوم بتوظيف المعرفة وملحقاتها من أجل غايات مفارقة براغماتية.
إذ يظهر التضليل كمصطلح مهيمن يصف سلوكيات ما تدخل في صناعة الجهل وتقترن كلمة “تضليل” في المعجم العربي بالشر والباطل. وورد في لسان العرب لابن منظور في مادة ضلل “التضليل تصيير الإنسان إلى الضلال، والتضلال كالتضليل. ووقع فلان في وادي تضلل وتضلل أي الباطل. ويقال للباطل: ضل بتضْلال”. و”مضلل: لا يوفق لخير أي ضال جدا”. ( شيللر هربرت، المتلاعبون بالعقول).
فهذا يولد القناع المخادع الذي له آلية في الصناعة المعرفية التي تعتمد من أجل تصنيع سلعي إعلامي، حتى بات الجهل والتضليل سلعة يومية تنشر وتسوق للجمهور، من حكومات وشركات وأصحاب نفوذ.
إذ أن الصناعة تقوم باختلاق وقائع وقناعات مخادعة مصنوعة بحرفية من أجل التضليل والخداع والتجهيل، بل هي توجد رمزا ووقائع تحل محل الواقع وتصبح ما فوق الواقع. فهي بالواقع ليست حقيقة بل اللا-حقيقة المطلقة، هي قناعها كما يرى بورديو. (مقدمة المترجم، جان بودريار، المصطنع والاصطناع). وهذا الفعل القائم على توظيف المعرفة من أجل الهيمنة والتضليل فعل يستثير ثقافة المقاومة والوعي، التي بالضرورة تفترض بنا أن نبذل جهودا ذاتية ووعيا يبحث عن الحقيقة بعيدا عن العاطفة والأمنيات. ولهذا سوف نحاول تعريف: الوعي، الجهل، إدارة الفهم.
أما “الوعي” Cognition: فهو كلمة تدل على ضم شيء. وفي قواميس اللغة العربية وعيْت العلْم أعيه وعْيا، ووعى الشيء والحديث يعيه وعْيا وأوْعاه: حفظه وفهمه وقبله، فهو واع، وفلان أوْعى من فلان أي أحْفظ وأفْهم. وبهذا فإن الوعي هو الفهم ومعرفة الشيء، وهو نقيض الجهل والأسلوب الأعظم في تحديد الجهل وتجريده من آثاره وممكناته المنفلتة، حتى لو كان مصدره طاغية أو ممنْ يتباهى بجبروته الأخرق.
أما “الجهل” Agnotology فهو نوعان: أحدهما جهل يصنعه الإنسان لنفسه، ويسمّى الجهل الذاتي، والثاني جهل مفروض على العقل، أو ما يدعى بـ”التجهيل”، فهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علْمية رصينة؛ الجهل يدرس غرس ثقافة الجهل أو الشك أو الوهم، ويجري من خلاله نشر بيانات خاطئة أو مخطئة أو غير كاملة.
فالجهل عنصر مضاد للعقل، بينما الوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي إذ يمثل الوعي عند العديد من علماء النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، والوعي بأمر ما يتضمن معرفته والعمل بهذه المعرفة.
أما “إدارة الفهم” Perception Management: فهي عبارة عن نشر المعلومات أو حذف لمعلومات؛ لأجل التأثير في تفكير الجمهور والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح. ولأن النشر والحذف يتطلبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، فإن إدارة الفهم تعني: التجهيل المنظم أي علم الجهل وهو العلم الذي يدرس صناعة الجهل، ونشره بطرق علمية رصينة.
◙ صناعة الإعلام ترتبط بشكل كبير بالسلطة الحاكمة، وبخاصة في عالمنا العربي، وإذا ترك الإعلام من دون أخلاقيات وضوابط تنظم مساره، فإنه سيكون مطية للنظام الحاكم وبوقا له
وبالآتي علم الجهل أو التجهيل أو هندسة الجهل أو إدارة الفهم كلها تقنيات في اصطناع الحقائق المزيفة وفن المخادعة والتضليل من أجل غايات متنوعة.
هندسة الجهل وعكسها إدارة الفهم تهدف لإشاعة الحيرة والشك والخداع بهدف تحقيق مكسب أو بيع سلعة أو نشر الجدل لاستنزاف طاقة البشر، جميع الدول أو المؤسسات اليوم تريد أن تمتلك المعرفة ومصادر المعلومة، فالمعرفة قوة ومكانة وجدارة، وهي سلاح فعال يضاهي أفتك الأسلحة وأقواها.
بعد توصيف المفاهيم الثلاثة يبدو أن الأمر قد كانت بدايته في التسعينات، إذ يمكن اعتبارها بداية ظهور هذا الشكل من العلوم المخادعة أي الجهل أو إدارة الفهم وكانت هذه البداية مع شركة التبغ والتي واجهت النتائج التي تربط بين التدخين والسرطان وآثار التدخين على الجسم لما للأمر من أثر مدمر على مصالحها، لهذا قامت بالدعاية المضادة إذ أخذت ترد بآليات الجهل سابقة الذكر وخصوصا من خلال إدارة الفهم إذ اعتمدت في دعايتها على علماء: (الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع) من أجل إثارة الشكوك حول البحوث العلمية، بل الأمر وصل إلى حد تزييف الوعي بدعم علوم زائفة.
أما على صعيد السياسة فقد استثمرت بعض السلطات المهيمنة عالميا تلك التجربة من أجل استثمار الممكنات العلمية وإدارة الفهم من أجل الهيمنة فقد تم تضليل الرأي العام والزج به في الحرب العالمية الأولى سابقا وغزو العراق لاحقا، بما كان يعرف بالـCreel Commission. هذا التضليل إستراتيجي وممنهج بحسب أساسيات علم الجهل، وفي كتابه “معجم التضليل الإعلامي” خلص فرانسوا جيري إلى تعريف جامع لمصطلح التضليل الإعلامي، فهو: “مؤسسة جماعية لصياغة رسالة مفتعلة وتركيبها ونشرها، والهدف الرئيس من ذلك هو خداع المتقبل المستهدف من أجل تحقيق مكسب من الاستخدام الخاطئ الذي من المتوقع أن يقوم به”، (السنوسي ثريا، أخلاقيات الصحافة في المشهد الإعلامي السمعي المرئي الخاص في تونس)، هذه الأطروحة تستند على قنوات ثلاث: (بث الخوف لدى الآخرين، إثارة الشكوك، وصناعة الحيرة).
القناة الأولى: بث الخوف لدى الآخرين، وليس هناك أنصع مثالا من الحكومات في تجسيد مبدأ إثارة الرعب لدى المواطنين لتمرير مصالحها وأجندتها. فتارة، يتم صنع أعداء وهميين لتحشيد الرأي العام، وتارة يتم ترعيب الجمهور بالقدر المظلم إذا لم يشاركوا في هذه المعركة أو تلك، وكأن الأرض ستفنى من دون هذا “الهجوم المقدس″. لا غريزة بشرية تنافس غريزة حب البقاء، ولذا من الممكن أن تبيع السمك في حارة الصيادين عندما تهدد أمنهم وبقاءهم!
أما إثارة الشكوك فهو ثاني أعمدة التجهيل، ويتم توظيفه غالبا في القطاع التجاري والاقتصادي، وهذا بالتحديد منهج للكثير من الشركات. فبعد هبوط مبيعاتها بنسبة 25 في المئة، بدأت شركة كوكاكولا العالمية بدفع ما يقارب 5 ملايين دولار لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع حول أسباب السمنة، وذلك بتقليل دور المشروبات الغازية في انتشار السمنة وتوجيه اللوم إلى عدم ممارسة التمارين الرياضية! هذه “الأبحاث المدفوعة” يتم نشرها لإثارة الشكوك في ذهنية الفرد حتى يعيد تشكيل موقفه بما يتناسب مع أجندة هذه الشركات.
صناعة الحيرة: لأن كثرة المعلومات المتضاربة تصعّب من اتخاذ القرار المناسب، إذ يدخل الفرد في دوامة من الحيرة حتى يبدو تائها وجاهلا حول ما يجري، ويزيد العبء النفسي والذهني عليه، فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به، طمعا في النجاة من هذه الدوامة، وهذه الحيرة تحديدا هي الغاية.
ثقافة الاستهلاك
◙ الإعلام يجب أن يكون مرآة صادقة
المقاربة هنا مكمّلة لما سبق وبهذا تكتمل أضلاع المثلث، بهذا الضلع تبقى الغاية التي هي حاضرة دائما في المقاربات السابقة؛ فالتبضيع مضاد لما هو أخلاقي والذي قوامه “الزهد والعقلانية والفضية”، وإن كان جزءا من الاستبداد والتجهيل وخلق ثقافة تشجع على الاستهلاك وصار المجتمع الاستهلاكي غائية نهائية يسعى النظام العالمي الجديد إلى تعميمها.
أولا، ارتباط الهوس الشرائي أحيانا بالجانب اللاوعي. ثانيا، مظاهر الإنفاق والاستهلاك التفاخري القاتل. ثالثا التداعيات الاجتماعية والنفسية لتفشي ظاهرة الاستهلاك في المجتمع والتي تتمثل في ارتفاع منسوب الحقد الاجتماعي، وتمزق الروابط الاجتماعية، والشعور المستمر بأن التملك هو أساس الحراك الاجتماعي. رابعا، هذا يتعاضد مع القيم الاستهلاكية المترابطة مع القيم النفعية المتبقية التي تسهم في إشاعة سلوكيات شاذة تتقاطع مع الخلق القويم في مواجهة هذا التنظيم الذي تقوم به وسائل الإعلام. خامسا لا بد من دور تقوم به المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية في مقاومة الإدمان على الاستهلاك والتبذير.
وجدنا أن غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة وداعمة باتجاه ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة والفضاء المفتوح. وقد أسهمت تلك المناخات في نمو الثقافة الاستهلاكية وانتشارها، بما أنها أصبحت أكثر رواجا وانتشارا حين دخل العالم إلى مرحلة إلغاء الحواجز بين الشعوب وبناء سوق عالمي موحد أخذت من خلاله السلع المنتجة بوفرة دلالات رمزية تتجاوز بذلك قيمتها المادية لتكتسب قوة تدفع نحو صهر العالم استهلاكيا ودمجه ثقافيا متجاوزة بذلك الجوانب الثقافية والتقاليد الاجتماعية للشعوب.
لم يعد الاقتصاد وحده هو المدخل الرئيسي لفهم سلوك المستهلك، فلقد أصبحت النزعة إلى الاستهلاك عنصرا ثقافيا مؤثرا. والإعلام الحديث بما يملكه من تقنيات إعلانية ووسائل دعاية متنوعة، خلق تناسبا طرديا ما بين المستهلك وتدفق السلع إعلاميا. وباتت عملية التأثير الاستهلاكي في الأفراد والمجتمعات خاضعة لمعايير معرفية يتحكم فيها من يمتلك وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة والذكاء التقني.
• ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية الشهرية اللندنية
إن امتلاك الشركات متعددة الجنسيات لتقنية المعلومات ووسائل الاتصال مكنها من إعادة تشكيل أذواق المستهلكين وترغيبهم في السلع المنتجة، ودفعهم نحو نزعات استهلاكية لا حدود لها. فالإنفاق على سلعة براقة ملمعة لا يعني شيئا للمستهلك المخدوع بقدر ما يعني له البحث عنها أو شراؤها مهما كان سعرها حبا في التباهي والظهور أمام الأقران أو بحثا عن مكانة اجتماعية مفقودة أو تعطشا لتميز يحلم به.
وقد أصبحت عملية الترويج لثقافة الاستهلاك صناعة في غاية الدقة والسهولة في الوقت نفسه؛ نظرا إلى اعتمادها على وسائل متنوعة وشيقة تحرك رغبات الشعوب وتثير في وجدانهم مشاعر الرغبة؛ لاقتناء السلع بصورة عشوائية. لهذا قامت فلسفة تأثير الاستهلاك في سيادة مفهوم المنافسة. وبالمقابل نجد أن المراقبين لهذه الظاهرة ينقسمون في ما بينهم بين من يذهب إلى تبسيط الأمور مؤيدا الاكتفاء بترك الصحافة التي تعمل على راحتها في العصر الإعلامي الجديد ثم التصحيح إن لزم الأمر، وبين من يذهب إلى التنظير والفلسفة إلى أبعد الحدود، داعيا إلى تغيير جذري في عادات العمل وقواعده بما يواكب ثورة الإعلام.
يعد موضوع أخلاقيات الصحافة والإعلام من أكثر القضايا المهنية جدلا في أوساط ممارسي المهنة ومدرسيها والعديد من المعنيين. ويبلغ الاختلاف في طريقة التعاطي مع أخلاقيات الإعلام في العصر الجديد وجوها عدة منها: إمكانية دفع المؤسسة الإعلامية أموالا للحصول على معلومات حصرية أم لا.
ويتردد هذا المعيار كثيرا على ألسنة الإعلاميين والمطالبين بدور أكثر. ويبدو هذا الدور القائم على توظيف الإعلام من أجل إشاعة ثقافة الاستهلاك يتعاضد مع ثقافة الاستبداد والهيمنة وهما ينتجان التضليل الإعلامي وثقافة التجهيل وهندسة الجهل، فالهدف المشترك واحد هو المنفعة والاستهلاك من دون حدود وقد ارتبطا: بالهوس الشرائي أحيانا وبالجانب اللاوعي أحيانا اخرى. وتعتبر مظاهر الإنفاق والاستهلاك التفاخري القاتل، التداعيات الاجتماعية والنفسية لتفشي ظاهرة الاستهلاك في المجتمع والتي تتمثل في ارتفاع منسوب الحقد الاجتماعي، وتمزق الروابط الاجتماعية، والشعور المستمر بأن التملك هو أساس الحراك الاجتماعي. ما يعمق القيم الاستهلاكية المترابطة وإشاعتها مع باقي القيم النفعية التي تسهم في إشاعة سلوكيات شاذة تتقاطع مع الخلق القويم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عامر عبد زيد الوائلي
كاتب وأكاديمي من العراق
الخطاب الإعلامي الاستهلاكي خطاب عنيف ومتلون لتوحيد الثقافات.
الأحد 2023/09/03
صهر العالم استهلاكيا ودمجه ثقافيا
بات واضحا ما خلفته العولمة من نتائج ملموسة في توجهاتها الجديدة في العقود الأخيرة، إذ ألغيت الحدود بين الثقافات وباتت الشعوب تتجه شيئا فشيئا إلى ثقافة واحدة موحدة يجمعها مبدأ الاستهلاك. وفي هذا كان لوسائل الإعلام والتلاعب دور كبير فاعل ومؤثر.
إذ كانت خطة الهيمنة الاقتصادية والسياسية والإعلامية تقوم على ضرب الاقتصاد، ولكنه ليس ضربا للقمة العيش كما يتوقع البعض، فالتطور الاقتصادي العالمي عزز إمكانية توافر الغذاء البسيط لأغلب الشعوب؛ إذا لم يتم استهدافه من قبل الاقتصاد، وهو اقتصاد الرفاهية الذي باتت شعوب المنطقة تتوق إليه بتعطش شديد، هو اقتصاد لكم آليات التطور المدني والحضاري.
ومن هنا جاءت الأطروحة التي نحاول التوقف عندها، العلاقة الرابطة بين الإعلام والاستهلاك، كما تمظهرت في النتيجة المتمخضة عنهما “ثقافة الاستهلاك”، والتي تحولت إلى سلوك يظهر بشكل واضح واتجاهات شتى في الثقافة والاجتماع.
الإعلام والأخلاق
يدفعنا الخوض في الموضوع إلى تأطير مقالنا في أن نحاول أن نقارب ثلاثة أبعاد في الإعلام نجدها متقاربة بل متضامنة معا، وهي:
◙ غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة وداعمة باتجاه ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة والفضاء المفتوح
الأول: أخلاقيات الإعلام ورهانات الواقع المعاش. الثاني: صناعة الجهل جزء من إلهاء الناس. والثالث: الإعلام ودوره في صناعة الاستهلاك وثقافته.
ومن الممكن أن نضع لها ثلاث كلمات مفتاحية تجعلها تبدو أكثر تقاربا وهي: “أخلاقيات الإعلام”، “صناعة الجهل”، “ثقافة الاستهلاك”. بالتأكيد هذه الكلمات قد تدفع المتلقي إلى إثارة مجموعة من الأسئلة المترابطة بين تلك المفاهيم.
ما هو الرابط بين الأخلاق الإعلامية والجهل والاستهلاك؟ لا شك أن الرابط كبير في ظل غياب المعايير القيمية عن المؤسسات الإعلامية يجعل منها مجرد مؤسسات تحاول أن تخدم قيما نفعية، وهذا هو هدفها الأول ولا بد ساعتها من التآزر بين الجهل المصطنع والاستهلاك.
طبعا هذا السلوك المجتمعي وما يقدمه من منظومة قيم ترتبط بالإعلام؛ لأنه النبع الذي يخلق أشكالها على صعيد السلوك والممارسة، فالإعلام أصبح يمتلك حضورا كبيرا في تخليق السلوكيات الفردية عبر خلق أشكال من السلوك وإشاعتها والتي من المعتقد أنها قائمة على إثارة النزوات والعواطف والتلاعب بها من أجل دفعها إلى تقليد نماذج اجتماعية للمشاهير كـ(أبطال كرة القدم أو الممثلين أو غيرهم من المشاهير) وقد حولهم الإعلام الاستهلاكي إلى نماذج صالحة للتقليد والاقتداء بها على صعيد الاستهلاك والاقتناء.
العلاقة بين الأخلاق والإعلام علاقة أصيلة في الثقافة المعاصرة، إلا أن هناك تباينا، فإذا كانت الأخلاق تنتمي إلى عالم الفلسفة والمثال، فإن الإعلام منخرط في عالم الواقع؛ فإذا كان هذا يبدو وكأنه تباين واختلاف بين الواقعي والمثالي؛ إلا أن القول بالفصل بينهما يجعل من الإعلام أداة بيد السلطة سواء أكانت السلطة السياسية أم رأس المال، ساعتها يتحول الإعلام إلى أداة باطشة لصالح النظم الحاكمة ورأس المال، وأن يكون وسيلة لتزييف الوعي أو هيمنة الخطاب السلعي الاستهلاكي في ظل هيمنة رأس المال، بدلا من إنارة العقل، وترسيخ الاستبداد بدلا من إشاعة الحرية والديمقراطية.
ومن هنا ضرورة أن يكون “علم الأخلاق” هو علم يبحث في المثال، وما يجب أن يكون؛ سعيا للارتقاء بعالم الواقع، وما هو كائن بالفعل.
وهناك من يريد أن يستبدل الأخلاق بالقانون بوصفه قريبا من الواقع فهو “يحاول أن يعالج الواقع عبر مجموعة قواعد التصرف التي تجيز حدود العلاقات والحقوق بين الناس والمنظمات، وتحددها، والعلاقة التبادلية بين الفرد والدولة؛ فضلا عن العقوبات لأولئك الذين لا يلتزمون بالقواعد المؤسسة للقانون”. لكن هذا لا يكفي فلا بد من وجود الأخلاق وهي بمثابة القانون فهي منوطة بالضمير؛ القانون يخاطب الظاهر والعلاقات المادية، بينما الأخلاق تخاطب الباطن والدوافع النفسية.
ومن ناحية أخرى فإن الترابط بين الإعلام وبين الأخلاقيات المهنية، يتبين عن طريق الدور التربوي والتثقيفي الذي يؤديه الإعلام كونه جزءا من وظائفه العامة والشاملة، لذا تمثل الأخلاقيات بصفة عامة أحد الأبعاد المهمة في مفهوم التربية والثقافة، إذ تدخل الأخلاقيات المهنية في مجالي التربية والثقافة، وذلك من خلال غرس القيم المثالية والأخلاقيات المهنية وقضاياها في المجتمع، وترجمتها إلى سلوكيات تمارس في الحياة، أي بتحويل الأخلاقيات إلى ثقافة سلوك داخل المجتمع.
ومن الممكن النظر إلى أخلاقيات المهنة في الإعلام التي تكون بحاجة إلى تدريب حتى يكون الإعلامي بعيدا عن التحيز ودقيقا في توصيفاته الإعلامية؛ من أجل توافر التوازن في القضايا والآراء وعلى العكس من مجموعة واسعة من الآراء واستكشاف وجهات نظر متعارضة وضمان عدم إغفال أيّ فكرة مهمة من أن تمثل. من خلال السماح بحق الرد وانطلاقا من هذه الجوانب الأخلاقية يبدو أن العلاقة بين الأخلاق والإعلام علاقة عميقة؛ وهذا على العكس من رأي النقاد الذين يدعون الفصل بين الاثنين.
◙ غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة
أما دعاة الوصل فيجدونهما مترابطين للأسباب الآتية: الأول: أن الأخلاق من صفاتها: العموم والشمول، إذ من الصعب أن نجد مجالا يمكن أن نقول عنه إن الأخلاق لا تشمله، ولا تعرف عليه سلطانا.
الثاني: أن الإعلام تمتد خيوطه لتنسج علاقات متينة مع جميع فئات المجتمع والمراحل العمرية المختلفة لأفراده؛ وما لم يرتبط الإعلام حينئذ بالأخلاق فإن نسيج المجتمع وقيمه سيكونان مهددين بالانهيار من دون شك!
أما السبب الثالث، فهو أن صناعة الإعلام ترتبط بشكل كبير بالسلطة الحاكمة، وبخاصة في عالمنا العربي، وإذا ترك الإعلام من دون أخلاقيات وضوابط تنظم مساره، فإنه سيكون مطية للنظام الحاكم وبوقا له، إذ لا يقل تأثيره في تزييف الوعي عن سوط هذا النظام وبطشه المادي!
فمراعاة الجانب الأخلاقي ضرورية؛ لكن أيضا من الضرورة التمييز بين الرأي والواقع. وهذا يقتضي مناقشة الأمور بسلاسة وحيادية على أساس المساواة والحيادية. لكن مع التغيرات التي شملت الإعلام وما أثير من إشكاليات نحن بصدد التحدث عنها في هذا المقال؛ إذ أصبح نطاق الاهتمام بأخلاقيات الإعلام أكثر اتساعا مع ظهور الإعلام الجديد ودخول أطراف جديدة ومؤثرة في المحتوى من عموم مستعملي الشبكة من غير الإعلاميين. وما يجري على الصعيد العالمي إذ يتم التلاعب وإعادة إنتاج كل شيء؛ فإذا ما نظرنا إلى صناعة الصورة والصوت والكلمة على أنها من فعل الفاعل الأيديولوجي الذي يمضي ليمارس أفكاره وأهواءه في حقوله المفتوحة على قابليات لا حصر لها في ظل تغول “الميديا” المعاصرة فهي الجسم التكنولوجي الذي تتحرك الأيديولوجيا من خلاله. وما ينطبق على ثنائية الأيديولوجيا والإعلام يصح كذلك على ثنائية الأخلاق والإعلام “وما دام الخطاب – والتاريخ ما فتئ يعلمنا ذلك – ليس هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة وحسب؛ لكنه هو ما نصارع من أجله وما نصارع به، وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها” (ميشيل فوكو، نظام الخطاب، 10).
صناعة الجهل والتضليل
◙ الإعلام في خدمة رجل المال والسياسة
السلطة طوعت المعرفة والتقنية من أجل فرض هيمنتها على الإعلام وجعلت منه أداة تغيير في السياسة والاقتصاد والفكر والفن والثقافة، بل أصبح الإعلام لدى الدولة في حربها الناعمة هو المحور والمحرك والمحرض، في ما تختلقه وما تحوز عليه إذ يعبر عن رغبتها العميقة في تقنيات الاستحواذ والهيمنة.
وهي “تتخذ من آليات التجهيل وفرض القيم المغلوطة والمتدنية في المستوى المادي والفكري من أجل غواية الجمهور وإثارة غرائزه ثم اتخاذ هذه الإثارة والإقبال وارتفاع المشاهدة والمتابعة، بوصفه دليلا على النجاح بحد ذاته، (والتر ريستون، القضية والسيادة)، حتى أصبحت تلك الرؤية كما تتجلى في المسابقات والألعاب المتلفزة التي تلوح بإغراء الحصول على المال بسهولة؛ وصولا إلى الأخبار التي تخضعنا إلى تأمل كوارث العالم بغباء؛ مرورا بأفلام الصور المتحركة اليابانية، وهي كلها تنحو بانتهازيتها التجارية إلى جعل الجمهور كالأطفال، من دون تقديم ما يساعدهم على فهم نهاية الألفية الثانية إلا بالجرعات التي تعالج الداء بالداء وبعد الحادية عشرة ليلا (أي الأفلام الإباحية)”. (روجيه غارودي، ثقافة اللامعنى).
أين كل هذا مما يقوله الخبراء في الشؤون الإعلامية من أن الصحافة هي رسالة قبل أن تكون مهنة، وهي أداة مهمة في بناء القيم المجتمعية السليمة؟
أعتقد أن هيمنة الخطاب الإعلامي الاستهلاكي، وخاصة خطابه العنيف بكل أشكاله الاقتصادية والسياسية يجب أن لا يجعلنا نخفق في تشخيص الخطأ بل من الضرورة التأكيد على أن الإعلام يجب أن يكون مرآة صادقة في طرحها للقضايا وتناول موضوعاتها، الأمر الذي قاد إلى منحها لقب أو تسمية “السلطة الرابعة” لما لها من دور مؤثر في بلورة الرأي العام وتوجيه اتجاهات المجتمعات وخياراتها، ولعل هذا ما يحيلنا إلى النقطة الثانية.
وهذا يقتضي إحداث ثورة في أخلاقيات الإعلام. لماذا نحتاج تغييرا جوهريا في أخلاقيات الإعلام وليس العودة إلى القواعد الأساسية؟ على الرغم من أن العديد من الناس يتقبلون حقيقة ثورة الإعلام ولكنهم ينكرون ما يستتبعه هذا الواقع، أي ثورة في أخلاقيات الإعلام.
◙ عملية الترويج لثقافة الاستهلاك أصبحت صناعة في غاية الدقة والسهولة في الوقت نفسه باعتمادها على وسائل متنوعة
رؤية جديدة لطبيعة أخلاقيات الإعلام. ثم أخلاقيات تطبيقية تحكم الممارسات الإعلامية. ثم أخلاقيات الإعلام العالمي، أي المبادئ والمعايير التي يجب أن تتعرف على عالمية الوسيلة الإعلامية وتحددها من حيث الوصول إليها والتأثير بها.
في ظل التحولات العلمية الكبيرة التي جاءت بها الحضارة العالمية في مجالات متنوعة والتي تمثل تحولا كبيرا وناجحا، ثمة أيضا تحول آخر في توظيف المعارف إلى أهداف أخرى قد لا تكون أخلاقية بقدر ما هي معطوفة على استعمال واسع للتضليل والخداع وإن كانت هذه المرة تقوم بتوظيف المعرفة وملحقاتها من أجل غايات مفارقة براغماتية.
إذ يظهر التضليل كمصطلح مهيمن يصف سلوكيات ما تدخل في صناعة الجهل وتقترن كلمة “تضليل” في المعجم العربي بالشر والباطل. وورد في لسان العرب لابن منظور في مادة ضلل “التضليل تصيير الإنسان إلى الضلال، والتضلال كالتضليل. ووقع فلان في وادي تضلل وتضلل أي الباطل. ويقال للباطل: ضل بتضْلال”. و”مضلل: لا يوفق لخير أي ضال جدا”. ( شيللر هربرت، المتلاعبون بالعقول).
فهذا يولد القناع المخادع الذي له آلية في الصناعة المعرفية التي تعتمد من أجل تصنيع سلعي إعلامي، حتى بات الجهل والتضليل سلعة يومية تنشر وتسوق للجمهور، من حكومات وشركات وأصحاب نفوذ.
إذ أن الصناعة تقوم باختلاق وقائع وقناعات مخادعة مصنوعة بحرفية من أجل التضليل والخداع والتجهيل، بل هي توجد رمزا ووقائع تحل محل الواقع وتصبح ما فوق الواقع. فهي بالواقع ليست حقيقة بل اللا-حقيقة المطلقة، هي قناعها كما يرى بورديو. (مقدمة المترجم، جان بودريار، المصطنع والاصطناع). وهذا الفعل القائم على توظيف المعرفة من أجل الهيمنة والتضليل فعل يستثير ثقافة المقاومة والوعي، التي بالضرورة تفترض بنا أن نبذل جهودا ذاتية ووعيا يبحث عن الحقيقة بعيدا عن العاطفة والأمنيات. ولهذا سوف نحاول تعريف: الوعي، الجهل، إدارة الفهم.
أما “الوعي” Cognition: فهو كلمة تدل على ضم شيء. وفي قواميس اللغة العربية وعيْت العلْم أعيه وعْيا، ووعى الشيء والحديث يعيه وعْيا وأوْعاه: حفظه وفهمه وقبله، فهو واع، وفلان أوْعى من فلان أي أحْفظ وأفْهم. وبهذا فإن الوعي هو الفهم ومعرفة الشيء، وهو نقيض الجهل والأسلوب الأعظم في تحديد الجهل وتجريده من آثاره وممكناته المنفلتة، حتى لو كان مصدره طاغية أو ممنْ يتباهى بجبروته الأخرق.
أما “الجهل” Agnotology فهو نوعان: أحدهما جهل يصنعه الإنسان لنفسه، ويسمّى الجهل الذاتي، والثاني جهل مفروض على العقل، أو ما يدعى بـ”التجهيل”، فهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علْمية رصينة؛ الجهل يدرس غرس ثقافة الجهل أو الشك أو الوهم، ويجري من خلاله نشر بيانات خاطئة أو مخطئة أو غير كاملة.
فالجهل عنصر مضاد للعقل، بينما الوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي إذ يمثل الوعي عند العديد من علماء النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، والوعي بأمر ما يتضمن معرفته والعمل بهذه المعرفة.
أما “إدارة الفهم” Perception Management: فهي عبارة عن نشر المعلومات أو حذف لمعلومات؛ لأجل التأثير في تفكير الجمهور والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح. ولأن النشر والحذف يتطلبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، فإن إدارة الفهم تعني: التجهيل المنظم أي علم الجهل وهو العلم الذي يدرس صناعة الجهل، ونشره بطرق علمية رصينة.
◙ صناعة الإعلام ترتبط بشكل كبير بالسلطة الحاكمة، وبخاصة في عالمنا العربي، وإذا ترك الإعلام من دون أخلاقيات وضوابط تنظم مساره، فإنه سيكون مطية للنظام الحاكم وبوقا له
وبالآتي علم الجهل أو التجهيل أو هندسة الجهل أو إدارة الفهم كلها تقنيات في اصطناع الحقائق المزيفة وفن المخادعة والتضليل من أجل غايات متنوعة.
هندسة الجهل وعكسها إدارة الفهم تهدف لإشاعة الحيرة والشك والخداع بهدف تحقيق مكسب أو بيع سلعة أو نشر الجدل لاستنزاف طاقة البشر، جميع الدول أو المؤسسات اليوم تريد أن تمتلك المعرفة ومصادر المعلومة، فالمعرفة قوة ومكانة وجدارة، وهي سلاح فعال يضاهي أفتك الأسلحة وأقواها.
بعد توصيف المفاهيم الثلاثة يبدو أن الأمر قد كانت بدايته في التسعينات، إذ يمكن اعتبارها بداية ظهور هذا الشكل من العلوم المخادعة أي الجهل أو إدارة الفهم وكانت هذه البداية مع شركة التبغ والتي واجهت النتائج التي تربط بين التدخين والسرطان وآثار التدخين على الجسم لما للأمر من أثر مدمر على مصالحها، لهذا قامت بالدعاية المضادة إذ أخذت ترد بآليات الجهل سابقة الذكر وخصوصا من خلال إدارة الفهم إذ اعتمدت في دعايتها على علماء: (الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع) من أجل إثارة الشكوك حول البحوث العلمية، بل الأمر وصل إلى حد تزييف الوعي بدعم علوم زائفة.
أما على صعيد السياسة فقد استثمرت بعض السلطات المهيمنة عالميا تلك التجربة من أجل استثمار الممكنات العلمية وإدارة الفهم من أجل الهيمنة فقد تم تضليل الرأي العام والزج به في الحرب العالمية الأولى سابقا وغزو العراق لاحقا، بما كان يعرف بالـCreel Commission. هذا التضليل إستراتيجي وممنهج بحسب أساسيات علم الجهل، وفي كتابه “معجم التضليل الإعلامي” خلص فرانسوا جيري إلى تعريف جامع لمصطلح التضليل الإعلامي، فهو: “مؤسسة جماعية لصياغة رسالة مفتعلة وتركيبها ونشرها، والهدف الرئيس من ذلك هو خداع المتقبل المستهدف من أجل تحقيق مكسب من الاستخدام الخاطئ الذي من المتوقع أن يقوم به”، (السنوسي ثريا، أخلاقيات الصحافة في المشهد الإعلامي السمعي المرئي الخاص في تونس)، هذه الأطروحة تستند على قنوات ثلاث: (بث الخوف لدى الآخرين، إثارة الشكوك، وصناعة الحيرة).
القناة الأولى: بث الخوف لدى الآخرين، وليس هناك أنصع مثالا من الحكومات في تجسيد مبدأ إثارة الرعب لدى المواطنين لتمرير مصالحها وأجندتها. فتارة، يتم صنع أعداء وهميين لتحشيد الرأي العام، وتارة يتم ترعيب الجمهور بالقدر المظلم إذا لم يشاركوا في هذه المعركة أو تلك، وكأن الأرض ستفنى من دون هذا “الهجوم المقدس″. لا غريزة بشرية تنافس غريزة حب البقاء، ولذا من الممكن أن تبيع السمك في حارة الصيادين عندما تهدد أمنهم وبقاءهم!
أما إثارة الشكوك فهو ثاني أعمدة التجهيل، ويتم توظيفه غالبا في القطاع التجاري والاقتصادي، وهذا بالتحديد منهج للكثير من الشركات. فبعد هبوط مبيعاتها بنسبة 25 في المئة، بدأت شركة كوكاكولا العالمية بدفع ما يقارب 5 ملايين دولار لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع حول أسباب السمنة، وذلك بتقليل دور المشروبات الغازية في انتشار السمنة وتوجيه اللوم إلى عدم ممارسة التمارين الرياضية! هذه “الأبحاث المدفوعة” يتم نشرها لإثارة الشكوك في ذهنية الفرد حتى يعيد تشكيل موقفه بما يتناسب مع أجندة هذه الشركات.
صناعة الحيرة: لأن كثرة المعلومات المتضاربة تصعّب من اتخاذ القرار المناسب، إذ يدخل الفرد في دوامة من الحيرة حتى يبدو تائها وجاهلا حول ما يجري، ويزيد العبء النفسي والذهني عليه، فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به، طمعا في النجاة من هذه الدوامة، وهذه الحيرة تحديدا هي الغاية.
ثقافة الاستهلاك
◙ الإعلام يجب أن يكون مرآة صادقة
المقاربة هنا مكمّلة لما سبق وبهذا تكتمل أضلاع المثلث، بهذا الضلع تبقى الغاية التي هي حاضرة دائما في المقاربات السابقة؛ فالتبضيع مضاد لما هو أخلاقي والذي قوامه “الزهد والعقلانية والفضية”، وإن كان جزءا من الاستبداد والتجهيل وخلق ثقافة تشجع على الاستهلاك وصار المجتمع الاستهلاكي غائية نهائية يسعى النظام العالمي الجديد إلى تعميمها.
أولا، ارتباط الهوس الشرائي أحيانا بالجانب اللاوعي. ثانيا، مظاهر الإنفاق والاستهلاك التفاخري القاتل. ثالثا التداعيات الاجتماعية والنفسية لتفشي ظاهرة الاستهلاك في المجتمع والتي تتمثل في ارتفاع منسوب الحقد الاجتماعي، وتمزق الروابط الاجتماعية، والشعور المستمر بأن التملك هو أساس الحراك الاجتماعي. رابعا، هذا يتعاضد مع القيم الاستهلاكية المترابطة مع القيم النفعية المتبقية التي تسهم في إشاعة سلوكيات شاذة تتقاطع مع الخلق القويم في مواجهة هذا التنظيم الذي تقوم به وسائل الإعلام. خامسا لا بد من دور تقوم به المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية في مقاومة الإدمان على الاستهلاك والتبذير.
وجدنا أن غياب المعايير المهنية الأخلاقية لدى المؤسسات الإعلامية يجعل منها صانعة وداعمة باتجاه ثقافة الاستهلاك في عصر العولمة والفضاء المفتوح. وقد أسهمت تلك المناخات في نمو الثقافة الاستهلاكية وانتشارها، بما أنها أصبحت أكثر رواجا وانتشارا حين دخل العالم إلى مرحلة إلغاء الحواجز بين الشعوب وبناء سوق عالمي موحد أخذت من خلاله السلع المنتجة بوفرة دلالات رمزية تتجاوز بذلك قيمتها المادية لتكتسب قوة تدفع نحو صهر العالم استهلاكيا ودمجه ثقافيا متجاوزة بذلك الجوانب الثقافية والتقاليد الاجتماعية للشعوب.
لم يعد الاقتصاد وحده هو المدخل الرئيسي لفهم سلوك المستهلك، فلقد أصبحت النزعة إلى الاستهلاك عنصرا ثقافيا مؤثرا. والإعلام الحديث بما يملكه من تقنيات إعلانية ووسائل دعاية متنوعة، خلق تناسبا طرديا ما بين المستهلك وتدفق السلع إعلاميا. وباتت عملية التأثير الاستهلاكي في الأفراد والمجتمعات خاضعة لمعايير معرفية يتحكم فيها من يمتلك وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة والذكاء التقني.
• ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية الشهرية اللندنية
إن امتلاك الشركات متعددة الجنسيات لتقنية المعلومات ووسائل الاتصال مكنها من إعادة تشكيل أذواق المستهلكين وترغيبهم في السلع المنتجة، ودفعهم نحو نزعات استهلاكية لا حدود لها. فالإنفاق على سلعة براقة ملمعة لا يعني شيئا للمستهلك المخدوع بقدر ما يعني له البحث عنها أو شراؤها مهما كان سعرها حبا في التباهي والظهور أمام الأقران أو بحثا عن مكانة اجتماعية مفقودة أو تعطشا لتميز يحلم به.
وقد أصبحت عملية الترويج لثقافة الاستهلاك صناعة في غاية الدقة والسهولة في الوقت نفسه؛ نظرا إلى اعتمادها على وسائل متنوعة وشيقة تحرك رغبات الشعوب وتثير في وجدانهم مشاعر الرغبة؛ لاقتناء السلع بصورة عشوائية. لهذا قامت فلسفة تأثير الاستهلاك في سيادة مفهوم المنافسة. وبالمقابل نجد أن المراقبين لهذه الظاهرة ينقسمون في ما بينهم بين من يذهب إلى تبسيط الأمور مؤيدا الاكتفاء بترك الصحافة التي تعمل على راحتها في العصر الإعلامي الجديد ثم التصحيح إن لزم الأمر، وبين من يذهب إلى التنظير والفلسفة إلى أبعد الحدود، داعيا إلى تغيير جذري في عادات العمل وقواعده بما يواكب ثورة الإعلام.
يعد موضوع أخلاقيات الصحافة والإعلام من أكثر القضايا المهنية جدلا في أوساط ممارسي المهنة ومدرسيها والعديد من المعنيين. ويبلغ الاختلاف في طريقة التعاطي مع أخلاقيات الإعلام في العصر الجديد وجوها عدة منها: إمكانية دفع المؤسسة الإعلامية أموالا للحصول على معلومات حصرية أم لا.
ويتردد هذا المعيار كثيرا على ألسنة الإعلاميين والمطالبين بدور أكثر. ويبدو هذا الدور القائم على توظيف الإعلام من أجل إشاعة ثقافة الاستهلاك يتعاضد مع ثقافة الاستبداد والهيمنة وهما ينتجان التضليل الإعلامي وثقافة التجهيل وهندسة الجهل، فالهدف المشترك واحد هو المنفعة والاستهلاك من دون حدود وقد ارتبطا: بالهوس الشرائي أحيانا وبالجانب اللاوعي أحيانا اخرى. وتعتبر مظاهر الإنفاق والاستهلاك التفاخري القاتل، التداعيات الاجتماعية والنفسية لتفشي ظاهرة الاستهلاك في المجتمع والتي تتمثل في ارتفاع منسوب الحقد الاجتماعي، وتمزق الروابط الاجتماعية، والشعور المستمر بأن التملك هو أساس الحراك الاجتماعي. ما يعمق القيم الاستهلاكية المترابطة وإشاعتها مع باقي القيم النفعية التي تسهم في إشاعة سلوكيات شاذة تتقاطع مع الخلق القويم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عامر عبد زيد الوائلي
كاتب وأكاديمي من العراق