النّاقد والقاص المصري المبدع مصطفى الضَّبع، حرفُكَ منقوشٌ على أنقى ضفائرِ الرُّوحِ
[نقلاً عن جريدة الوسط الجزائرية الورقية]
https://cdn.elwassat.dz/wp-content/u...assat-0102.pdf
صبري يوسف - ستوكهولم،
تنبعثُ كتاباتُ مصطفى الضَّبع مِنْ خميلةِ الحنينِ المخضّبةِ ببسمةِ الصّباحِ الوارفةِ، يكتبُ حرفاً مندلقاً مِنْ خميرةِ الرُّوحِ، يناجي أشواقنَا المشتعلةَ في مهبِّ الانتظارِ، انتظارِ انبعاثاتِهِ المتهاطلةِ ألقاً وبهاءً مغموساً بمذاقِ سموِّ الحرفِ، تتدفَّقُ دفئاً شفيفاً فوقَ ضفائرِ العمرِ، تُبلسِمُ الجراحَ الخفيّةَ، وتهدهدُ ما يتراءَى لها فوقَ مروجِ الحياةِ. هَلْ عندما تكتبُ نصوصَكَ وكتاباتِكَ، تكونُ غارقاً في معراجِ الحنينِ إلى محطّاتِ العمرِ الّتي سربلَتْ كينونَتَكَ بحبرِ الخلاصِ، بحبرِ القصيدةِ المجنّحةِ نحوَ رحابِ الشّبابِ، بحبرِ الحلمِ المتناثرِ مِنْ قبّةِ السَّماءِ فوقَ خميلةِ اللَّيلِ؟ أقرأ بينَ حنايا سطورِكَ نضارةَ الدَّمعةِ الطَّافحةِ مِنْ وهجِ الفرحِ، مِنْ شدّةِ الحنينِ إلى الماضي المعبّقِ بحبقِ الحياةِ. كيفَ تستطيعُ بهذهِ الحروفِ أنْ تستعيدَ كلَّ تلكَ الحفاوةِ الّتي عشتَها إلى مخيالِنا وفضائِنا وعالمِنا بهذهِ الحميميّةِ الدّافئةِ؟! تكتبُ حرفاً متعانقاً مَعَ هفهفاتِ النَّسيمِ، مَعَ هديلِ اليمامِ. هلْ عقدْتَ معاهدةَ حبٍّ وفرحٍ ووئامٍ مَعَ الطَّبيعةِ، مَعَ تغاريدِ الطُّيورِ، مَعَ زخَّاتِ المطرِ، عندما تغوصُ في محرابِ الكلمةِ، وإلّا كيفَ تشمخُ عوالمُكَ مرفرِفةً في زرقةِ السَّماءِ مثلَ أحلامِ الصَّباحِ؟ بينَكَ وبينَ رقصةِ الابتهالِ عبرَ مهجةِ الحرفِ، عشقٌ لا يتراءَى إلّا عبرَ تجلِّياتِ بوحِ الرُّوحِ. تُشبِهُ الوردةَ وهي تنثرُ عبيرَها معَ هبوبِ النَّسيمِ، كي توشِّحَ وجوهَ الأطفالِ بالألقِ، تكتبُ فضاءً مسربلاً بأسرارِ الحياةِ. هَلْ عندما تحلِّقُ في فضاءِ الحرفِ، ترقصُ انتشاءً على أنغامِ دندناتِ فيروزَ في صباحٍ مندّى بأشهى الأغاني؟ حرفُكَ مصفّى من رحيقِ النّعناعِ والزّنبقِ البرِّي، خيالُكَ مجنّحٌ نحوَ كنوزِ الحبرِ وشهقةِ الرِّيحِ. تكتبُ كمَنْ يرقصُ فرحاً في قبّةِ السَّماءِ رقصةَ العبورِ إلى أعماقِ مرامي البحارِ. تحلِّقُ عبرَ حرفِكَ مثلَ بازٍ جامحٍ نحوَ أرخبيلاتِ مجهولةٍ، بحثاً عَنْ أزهى ما في اخضرارِ الأرضِ. هَلْ عانقْتَ يوماً أمواجَ البحارِ الهائجةَ وأنتَ في أوجِ انبعاثِكَ في محرابِ التَّجلِّي، فجاءَتْ كتاباتُك معبّقةً بشهقةِ الأمواجِ؟! هَلْ ارتميتَ مراراً بينَ أحضانِ الطَّبيعةِ الخلّابةِ، تهدهِدُ أريجَ الأزاهيرِ، وتناغي عصافيرَ الخميلةِ وتتساءَلُ عَنْ روعةِ الزّقزقاتِ والتّغاريدِ المنبعثةِ مِنْ هذهِ الكائناتِ الصّغيرةِ في أوجِ مرحِها بينَ أحضانِ المروجِ؟ أراكَ تناجي الطّبيعةَ والكائناتِ، وتبتهلُ بأبهى ما لديكَ مِنْ وداعةِ الحرفِ لما يموجُ في رحابِ الذَّاتِ. تبهجُ عبرَ تدفُّقاتِكَ خيالَ المتلقِّي، وتفرشُ حبقَ الحرفِ فوقَ هضابِ الذَّاكرةِ المتعانقةِ مَعَ دماثةِ الأصدقاءِ وحفاوةِ المكانِ بكلِّ حميميّاتِهِ وترميزاتِهِ، غائصاً في أنغامِ الموسيقى الأصيلةِ، مستوحياً مِنْ دندناتِها رشاقةَ الحرفِ، متوغِّلاً في ينابيعِ الجمالِ بشغفٍ عميقٍ وأنتَ في أوجِ انبعاثِ جموحِ الخيالِ، مستعرِضاً أصفى القهقهاتِ الَّتي كانَتْ تغمرُ القلوبَ العطشى لنسائمِ النِّيلِ في ذروةِ عطائِهِ. تمتدُّ الصّداقاتُ عَبرَ انسيابِ وهجِ السَّردِ مِنْ وحي روعةِ الأمكنةِ الّتي زرْتَها بكلِّ ما فيها مِنْ رحابةٍ وانبهارٍ، مسترجِعاً الجمالياتِ الّتي طُفتُم مراراً في رحابِها مَعَ الأصدقاءِ وأنتم في قمّةِ عنفوانِكم وشغفِكم المزنَّرِ بأحلامِ وطموحاتِ الغدِ الآتي. تتراءَى لكَ تلكَ الأيامُ البهيجةُ، منقوشةً في لجينِ الذّاكرةِ مثلَ فيلمٍ سينمائيٍّ مكثّفٍ بأحداثٍ مضمّخةٍ بالقهقهاتِ، وتنبلجُ شهقاتُ الحنينِ مِنْ رحابِ ذاكرةٍ مفتوحةٍ على مساحاتِ بوحٍ نحوَ أقصى حبورِ الدِّفءِ، كأنَّها موشورُ فرحٍ منبَعِثٍ مِنْ أريجِ النّرجسِ البرٍّي.
ينقشُ مصطفى الضّبع عبرَ رهافةِ حرفِهِ المجنّحِ، رؤيةً محبوكةً بخصوبةِ الكرومِ ورحيقِ التِّينِ، ومزدانةً ببهاءِ الأقحوانِ الممتدِّ على مساحاتٍ مفتوحةٍ مِنْ ذكرياتِهِ على شطآنِ النِّيلِ. يتمعَّنُ بشغفٍ في صفحةِ المياهِ، فيرى أشعةَ الشَّمسِ تنعكسُ مثلَ قلائدَ ذهبيّةٍ فوقَ أمواجِهِ المتراقصةِ على إيقاعِ شهقاتِ العناقِ. ويتناهى إلى مسمعيهِ هديلُ النِّيلِ، كأنَّهُ ترنيمةُ فرحٍ تنشدُها جوقةُ عشَّاقٍ، تمرَّسَتْ طويلاً على إنشادِ بهجةِ البهجاتِ. يتمتَّعُ بمشاهدةِ الطُّيورِ مرفرِفةً فوقَ وجنةِ المياهِ، مستقبلاً تجلِّياتِ العشّاقِ الَّذينَ تواروا بكلِّ ابتهالِ خلفَ جذوعِ الأشجارِ، يزرعونَ قبلاتِهم فوقَ خدودِ الأزاهيرِ، كأنَّهُم حمائمُ وديعةٌ تهمسُ لَهُ عَنْ خيراتِ السَّنابلِ. ينثرُ هذا المبدعُ الرّهيفُ حرفاً نديَّاً مِنْ طراوةِ الأحلامِ المرفرِفةِ في مساءاتِنا الحنونةِ، يتماهى انسيابُ حرفِهِ معَ أناشيدِ الأطفالِ وهم في ذروةِ أفراحِهِم لاسقبالِ الأعيادِ، محتفياً بالجمالِ المكتنزِ في شموخِ الأشجارِ، وقاماتِ الأصدقاءِ، محلِّقاً في محرابِ الخيالِ المبرعمِ مِنْ أنقى الذّكرياتِ المرفرِفةِ في إشراقةِ الحلمِ، وتتعانقُ حميميّاتُهُ معلَّقةً في حنايا الذَّاكرةِ كأنِّها هديّةٌ مرصَّعةٌ فوقَ جبهةِ العمرِ، كي تناغي حفاوةَ الحرفِ في أوجِ انبعاثِهِ. يصطفي حرفَهُ بشموخٍ خلّاقٍ مِنْ مذاقِ الحياةِ، مِنْ شهقةِ الصَّباحِ، مِنْ بسمةِ الأطفالِ، مِنْ تجاربِ العمرِ، مِنْ رهافةِ انبلاجِ الموجِ. يتماهى جموحُهُ مَعَ تغاريدِ البلابلِ وهسهساتِ الكائناتِ الصَّغيرةِ اللّاهيةِ في رحابِ أحضانِ الطَّبيعةِ، متوِّجاً برَذاذاتِ الفرحِ المتناغمةِ مَعَ بهجةِ الحياةِ. انبلاجُ حرفِهِ أشبهُ ما يكونُ قصيدةَ حنينٍ مسروجةً مِنْ تماوجاتِ هبوبِ النَّسيمِ المندّى بحبورِ النّيلِ، تُسربلُ فضاءَاتُ حرفِهِ لجينَ القلبِ فرحاً متماهياً مَعَ تناثرِ خصوباتِ الموجِ، وتمنحُ الطُّيورُ المحلِّقةُ فوقَ اهتياجِ الأمواجِ عبرَ انبلاجِ حرفِهِ، متعةً مبهجةً للناظرينَ.
يتأمَّل هذا المبدعُ الشَّفيفُ، الحياةَ بكلِّ جمالياتِها ومنمنماتِها البهيَّةِ، غائصاً في مراميها البهيجةِ، ملتقطاً أشهى وأبهى ما يتراءَى لهُ فوقَ وجنةِ الأرضِ، وينسجُ فضاءَاتِهِ برهافةِ حرفٍ مِنْ نكهةِ الماءِ الزّلالِ، لا يشبعُ مِنْ اغترافِ شغافِ الجمالِ الَّذي توَّجَ حياتَهُ عبرَ رحلاتِهِ الفسيحةِ في رحابِ العمرِ، وراحَ يتوغَّلُ عميقاً وبمتعةٍ غامرةٍ في رحلاتِ العبورِ في مروجِ الحياةِ، كأنَّهُ في رحلةِ استكشافٍ للحميمياتِ المتواريةِ غفلةً عنَّا في شقوقِ اللَّيلِ، وكأنّهُ يريدُ أنْ يقولَ لذاتِهِ أولاً ولقرّائِهِ وقارئاتِهِ ثانياً، إنَّ الحياةَ جميلةٌ بكلِّ ما فيها مِنْ ذكرياتٍ بكلِّ تلاوينِها، مجسِّداً، كيفَ يشتدُّ بنا الحنينُ إليها، كلّما ابتعدْنا عنها، حتّى وإنْ كانتْ مخبوءَةً بينَ أخاديدِ العمرِ، محلِّقاً عالياً برؤاهُ العميقةِ، معانقاً شموخَ الأهراماتِ بكلِّ عجائبيّتِها، المرسّخةِ فوقَ أرقى كنوزِ حضارةٍ معرَّشةٍ بأسمى مرامي العطاءِ، مركِّزاً على تجلِّياتِ حرفٍ موشومٍ بتيجانِ الإبهارِ، ومستوحياً رؤاهُ البانوراميّةَ مِنْ ينابيعِ الماضي، ومِنْ تجاربِهِ وذكرياتِهِ المزنّرةِ بحميمياتِ الأصدقاءِ المعشوشبةِ بأشهى محطّاتِ العمرِ، ومِنْ جماليَّاتِ الأمكنةِ المكتنزةِ بأسمى المعاني، فتولدُ عوالمُهُ باذخةً ومسرودةً على إيقاعِ انسيابِ النِّيلِ، بكلِّ ما فيهِ مِنْ ذكرياتٍ وحكاياتٍ ممهورةٍ بالكثيرِ مِنَ الألغازِ والأسرارِ والمعاني، كأنَّهُ خلالَ انهمارِ تدفُّقاتِ الكتابةِ في رحابِ العبورِ إلى متاهاتِ أحلامٍ مُشرقةٍ مِنْ ضفافِ الرُّوحِ، فتولدُ قلائدُهُ مبهرةً للعيانِ، ويبقى مغزاها محفوراً ومرسَّخاً بمهارةٍ فوقَ جدارِ الزَّمنِ.
يسطعُ حرفُ مبدِعِنا مصطفى الضَّبع مثلَ بهاءِ الفَراشاتِ، مثلَ غيومِ الرَّبيعِ المكتنزةِ بالخيرِ الوفيرِ، يشعُّ بياضاً مثلَ نُدفِ الثّلجِ، يموجُ ألقاً فوقَ نصاعةِ الورقِ مثلَ خيوطِ الحريرِ، مثلَ عناقِ الأشجارِ للعصافيرِ، يحملُ عمقاً شاهقاً في تهاطلاتِ بنائِهِ الفنِّيِّ، كأنَّ بوحَهُ متطايرٌ في صباحٍ باكرٍ مِنْ صفاءِ السّماءِ، ومنقوشٌ على أنغامِ المزاميرِ فوقَ ضفائرِ الرُّوحِ، ومنبلجٌ مِنْ ذاكرةٍ حجريّةٍ طافحةٍ بألغازٍ محتبكةٍ بأمواجِ النِّيلِ، لِما يحملُ بينَ ثناياهُ مِنْ مدلولاتٍ متوهِّجةٍ بأزهى مرامي الحياةِ ومِنْ ذكرياتٍ معجونةٍ بهدهداتِ الرُّوحِ الملفَّحةِ بأهازيجِ الحنينِ الموشَّحةِ بأسرارِ الكلمةِ المستنبتةِ مِنْ شهوةِ اللَّيلِ.
يكتُبُ الضَّبعُ آفاقَ رؤاهُ مِن وحي تجاربِهِ المتعانقةِ مَعَ شهيقِ الحياةِ. الكتابةُ عندَهُ مرآةُ الرُّوحِ المتعانقةِ مَعَ جوهرِ الحياةِ، وحبرُ العقلِ المصفّى مِنْ شرورِ هذا الزّمانِ، وانبعاثُ الخيالِ نحوَ معالمِ الجمالِ في زمنِ الانكسارِ، ومناجاةُ الذّكرياتِ الغافيةِ في مرامي تجلِّياتِ البوحِ. مبدعٌ معجونٌ بمذاقِ طراوةِ الأرضِ، دائمُ الاشتعالِ في فضاءِ الانبهارِ في بهاءِ الطَّبيعةِ، بكلِّ ما فيها مِنْ خيراتٍ شهيّةٍ، يطفحُ بوحاً على انبعاثِ إشراقةِ خيوطِ الصَّباحِ، وسطوعِ القمرِ في ليلةٍ مضيئةٍ بتلألؤاتِ النّجومِ، مستوحياً مِنْ إشراقةِ الشَّمسِ شهوةَ الانبلاجِ، ومِنْ ضياءِ القمرِ وتلألؤاتِ النّجومِ، سموَّ الحرفِ في ذروةِ الابتهالِ. يرفرِفُ عالياً فوقَ شوائبِ هذا الزّمانِ، غيرَ عابئٍ إلَّا بما يضيءُ وجنةَ الكونِ بميزانِ الخيرِ والبهاءِ، ويرسمُ بسمةً ممهورةً بالمحبِّةِ فوقَ خدودِ الطّفولةِ، وفوقَ اخضرارِ الطَّبيعةِ، فهوَ ابنُ حضارةٍ عريقةٍ، متشرِّبةٍ بإحدى عجائبِ الدُّنيا مِنْ أعلى أبراجِ الشّموخِ.
تهدهدُ جموحاتُهُ ما يموجُ في بواطنِ الرُّوحِ، وما يستفيءُ في ظلالِ القلبِ مِنْ حبورٍ، وكأنَّهُ كتبَ لنا ما تحنُّ إليهِ الرُّوحُ في ذروةِ ابتهالِها وشوقِها إلى بوّاباتِ الأعالي، إلى أعلى شموخِ الطُّموحِ، وراوَدَني مراراً هذا التَّساؤلُ: هَلْ تناجي كتاباتُنا ما تهفو إليهِ أرواحُ القرّاءِ والقارئاتِ، أمْ أنَّ أرواحَنا متعانقةٌ مَعَ تجلّياتِ الأرواحِ المتراقصةِ على إيقاعِ انبعاثِ الكلمةِ الممراحةِ؟ هَلْ نحنُ البشرُ سؤالٌ مفتوحٌ على مساحاتِ بوحِ الأزلِ، أمْ أنَّنا حنينٌ لا نهايةَ لَهُ إلى أقصى ما تصبو إليهِ جموحاتُ الخيالِ؟! وحدَها الكتابةُ تستطيعُ الإجابةَ عَنْ تساؤلاتِنا، عَنْ هواجسِنا، عمَّا يموجُ في كينونتِنا، إنَّها الكيانُ الأبقى في الحياةِ. الكتابةُ صديقةُ الطَّبيعةِ، صديقةُ اللَّيلِ والنّهارِ، صديقةُ البحارِ والمحيطاتِ وزخّاتِ المطرِ. الكتابةُ شهقةُ عشقٍ مفتوحٍ على جنائنِ النّعيمِ، هي النّعيمُ بعينِهِ، لأنَّنا عبرَ الكتابةِ نستطيعُ أنْ نصلَ إلى أقصى أقاصي الدُّنيا! اللُّغةُ هي ابنةُ الكونِ منذُ الأزلِ، لهذا قيلَ: "في البدءِ كانتِ الكلمة .."، ولولا الكلمةُ، اللُّغةُ، الكتابةُ، لما وجدْنا حضارةً ولا مدنيّةً تخطو على وجهِ الأرضِ، الكتابةُ هي وليدةُ البداياتِ وأرقى ما في مدنيَّةِ الكونِ وأمِّ الحضاراتِ على امتدادِ كلِّ الأزمانِ!
يموجُ في بوحِكَ تجلّيِاتٌ سرديّةٌ محتبكةٌ بدغدغاتِ الماضي، المتشابكِ بشهقاتِ الخيالِ المجنّحِ في تلافيفِ خيوطِ الشَّوقِ المتناثرةِ فوقَ أخاديدِ الحلمِ الغافي فوقَ مناراتِ مهجةِ الأيَّامِ. ما هذا الجمالُ المنسابُ مِنْ طينِ الحياةِ، وكأنَّ حبرَكَ معجونٌ مِنْ رحيقِ النّيلِ في أوجِ اهتياجِهِ وانبهارِهِ، وكأنَّهُ مكمنُ الحكاياتِ المعشّشةِ في حدائقِ الرُّوحِ المملوءةِ بأسرارٍ وأحجياتٍ مكتنزةٍ بأجنحةٍ مرفرفةٍ على امتدادِ أبهى مساحاتِ الخيالِ؟!
الكتابةُ عندَ الكاتبِ الرّهيفِ مصطفى الضّبع منسابةٌ مِن خميلةِ القلبِ المزدانِ باخضرارِ مروجِ الرُّوحِ، فتنبلجُ برهافةٍ شفيفةٍ، كأنّنا إزاءَ تجلّياتِ بوحِ الرُّوحِ وهي في أوجِ انبعاثِها لمعانقةِ شهوةِ اللَّيلِ الحنونِ.
هَلْ تكتبُ حرفَكَ وأنتَ مسربلٌ بجمالِ سطوعِ القمرِ في ليلةٍ قمراءَ، ومهدهِداً تلألؤاتِ النُّجومِ، أمْ أنَّكَ تنقشُ حرفَكَ مِنْ لَدُنِ الأحلامِ المنسابةِ مِنْ ضفائرِ الأيامِ الغافيةِ فوقَ أجنحةِ النِّيلِ وهو يحلِّقُ عالياً كي يكحِّل مآقي الشّمسِ؟! الكتابةُ جناحاكَ المفروشانِ في قُبَّةِ السَّماءِ، أراكَ تحلِّقُ عالياً مثلَ طائرٍ قويِّ الجناحَينِ، ومثلَ سبّاح ٍماهرٍ تجوبُ في أعماقِ البحارِ، بحثاً عَنِ الكنوزِ الّتي جرفَتْها الأمواجُ في أوجِ اهتياجِ الزّوابعِ، ملتقطاً الكنوزَ المشتبكةَ برحيقِ السَّنابلِ وعناقيدِ الدَّوالي.
تنمو في لغتِكَ نكهةُ الأزاهيرِ، وجموحاتٌ لا تخطرُ على بالٍ، فيرقصُ القلبُ شوقاً إلى بزوغِ الشَّمسِ في بداياتِ نيسانَ، وكأنّكَ في رحلةٍ حلميّةٍ نحوَ أهازيجِ الرُّوحِ المعبّقةِ بدندناتِ أصفى الأغاني. كَمْ مِنَ الشَّوقِ حتَّى تبرعمَ الفرحُ في حنايا الحرفِ، كَمْ مِنَ العشقِ حتَّى تبلَّلَ وجْهُ السَّماءِ عبقاً مِنْ بهاءِ النّارنجِ، حرفُكَ مِنْ رحيقِ حبرٍ مضرّجٍ بشهقةِ الانبهارِ، كلَّ عامٍ أيُّها المبدعُ الجميلُ، تصطفي لنا حرفاً مِنْ شهوةِ المطرِ.
ستوكهولم: مودّعاً أواخر عام 2022
(31. 12. 2022)
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم