فيلم عن الرجال الضائعين
the professor and the madman
1
وجهان وكلمة
البروفيسور والمجنون، هي دراما واقعية بطولة شون بن، ميل جيبسون، ناتالي دورمر، جنيفر إيل،
إخراج فرهاد صافينيا، سيناريو جون بورمان وتود كومارنيكي وفرهاد صافينيا، مستند إلى كتاب سيمون وينشستر Crowthorne .
الفيلم أصبح على Netflix بعد رحلة طويلة في المحاكم حيث كان غارقا في الدعاوى القضائية، ليبدأ التصوير في أواخر عام 2016، قبل أن يظهر لأول مرة أخيرا في عام 2019 بأقل قدر من الضجة، يتميز الفيلم بكونه الدور السينمائي الرئيسي الوحيد لشون بن في السنوات الخمس الماضية، مما أدى إلى زيادة الفضول تجاهه، ميل جيبسون وشون بين هذا الثنائي الذي منح العمل قدسيته الخفية وضاعف رصد المهتمين بالسينما لموعد ظهوره.
تدور أحداث الفيلم في إنجلترا في القرن التاسع عشر، ويحكي قصة إعداد النسخة الأولى لقاموس أكسفورد الإنجليزي، حيث يجمع العمل عليه طبيب (وليام/ شون بن) يعاني اضطرابات نفسية مقبوض عليه بتهمة قتل، مع اسكتلندي (موراي / ميل غيبسون) ذاتي التعليم جعلته نباهته واجتهاده المسؤول عن إتمام هذا المشروع، لتنشأ بينهما صداقة غيرت سير الأحداث في حياة كل منهما.
البروفيسور والمجنون فيلم صعب للغاية، ليس لأنه يظهر تعاطفًا منقطع النظير مع قاتل مجنون، بل لأنه يغرقك بدهشة أصل الكلمة لكل مفردة وردت فيه، وللدقة التي أدى فيها الممثلون شخصياتهم الدرامية بتعابير وجوههم، تلك الوجوه التي حوت كل ما يخطر في بالك من أحاسيس وأفكار وحتى الهلاوس، فظهر عليها تأنيب الضمير، الحب والرغبة، والقهر في كثير من الأحيان.. الاصرار والتحدي والعناد والضياع احيانا أخرى، توزعت كل هذه التعابير بين وجهين، وتواجهت حتى انعكست على بعضها واختلطت، وجه قاتل مجنون وصديقه، أو ربما تراه وجه عالم لغة شجاع وصديقه،
تلك الصداقة التي خطتها الكلمات وذهبت بها الى مفترق طرق حتى البحر، يتشاركان فيها عملية البحث عن الكنز الانجليزي الخالص، وقد يرى البعض أنه من الغريب أن تكون فكرة إنشاء قاموس للغة هي فكرة فيلم سينمائي يستدعي السعي لمشاهدته، الا أن الفكرة لم تكن بالقاموس ولا بالكلمات وأصولها، بل كانت بمعانيها التي تقف عندها لتدرك أنها تشكل حياتنا.
السيناريو كان عامل الجذب الأقوى في الفيلم، فغزارة الكلمات وعمق التناول لها والتلاعب بها كان ممر الوصول بك إلى نهاية الفيلم حيث لا تفلت منه كمشاهد، ولا يمكن إنكار أن بعض التراكيب والجمل قد ترافقك إلى ما بعد الفيلم بكثير.
وعند الحديث عن أداء الممثلين كان للأبطال شون بن و ميل جيبسون و ناتالي دورمر النصيب الأعظم من قوة الفيلم ، وتحديدًا شون بن الذي قدم أداءً أسطوريًّا لا يقدمه سواه فقد عكس بكل حرفية معاناة الطبيب القاتل وصراعاته النفسية، فظهر ذلك بنبرة صوته وملامحه وحتى نظرة عينيه.
وتألقت الصورة بذلك التفاوت المحبب بين الداخل والخارج والضوء والعتمة، والتي ارتبطت بالحالة الذهنية والنفسية للشخصيات، مثل مشهد يد الطبيب الخارجة من عتمة السجن وضيقه إلى ضوء النهار واتساعه وكأنها تنشد معجزة وسط هذا المستحيل ، كما تكررت تلك اللقطات الواسعة أفقيا ومن أعلى لتؤكد المشهد كاملا في ذهنك ويستعرض فيها المخرج حسن اختياره للأماكن الأخاذة في تصويره للفيلم، وبالفعل فقد كان التصوير في الفيلم مميزا، أمّا الممثلون الداعمون فكانوا أفضل مما شاهدناه مؤخرا في السينما بمراحل.
2
الرجال الضائعون…
فبينما كان الرجال في هذا الفيلم يتلمسون طريقهم وسط كل الفوضى التي تحيط بهم، كانت النساء واثقات وصاحبات قرار، ففي حين كان موراي تائها بين خطته لجمع القاموس المهددة بالانهيار وبين مواجهة اساتذة أكسفورد ومقاومة ضغوطهم المستمرة، واعتماده في مشروعه على قاتل مجنون كانت زوجته آدا قد قررت مرافقته في عمله وحددت مدة زمنية ترتبط بها مع زوجها في لندن لإتمام هذا المشروع، وبينما كان هو غائبا غارقا بين أوراقه غير المنظمة متخبطا بين هنا وهناك كانت هي ثابتة الحضور مع أولادها وزوجها اذا حضر، وعندما كان يفقد أعصابه فيثور ويصرخ، كانت هي رابطة الجأش هادئة بنبرتها المتماسكة ونظراتها المتمكنة، وعندما هرب من مواجهة اساتذة اكسفورد كانت هي تقف أمامهم وتفرض عليهم كلمتها لتنقذ بذلك سقوط المشروع وبالتالي سقوطه.
وفي الوقت الذي صوب فيه الطبيب وليام سلاحه خوفا وهلعا إلى ظهر الرجل الخطأ قبل أن ينظر إلى عينه كانت إليزا تنظر تماما إلى عيني زوجها وهو يصارع الموت بطلقة، وبينما كان وليام يصرخ في قاعة المحكمة مبررا قتل الخطأ كانت هي تتابعه بنظرات ثابتة بغضب، مترصدة نهايته، وعندما كان هو ينهار داخل السجن كانت هي وبحكمة تتدرج بعلاقتها فيه من قبول التعويض إلى قبوله إلى الحب.
رجالٌ آخرون ظهروا ولم يكونوا أقل ضياعًا كجمع الاساتذة التائهين المذعورين من حربهم اللغوية،
والطبيب المعالج في السجن الذي تذبذبت آراءه حول حالة مريضه مع كل موقف وكل زائر وكل نظرية جديدة،
إلى السجان الذي كان تائهًا ما بين زيه الرسمي وتعاطفه مع الطبيب القاتل.
البروفيسور والمجنون من جملة رجال خاضوا صراعات وضاعوا دون خلاص .
……
the professor and the madman
1
وجهان وكلمة
البروفيسور والمجنون، هي دراما واقعية بطولة شون بن، ميل جيبسون، ناتالي دورمر، جنيفر إيل،
إخراج فرهاد صافينيا، سيناريو جون بورمان وتود كومارنيكي وفرهاد صافينيا، مستند إلى كتاب سيمون وينشستر Crowthorne .
الفيلم أصبح على Netflix بعد رحلة طويلة في المحاكم حيث كان غارقا في الدعاوى القضائية، ليبدأ التصوير في أواخر عام 2016، قبل أن يظهر لأول مرة أخيرا في عام 2019 بأقل قدر من الضجة، يتميز الفيلم بكونه الدور السينمائي الرئيسي الوحيد لشون بن في السنوات الخمس الماضية، مما أدى إلى زيادة الفضول تجاهه، ميل جيبسون وشون بين هذا الثنائي الذي منح العمل قدسيته الخفية وضاعف رصد المهتمين بالسينما لموعد ظهوره.
تدور أحداث الفيلم في إنجلترا في القرن التاسع عشر، ويحكي قصة إعداد النسخة الأولى لقاموس أكسفورد الإنجليزي، حيث يجمع العمل عليه طبيب (وليام/ شون بن) يعاني اضطرابات نفسية مقبوض عليه بتهمة قتل، مع اسكتلندي (موراي / ميل غيبسون) ذاتي التعليم جعلته نباهته واجتهاده المسؤول عن إتمام هذا المشروع، لتنشأ بينهما صداقة غيرت سير الأحداث في حياة كل منهما.
البروفيسور والمجنون فيلم صعب للغاية، ليس لأنه يظهر تعاطفًا منقطع النظير مع قاتل مجنون، بل لأنه يغرقك بدهشة أصل الكلمة لكل مفردة وردت فيه، وللدقة التي أدى فيها الممثلون شخصياتهم الدرامية بتعابير وجوههم، تلك الوجوه التي حوت كل ما يخطر في بالك من أحاسيس وأفكار وحتى الهلاوس، فظهر عليها تأنيب الضمير، الحب والرغبة، والقهر في كثير من الأحيان.. الاصرار والتحدي والعناد والضياع احيانا أخرى، توزعت كل هذه التعابير بين وجهين، وتواجهت حتى انعكست على بعضها واختلطت، وجه قاتل مجنون وصديقه، أو ربما تراه وجه عالم لغة شجاع وصديقه،
تلك الصداقة التي خطتها الكلمات وذهبت بها الى مفترق طرق حتى البحر، يتشاركان فيها عملية البحث عن الكنز الانجليزي الخالص، وقد يرى البعض أنه من الغريب أن تكون فكرة إنشاء قاموس للغة هي فكرة فيلم سينمائي يستدعي السعي لمشاهدته، الا أن الفكرة لم تكن بالقاموس ولا بالكلمات وأصولها، بل كانت بمعانيها التي تقف عندها لتدرك أنها تشكل حياتنا.
السيناريو كان عامل الجذب الأقوى في الفيلم، فغزارة الكلمات وعمق التناول لها والتلاعب بها كان ممر الوصول بك إلى نهاية الفيلم حيث لا تفلت منه كمشاهد، ولا يمكن إنكار أن بعض التراكيب والجمل قد ترافقك إلى ما بعد الفيلم بكثير.
وعند الحديث عن أداء الممثلين كان للأبطال شون بن و ميل جيبسون و ناتالي دورمر النصيب الأعظم من قوة الفيلم ، وتحديدًا شون بن الذي قدم أداءً أسطوريًّا لا يقدمه سواه فقد عكس بكل حرفية معاناة الطبيب القاتل وصراعاته النفسية، فظهر ذلك بنبرة صوته وملامحه وحتى نظرة عينيه.
وتألقت الصورة بذلك التفاوت المحبب بين الداخل والخارج والضوء والعتمة، والتي ارتبطت بالحالة الذهنية والنفسية للشخصيات، مثل مشهد يد الطبيب الخارجة من عتمة السجن وضيقه إلى ضوء النهار واتساعه وكأنها تنشد معجزة وسط هذا المستحيل ، كما تكررت تلك اللقطات الواسعة أفقيا ومن أعلى لتؤكد المشهد كاملا في ذهنك ويستعرض فيها المخرج حسن اختياره للأماكن الأخاذة في تصويره للفيلم، وبالفعل فقد كان التصوير في الفيلم مميزا، أمّا الممثلون الداعمون فكانوا أفضل مما شاهدناه مؤخرا في السينما بمراحل.
2
الرجال الضائعون…
فبينما كان الرجال في هذا الفيلم يتلمسون طريقهم وسط كل الفوضى التي تحيط بهم، كانت النساء واثقات وصاحبات قرار، ففي حين كان موراي تائها بين خطته لجمع القاموس المهددة بالانهيار وبين مواجهة اساتذة أكسفورد ومقاومة ضغوطهم المستمرة، واعتماده في مشروعه على قاتل مجنون كانت زوجته آدا قد قررت مرافقته في عمله وحددت مدة زمنية ترتبط بها مع زوجها في لندن لإتمام هذا المشروع، وبينما كان هو غائبا غارقا بين أوراقه غير المنظمة متخبطا بين هنا وهناك كانت هي ثابتة الحضور مع أولادها وزوجها اذا حضر، وعندما كان يفقد أعصابه فيثور ويصرخ، كانت هي رابطة الجأش هادئة بنبرتها المتماسكة ونظراتها المتمكنة، وعندما هرب من مواجهة اساتذة اكسفورد كانت هي تقف أمامهم وتفرض عليهم كلمتها لتنقذ بذلك سقوط المشروع وبالتالي سقوطه.
وفي الوقت الذي صوب فيه الطبيب وليام سلاحه خوفا وهلعا إلى ظهر الرجل الخطأ قبل أن ينظر إلى عينه كانت إليزا تنظر تماما إلى عيني زوجها وهو يصارع الموت بطلقة، وبينما كان وليام يصرخ في قاعة المحكمة مبررا قتل الخطأ كانت هي تتابعه بنظرات ثابتة بغضب، مترصدة نهايته، وعندما كان هو ينهار داخل السجن كانت هي وبحكمة تتدرج بعلاقتها فيه من قبول التعويض إلى قبوله إلى الحب.
رجالٌ آخرون ظهروا ولم يكونوا أقل ضياعًا كجمع الاساتذة التائهين المذعورين من حربهم اللغوية،
والطبيب المعالج في السجن الذي تذبذبت آراءه حول حالة مريضه مع كل موقف وكل زائر وكل نظرية جديدة،
إلى السجان الذي كان تائهًا ما بين زيه الرسمي وتعاطفه مع الطبيب القاتل.
البروفيسور والمجنون من جملة رجال خاضوا صراعات وضاعوا دون خلاص .
……