اقاليم غير متمتعه بحكم ذاتي
Non-autonomous areas - Territoires non-autonomes
الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي
يطلق مصطلح «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» non-self governing territories على الأقاليم التي كانت تستعمرها دول الحلفاء قبل الحرب العالمية الثانية. ولما اندلعت هذه الحرب (1939-1945) كانت الحركات التحررية تجتاح معظم البلاد المستعمَرة. فكان لا بد لمهندسي السلم العالمي من أن يراعوا هذا الوضع الجديد حين تجمعوا في «يالطة» لبحث مستقبل منظمة الأمم المتحدة[ر] المنتظر إنشاؤها. وبحث الحلفاء المنتصرون في الحرب حقاً مصير الأقاليم الخاضعة للاستعمار بشتى صوره (المحميات، والدول التابعة، والمستعمرات التي ستنتزع من دول المحور وكذلك الأقاليم التي كانت تحت الانتداب أيام عصبة الأمم). وتقرر وضع تلك الأقاليم تحت نظام الرقابة الدولية الذي ستمارسه منظمة الأمم المتحدة عندما تولد (وقد ولدت في 24/10/1945).
ولم ينس الحلفاء (بريطانية والولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفييتي) أن يميزوا الأقاليم التي كانت تحت سيطرة المستعمرين منهم من تلك المنزوعة من يد المنهزمين. فأوجدوا للأولى نظاماً يدعى نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي (الفصل الحادي عشر من الميثاق)، في حين أوجدوا للثانية نظام الوصاية[ر] (الفصلان الثاني عشر والثالث عشر) وبينهما ما بينهما من فوارق. تنص المادة الثالثة والسبعون من ميثاق الأمم المتحدة على ما يأتي:
«يقرر أعضاء الأمم المتحدة ـ الذين يضطلعون في الحال، أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي ـ المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، وهي الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق. ولهذا الغرض:
آ ـ يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتها بإنصاف، وحمايتها من ضروب الإساءة. كل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب.
ب ـ ينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء نظمها السياسية الحرة إنماءً مطرداً، وفقاً للأحوال الخاصة بكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة.
جـ ـ يوطدون السلم والأمن الدولي.
د ـ يعززون التدابير الإنشائية للرقي والتقدم، ويشجعون البحوث، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق المقاصد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المفصّلة في هذه المادة تحقيقاً علمياً، كما يتعاونون أيضاً لهذا الغرض مع الهيئات الدولية المتخصصة كلما تراءت لهم ملاءمة ذلك.
هـ ـ يرسلون إلى الأمين العام بانتظام ويحيطونه علماً بالبيانات الإحصائية وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد والاجتماع والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي تطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من هذا الميثاق. كل ذلك مع مراعاة القيود التي تستدعيها الاعتبارات المتعلقة بالأمن والاعتبارات الدستورية».
واضح من هذه النصوص الواسعة الغامضة ما يأتي:
1ـ أنّ الميثاق لم يحدد البلدان التي تخضع لنظام «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» بل ترك ذلك لحصافة الدول المستعمرة، التي أسماها «الدول المديرة administering states»، فهي التي تقدم للأمم المتحدة أسماء هذه البلدان. وهذا ما فتح الباب واسعاً أمام هذه الدول إما للإحجام عن تقديم أسماء بعض مستعمراتها (مثلما حصل عندما انضمت إسبانية والبرتغال للأمم المتحدة في الخمسينات من القرن العشرين)، وإما لسحب هذه الأسماء بعد تقديمها بحجة أن الإقليم المعني أصبح يتمتع بالحكم الذاتي بعدما كان لا يتمتع بهذا الوصف (مثلما حدث عندما طلبت الولايات المتحدة الأميركية سحب اسم بورتوريكو بعدما كانت وضعت هذا الإقليم في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي حين شعرت بأن الأمم المتحدة تمارس دور الرقيب العتيد على مصير هذه الأقاليم).
وقد استقر تعامل الأمم المتحدة في هذا الخصوص على ما يأتي:
(آ) أنّ من حق الدولة المديرة لإقليم غير متمتع بحكم ذاتي أن تدرج اسمه في قوائم الأمم المتحدة. ولكن متى حصل هذا يصبح من حق الأمم المتحدة وحدها أن تقرر هل أصبح هذا الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي أو لا وفق معايير وضعتها الجمعية العامة.
(ب) أمَّا الدول التي انضمت إلى الأمم المتحدة بعد ولادتها وتلكأت عمداً في وضع مستعمراتها في قوائم الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي فقد أقرت الجمعية العامة عدداً من المعايير تطبقها هي لتوصيف مثل هذه الأقاليم ووضعها في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والخاضعة لرقابتها أيضاً. وقد وضعت هذه المعايير على أساس التباعد الجغرافي بين الدولة الحاكمة والدولة المحكومة مع اختلاف العرق أو الدين أو اللغة أو التراث بينهما. وجعل أساس المعاملة بين الحاكم والمحكوم دستورياً عاملاً حاسماً في التوصيف. فقد وجدت الجمعية العامة مثلاً أن أنغولة وموزامبيق وسواهما من المستعمرات البرتغالية التي كانت البرتغال تسميها أقاليم عبر البحار أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي لما تقدم من معايير، لأن تمثيل شعوب هذه الأقاليم في الهيئات الدستورية البرتغالية لا يجعل من شعوبها جزءاً مساوياً في الحقوق لشعب البرتغال الأصلي.
2 ـ أن الميثاق جعل الهدف من نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي إيصال هذه الأقاليم إلى ما أسماه واضعو الميثاق الحكم الذاتي self-government وهو شيء غير الاستقلال وأقل منه بكثير، أي أقل مما تأمله شعوب هذه البلدان. بل إن الحكم الذاتي نفسه لم يعيّن الميثاق من يقرر الوصول إليه ولا كيفيته، ولايظنن ظانّ أن واضعي الميثاق سهوا عن النص أن الاستقلال هدف تصل إليه شعوب الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي، بل إن محاضر اجتماعات مؤتمر سان فرنسيسكو الذي انبثق عنه يوم 26/6/1945 ميثاق الأمم المتحدة تشهد أن الدول الصغرى ولاسيما الدول العربية والاتحاد السوفييتي أصرت على الاستقلال independence هدفاً لنظام هذه الأقاليم رديفاً للحكم الذاتي، لكنها لم تستطع مقاومة الدول الاستعمارية التي هددت بإحباط المؤتمر كله إذا أدخلت كلمة «الاستقلال» هدفاً تصل إليه هذه الأقاليم.
لكن الدول المناهضة للاستعمار دارت حول النصوص واستعانت عن طريق الأمم المتحدة بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها [ر. تقرير المصير(حق ـ)] لتحقق ما لم تحققه في صياغة الميثاق. فمنذ عام 1950 بدأت هذه الدول تبلور مفهوم حق تقرير المصير الذي ورد النص عليه عاماً وغامضاً في أهداف الأمم المتحدة (المادة 1 ف2) لتصل في مسعاها إلى تعريف عام له وهو حق كل الشعوب في اختيار السيادة التي تريد الانضواء تحت لوائها وشكل الحكم الذي تريده سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ومضت الدول المناهضة للاستعمار بصعوبة ولكن بثبات تطبق هذا المفهوم على شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي لتنادي بحقها في اختيار الاستقلال إضافة إلى الحكم الذاتي الذي نص عليه الميثاق. ونجحت في ذلك بدءاً من عام 1960.
3 ـ أن الميثاق رتّب على الدولة المسؤولة عن هذه الأقاليم التزامات طفيفة تتمثل في مجرد التعهد بإرشاد سكان هذه الأقاليم والإشراف على ما بيّنه من نواحي حياتهم وإرسال تقارير لإطلاع الأمم المتحدة في ممارسة الرقابة الفعّالة على هذه التقارير ناهيك عن التطور.
لكن ممارسة الجمعية العامة للأمم المتحدة كان لها أثر بنّاء؛ فقد قررت تأليف لجنة لدراسة التقارير الواردة من الدول المديرة عن أوضاع هذه الأقاليم، وما إن بدأت هذه اللجنة عملها حتى تحولت بهدوء إلى عملاق لايسأل الدول المستعمرة عن دقائق الأمور في هذه التقارير وحسب بل عن ضرورة تضمينها بنوداً عن تطور الأوضاع السياسية في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي تشرف عليها. ومع إصرار الدول المستعمرة وتعنتها أصرت الدول المناهضة للاستعمار على موقفها وصعدته حتى كان الإعلان التاريخي لقرار الجمعية العامة ذي الرقم 1514، (الدورة 15) الصادر في 15/12/1960 وفيه أعلنت الجمعية العامة بالتوافق acclamation أن جميع الشعوب المستعمرة، سواء أكانت غير متمتعة بالحكم الذاتي أم خاضعة للوصاية أم تحت حكم أجنبي مهما كانت صورته لها حق ثابت في الاستقلال الفوري من دون إبطاء.
وألفت الجمعية العامة بعد هذا القرار لجنة تلقي المعلومات التي ورد ذكرها لتنشئ خلفاً لها، وهو لجنة للإشراف على تطبيق القرار 1514 عرفت باسمها الشعبي «لجنة تصفية الاستعمار» أو «لجنة الأربع والعشرين»، جعلت مهمتها الإشراف على إعمال القرار 1514 من دون أي تأخير أو شروط أو قيود.
لقد بلغ عدد الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في أواخر الأربعينات 74 إقليماً، وارتفع بعد انضمام إسبانية والبرتغال إلى نحو من مئة، ثم انخفض بتحرر شعوب هذه الأقاليم فلم يبق سوى بضعة أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي، وهي قليلة السكان تحافظ الدول المستعمرة عليها إما استمراراً فيها للحفاظ على كرامتها الدولية وإما لاستخدامها في تحقيق بعض أغراضها. في حين لا تصر الأمم المتحدة على استقلالها الناجز لعدم قناعتها بإمكانات شعوب هذه الأقاليم على مواجهة الحياة وهي كيانات مستقلة. عندما قامت الأمم المتحدة في 24/10/1945 كان عدد أعضائها إحدى وخمسين دولة، ثم صار العدد في مطلع عام 2000 ثمانياً وثمانين ومئة دولة. وفي حين كان 45% من شعوب الأرض مستعمراً بصورة ما انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 1%، وكل ذلك بفضل نضال الشعوب في سبيل حريتها وجعل الأمم المتحدة نفسها منبراً لإسماع صوت الشعوب إلى العالم، فالاستقلال ينتزع ولا يمنح.
محمد عزيز شكري
Non-autonomous areas - Territoires non-autonomes
الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي
يطلق مصطلح «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» non-self governing territories على الأقاليم التي كانت تستعمرها دول الحلفاء قبل الحرب العالمية الثانية. ولما اندلعت هذه الحرب (1939-1945) كانت الحركات التحررية تجتاح معظم البلاد المستعمَرة. فكان لا بد لمهندسي السلم العالمي من أن يراعوا هذا الوضع الجديد حين تجمعوا في «يالطة» لبحث مستقبل منظمة الأمم المتحدة[ر] المنتظر إنشاؤها. وبحث الحلفاء المنتصرون في الحرب حقاً مصير الأقاليم الخاضعة للاستعمار بشتى صوره (المحميات، والدول التابعة، والمستعمرات التي ستنتزع من دول المحور وكذلك الأقاليم التي كانت تحت الانتداب أيام عصبة الأمم). وتقرر وضع تلك الأقاليم تحت نظام الرقابة الدولية الذي ستمارسه منظمة الأمم المتحدة عندما تولد (وقد ولدت في 24/10/1945).
ولم ينس الحلفاء (بريطانية والولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفييتي) أن يميزوا الأقاليم التي كانت تحت سيطرة المستعمرين منهم من تلك المنزوعة من يد المنهزمين. فأوجدوا للأولى نظاماً يدعى نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي (الفصل الحادي عشر من الميثاق)، في حين أوجدوا للثانية نظام الوصاية[ر] (الفصلان الثاني عشر والثالث عشر) وبينهما ما بينهما من فوارق. تنص المادة الثالثة والسبعون من ميثاق الأمم المتحدة على ما يأتي:
«يقرر أعضاء الأمم المتحدة ـ الذين يضطلعون في الحال، أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي ـ المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، وهي الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق. ولهذا الغرض:
آ ـ يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتها بإنصاف، وحمايتها من ضروب الإساءة. كل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب.
ب ـ ينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء نظمها السياسية الحرة إنماءً مطرداً، وفقاً للأحوال الخاصة بكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة.
جـ ـ يوطدون السلم والأمن الدولي.
د ـ يعززون التدابير الإنشائية للرقي والتقدم، ويشجعون البحوث، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق المقاصد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المفصّلة في هذه المادة تحقيقاً علمياً، كما يتعاونون أيضاً لهذا الغرض مع الهيئات الدولية المتخصصة كلما تراءت لهم ملاءمة ذلك.
هـ ـ يرسلون إلى الأمين العام بانتظام ويحيطونه علماً بالبيانات الإحصائية وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد والاجتماع والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي تطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من هذا الميثاق. كل ذلك مع مراعاة القيود التي تستدعيها الاعتبارات المتعلقة بالأمن والاعتبارات الدستورية».
واضح من هذه النصوص الواسعة الغامضة ما يأتي:
1ـ أنّ الميثاق لم يحدد البلدان التي تخضع لنظام «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» بل ترك ذلك لحصافة الدول المستعمرة، التي أسماها «الدول المديرة administering states»، فهي التي تقدم للأمم المتحدة أسماء هذه البلدان. وهذا ما فتح الباب واسعاً أمام هذه الدول إما للإحجام عن تقديم أسماء بعض مستعمراتها (مثلما حصل عندما انضمت إسبانية والبرتغال للأمم المتحدة في الخمسينات من القرن العشرين)، وإما لسحب هذه الأسماء بعد تقديمها بحجة أن الإقليم المعني أصبح يتمتع بالحكم الذاتي بعدما كان لا يتمتع بهذا الوصف (مثلما حدث عندما طلبت الولايات المتحدة الأميركية سحب اسم بورتوريكو بعدما كانت وضعت هذا الإقليم في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي حين شعرت بأن الأمم المتحدة تمارس دور الرقيب العتيد على مصير هذه الأقاليم).
وقد استقر تعامل الأمم المتحدة في هذا الخصوص على ما يأتي:
(آ) أنّ من حق الدولة المديرة لإقليم غير متمتع بحكم ذاتي أن تدرج اسمه في قوائم الأمم المتحدة. ولكن متى حصل هذا يصبح من حق الأمم المتحدة وحدها أن تقرر هل أصبح هذا الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي أو لا وفق معايير وضعتها الجمعية العامة.
(ب) أمَّا الدول التي انضمت إلى الأمم المتحدة بعد ولادتها وتلكأت عمداً في وضع مستعمراتها في قوائم الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي فقد أقرت الجمعية العامة عدداً من المعايير تطبقها هي لتوصيف مثل هذه الأقاليم ووضعها في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والخاضعة لرقابتها أيضاً. وقد وضعت هذه المعايير على أساس التباعد الجغرافي بين الدولة الحاكمة والدولة المحكومة مع اختلاف العرق أو الدين أو اللغة أو التراث بينهما. وجعل أساس المعاملة بين الحاكم والمحكوم دستورياً عاملاً حاسماً في التوصيف. فقد وجدت الجمعية العامة مثلاً أن أنغولة وموزامبيق وسواهما من المستعمرات البرتغالية التي كانت البرتغال تسميها أقاليم عبر البحار أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي لما تقدم من معايير، لأن تمثيل شعوب هذه الأقاليم في الهيئات الدستورية البرتغالية لا يجعل من شعوبها جزءاً مساوياً في الحقوق لشعب البرتغال الأصلي.
2 ـ أن الميثاق جعل الهدف من نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي إيصال هذه الأقاليم إلى ما أسماه واضعو الميثاق الحكم الذاتي self-government وهو شيء غير الاستقلال وأقل منه بكثير، أي أقل مما تأمله شعوب هذه البلدان. بل إن الحكم الذاتي نفسه لم يعيّن الميثاق من يقرر الوصول إليه ولا كيفيته، ولايظنن ظانّ أن واضعي الميثاق سهوا عن النص أن الاستقلال هدف تصل إليه شعوب الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي، بل إن محاضر اجتماعات مؤتمر سان فرنسيسكو الذي انبثق عنه يوم 26/6/1945 ميثاق الأمم المتحدة تشهد أن الدول الصغرى ولاسيما الدول العربية والاتحاد السوفييتي أصرت على الاستقلال independence هدفاً لنظام هذه الأقاليم رديفاً للحكم الذاتي، لكنها لم تستطع مقاومة الدول الاستعمارية التي هددت بإحباط المؤتمر كله إذا أدخلت كلمة «الاستقلال» هدفاً تصل إليه هذه الأقاليم.
لكن الدول المناهضة للاستعمار دارت حول النصوص واستعانت عن طريق الأمم المتحدة بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها [ر. تقرير المصير(حق ـ)] لتحقق ما لم تحققه في صياغة الميثاق. فمنذ عام 1950 بدأت هذه الدول تبلور مفهوم حق تقرير المصير الذي ورد النص عليه عاماً وغامضاً في أهداف الأمم المتحدة (المادة 1 ف2) لتصل في مسعاها إلى تعريف عام له وهو حق كل الشعوب في اختيار السيادة التي تريد الانضواء تحت لوائها وشكل الحكم الذي تريده سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ومضت الدول المناهضة للاستعمار بصعوبة ولكن بثبات تطبق هذا المفهوم على شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي لتنادي بحقها في اختيار الاستقلال إضافة إلى الحكم الذاتي الذي نص عليه الميثاق. ونجحت في ذلك بدءاً من عام 1960.
3 ـ أن الميثاق رتّب على الدولة المسؤولة عن هذه الأقاليم التزامات طفيفة تتمثل في مجرد التعهد بإرشاد سكان هذه الأقاليم والإشراف على ما بيّنه من نواحي حياتهم وإرسال تقارير لإطلاع الأمم المتحدة في ممارسة الرقابة الفعّالة على هذه التقارير ناهيك عن التطور.
لكن ممارسة الجمعية العامة للأمم المتحدة كان لها أثر بنّاء؛ فقد قررت تأليف لجنة لدراسة التقارير الواردة من الدول المديرة عن أوضاع هذه الأقاليم، وما إن بدأت هذه اللجنة عملها حتى تحولت بهدوء إلى عملاق لايسأل الدول المستعمرة عن دقائق الأمور في هذه التقارير وحسب بل عن ضرورة تضمينها بنوداً عن تطور الأوضاع السياسية في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي تشرف عليها. ومع إصرار الدول المستعمرة وتعنتها أصرت الدول المناهضة للاستعمار على موقفها وصعدته حتى كان الإعلان التاريخي لقرار الجمعية العامة ذي الرقم 1514، (الدورة 15) الصادر في 15/12/1960 وفيه أعلنت الجمعية العامة بالتوافق acclamation أن جميع الشعوب المستعمرة، سواء أكانت غير متمتعة بالحكم الذاتي أم خاضعة للوصاية أم تحت حكم أجنبي مهما كانت صورته لها حق ثابت في الاستقلال الفوري من دون إبطاء.
وألفت الجمعية العامة بعد هذا القرار لجنة تلقي المعلومات التي ورد ذكرها لتنشئ خلفاً لها، وهو لجنة للإشراف على تطبيق القرار 1514 عرفت باسمها الشعبي «لجنة تصفية الاستعمار» أو «لجنة الأربع والعشرين»، جعلت مهمتها الإشراف على إعمال القرار 1514 من دون أي تأخير أو شروط أو قيود.
لقد بلغ عدد الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في أواخر الأربعينات 74 إقليماً، وارتفع بعد انضمام إسبانية والبرتغال إلى نحو من مئة، ثم انخفض بتحرر شعوب هذه الأقاليم فلم يبق سوى بضعة أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي، وهي قليلة السكان تحافظ الدول المستعمرة عليها إما استمراراً فيها للحفاظ على كرامتها الدولية وإما لاستخدامها في تحقيق بعض أغراضها. في حين لا تصر الأمم المتحدة على استقلالها الناجز لعدم قناعتها بإمكانات شعوب هذه الأقاليم على مواجهة الحياة وهي كيانات مستقلة. عندما قامت الأمم المتحدة في 24/10/1945 كان عدد أعضائها إحدى وخمسين دولة، ثم صار العدد في مطلع عام 2000 ثمانياً وثمانين ومئة دولة. وفي حين كان 45% من شعوب الأرض مستعمراً بصورة ما انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 1%، وكل ذلك بفضل نضال الشعوب في سبيل حريتها وجعل الأمم المتحدة نفسها منبراً لإسماع صوت الشعوب إلى العالم، فالاستقلال ينتزع ولا يمنح.
محمد عزيز شكري