فيلمٌ جديد بعنوان «الوصول» يعرض وصول العديد من المركبات الفضائية الغامضة إلى كوكب الأرض حيث يواجه سكان الأرض كيفية تحديد الطريقة التي يمكن بها التقارب والتواصل مع زوار الفضاء هؤلاء.
ضمن الفيلم يتم دعوة فريق من الخبراء للتحقيق في الأمر وأحد أعضاء هذا الفريق هو عالم لغوي، وعلى الرغم من أن الفيلم يناقش القضية من منظور الخيال العلمي إلا أنه يتعرض لتحدٍّ حقيقي وصعب ألا وهو كيف يمكننا التواصل مع شخصٍ ما أو تعَلُّم لغته دون وجود أي لغة وسيطة بيننا؟!
كيف نتعلم اللغات الميتة أو المنعزلة؟
قضى عالم اللغة ايفيريت (Everett) من جامعة بينتلي (Bentley) أكثر من ثلاثين عامًا في العمل مع شعب البيراها Pirahã وهو من شعوب الأمازون البرازيلية، لدراسة وتعَلُّم لغتهم التي لم يكن لها أي توثيق أو كتابة في الماضي، وهي لغة منعزلة وآخر فروع عائلتها من اللغة، وبها أيضًا بعض النقص من المفردات أو طرق الوصف مثل عدم وجود نظام للأعداد أو الاتجاهات مثل «اليمين واليسار».
كان شعب البيراها منعزلًا بشكل كامل وكانوا وحيدي اللغة أيضًا أي لا يتحدثون أي لغة أخرى لذا لم يشكل عدم تحدث ايفيريت البرتغالية التي هي اللغة الرسمية للبرازيل عائقًا.
بدأ ايفيريت دراسته لشعب البيراها عن طريق الإشارة لهم لأشياء مادية كعصا مثلاً وسؤالهم عنها ولو باللغة الانجليزية وهكذا مع أشياء أخرى، وعن طريق معرفة أسماء الأشياء يمكن لعالم اللغة أن يتعرف على البنية الأساسية للجُمَل وتكوينها والتعرف على القواعد وطرق التعبير ووصف الحركات. وعن طريق التركيز على الأصوات ونبرة الكلام وتداخل الكلمات يمكن بناء منهاج عمل لتلك اللغة كما يقول ايفيريت.
التحدث مع المخلوقات الفضائية:
تكمن صعوبة التواصل مع المخلوقات الفضائية في أن مجرد سوء فهم بسيط في التعبير أو الصوت أو اللغة قد ينتج عنه حربًا فضائية أو مقتل المستكشف -إنسانًا أو فضائيًا- على أقل تقدير، ففي فيلم الخيال العلمي «هجوم المريخ» مثلًا كان الحمام الأبيض الذي هو رمز للسلام في الأرض إشارة عدوانية للفضائيين، فالتعاون من الجانبين هو شيءٌ أساسيٌّ لأن اختلاط الأمور ليس بالأمر الجيد أبدًا.
جيسي سنيدكر (Jesse Snedeker) عالمة الطب النفسي بجامعة هارفارد والتي تدرس تطور اللغات والكلام عند الأطفال تقول: «نحن نعرف أن أي طفل يمكنه أن يتعلم أي لغة بشرية مُمكنة، كل طفل يمتلك سعة داخلية تُمكنه من تعَلُّم أي لغة جديدة».
وتضيف:” «لكن يجب أن نسأل أنفسنا هل نحن لدينا السعة الكافية لتعَلُّم لغة الفضائيين وهل هم أيضًا لديهم سعة كافية لتعَلُّم لغتنا؟ تختلف الإجابات باختلاف الأشخاص بالطبع».
كيرين رايس (Keren Rice) عالم اللغة بجامعة تورونتو في كندا يؤمن أن النقاط الأساسية في التواصل مع الفضائيين هي بالفعل مُمكنة إلا في حالة واحدة وهي أن يكون فهمنا لأساسيات التواصل والكلام مثل الزمان والمكان والضمائر مختلف عن تلك الأساسيات في التواصل عند الفضائيين فهذا قد يجعل نقطة البداية في التواصل غير موجودة.
يقول ايفيريت: «إنه أمرٌ واردٌ بشدة أن تكون هناك بعض اللغات التي تملك مجموعة أنظمة وتركيبات للتواصل وفهم المعاني بطريقة لا نتخيلها قط، ولكنني شخصيًا لا أُرجح هذا الأمر».
ويستكمل قائلاً: «حتى وإن قُمنا بحل ومعرفة التركيبات للغة الفضائيين فإن إيصال رسائلنا الكلامية لهم سيكون تحديًا كبيرًا، فالبشر يتواصلون بطريقة أساسية بالنظر واللمس والصوت، لكن الفضائيين قد لا يكونون مثلنا، إنه أمرٌ صعبٌ أن نتخيل لغة للتواصل تعتمد على الطَعم أو التذوق مثلاً، ولكن من يعرف قد يكون هذا واردًا».
لو أن الفضائيين يمتلكون نُظمًا حسية وإدراكية وتعبيرية مُختلفة بشكل كبير عننا نحن البشر فالتكنولوجيا قد تكون هي الجسر الواصل بيننا كما يقول بعض علماء اللغة، فعلى سبيل المثال لو أن الفضائيين يتحدثون بأصوات ذات ترددات لا ندركها أو نسمعها فيمكننا أن نستخدم المسجلات الرقمية لسماع أصواتهم.
تقول سنيدكر أنها تسأل طُلابها سؤلاً في الامتحانات لقياس مدى استيعابهم للأسس التطورية للغات البشرية وهذا السؤال هو: «إذا قمنا باكتشاف مخلوقات جديدة على كوكب المريخ والتي يبدو أن لديهم نظامًا رمزيًا للتواصل شديد التعقيد، من يجب أن نرسله للتواصل معهم وكيف تقدّر قدرته على النجاح؟»
«لا توجد إجابة صحيحة لذلك السؤال.» تستكمل سنيدكر.
وأخيرًا نحن لا نعرف طريقة مُحددة للتواصل مع المخلوقات الفضائية إن ظهرت لأننا لا نملك الحد الأدنى من المعرفة عن حضارتهم ولكن أي حضارة تصل لمستوى معين من التكنولوجيا والتقدم ستسعى بالتأكيد لفهم الحضارات الأخرى كما نفعل نحن ولكننا لا يمكننا أن نتأكد من أمرٍ ما لم نختبره ولم نكتشفه أو حتى نرصده بعد.