قُدامَةُ بنُ جَعْفَر
(…ـ 337هـ/… ـ 948م)
أبو الفرج قدامة بن جعفر، بن قدامة بن زياد البغدادي، ولد في البصرة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري، وأدرك ثعلباً (ت291هـ) والمبرّد (ت285هـ) وابن قتيبة (ت276هـ) وطبقتهم، ونشأ وترعرع في بغداد، كان نصرانياً ثم أسلم على يد الخليفة العباسي المكتفي بالله (289 ـ295هـ) كما ذكر النديم.
قرأ واجتهد وبرع في صناعتي البلاغة والحساب، وتأثّر كثيراً بالمنطق والفلسفة ممّا يبدو واضحاً في تصانيفه، كما برع في اللغة والأدب والفقه والكلام، وكان يمدّه في كلّ ذلك ذكاء قوي وطبع سليم وشغف بالاطّلاع، هذا إلى خلق قويم ونفس كريمة حتى صار أحد العلماء البارزين في عصره.
ثم كتب لبني بويه سنة 334، وبقي كذلك حتى تُوفّي، وكانت وفاته في بغداد أيام الخليفة المطيع لله (334ـ363هـ).
وقدامة بن جعفر، أحد رجلين كانا أوّل من عَرّف علم البديع ورسم طريقته وأوضح نهجه وأبان للناس سبيله، له طريقة فذة في التأليف تجمع إلى غزارة المادة وعمق التفكير-حسن الترتيب وسهولة العبارة وإيجازها.
وكانت ثقافته ذات مصدرين، أحدهما: عربي تنطق به كل صفحة من صفحات مؤلفاته، والثاني: يوناني يتجلّى أكثر ما يتجلى في كتابه «نقد الشعر» الذي بدا فيه أثر كتاب «الخطابة» لأرسطو، وذلك بدءاً من أوّل الكتاب عندما عرّف الشعر بأنّه «قول موزون مقفى يدل على معنى»، وصوّر الطريقة التي اتبعها في صوغ هذا التعريف بمثال آخر وهو تعريف الإنسان بأنه «حيّ ناطق ميّت». ويمكن القول إنّ أوجه التلاقي عند أرسطو وقدامة أكثر من أن يُدل عليها.
وقدامة في هذا الكتاب، يبيّن أسباب الجودة والرداءة في الشعر فيذكر عناصره الأربعة، اللفظ والوزن والقافية والمعنى، ثم يذكر ائتلاف هذه العناصر بعضها مع بعض، فينتج عنده أربعة ائتلافات هي: ائتلاف اللفظ مع المعنى، وائتلاف اللفظ مع الوزن، وائتلاف المعنى مع الوزن، وائتلاف المعنى مع القافية. ثم يتكلم عن الثمانية ويخرج بما يقرب من عشرين لوناً من ألوان البديع معرّفاً ومبيّناً وهي: (الترصيع والتشبيه وصحة التقسيم وصحة المقابلة وصحة التفسير والتتميم والمبالغة والتكافؤ والالتفات والمساواة والإشارة والإرداف والتمثيل والمطابق (المجانس) وائتلاف القافية مع ما يدّل عليه سائر البيت والتوشيح والإيغال والاستعارة والترصيع).
وأحسن البلاغة عنده: الترصيع والسجع واتساق البناء واعتدال الوزن، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وتكافؤ المعاني في المقابلة والتوازي كما ذكر في كتابه «جواهر الألفاظ». وقد ضمّن كتابه «الخراج وصناعة الكتابة» أبواباً مختلفة تحدّث فيها عن خصائص الكتَّاب والبلغاء.
وقد سبق قدامة بن جعفر إلى تحديد كثير من مصطلحات البلاغة وإعطائها وجهها الفني الذي كان مادة لمن بعده من علماء البلاغة، أفاد منها أبو هلال العسكري في «الصناعتين» وابن رشيق القيرواني في «العمدة» وابن سنان الخفاجي في «سر الفصاحة».
ولقدامة كتب في البلاغة واللغة والنقد وموضوعات أخرى أشهرها:
ـ كتاب «نقد الشعر» وهو يدل على تبصّره بالشعر العربي وتذوقه له، وهو مطبوع.
ـ وكتاب «جواهر الألفاظ» وهو يدل على إحاطته التامة بالمفردات العربية وعلى ذوقه الموسيقي في تخيّر الألفاظ وتأليفها، وهو مطبوع.
ـ وكتاب «الخراج وصناعة الكتابة» يظهر فيه تأثره بالثقافات الأخرى، وبعضه مطبوع.
ـ وكتاب «الرد على ابن المعتز فيما عاب فيه أبا تمام». وينسب إليه كتاب «نقد النثر» وهو مطبوع أيضاً.
ومن الكتب الأخرى كما ذُكر في معجم الأدباء وكشف الظنون والفهرست: «صرف الهم»، و«درياق الفكر»، و«السياسة»، و«حشو حشاء الجليس» و«صناعة الجدل»، و«جلاء الحزن»، و«نزهة القلوب وزاد المسافر»، و«سر البلاغة في الكتابة» وقد تفرد بذكره الأخير حاجي خليفة.
محمد هيثم غرة
(…ـ 337هـ/… ـ 948م)
أبو الفرج قدامة بن جعفر، بن قدامة بن زياد البغدادي، ولد في البصرة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري، وأدرك ثعلباً (ت291هـ) والمبرّد (ت285هـ) وابن قتيبة (ت276هـ) وطبقتهم، ونشأ وترعرع في بغداد، كان نصرانياً ثم أسلم على يد الخليفة العباسي المكتفي بالله (289 ـ295هـ) كما ذكر النديم.
قرأ واجتهد وبرع في صناعتي البلاغة والحساب، وتأثّر كثيراً بالمنطق والفلسفة ممّا يبدو واضحاً في تصانيفه، كما برع في اللغة والأدب والفقه والكلام، وكان يمدّه في كلّ ذلك ذكاء قوي وطبع سليم وشغف بالاطّلاع، هذا إلى خلق قويم ونفس كريمة حتى صار أحد العلماء البارزين في عصره.
ثم كتب لبني بويه سنة 334، وبقي كذلك حتى تُوفّي، وكانت وفاته في بغداد أيام الخليفة المطيع لله (334ـ363هـ).
وقدامة بن جعفر، أحد رجلين كانا أوّل من عَرّف علم البديع ورسم طريقته وأوضح نهجه وأبان للناس سبيله، له طريقة فذة في التأليف تجمع إلى غزارة المادة وعمق التفكير-حسن الترتيب وسهولة العبارة وإيجازها.
وكانت ثقافته ذات مصدرين، أحدهما: عربي تنطق به كل صفحة من صفحات مؤلفاته، والثاني: يوناني يتجلّى أكثر ما يتجلى في كتابه «نقد الشعر» الذي بدا فيه أثر كتاب «الخطابة» لأرسطو، وذلك بدءاً من أوّل الكتاب عندما عرّف الشعر بأنّه «قول موزون مقفى يدل على معنى»، وصوّر الطريقة التي اتبعها في صوغ هذا التعريف بمثال آخر وهو تعريف الإنسان بأنه «حيّ ناطق ميّت». ويمكن القول إنّ أوجه التلاقي عند أرسطو وقدامة أكثر من أن يُدل عليها.
وقدامة في هذا الكتاب، يبيّن أسباب الجودة والرداءة في الشعر فيذكر عناصره الأربعة، اللفظ والوزن والقافية والمعنى، ثم يذكر ائتلاف هذه العناصر بعضها مع بعض، فينتج عنده أربعة ائتلافات هي: ائتلاف اللفظ مع المعنى، وائتلاف اللفظ مع الوزن، وائتلاف المعنى مع الوزن، وائتلاف المعنى مع القافية. ثم يتكلم عن الثمانية ويخرج بما يقرب من عشرين لوناً من ألوان البديع معرّفاً ومبيّناً وهي: (الترصيع والتشبيه وصحة التقسيم وصحة المقابلة وصحة التفسير والتتميم والمبالغة والتكافؤ والالتفات والمساواة والإشارة والإرداف والتمثيل والمطابق (المجانس) وائتلاف القافية مع ما يدّل عليه سائر البيت والتوشيح والإيغال والاستعارة والترصيع).
وأحسن البلاغة عنده: الترصيع والسجع واتساق البناء واعتدال الوزن، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وتكافؤ المعاني في المقابلة والتوازي كما ذكر في كتابه «جواهر الألفاظ». وقد ضمّن كتابه «الخراج وصناعة الكتابة» أبواباً مختلفة تحدّث فيها عن خصائص الكتَّاب والبلغاء.
وقد سبق قدامة بن جعفر إلى تحديد كثير من مصطلحات البلاغة وإعطائها وجهها الفني الذي كان مادة لمن بعده من علماء البلاغة، أفاد منها أبو هلال العسكري في «الصناعتين» وابن رشيق القيرواني في «العمدة» وابن سنان الخفاجي في «سر الفصاحة».
ولقدامة كتب في البلاغة واللغة والنقد وموضوعات أخرى أشهرها:
ـ كتاب «نقد الشعر» وهو يدل على تبصّره بالشعر العربي وتذوقه له، وهو مطبوع.
ـ وكتاب «جواهر الألفاظ» وهو يدل على إحاطته التامة بالمفردات العربية وعلى ذوقه الموسيقي في تخيّر الألفاظ وتأليفها، وهو مطبوع.
ـ وكتاب «الخراج وصناعة الكتابة» يظهر فيه تأثره بالثقافات الأخرى، وبعضه مطبوع.
ـ وكتاب «الرد على ابن المعتز فيما عاب فيه أبا تمام». وينسب إليه كتاب «نقد النثر» وهو مطبوع أيضاً.
ومن الكتب الأخرى كما ذُكر في معجم الأدباء وكشف الظنون والفهرست: «صرف الهم»، و«درياق الفكر»، و«السياسة»، و«حشو حشاء الجليس» و«صناعة الجدل»، و«جلاء الحزن»، و«نزهة القلوب وزاد المسافر»، و«سر البلاغة في الكتابة» وقد تفرد بذكره الأخير حاجي خليفة.
محمد هيثم غرة