كركلا Caracalla - Caracalla
كركلا
(186ـ 217م)
هو ماركوس أوريليوس سفيروس أنطونينوس أغسطس Marcus Aurelius Severus Antoninus Augustus ، امبراطور روماني شهير من الأسرة الليبية ـ السورية، التي حكمت روما مايزيد على أربعة عقود (193ـ 235م). أما كركلا Caracalla فلقب اشتهر به بسبب معطفه الكِلْتي، ولايرد في أي وثيقة رسمية. كان اسمه الأصلي سبتيميوس باسيانوس Septimius Bassianus على اسم جديه لأبيه وأمه. ولد في مدينة ليون Lugdunum الفرنسية وكان الابن الأكبر لسبتيميوس سفيروس[ر] وزوجته الأميرة الحمصية يوليا دومنا Iulia Domna التي كانت سيدة مثقفة ترعى العلماء والأدباء، فعهدت إلى الفيلسوف السفسطائي فيلوستراتوس[ر] Philostatos بتربية ولديها، وهكذا تلقى هو وأخوه الأصغر غيتا P.Sept.Geta المولود عام 189م، أفضل تربية، ولكنها لم تجد أرضاً خصبة لدى كركلا.
وقد عمل والده كل ما في وسعه لتخفيف العداوة بين الأخوين وإعدادهما لتولي خلافته من بعده فأشركهما في حياته بالحكم، ومنح كركلا لقب قيصر Caesar (بمنزلة ولي العهد) عام 196م ثم لقب أغسطس Augustus منذ عام 198م، ورفعه بذلك إلى شريك في حكم الامبراطورية. وكان قد رافق أباه في حملته الفرثية، ونال لقب الفرثي الأكبر Parthicus Maximus، كما تقلّد منصب القنصلية أربع مرات، اثنتان منها بالمشاركة مع أخيه الأصغر.
تزوج في السادسة عشرة من عمره بابنة رئيس الحرس الامبراطوري بلاوتيلا Plautilla، ولكنه دبر مقتل حميه بلاوتيانوس Plautianus عام 205م، بعد أن اتهمه بتدبير مؤامرة على حياة أبيه، ليستولي على ثروته الضخمة. رافق هو وأخوه غيتا أباهما في حملته الحربية على بريطانيا، التي توفي في أثنائها في شباط/فبراير 211م. وهكذا تسلم كركلا العرش بالمشاركة مع أخيه، بناء على وصية أبيهما، وعاد الاثنان إلى روما للاحتفال بمراسم دفنه ورفعه إلى مصاف الآلهة، وظهرت نقوش تمجدهما معاً. ولكن الحكم المشترك لم يصمد طويلاً أمام طموحات الأخ الأكبر كركلا وعدائه الشديد لأخيه، على الرغم من محاولات والدتهما التوفيق بينهما.
بدأ كركلا بالتخلص من خصومه، فقضى على الفقيه القانوني المستشار بابينيانوس Papinianus، كما تخلص من زوجته بلاوتيلا، ثم دبر مقتل أخيه غيتا في ربيع 212م بصورة مأساوية وهو بين ذراعي أمه مدعياً أنه كان دفاعاً عن النفس. وقد أثارت هذه الجريمة استياء الناس واستنكارهم، فوزع كركلا الهدايا والأعطيات لإرضاء الساخطين، واستغل ذلك للتخلص من كل معارضيه ومصادرة أموالهم، وتبع ذلك حمام دم سقط فيه عشرون ألفاً من أنصار أخيه، كما يقول المؤرخ كاسيوس ديو[ر]. وهكذا صار كركلا الحاكم الأوحد للامبراطورية، وقد أصدر في العام نفسه 212 مرسومه الشهير Constituio Antoniniana الدستور الأنطونيوني الذي منح بموجبه كل رعايا الامبراطورية الأحرار الجنسية الرومانية.
كان كركلا امبراطوراً محارباً مثل أبيه، قاد في ربيع عام 213م حملة ضد قبائل الألمان Alemanni الجرمانية وانتصر عليهم واتخذ لقب جرمانيكوس Germanicus، وقوىّ التحصينات الدفاعية على جبهة نهر الراين، وعاد إلى روما ليحتفل بانتصاراته، كما خاض في العام التالي معارك مظفرة على جبهة الدانوب الأوسط.
كان كركلا معجباً بشخصية الإسكندر الأكبر[ر] وبطولاته إلى أبعد الحدود ويحلم بإحياء أمجاده، وقد ذهب تقليده للإسكندر إلى حد إنشاء فرقة عسكرية مدرعة تضم 16 ألف مقاتل على شاكلة الفلانكس Phalanx المقدوني الشهير وسلّحها بمثل أسلحة المقدونيين، كما قلّده في اللباس والرايات والسير على الدروب التي سلكها وتقديم الأضاحي على قبر البطل أخيل، ورفع صوره وتماثيله في كل مكان، وبدأت تداعبه أحلام القيام بفتوحات كبيرة والقضاء على المملكة الفرثية والزواج من ابنة ملكها تشبهاً بالإسكندر.
انطلق كركلا نحو الشرق على رأس جيش روماني كبير، ووصل مع والدته في أيار 215م إلى أنطاكية، التي أعاد إليها ألقابها وألعابها الأولمبية، التي كان والده قد نزعها عنها ومنحها لقب مستعمرة Colonia، وعندما وصلته أنباء القلاقل والاضطرابات في الإسكندرية توجه إليها وقمع انتفاضتها بصورة دموية، ثم عاد إلى أنطاكية وأجرى فيها مفاوضات مع الملك الفرثي طالباً يد ابنته زوجة له ولكنه قوبل بالرفض. وبعد أن أتم استعداداته بدأ الحرب في صيف عام 216 بمهاجمة شمالي بلاد الرافدين واحتل مدينة أربيل ثم أمضى فصل الشتاء في مدينة أديسا Edissa (الرها) ليستأنف مع بداية فصل الربيع أعماله الحربية، وفي نيسان/إبريل عام 217م في أثناء زحفه باتجاه حران[ر] اغتاله أحد ضباطه، بتدبير من رئيس الحرس الامبراطوري مكرينوس Macrinus الذي خلفه على عرش الامبراطورية. أما والدته التي كانت تصّرف أمور الدولة من أنطاكية فقد فضلت الموت جوعاً على الحياة من بعده.
كان كركلا محبوباً لدى جنده إلى حد التقديس، وقد أجبروا مجلس الشيوخ على تأليهه بعد موته، كما أن شعبيته كانت كبيرة لدى عامة الناس وجماهير الشعب الروماني التي بنى من أجلها أعظم حمامات روما، وهي حمامات كركلا التي وصل فيها الفن المعماري إلى قمة تطوره، وهي الوحيدة التي ظلت أطلالها قائمة حتى اليوم تشكل الخلفية المؤثرة لعروض أوبرا روما الصيفية.
كما خلّد كركلا نفسه بإصدار مرسومه الشهير المشار إليه سابقاً، الذي ساوى بين المواطنين الرومان ورعايا الامبراطورية الأحرار، وعلى الرغم من كل ما يقال من أن الهدف من ورائه كان الحصول على عائدات مالية جديدة، إلا أن هذا لاينفي عنه النزعة الإنسانية الشاملة ومبدأ المساواة والعدالة. ومما لاشك فيه أنه كان لوالدته وحلقتها الفكرية التي ضمت اثنين من كبار فقهاء القانون الروماني في ذلك العصر؛ وهما السوريان بابينيانوس وأولبيانوس Ulpianus تأثير كبير في تفكير كركلا، وفي إكساب القانون الروماني سمة العدالة الاجتماعية وحماية الفقراء والضعفاء، وكان هذا على نقيض تفكير الأوساط الأرستقراطية الرومانية التي كانت تكن لكركلا عداء شديداً، يعود بعضه إلى قسوته المفرطة ودمويته وطموحه اللامحدود وإسرافه في الإنفاق على الجند ومظاهر الترف. وقد ترك كل هذا بصمات واضحة في صورة كركلا الموروثة التي رسمها المؤرخون القدماء من أنصار طبقة الشيوخ في تاريخ الأباطرة.
محمد الزين
كركلا
(186ـ 217م)
هو ماركوس أوريليوس سفيروس أنطونينوس أغسطس Marcus Aurelius Severus Antoninus Augustus ، امبراطور روماني شهير من الأسرة الليبية ـ السورية، التي حكمت روما مايزيد على أربعة عقود (193ـ 235م). أما كركلا Caracalla فلقب اشتهر به بسبب معطفه الكِلْتي، ولايرد في أي وثيقة رسمية. كان اسمه الأصلي سبتيميوس باسيانوس Septimius Bassianus على اسم جديه لأبيه وأمه. ولد في مدينة ليون Lugdunum الفرنسية وكان الابن الأكبر لسبتيميوس سفيروس[ر] وزوجته الأميرة الحمصية يوليا دومنا Iulia Domna التي كانت سيدة مثقفة ترعى العلماء والأدباء، فعهدت إلى الفيلسوف السفسطائي فيلوستراتوس[ر] Philostatos بتربية ولديها، وهكذا تلقى هو وأخوه الأصغر غيتا P.Sept.Geta المولود عام 189م، أفضل تربية، ولكنها لم تجد أرضاً خصبة لدى كركلا.
وقد عمل والده كل ما في وسعه لتخفيف العداوة بين الأخوين وإعدادهما لتولي خلافته من بعده فأشركهما في حياته بالحكم، ومنح كركلا لقب قيصر Caesar (بمنزلة ولي العهد) عام 196م ثم لقب أغسطس Augustus منذ عام 198م، ورفعه بذلك إلى شريك في حكم الامبراطورية. وكان قد رافق أباه في حملته الفرثية، ونال لقب الفرثي الأكبر Parthicus Maximus، كما تقلّد منصب القنصلية أربع مرات، اثنتان منها بالمشاركة مع أخيه الأصغر.
تزوج في السادسة عشرة من عمره بابنة رئيس الحرس الامبراطوري بلاوتيلا Plautilla، ولكنه دبر مقتل حميه بلاوتيانوس Plautianus عام 205م، بعد أن اتهمه بتدبير مؤامرة على حياة أبيه، ليستولي على ثروته الضخمة. رافق هو وأخوه غيتا أباهما في حملته الحربية على بريطانيا، التي توفي في أثنائها في شباط/فبراير 211م. وهكذا تسلم كركلا العرش بالمشاركة مع أخيه، بناء على وصية أبيهما، وعاد الاثنان إلى روما للاحتفال بمراسم دفنه ورفعه إلى مصاف الآلهة، وظهرت نقوش تمجدهما معاً. ولكن الحكم المشترك لم يصمد طويلاً أمام طموحات الأخ الأكبر كركلا وعدائه الشديد لأخيه، على الرغم من محاولات والدتهما التوفيق بينهما.
بدأ كركلا بالتخلص من خصومه، فقضى على الفقيه القانوني المستشار بابينيانوس Papinianus، كما تخلص من زوجته بلاوتيلا، ثم دبر مقتل أخيه غيتا في ربيع 212م بصورة مأساوية وهو بين ذراعي أمه مدعياً أنه كان دفاعاً عن النفس. وقد أثارت هذه الجريمة استياء الناس واستنكارهم، فوزع كركلا الهدايا والأعطيات لإرضاء الساخطين، واستغل ذلك للتخلص من كل معارضيه ومصادرة أموالهم، وتبع ذلك حمام دم سقط فيه عشرون ألفاً من أنصار أخيه، كما يقول المؤرخ كاسيوس ديو[ر]. وهكذا صار كركلا الحاكم الأوحد للامبراطورية، وقد أصدر في العام نفسه 212 مرسومه الشهير Constituio Antoniniana الدستور الأنطونيوني الذي منح بموجبه كل رعايا الامبراطورية الأحرار الجنسية الرومانية.
كان كركلا امبراطوراً محارباً مثل أبيه، قاد في ربيع عام 213م حملة ضد قبائل الألمان Alemanni الجرمانية وانتصر عليهم واتخذ لقب جرمانيكوس Germanicus، وقوىّ التحصينات الدفاعية على جبهة نهر الراين، وعاد إلى روما ليحتفل بانتصاراته، كما خاض في العام التالي معارك مظفرة على جبهة الدانوب الأوسط.
كان كركلا معجباً بشخصية الإسكندر الأكبر[ر] وبطولاته إلى أبعد الحدود ويحلم بإحياء أمجاده، وقد ذهب تقليده للإسكندر إلى حد إنشاء فرقة عسكرية مدرعة تضم 16 ألف مقاتل على شاكلة الفلانكس Phalanx المقدوني الشهير وسلّحها بمثل أسلحة المقدونيين، كما قلّده في اللباس والرايات والسير على الدروب التي سلكها وتقديم الأضاحي على قبر البطل أخيل، ورفع صوره وتماثيله في كل مكان، وبدأت تداعبه أحلام القيام بفتوحات كبيرة والقضاء على المملكة الفرثية والزواج من ابنة ملكها تشبهاً بالإسكندر.
انطلق كركلا نحو الشرق على رأس جيش روماني كبير، ووصل مع والدته في أيار 215م إلى أنطاكية، التي أعاد إليها ألقابها وألعابها الأولمبية، التي كان والده قد نزعها عنها ومنحها لقب مستعمرة Colonia، وعندما وصلته أنباء القلاقل والاضطرابات في الإسكندرية توجه إليها وقمع انتفاضتها بصورة دموية، ثم عاد إلى أنطاكية وأجرى فيها مفاوضات مع الملك الفرثي طالباً يد ابنته زوجة له ولكنه قوبل بالرفض. وبعد أن أتم استعداداته بدأ الحرب في صيف عام 216 بمهاجمة شمالي بلاد الرافدين واحتل مدينة أربيل ثم أمضى فصل الشتاء في مدينة أديسا Edissa (الرها) ليستأنف مع بداية فصل الربيع أعماله الحربية، وفي نيسان/إبريل عام 217م في أثناء زحفه باتجاه حران[ر] اغتاله أحد ضباطه، بتدبير من رئيس الحرس الامبراطوري مكرينوس Macrinus الذي خلفه على عرش الامبراطورية. أما والدته التي كانت تصّرف أمور الدولة من أنطاكية فقد فضلت الموت جوعاً على الحياة من بعده.
كان كركلا محبوباً لدى جنده إلى حد التقديس، وقد أجبروا مجلس الشيوخ على تأليهه بعد موته، كما أن شعبيته كانت كبيرة لدى عامة الناس وجماهير الشعب الروماني التي بنى من أجلها أعظم حمامات روما، وهي حمامات كركلا التي وصل فيها الفن المعماري إلى قمة تطوره، وهي الوحيدة التي ظلت أطلالها قائمة حتى اليوم تشكل الخلفية المؤثرة لعروض أوبرا روما الصيفية.
كما خلّد كركلا نفسه بإصدار مرسومه الشهير المشار إليه سابقاً، الذي ساوى بين المواطنين الرومان ورعايا الامبراطورية الأحرار، وعلى الرغم من كل ما يقال من أن الهدف من ورائه كان الحصول على عائدات مالية جديدة، إلا أن هذا لاينفي عنه النزعة الإنسانية الشاملة ومبدأ المساواة والعدالة. ومما لاشك فيه أنه كان لوالدته وحلقتها الفكرية التي ضمت اثنين من كبار فقهاء القانون الروماني في ذلك العصر؛ وهما السوريان بابينيانوس وأولبيانوس Ulpianus تأثير كبير في تفكير كركلا، وفي إكساب القانون الروماني سمة العدالة الاجتماعية وحماية الفقراء والضعفاء، وكان هذا على نقيض تفكير الأوساط الأرستقراطية الرومانية التي كانت تكن لكركلا عداء شديداً، يعود بعضه إلى قسوته المفرطة ودمويته وطموحه اللامحدود وإسرافه في الإنفاق على الجند ومظاهر الترف. وقد ترك كل هذا بصمات واضحة في صورة كركلا الموروثة التي رسمها المؤرخون القدماء من أنصار طبقة الشيوخ في تاريخ الأباطرة.
محمد الزين