صرّوف (يعقوب ـ)
(1268ـ 1346هـ/1852ـ1927م)
يعقوب بن نقولا صرّوف، عالم بالفلسفة والفلك والرياضيات، وله باع طويل في الأدب، وفي الصحافة والترجمة عن الإنكليزية، ولد في قرية «الحَدَث» قرب بيروت، وتخرّج في الجامعة الأميركية حاملاً شهادة بكالوريوس في العلوم الفيزيائية سنة 1870، فدرّس في مدرسة المرسلين الأميركيين في صيدا سنتين، ثمّ استلم إدارة مدرستهم في طرابلس إلى أن استدعته الجامعة الأمريكية عام 1873لتدريس العلوم الرياضية والفيزيائية والفلسفة الطبيعية، ولكنّه فُصِلَ من عمله هناك نتيجة لجرأته العلمية في مجلة «المقتطف»، فهاجر إلى مصر سنة 1885، ونال لقب دكتور في الفلسفة من جامعة نيويورك سنة 1890.
عاش يعقوب صروف للعلم والصحافة، فأصدر مع صديقيه فارس نمر وشاهين مكاريوس مجلة «المقتطف» الشهرية في أيار 1876 في بيروت، ولاقت المجلة إقبالاً نادراً لجرأتها العلمية حينذاك، وأثارت مقالات صروف العلمية نقاشاً حاداً على صفحات المجلة، ولاسيما حين نقل مسألة «أصل الأنواع» لداروين، فثار الجدل بين عامي 1881و1882، وشارك شبلي شميل في هذا السجال العلمي، ففصل المرسلون البروتستنت يعقوب صروف وفارس نمر من عملهما في الجامعة الأميركية نتيجة لذلك، فتوجها بالمجلة إلى مصر سنة 1885، وكانت أرقى المجلات العلمية العربية، كما كان للأدب فيها نصيب كبير، واستمرت المجلة ستة وسبعين عاماً 1876ـ1952 أخرج منها صروف واحداً وسبعين مجلداً.
كان الهدف من إصدار هذه المجلة نشر علوم الغرب في الشرق لاعتقاد أصحابها، وهم من رجال النهضة، بأن الشرق بحاجة إلى هذه العلوم، فنشروا فيها المباحث العلمية والصناعية والتاريخية بلغة سهلة المأخذ بسيطة العبارة، كما نشروا فيها أخبار العلم وأهله، ولم تقتصر موضوعات هذه المجلة على ذلك، وإنما شملت الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية وسواها، ودخلت هذه المجلة في صدامات مع مجلة «البشير» و«المشرق» اللتين أسّسهما الآباء اليسوعيون.
وقال عنه الدكتور هيكل: إن حياة المغفور له الدكتور صروف تتلخّص في مجلة المقتطف، فلقد عاش هذا الرجل صحفيّاً بمعنى خاص غير المعنى الذي يتبادر إلى الأذهان من كلمة صحفي، عاش صحفياً متخصصاً لناحية معينة هي نشر العلم وتوطئته على لسان الصحافة».
شارك يعقوب صرّوف في إصدار جريدة «المقطم» في 14 شباط 1889، وهي جريدة إخبارية أسبوعية تهتم بالأخبار المحلية وبالسياسة العامة، ثم أصبحت يومية، وكانت واسعة الانتشار، وظلّت تصدر بانتظام حتى ثورة 23 تموز 1952 وتأميم الصحف المصرية، فعاشت ثلاثة وستين عاماً.
يُعدّ يعقوب صروف من رجالات النهضة الذين أخذوا على عاتقهم أن ينهضوا بالبلاد في جميع المجالات، ولذلك اشتغل بالأدب والنقد، ففي مجال النقد نشر بحثاً مطولاً بعنوان «نوابغ العرب والإنكليز» في المقتطف وازن فيه بين المعري وملتون، وابن خلدون وسبنسر، وصلاح الدين الأيوبي وريشار قلب الأسد، وهو من أوائل البحوث العربية في الأدب المقارن، ولصروف نحو عشرين رواية، منها رواية «فتاة مصر» ورواية «أمير لبنان»، وقد وصف فيها الحياة في لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ورواية «فتاة الفيوم»، وهي روايات اجتماعية.
وليعقوب صروف نظم جيّد بالقياس إلى شعراء عصره، وشعره موزّع في المجلات وسواها، وقد قال عباس محمود العقاد في ذلك: «حفظ شعراً كثيراً كان يضعه أحسن الوضع في أماكن الاستشهاد من مقالاته الوصفية، ونظم شعراً كأجمل ما نظم العلماء في الحكمة وسرّ الوجود».
كما أسهم في تعريب المصطلحات والترجمة، وكان من الحاذقين في الترجمة عن الإنكليزية، ترجم بعض الكتب الأدبية والعلمية، منها كتاب «سرّ النجاح» لصموئيل جميلز الإنكليزي، وقد أضاف صرّوف إلى الكتاب في اللغة العربية أشياء مهمة عن مشاهير العرب، كما ترجم مع زميله فارس نمر كتاب «سير الأبطال القدماء والعظماء»، ومن تآليفه كتاب «رجال المال والأعمال» وكتاب «الرواد» وهو في مشاهير المكتشفين في القطبين الشمالي والجنوبي، وكتاب «بسائط علم الفلك وصور السماء»، وهو أبحاث في علم الفلك والرياضيات، وقد تحدّث فيه عن ناموس الجاذبية، وسعة الكون، وأسباب الكسوف والخسوف، وعرضها عرضاً علمياَ دقيقاً، وله كتاب «العلم والعمران» وكتاب «فصول في التاريخ الطبيعي من مملكتي النبات والحيوان»، وهو كتاب علمي بحت في عالمي النبات والحيوان، وله كتاب بعنوان «أعلام المقتطف» وفيه سير لرجال العلم والفلاسفة في العالم من سقراط إلى جاك لوب المتوفَّى سنة 1924. وقد كان في ترجماته ومؤلفاته يتوخّى الدقة العلمية وتثقيف العقل وإغناءَ اللغة العربية.
وقال عنه الأستاذ فهر الجابري: «الدكتور يعقوب صروف، أغنى لغتنا المبينة ألفاظاً وتعابيرَ، وأفكاراً وتصانيف، لم تكن معهودة في سابق العهد، وكلّ ذلك بقدر وافٍ لا ينكر».
خليل الموسى
(1268ـ 1346هـ/1852ـ1927م)
يعقوب بن نقولا صرّوف، عالم بالفلسفة والفلك والرياضيات، وله باع طويل في الأدب، وفي الصحافة والترجمة عن الإنكليزية، ولد في قرية «الحَدَث» قرب بيروت، وتخرّج في الجامعة الأميركية حاملاً شهادة بكالوريوس في العلوم الفيزيائية سنة 1870، فدرّس في مدرسة المرسلين الأميركيين في صيدا سنتين، ثمّ استلم إدارة مدرستهم في طرابلس إلى أن استدعته الجامعة الأمريكية عام 1873لتدريس العلوم الرياضية والفيزيائية والفلسفة الطبيعية، ولكنّه فُصِلَ من عمله هناك نتيجة لجرأته العلمية في مجلة «المقتطف»، فهاجر إلى مصر سنة 1885، ونال لقب دكتور في الفلسفة من جامعة نيويورك سنة 1890.
عاش يعقوب صروف للعلم والصحافة، فأصدر مع صديقيه فارس نمر وشاهين مكاريوس مجلة «المقتطف» الشهرية في أيار 1876 في بيروت، ولاقت المجلة إقبالاً نادراً لجرأتها العلمية حينذاك، وأثارت مقالات صروف العلمية نقاشاً حاداً على صفحات المجلة، ولاسيما حين نقل مسألة «أصل الأنواع» لداروين، فثار الجدل بين عامي 1881و1882، وشارك شبلي شميل في هذا السجال العلمي، ففصل المرسلون البروتستنت يعقوب صروف وفارس نمر من عملهما في الجامعة الأميركية نتيجة لذلك، فتوجها بالمجلة إلى مصر سنة 1885، وكانت أرقى المجلات العلمية العربية، كما كان للأدب فيها نصيب كبير، واستمرت المجلة ستة وسبعين عاماً 1876ـ1952 أخرج منها صروف واحداً وسبعين مجلداً.
كان الهدف من إصدار هذه المجلة نشر علوم الغرب في الشرق لاعتقاد أصحابها، وهم من رجال النهضة، بأن الشرق بحاجة إلى هذه العلوم، فنشروا فيها المباحث العلمية والصناعية والتاريخية بلغة سهلة المأخذ بسيطة العبارة، كما نشروا فيها أخبار العلم وأهله، ولم تقتصر موضوعات هذه المجلة على ذلك، وإنما شملت الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية وسواها، ودخلت هذه المجلة في صدامات مع مجلة «البشير» و«المشرق» اللتين أسّسهما الآباء اليسوعيون.
وقال عنه الدكتور هيكل: إن حياة المغفور له الدكتور صروف تتلخّص في مجلة المقتطف، فلقد عاش هذا الرجل صحفيّاً بمعنى خاص غير المعنى الذي يتبادر إلى الأذهان من كلمة صحفي، عاش صحفياً متخصصاً لناحية معينة هي نشر العلم وتوطئته على لسان الصحافة».
شارك يعقوب صرّوف في إصدار جريدة «المقطم» في 14 شباط 1889، وهي جريدة إخبارية أسبوعية تهتم بالأخبار المحلية وبالسياسة العامة، ثم أصبحت يومية، وكانت واسعة الانتشار، وظلّت تصدر بانتظام حتى ثورة 23 تموز 1952 وتأميم الصحف المصرية، فعاشت ثلاثة وستين عاماً.
يُعدّ يعقوب صروف من رجالات النهضة الذين أخذوا على عاتقهم أن ينهضوا بالبلاد في جميع المجالات، ولذلك اشتغل بالأدب والنقد، ففي مجال النقد نشر بحثاً مطولاً بعنوان «نوابغ العرب والإنكليز» في المقتطف وازن فيه بين المعري وملتون، وابن خلدون وسبنسر، وصلاح الدين الأيوبي وريشار قلب الأسد، وهو من أوائل البحوث العربية في الأدب المقارن، ولصروف نحو عشرين رواية، منها رواية «فتاة مصر» ورواية «أمير لبنان»، وقد وصف فيها الحياة في لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ورواية «فتاة الفيوم»، وهي روايات اجتماعية.
وليعقوب صروف نظم جيّد بالقياس إلى شعراء عصره، وشعره موزّع في المجلات وسواها، وقد قال عباس محمود العقاد في ذلك: «حفظ شعراً كثيراً كان يضعه أحسن الوضع في أماكن الاستشهاد من مقالاته الوصفية، ونظم شعراً كأجمل ما نظم العلماء في الحكمة وسرّ الوجود».
كما أسهم في تعريب المصطلحات والترجمة، وكان من الحاذقين في الترجمة عن الإنكليزية، ترجم بعض الكتب الأدبية والعلمية، منها كتاب «سرّ النجاح» لصموئيل جميلز الإنكليزي، وقد أضاف صرّوف إلى الكتاب في اللغة العربية أشياء مهمة عن مشاهير العرب، كما ترجم مع زميله فارس نمر كتاب «سير الأبطال القدماء والعظماء»، ومن تآليفه كتاب «رجال المال والأعمال» وكتاب «الرواد» وهو في مشاهير المكتشفين في القطبين الشمالي والجنوبي، وكتاب «بسائط علم الفلك وصور السماء»، وهو أبحاث في علم الفلك والرياضيات، وقد تحدّث فيه عن ناموس الجاذبية، وسعة الكون، وأسباب الكسوف والخسوف، وعرضها عرضاً علمياَ دقيقاً، وله كتاب «العلم والعمران» وكتاب «فصول في التاريخ الطبيعي من مملكتي النبات والحيوان»، وهو كتاب علمي بحت في عالمي النبات والحيوان، وله كتاب بعنوان «أعلام المقتطف» وفيه سير لرجال العلم والفلاسفة في العالم من سقراط إلى جاك لوب المتوفَّى سنة 1924. وقد كان في ترجماته ومؤلفاته يتوخّى الدقة العلمية وتثقيف العقل وإغناءَ اللغة العربية.
وقال عنه الأستاذ فهر الجابري: «الدكتور يعقوب صروف، أغنى لغتنا المبينة ألفاظاً وتعابيرَ، وأفكاراً وتصانيف، لم تكن معهودة في سابق العهد، وكلّ ذلك بقدر وافٍ لا ينكر».
خليل الموسى