كثير عبد رحمن خزاعي Kuthayyir ibn Abdul Rahman al-Khuzai - Kuthayyir ibn Abdul Rahman al-Khuzai
كُثَيِّر بن عبد الرحمن الخزاعي
(… ـ 105هـ/… ـ 723م)
كُثَيِّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر؛ أبو صخر الخزاعي، اشتُهر بكثير عَزّة، بإضافة اسمه إلى اسم محبوبته، وربما قالوا: ابن أبي جُمُعة نسبة إلى جده لأمه.
شاعر أموي غزِل، لم تُحدد سنة ولادته، فقُدّرت في أواخر خلافة عمر ابن الخطاب نحو سنة 23 أو 24 للهجرة، وقيل نحو سنة 40، وكانت ولادته في المدينة من أرض الحجاز، فنشأ نشأة بدوية، وتوفي أبوه وهو صغير لمّا يبلغ الحلم، فتولى رعايته عمه، ولم يكن يرضى عن بعض تصرفات كُثَيّر التي تنم على طيش وانفعال وتسرع وحِدّة في الطبع، فأرعاه قطيعاً من الإبل، فاختلف على المرعى مع بعض بني مالك بن أفصى، فهجرهم وهجاهم بقوله:
أبت إبلي ماءَ الرداه وشفّها
بنو العم يحمون النضيحَ المبرّدا
ويقال: إن هذا هو أول شعر قاله.
كان كثير تياهاً بخيلاً، قصير القامة، قميئاً، دميم الخلقة، فيه حُمرة في لونه، وطولٌ في عنقه، هزيل الجسم، خلافاً لما وصف به نفسه في قوله:
متى تحسروا عني العمامةَ تُبصروا
جميلَ المحيا أغفلته الدواهن
يروقُ العيـونَ الناظـراتِ كأنـه
هِرقليُّ وزنٍ أحمرُ التبر وازن
ولم يكن له ذكر في بداية حياته إلى أن اشتُهر بشعره، وبدأ يتصل بالخلفاء والأمراء ويمدحهم، فوفد على عبد الملك بن مروان في دمشق، وعلى عبد العزيز بن مروان في مصر، وله مدائح في يزيد بن عبد الملك، ونال أعطيات كثيرة على مدائحه في الأمويين. ومما قاله في مدح عبد العزيز بن مروان:
متى ما أقل في آخر الدهر مِدحةً
فما هي إلا في ابن ليلى المكرّم
ظل كُثير يرعى الإبلَ لعمه، ويقال إنه كان يسوق غنماً إلى وجهةٍ محددة، فوقف في طريقه على نسوة، فسألهن عن أقرب ماء يمكن أن يرد عليه، فتولت فتاة منهن صغيرة السن «حلوة حُميراء نظيفة» أمرَ إرشاده، وكانت هي عَزة بنت حُمَيل بن حفص الكنانية، فأحبها وأحبته وتعلق قلبه بها حتى اشتهر بذلك واقترن اسمه باسمها، وقال في ذلك:
وعُلّقتُها وسط الجواري غَرِيرة
وما قُلّدتْ إلا التميمَ المنظما
وقد ذكرها في شعره بأسماء كثيرة منها (أم عمرو، والضمرية، وابنة الضمري، والحاجبية)، فقال مشيراً إلى أنه أحبها وهو شاب صغير السن:
وما زلت من ليلى لدُنْ طرّ شاربي
إلى اليوم أخفي حبّها وأداجـن
لقي كثيّر في المدينة عدداً من الشعراء، وكانت له معهم علاقات وصداقة، ومن هؤلاء جميل بثينة الذي رافقه وروى شعره وأُعجب به، ويقال إنه كان رسولاً بين جميل وبثينة. ومنهم نُصيب، والأحوص، وجُويرية بن أسماء وغيرهم.
وقد أكسبته حياته الأولى التي رعى فيها الغنم والإبل معرفة بالأماكن ومواقع المياه فظهر ذلك جلياً في شعره.
ويبدو أن تشهير كُثير بعزة قد حدا بأهلها إلى تزويجها من أول خاطب، فأمعن كُثير في غزله مدفوعاً إلى ذلك بقوة اليأس والتحدي جميعاً، وتعد قصائده الغزلية المطولة السائرة مما قاله بعد زواج عزة. وعلى الرغم من تعلقه بعزة؛ إلا أنه تزوج غيرها وأنجب منها، وممن عُرف من أبنائه ابن اسمه ثواب؛ وكان شاعراً، وابنة اسمها ليلى، وأخرى أسماها جُمُعة على اسم أمه. ومع ذلك ظل كثير يحن إلى عزة ويتتبعها ويتابع أخبارها، وقد أورث فعله هذا الغَيرة في نفس زوجها.
ومما قاله فيها:
لعزةَ هاج الشوقُ فالدمعُ سافح
مغانٍ ورسمٌ قد تقادمَ ماصِحُ
لم يكن كثير بمنأى عن الأحداث السياسية التي عاصرها وما رافقها من أحداث وفتن وحروب حول خلافة المسلمين، فمال إلى فئة الكيسانية، واعتقد بما جاؤوا به من آراء حتى مماته.
وقد مر كثير بفترة انقطاع عن قول الشعر، ولما سئل عن سبب ذلك قال: «فقدت الشباب فما أطرب، ورُزئتُ عزة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب (يعني عبد العزيز بن مروان)».
وكان له راوية لشعره اسمه السائب يرافقه في حلّه وارتحاله. وحظي شعره بالقبول والانتشار، قال عبد الملك عن شعر كثير: «أراه يسبق السحر ويغلب الشعر».
ويعد كثير من فحول الشعراء وإن رأى بعض القدماء خلاف ذلك، وقد عده أبو عبيدة أشعر أهل الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الثانية من فحول شعراء الإسلام. وتناول في شعره معظم أغراض الشعر وإن غلب عليه الغزل العفيف، وله مراثٍ في بعض الخلفاء، من ذلك قوله في رثاء عمر ابن عبد العزيز:
لقد ضُمّنتْه حفرةٌ طاب نشرُها
وطاب جنيناً ضُمّنتْه جنينها
نشر ديوانه بتحقيق إحسان عباس.
علي أبو زيد
كُثَيِّر بن عبد الرحمن الخزاعي
(… ـ 105هـ/… ـ 723م)
كُثَيِّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر؛ أبو صخر الخزاعي، اشتُهر بكثير عَزّة، بإضافة اسمه إلى اسم محبوبته، وربما قالوا: ابن أبي جُمُعة نسبة إلى جده لأمه.
شاعر أموي غزِل، لم تُحدد سنة ولادته، فقُدّرت في أواخر خلافة عمر ابن الخطاب نحو سنة 23 أو 24 للهجرة، وقيل نحو سنة 40، وكانت ولادته في المدينة من أرض الحجاز، فنشأ نشأة بدوية، وتوفي أبوه وهو صغير لمّا يبلغ الحلم، فتولى رعايته عمه، ولم يكن يرضى عن بعض تصرفات كُثَيّر التي تنم على طيش وانفعال وتسرع وحِدّة في الطبع، فأرعاه قطيعاً من الإبل، فاختلف على المرعى مع بعض بني مالك بن أفصى، فهجرهم وهجاهم بقوله:
أبت إبلي ماءَ الرداه وشفّها
بنو العم يحمون النضيحَ المبرّدا
ويقال: إن هذا هو أول شعر قاله.
كان كثير تياهاً بخيلاً، قصير القامة، قميئاً، دميم الخلقة، فيه حُمرة في لونه، وطولٌ في عنقه، هزيل الجسم، خلافاً لما وصف به نفسه في قوله:
متى تحسروا عني العمامةَ تُبصروا
جميلَ المحيا أغفلته الدواهن
يروقُ العيـونَ الناظـراتِ كأنـه
هِرقليُّ وزنٍ أحمرُ التبر وازن
ولم يكن له ذكر في بداية حياته إلى أن اشتُهر بشعره، وبدأ يتصل بالخلفاء والأمراء ويمدحهم، فوفد على عبد الملك بن مروان في دمشق، وعلى عبد العزيز بن مروان في مصر، وله مدائح في يزيد بن عبد الملك، ونال أعطيات كثيرة على مدائحه في الأمويين. ومما قاله في مدح عبد العزيز بن مروان:
متى ما أقل في آخر الدهر مِدحةً
فما هي إلا في ابن ليلى المكرّم
ظل كُثير يرعى الإبلَ لعمه، ويقال إنه كان يسوق غنماً إلى وجهةٍ محددة، فوقف في طريقه على نسوة، فسألهن عن أقرب ماء يمكن أن يرد عليه، فتولت فتاة منهن صغيرة السن «حلوة حُميراء نظيفة» أمرَ إرشاده، وكانت هي عَزة بنت حُمَيل بن حفص الكنانية، فأحبها وأحبته وتعلق قلبه بها حتى اشتهر بذلك واقترن اسمه باسمها، وقال في ذلك:
وعُلّقتُها وسط الجواري غَرِيرة
وما قُلّدتْ إلا التميمَ المنظما
وقد ذكرها في شعره بأسماء كثيرة منها (أم عمرو، والضمرية، وابنة الضمري، والحاجبية)، فقال مشيراً إلى أنه أحبها وهو شاب صغير السن:
وما زلت من ليلى لدُنْ طرّ شاربي
إلى اليوم أخفي حبّها وأداجـن
لقي كثيّر في المدينة عدداً من الشعراء، وكانت له معهم علاقات وصداقة، ومن هؤلاء جميل بثينة الذي رافقه وروى شعره وأُعجب به، ويقال إنه كان رسولاً بين جميل وبثينة. ومنهم نُصيب، والأحوص، وجُويرية بن أسماء وغيرهم.
وقد أكسبته حياته الأولى التي رعى فيها الغنم والإبل معرفة بالأماكن ومواقع المياه فظهر ذلك جلياً في شعره.
ويبدو أن تشهير كُثير بعزة قد حدا بأهلها إلى تزويجها من أول خاطب، فأمعن كُثير في غزله مدفوعاً إلى ذلك بقوة اليأس والتحدي جميعاً، وتعد قصائده الغزلية المطولة السائرة مما قاله بعد زواج عزة. وعلى الرغم من تعلقه بعزة؛ إلا أنه تزوج غيرها وأنجب منها، وممن عُرف من أبنائه ابن اسمه ثواب؛ وكان شاعراً، وابنة اسمها ليلى، وأخرى أسماها جُمُعة على اسم أمه. ومع ذلك ظل كثير يحن إلى عزة ويتتبعها ويتابع أخبارها، وقد أورث فعله هذا الغَيرة في نفس زوجها.
ومما قاله فيها:
لعزةَ هاج الشوقُ فالدمعُ سافح
مغانٍ ورسمٌ قد تقادمَ ماصِحُ
لم يكن كثير بمنأى عن الأحداث السياسية التي عاصرها وما رافقها من أحداث وفتن وحروب حول خلافة المسلمين، فمال إلى فئة الكيسانية، واعتقد بما جاؤوا به من آراء حتى مماته.
وقد مر كثير بفترة انقطاع عن قول الشعر، ولما سئل عن سبب ذلك قال: «فقدت الشباب فما أطرب، ورُزئتُ عزة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب (يعني عبد العزيز بن مروان)».
وكان له راوية لشعره اسمه السائب يرافقه في حلّه وارتحاله. وحظي شعره بالقبول والانتشار، قال عبد الملك عن شعر كثير: «أراه يسبق السحر ويغلب الشعر».
ويعد كثير من فحول الشعراء وإن رأى بعض القدماء خلاف ذلك، وقد عده أبو عبيدة أشعر أهل الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الثانية من فحول شعراء الإسلام. وتناول في شعره معظم أغراض الشعر وإن غلب عليه الغزل العفيف، وله مراثٍ في بعض الخلفاء، من ذلك قوله في رثاء عمر ابن عبد العزيز:
لقد ضُمّنتْه حفرةٌ طاب نشرُها
وطاب جنيناً ضُمّنتْه جنينها
نشر ديوانه بتحقيق إحسان عباس.
علي أبو زيد