اندماج نووي Nuclear fusion اندماج ذرتين من هدروجين في شروط خاصة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اندماج نووي Nuclear fusion اندماج ذرتين من هدروجين في شروط خاصة

    اندماج نووي

    Nuclear fusion - Fusion nucléaire

    الاندماج النووي

    الاندماج النووي nuclear fusion هو اندماج ذرتين من الهدروجين أو من نظيريه الدوتيريوم والتريتيوم في شروط خاصة من الحرارة والضغط، ينتج منه ذرة هليوم، ويكون مصحوباً بانتشار طاقة حرارية هائلة وفقاً لمبدأ التكافؤ بين الكتلة والطاقة في نظرية أينشتاين.
    بقي العلماء حتى بداية القرن العشرين في حيرة من أمر تفسير منشأ الطاقة الهائلة المتولدة في الشمس والنجوم، ولكن مع ظهور نظرية أينشتاين النسبية A.Einstein، والمتنبئة بتكافؤ الكتلة والطاقة، أدت بحوث العلماء أمثال كوري Curie، وأوبنهايمر J-R-Oppenheimer وفيرمي E.Fermi وتيلر E.Teller إلى بناء أول مفاعل نووي مبرد بالماء الثقيل، لدراسة انشطار ذرات العناصر الثقيلة غير المستقرة مثل الراديوم والأورانيوم وتحولها إلى عناصر أخف وزناً ذرياً كالرصاص، وانتشار طاقة كبيرة، وتحرر نترونات سريعة تحافظ على استمرار التفاعل النووي الانشطاري وتسلسلِه، ويُمثل أهم استعمالات هذا التفاعل في المجال العسكري بالقنبلة الذرية التي فجرت عام 1945.
    أما في المجال الصناعي، وبعد أن تمكن العلماء من الحد من الآثار الضارة المصاحبة للتفاعل النووي الانشطاري والتحكم فيه، فقد استعملت الطاقة الذرية في توليد البخار وإدارة العنفات البخارية وتوليد الطاقة الكهربائية. وبدأ علماء الفيزياء والفلك بتعليل منشأ طاقة الشمس والنجوم على أنها تفاعل نووي انشطاري، لكن ندرة العناصر الثقيلة مثل الأورانيوم في النجوم، جعلتهم يستبعدون مثل هذه الأفكار، بيد أن وجود عنصر الهدروجين بغزارة في كل المجرّات والنجوم، دفع العلماء إلى مزيد من البحوث اعتماداً على مبدأ تكافؤ الكتلة والطاقة فوجدوا أن الطاقة المتولدة في النجوم تنتج من اندماج ذرات العناصر الخفيفة مثل الهدروجين أو نظيريه وتحولها إلى غاز الهليوم، وأن النقص الكتلي الناتج من الاندماج يتحول إلى طاقة هائلة. وقام الفيزيائيون مع بداية الحرب العالمية الثانية بمحاكاة الطبيعة والسعي إلى تحقيق الاندماج النووي على الأرض، لكنهم وجدوا أن الاندماج يتطلب شروطاً خاصة جداً من الحرارة والضغط لم تكن متوافرة آنذاك. وبعد تفجير أول قنبلة ذرية، لاحظ العلماء أنه يمكن توليد طاقة هائلة، في زمن قصير جداً، وتوليد حرارة وضغط مناسبين لتحقيق الاندماج النووي لنظيري الهدروجين. وقد طور هذه الأفكار وطبقها العالم الأمريكي المجري الأصل إدوارد تيللر وأدت إلى تفجير أول قنبلة هدروجينية عام 1951، واستعمل آنذاك تفجير قنبلة ذرية مناسبة لتوفير الحرارة والضغط اللازمين لحدوث تفاعل الاندماج.
    إن الطاقة الهائلة التي نتجت من هذا الانفجار والتي تعادل ملايين الأطنان من مادة T.N.T الشديدة الانفجار، استرعت أنظار العلماء إلى إمكان استعمالها في توليد الطاقة الكهربائية، لتوافر الهدروجين ونظيريه بغزارة في الطبيعة.
    لذلك بدأ العلماء منذ الخمسينات من القرن العشرين بوضع برامج بحوث معقدة، ومكلفة جداً، ورصد اعتمادات تقدر بمئات الملايين من الدولارات، للبحث عن طريقة فيزيائية لتحقيق شروط الاندماج النووي الحراري من غير الاستعانة بالقنبلة الذرية، معتمدين على محاكاة الطبيعة في توليد الطاقة في الشمس والنجوم.
    طاقة الاندماج النووي في الشمس والنجوم
    تعود الطاقة الهائلة المتولدة في النجوم، التي تظهر في الفضاء أشعةً كهرمغنطيسية مختلفة ونترينوات neutrinos، إلى طاقة الاندماج النووي فيها، وإلى تأثير قوى الجاذبية gravitation الناتج من كتلة النجم.
    ففي الشمس التي تبلغ كتلتها /3010/ كغ يتحول غاز الهدروجين إلى دوتيريوم deutérium الهدروجين الثقيل الذي يتحول أيضاً إلى غاز الهليوم helium، في عملية اندماج متتالية مطلقاً طاقة هائلة. ويحدث هذا الاندماج تحت تأثير الحصر confinement لحقل الجاذبية المهيمن في مركز الشمس، الذي يضغط ذرات عنصر الهدروجين (البروتونات) بعضها على بعض، ضغطاً هائلاً يصل إلى /1110/ ضغط جوي، وينتج من هذا الضغط الهائل ارتفاع شديد في درجة الحرارة يصل إلى/3×710/ درجة مئوية. وتتعاقب العناصر المغذية للاندماج تبعاً لدورات اندماج متتالية، أي يمكن تمييز دورة اندماج عنصر الهدروجين وتحوله إلى هليوم، ويلي ذلك دورة اندماج الفحم ودورة اندماج الأكسجين ودورة اندماج النيون ودورة اندماج الحديد وغيرها. ويبين الجدولان 1 و2 تعاقب عمليات الاندماج، ويجري في كل دورة من تلك المراحل تفاعل الاندماج على النحو الآتي:
    ـ تتزايد كتلة النجم من تجمع غيوم الهدروجين وتبدأ قوى الجاذبية بالتأثير، ويبدأ النجم بالتقلص التدريجي الذي ينتج منه ارتفاع هائل في درجة الحرارة إلى قيم كافية لإطلاق الاندماج النووي.
    ـ في أثناء تلك المرحلة من عملية الاندماج، يتوقف تقلص النجم وتستقر حرارته، وتصبح الطاقة الناتجة من الاندماج مكافئة تماماً للطاقة المتحررة.
    ـ عندما يشح العنصر المغذي للاندماج النووي، تتوقف عملية الاندماج، ويبدأ تقلص النجم بتأثير قوى الجاذبية، وينتج من ذلك ارتفاع شديد لدرجة حرارة النجم حتى تصل إلى قيمة حديّة كافية لإطلاق اندماج نووي جديد بعنصر جديد.
    ويبين المنحنى 3 تعاقب المكونات الذرية لنجم وتطورها ابتداءً من عنصر الهدروجين حتى عنصر الحديد، وتعاقب التقلص الناتج من قوى الجاذبية، وارتفاع درجات الحرارة إلى قيم كافية لإطلاق اندماج جديد بعنصر جديد. وحصيلة تلك التفاعلات كلها هي أن الكتلة الكلية للمادة المندمجة نووياً تكون أكبر من الكتلة الكلية للمادة المنتجة، وفرق الكتلة هذا يسمى النقص الكتلي وهو يتحول إلى طاقة بمقتضى مبدأ اينشتاين.
    شروط الاندماج النووي واحتمالاته
    تتخذ احتمالات اندماج ذرات الهدروجين ونظيريه المسارات الآتية:
    ـ تندمج نواتا الدوتيريوم لتكوين عنصر التريتيوم tritium وفق المعادلة:
    حيث D تمثل الدوتيريوم ورمزه وهو نظير لعنصر الهدروجين، ويتضمن بروتوناً واحداً ونتروناً واحداً إضافة إلى إلكترون واحد.
    وحيث T تمثل التريتيوم ورمزه وهو نظير لعنصر الهدروجين أيضاً، وتحتوي نواته على بروتون واحد ونترونين وإلكترون واحد.
    والتريتيوم عنصر مشع يمكن تعرفه بقياس الإشعاعات الصادرة عنه. وكما هو مبين في المعادلة السابقة يرافق تكوين التريتيوم الهدروجين وإطلاق حرارة كبيرة.
    ـ تندمج نواتا الدوتيريوم لتكوين نواة الهليوم وفق المعادلة الآتية:
    وينطلق من التفاعل نترون واحد بطاقة كبيرة، ويتشكل عنصر هليوم (3) رمزهوهو عنصر نادر في الطبيعة وتحتوي نواته على بروتونين ونترون واحد.
    ـ تندمج ذرة دوتيريوم D وذرة تريتيوم T وفق المعادلة الآتية:
    وينتج من الاندماج الهليوم (4) الذي تحتوي نواته على بروتونين ونترونين إضافة إلى إصدار نترونٍ بطاقةٍ عالية جداً. وهذا التفاعل هو المعتمد في عمليات الاندماج نظراً لسهولته بالموازنة بينه وبين التفاعلات السابقة. ويمكن الحصول على عنصر التريتيوم اللازم بالاعتماد على التفاعل الوارد في المعادلة (1) أو بالاعتماد على تفاعل النترون الناتج في المعادلة (3)، مع عنصر الليتيوم 6 lithium 6 الذي يوجد بنسبة 7.5% ضمن الليتيوم الطبيعي، وذلك بحسب المعادلة التالية:
    أما عنصر الدوتيريوم فيستخلص من الماء الثقيل D2O الذي يوجد بنسبة 1/6000 في مياه المحيط.
    وفكرة الاندماج النووي سهلة، لكن تطبيقها العملي هو في منتهى الصعوبة فالفكرة الأساسية في الاندماج هي تقريب نواتي الدوتيريوم والتريتيوم الواحدة من الأخرى لتندمج النواتان، لكن القوى الشديدة للتنافر الإلكتروستاتي المتبادل بين بروتونات ذرات الدوتيريوم والتريتيوم ذات الشحنة الموجبة تحول دون الاندماج. وقوى التنافر الشديدة هذه لا تفرض سيطرتها إلا في نطاق مسافة تبلغ 2×10-13سم، وهي مسافة قابلة للموازنة بينها وبين نصف قطر النواة نفسها. ولكي تقترب نواتان موجبتان إحداهما من الأخرى، وتتجاوزا حاجز التنافر الإلكتروستاتي الشديد لابد من تزويدهما بطاقة حركية هائلة. وللوصول إلى الاندماج النووي الحراري للنواتين يجب تحقيق ثلاثة شروط:
    ـ يجب رفع درجة الحرارة إلى مئة مليون درجة مئوية أي عدة أضعاف درجة حرارة الشمس لرفع الطاقة الحركية للذرات.
    ـ توفير ضغط مرتفع جداً للبلازما الحارة لتصل كثافتها إلى ألف ضعف لكثافتها العادية، وذلك لتجاوز حدود التنافر الإلكتروستاتي بين الذرات الموجبة.
    ـ إيجاد الوعاء المناسب لاحتواء بلازما مزيج الاندماج الحار جداً، الذي تزيد حرارته على عشرات الملايين من الدرجات، بعيداً عن جدران جهاز الاختبار.
    حدد هذه الشروط الفيزيائي البريطاني لاوسون Lowson عام 1957 وسميت بمعيار لاوسون critère de Lowson.

  • #2
    معيار لاوسون
    حدد لاوسون بمعادلات بسيطة المعالم الرئيسة (البارامترات) paramètres المهيمنة على ميزان الطاقة للدخل والخرج. ولكي يكون ميزان طاقة الاندماج النووي الحرارية إيجابياً، أي لتكون الطاقة المنتجة أكبر من الطاقة المصروفة لإحداثه يجب أن يتحقق الشرطان الآتيان للوصول إلى اندماج التريتيوم والدوتيريوم كما هو مبين بالمعادلة (3).
    ـ أن تزيد درجة حرارة بلازما مزيج التريتيوم والدوتيريوم على 100 مليون درجة مئوية.
    ـ أن يكون الجداء n.t أكبر من قيمة عتبة محددة.
    حيث: n تمثل كثافة البلازما لمزيج التريتيوم والدوتيريوم.
    t زمن حصر البلازما.
    وعليه فإن شروط تحقيق الاندماج لمزيج الدوتيريوم والتريتيوم هي أن يكون:
    cm3.s /جسيمات n.t ´1014
    ولتحقيق معيار لاوسون تعتمد مخابر البحث قيم الكثافة والزمن على النحو الآتي:
    ـ اعتماد زمن لحصر البلازما t طويل نسبياً (ثانية واحدة) وبكثافة لها ضعيفة
    cm3 /جسيم 1014
    ـ اعتماد زمن لحصر البلازما t قصير (واحد بالمليون من الثانية) مع كثافة للبلازما مرتفعة جداً cm3 /جسيم 1013.
    والحل الأول الذي يعتمد على الكثافة الضعيفة للبلازما يتم تحقيقه بجهاز التوكاماك tokamak (الشكل 1) وهو الأقدم، ويسمى أيضاً جهاز الحصر المغنطيسي للبلازما، وقد وضع أسسه أول مرة في أوائل الخمسينات من القرن العشرين فريق البحث في معهد الطاقة في موسكو برئاسة الفيزيائي أرتسيموفيتش L.Artsimovitch والفيزيائي ساخاروف A.Sakharov، وبه حاول الفيزيائيون محاكاة أسلوب الاندماج النووي الذي يتم في النجوم، من ناحية الضغط الهائل الذي يمكن الحصول عليه في مجال مغنطيسي شديد جداً، ودرجة حرارة مرتفعة جداً.
    التوكاماك، جهاز الحصر المغنطيسي للاندماج النووي
    يعد جهاز التوكاماك من أكثر الأجهزة فعالية ومردوداً في مجال الاندماج النووي إذ إنه قدم حلولاً ذكية وبارعة لعدة مشاكل أساسية يتطلبها الاندماج النووي، أهمها الوسيلة والوعاء اللازم لاحتواء البلازما الحارة التي تزيد درجة حرارتها على 100 مليون درجة مئوية. وتتكون البلازما كما هو معلوم من جسيمات مشحونة كهربائياً، لذا كان الحل المثالي لاحتوائها وحصرها استخدام وعاء مغنطيسي مناسب (الشكلان 1 و2).
    لهذا الوعاء المغنطيسي غير المرئي شكل الأنبوب المنغلق على ذاته كالطوق، ويضمن إبقاء البلازما بعيدة عن جدران الأنبوب المعدني الحلقي المفرغ من الهواء والشوائب ضمن جهاز التوكاماك (الأشكال 2 و3 و4).
    تولد البلازما وتخصَّر في الأنبوب الطوقي المغنطيسي من مرور تيار كهربائي نبضي ذي كثافة عالية جداً تصل إلى عدة ملايين من الأمبير، ويتم ذلك من تفريغ شحنة كهربائية من بطارية مكثفات مناسبة في الوشائع الأولية للمحولة (الشكلان 2و5) المتوضعة على النواة المعدنية للمحولة، ومنها يتحرض التيار العالي جداً في الوشيعة الثانوية للمحولة المكونة من حلقة البلازما الحارة جداً و«المؤيَّنة» وهذا التيار الشديد يسخن البلازما بفعل جول effect Joul ويفيد أيضاً في إحداث المركبة المغنطيسية الأولى BO على شكل طوق Poloïdal (الشكلان 2و5)، هذا الحقل يخصِّر البلازما ويحصرها ضمن المجال الحلقي. ويتم تشكيل الحقل المغنطيسي الثاني والرئيس /Bj/ على شكل حلقي Toroïdal (الشكلان 2 و5) حيث خطوط الساحة موجهة مع محور الأنبوب الطوقي، بوساطة وشائع كهربائية متوضعة توضعاً متعاقباً على محور الأنبوب الطوقي، يغذيها مولد كهربائي نبضي يفرع استطاعته في ثانية واحدة (الشكل 5) أما الحقل المغنطيسي الثالث Br الموازي لمحور الأنبوب الطوقي فتولده وشائع مساعدة متممة الشكل5، وتتم تغذية هذا الحقل من منبع طاقة مستقل. وقيمة هذا الحقل ضعيفة بالموازنة بينه وبين الحقلين Bj، Br وترجع أهميته إلى إمكان التحكم في مسرى البلازما عمودياً أو أفقياً لتكون في مركز الأنبوب الطوقي.
    ويضمن تراكب الحقول الثلاثة تشكيل حقل مغنطيسي حلقي شديد جداً، وتلتف خطوط الساحة المغنطيسية التفافاً حلزونياً على السطح الطوقي وهو سطح مغنطيسي.
    والحقل المغنطيسي الناتج يحصر البلازما بعيداً عن جدران الأنبوب المعدني الخارجي. وتقاد ذرات البلازما الحارة لترسم نوعين من المسارات هما:
    ـ الجسيمات الدوارة : وهي تتبع خطوط الساحة المغنطيسية الحلزونية الناتجة، وبذلك تحقق تلك الجسيمات دورة كاملة ضمن الأنبوب الطوقي المغلق على نفسه.
    ـ الجسيمات المحصورة: وهي على خلاف السابقة، تتعرض للانعكاس بين النقطتين M1، M2 (الشكل4) من تأثير المرآة المغنطيسية (الشكل 6) وتهتز تلك الجسيمات بين هاتين النقطتين راسمة مساراً على شكل الموزة، ولهذه الجسيمات أثر مهم في الآليات الأساسية للبلازما من ناحية استقرارها في المسار ضمن التوكاماك.
    ويمكن حساب الاستطاعة اللازمة لتسخين البلازما بمرور التيار في مقاومتها بالعلاقة:
    حيث J تمثل كثافة التيار المتوسطة، وh تمثل المقاومة المتوسطة للبلازما وP تمثل الاستطاعة الفعالة وحيث:
    وهنا BO تمثل الحقل الطوقي وr نصف قطر مقطع الطوق.
    وتحدد شروط استقرار البلازما كثافة التيار المار فيها ولا يمكن رفعها إلا ضمن حدود معينة.
    والشكل 7 جدول يبين أجهزة التوكاماك الموجودة في العالم حتى عام 1980. أما الشكل 8 فجدول يبين أجهزة التوكاماك التي هي قيد الإنجاز في العالم.
    ومبدأ عمل جهاز التوكاماك أو جهاز الحصر المغنطيسي يسير نسبياً لكنه يصبح شديد التعقيد عند البحث في حقيقة الظواهر التي تحدث في البلازما الحارة المنتجة.
    وما يزال العلماء يجهدون في دراسة نموذج رياضي دقيق على الحاسوب، يشرح بدقةٍ فيزيائية البلازما المعقدة.
    وما يطرأ على البلازما من تغير في الشكل يتمثل بدوامات مجهرية تظهر فجأة وتسبب انفلات البلازما من خطوط الساحة المغنطيسية الشديدة.
    ولم يتم التغلب حتى اليوم على عدة مشاكل يعانيها جهاز الحصر المغنطيسي أهمها تأثير الشوائب في فراغ الأنبوب الطوقي وتأثيرها في استقرار البلازما.

    توكاماك مكان وجوده المميزات الرئيسة
    نصف القطر الصغير (سم) نصف القطر الكبير (سم) التيار Ip (كيلو أمبير) الحقل المغنطيسي بالواحدة تسلا
    توكاماك فونتني أو روز فونتني أو روز 20 98 400 6
    توكاماك (بتولا) غرنوبل 15 72 80 2.9
    توكاماك (ويغا) غرنوبل 16 71 60 2.7
    برنستون لارج توروس برنستون 45 132 1600 5
    ت10 (توماك 10) موسكو 37 150 600 5
    برنستون ديفرتور التجريبي برنستون 45 145 500 2.4
    المحوري المتناظر ديفرتور التجريبي غارشينغ 40 164 500 3
    الكاتور (سي) بوسطن 17 64 1000 14
    فراسكاتي توكامك فراسكاتي (إيطالية) 21 83 1000 10
    دوبليت 3 سان دييغو 90×270 2 150 5000 2.6
    الشكل (7) جدول يبين أهم أجهزة التوكاماك الموجودة في العالم عام 1980
    ولم تعرف أيضاً كيفية التغلب على أسباب انخفاض درجة حرارة البلازما التي ينبعث منها ضوء فوق البنفسجي يفقدها طاقتها. ولكن البحوث والتجارب المخبرية بينت أن التحكم الدقيق والفعال في كثافة تيار التسخين بفعل جول يوفر حصراً مستقراً للبلازما مع تغيرات ضئيلة في شكلها.
    توكاماك مكان وجوده المميزات الرئيسة
    نصف القطر الصغير (سم) نصف القطر الكبير (سم) التيار بالمليون أمبير الحقل المغنطيسي بالواحدة تسلا
    J.E.T جوينت يوروبيان توروس غولهام 1.25×2.1 1 2.96 3.9 2.8
    مفاعل الاندماج بالتوكاماك برنستون 0.85 2.48 2.5 5.2
    التوكاماك الياباني توكايمورا (اليابان) 1 3 3.3 5
    تور سوبرا كاداراش (فرنسة) 0.75 2.15 1.7 4.5 2
    توكاماك 15 موسكو 0.8 2.35 1.6 3.5 2
    الشكل (8) يبين أهم أجهزة التوكاماك قيد الإنجاز في العالم
    ويقتضي البحث الإشارة إلى التسخين المساعد للبلازما وإلى ميزان الطاقة في أجهزة التوكاماك على النحو التالي:
    1ـ التسخين المساعد للبلازما: يرفع التسخين بتأثير جول، في جهاز التوكاماك، درجة حرارة البلازما إلى 20 مليون درجة مئوية تقريباً. وبحسب معيار لاوسون لابد من الوصول إلى 100 مليون درجة مئوية ليبدأ الاندماج النووي الحراري، لذا لابد من استخدام وسائل إضافية مساعدة لرفع درجة حرارة البلازما، وأهم هذه الوسائل طريقتان:
    ـ أما الأولى فهي قذف البلازما الحارة بسيل من ذرات الهدروجين الحيادية التي رفعت طاقتها الحركية إلى 80 كيلو إلكترون فولط باستعمال مسرِّع الجسيمات. وتقذف هذه الذرات ضمن البلازما. وباصطدامها بإيونات البلازما الحارة تتخلى عن سرعتها وتتحول طاقتها الحركية إلى حرارة. وقد نجحت التجارب التي أجريت على جهاز Alcator في معهد ماساشوسيتس التقني في رفع درجة حرارة البلازما إلى 220 مليون درجة مئوية وذلك بقذف البلازما الحارة بسيل من ذرات الدوتيريوم وهو المستعمل وقوداً للاندماج النووي، بعد أن رفعت طاقته الحركية إلى 160 كيلو إلكترون فولط.
    وبذلك أصبح من الممكن حقن طاقة تزيد على 5 ميغاواط في البلازما مباشرة، وقد رَفَع هذا القذف من كثافة البلازما التي أصبحت في حدود 10000 مليار ذرة دوتيريوم في السم3 في ثانية واحدة.
    وهذه القيم قريبة من معيار لاوسون لكن ظهور مشاكل في استقرار البلازما والدوامات المجهرية يتطلب المزيد من البحث لفهم حقيقة تلك الظواهر المرافقة. ويبين الشكل 9 جهاز حقن الذرات المسرَّعة في البلازما مباشرة.
    ـ وأما الطريقة الثانية فهي استخدام الموجات القصيرة جداً في تسخين البلازما بتردد يراوح بين 100 كيلوهرتز و4 غيغاهرتز. وتطلق تلك الموجات من مرسل antenne متوضع داخل المنطقة المفرغة في التوكاماك في المجال المحدد بين البلازما وجدار الأنبوب الحلقي، وأمكن حقن استطاعة 250 كيلوفولط في البلازما. والبحوث جارية لرفع كفاية هذا الحقن من ناحية الاستطاعة المقدَّمة للبلازما.
    2ـ ميزان الطاقة في أجهزة التوكاماك: إن المسألة الأساسية في عملية الاندماج النووي بأجهزة الحصر المغنطيسي للبلازما هي تحديد الاستطاعة التي يجب تقديمها للبلازما، ودراسة الشروط المناسبة للمحافظة على درجة حرارة كافية لاستمرار الاندماج في مدة زمنية كافية، ويمكن في هذه الحالة دراسة ميزان الاستطاعة التي يجب معايرتها في كل لحظة بحسب المعادلة التالية:
    Ph+Pca+Pa = Pc+PR
    حيث Ph تمثل استطاعة التسخين بفعل جول وPca تمثل استطاعة التسخين المساعدة وPa تمثل استطاعة تسخين الجسيمات وPc تمثل الاستطاعة الضائعة بالانتقال وPR تمثل الاستطاعة الضائعة بالإشعاع.
    الشكل (10) كرية الوقود في منطقة الهدف لنظام ليزر نيوديميوم
    والشكل يبين كرية الوقود في منطقة الهدف لنظام ليزر نيوديميوم- زجاج، محول إلى طول موجي قصير. يصددر الليزر في البداية حزمة واحدة من اضوء تحت الأحمر بطول موجي مقداره مكرون واحد وبعد أن تقوى الحزمة وتشطر إلى 24 حزمة، وتقوى مرة أخرى، تحرر كل حزمة منها من خلال خلية، تحمل بلورتين من فوسفات البوتاسيوم ثنائي الهدروجين فتحول إلى حزمة فوق بنفسجية بتردد يبلغ ثلاثة أضعاف تردد الدخل، وتقوم العدسات والمرايا بتوجيه الحزم وتركيزها على كرية الوقود الموجودة في مركز الصورة وتكون غرفة الهدف مفرغة من الهواء وكرية الوقود معلقة في مكانها حيث تلتقي حزم الليزر الأربع والعشرون، وتودع طاقتها.
    وتحدِّد دراسة ميزان الاستطاعة في كل لحظة قيمة استطاعة التسخين المساعدة للوصول إلى الاندماج والمسماة القدح ignition.
    نشرت مجلة «العلم والحياة» الفرنسية بعددها رقم 916 تاريخ كانون الثاني 1994 ما يأتي: «بتاريخ الخميس 9كانون الثاني 1993 وفي مخبر جامعة برنستون Princeton لفيزياء البلازما، وبداخل مفاعل الاندماج النووي، التوكاماك، حصل ارتفاع في درجة حرارة البلازما إلى100 مليون درجة مئوية أي ثلاثة أضعاف حرارة قلب الشمس وأتاح هذا لثلاثين غراماً من مادة التريتيوم الاندماج مع غاز الدوتيريوم، ليشكلا نواة غاز الهليوم، وذلك في أربع ثوان وفي هذه المدة ولِّد مفاعل الاندماج النووي ثلاثة ملايين واط متجاوزاً بذلك السبق الذي حققه عام 1992 التوكاماك الأوربي Jet الموجود في بريطانية والذي بلغ 1.7 مليون واط. لكن المخبرين لم يقدما أي شروح لطريقة رفع درجة الحرارة إلى ذلك المعدل المرتفع، وتعد هذه الخطوة مهمة جداً في إعطاء الأمل للعلماء الذين يعملون منذ أكثر من 25 سنة لترويض طاقة الاندماج النووي، أنفقت في أثنائها مليارات الدولارات مع تفرغ مئات الفيزيائيين والمهندسين لهذا الأمر».
    إن أهم ما يتميز به منبع الطاقة هذا أنه يولد طاقة نظيفة نسبياً من المواد المشعة الخطرة التي يولِّدها الانشطار الذري للمواد الثقيلة كاليورانيوم والبلوتونيوم مع العلم أن وقود الاندماج النووي كما ذكر سابقاً متوافر في الماء، ألا وهو الهدروجين ونظيراه التريتيوم والدوتيريوم. ولكن الطريق ما يزال طويلاً لتحقيق محطة توليد كهربائية تعمل بالاندماج النووي. لأن الاستطاعة المقدمة لتوكاماك جامعة برنستون تعادل ثمانية أضعاف الاستطاعة المتولدة من الاندماج، أي ما يزال المردود سلبياً، ويأمل فريق برنستون توليد 10 ملايين واط في مدة قريبة بعد إجراء بعض التعديلات على شروط الاندماج.

    تعليق


    • #3
      الاندماج النووي باستعمال أشعة الليزر
      ويسمى أيضاً الاندماج النووي بالحصر العطالي fusion par confinement inerte ففي أوائل السبعينات من القرن العشرين أجرى باحثون في مختبر لورنس ليفرمور L.Livermor في الولايات المتحدة الأمريكية تجارب على طريقة لتحقيق الاندماج النووي تختلف اختلافاً جذرياً عن طريقة تسخين البلازما، واحتوائها بحقول مغنطيسية قوية. وتستغل هذه الطريقة قدرة الليزر الهائلة على التسخين، فيتم شطر حزمة من ضوء الليزر إلى عدة حزم متساوية الشدة ثم تكبَّر طاقات هذه الحزم قبل أن تقوم منظومة من المرايا والعدسات بإعادة تجميعها، وبهذه الطريقة يتم تركيز الحزم الآتية من اتجاهات مختلفة في نقطة واحدة (الشكل 10).
      وتحاط عبوة من مزيج الدوتيريوم والتريتيوم بقشرة كروية بالغة الصغر لا يزيد قطرها على بضعة مليمترات، مصنوعة من مادة لدنة أو من الزجاج، ثم توضع هذه الكرية عند نقطة تقاطع حزم الليزر، وهذا يضمن للكرية إضاءة متناسقة.
      ويبين الشكلان 11 و12 الاندماج النووي الليزري في كرية مؤلفة من قشرة لدنة قطرها 1ملم، وتحوي مزيجاً من غازي الدوتيريوم والتريتيوم.

      وتتم إنارة الكرية إنارة متناسقة من جميع الاتجاهات بحزم ليزرية متراكبة، كما يتم تبخير الجزء الخارجي منها وذلك لتكوين البلازما. وتخترق هذه الحزم البلازما ولكنها لا تتعدى سطح الكثافة الحرجة وتترك الكثير من طاقتها في المنطقة المجاورة له. وتكون آلية امتصاص الطاقة المعروفة بالامتصاص الصدمي فعالة على نحو خاص عند الأطوال الموجية الليزرية الصغيرة جداً. وتقوم الإلكترونات المتذبذبة في حقل الليزر بتسخين البلازما من تصادم بعضها ببعض وبإيونات البلازما، وبهذا يتم نقل الطاقة الحرارية من البلازما الحارة نحو الداخل وإلى السطح الذي يفصل بين البلازما الحارة والقشرة الكثيفة. وتتفجر البلازما خارج سطح الانفصال بعيداً عن باقي القشرة كما يفعل الذيل الغازي لعادم الصاروخ.
      وتتسبب قوة رد الفعل في دفع القشرة داخلياً في اتجاه مركز كرية الوقود. ويضغط التفجير الداخلي مزيج الدوتيريوم والتريتيوم ضغطاً هائلاً ويسبب ارتفاعاً شديداً لحرارته، وعندها يحدث الاندماج النووي الحراري. وفي حال استعمال الليزرات ذات الطول الموجي الكبير تمتص الإلكترونات فوق الحرارية قسماً كبيراً من الطاقة.
      وفي نهاية السبعينات من القرن العشرين استطاعت التجارب الدقيقة والمحاكاة الحاسوبية المتقنة، أن تكشف عن صعوبة أساسية فقد اتضح أن كريات الوقود لا تمتص سوى نصف طاقة الليزرات التي تصدر بالشدات المطلوبة لتحقيق الاندماج وبأطوال موجية تساوي مكرومتراً واحداً، وإضافة إلى ذلك فإن نسبة كبيرة من الطاقة التي تمتصها كرية الوقود تنتشر بعيداً بوساطة ما يسمى بالإلكترونات فوق الحرارية إذ إن هذه الإلكترونات تمر بحرِّية في كرية الوقود، وتسخنها قبل أن يتم انضغاطها، وهذا يحول دون تحقيق الكثافات العالية المطلوبة للاندماج.
      وتبين أن التسخين غير المرغوب فيه، الذي تتعرض له كرية الوقود قبل الأوان، يمكن تجنبه باستعمال ليزرات قوية ذات أطوال موجية أقصر من الأشعة تحت الحمراء، ويبدو للوهلة الأولى أن عدم وجود مثل هذه الليزرات يقود التجارب إلى طريق مسدود.
      لكن استعمال حيلة بصرية مثيرة جعل تفادي ذلك ممكناً. ويتم ذلك باستعمال البلورات المثالية المصنوعة بدقة وبعناية فائقتين. تُقطع كل بلورة بزاوية محسوبة بدقة مع اتجاه شبكتها البلورية، فيصبح من الممكن بناء أجهزة بصرية تولد التوافقيات harmonies العليا للحزمة الواردة. ويكون تردد الموجات التوافقية أكبر من تردد موجة الدخل بمرتين أو ثلاث، أو أيِّ عدد صحيح آخر من المرات، وفقاً لعدد البلورات المستعملة واتجاهاتها داخل كل جهاز، وبذلك يكون الطول الموجي للحزم التوافقية العليا المقابلة قد انخفض بالعدد الصحيح نفسه.
      أي إنه عند مرور شعاع من ليزر الأشعة تحت الحمراء ذي الطول الموجي الطويل في بلورة واحدة، تستطيع نسبة كبيرة من طاقته أن تخرج بالطول الموجي للضوء الأخضر ويضعف تردد الشعاع الداخل. وعند مرور هذا الشعاع الأخضر مع الشعاع المتخلف من الأشعة تحت الحمراء، في بلورة ثانية يستطيع الشعاعان أن يتحدا في حزمة واحدة وبطول موجة الأشعة فوق البنفسجية الأكثر قصراً وبثلاثة أضعاف التردد أي ثلث الطول الموجي الذي كان للحزمة تحت الحمراء الأصلية.
      وعند إطلاق جهاز الليزر، تُحدِث نبضةُ الليزر تأيناً شبه فوري للذرات الموجودة في القشرة الخارجية لكرية الوقود، وتكون المادة الموجودة داخل نصف القطر الحرج غير مُنْفِذة لطاقة الليزر، وبذلك يحدث امتصاص للطاقة الواردة من شعاع الليزر في طبقة البلازما الكثيفة المحيطة بوقود الدوتيريوم والتريتيوم، فتتمدّد تلك الطبقة نتيجة لسخونتها الشديدة، وتنفصل انفصالاً انفجارياً عن بقية الكرية، وتبلغ عادة سرعة البلازما المنفصلة 1000 كيلومتر في الثانية.
      وتقوم قوة مساوية في المقدار ومعاكسة في الاتجاه بضغط المادة تحت طبقة البلازما المنفصلة، باتجاه الداخل، وفقاً لقانون نيوتن الثالث، وكأنها محرك صاروخي مدفوع بالبلازما التي تنفلت من جميع الجهات المحيطة بها. وتكون قوة الانفجار المتجه داخلياً نحو مركز الكرية، كافية لضغط باقي القشرة لكي تصل سرعتها إلى عدة مئات من الكيلومترات في الثانية، وذلك في جزء من بليون جزء من الثانية. وبهذا ينكمش نصف قطر كرية الوقود وينضغط خمسين مرة مما يسبب ارتفاعاً شديداً لدرجة الحرارة. وفي شروط محددة من الضغط والكثافة ودرجة الحرارة يحدث الاندماج النووي الحراري.
      وسيتناول البحث فيما يأتي ليزرات التردد المحوَّل، ودرجة الحرارة والكثافة، والمحاكاة الحاسوبية للاندماج الليزري الحراري.
      1ـ ليزرات التردد المحوَّل: يستعمل معظم التجارب التي أجريت لتطوير عملية الاندماج الليزري نوعين من ليزرات الأشعة تحت الحمراء، ليزر الحالة الصلبة، وهو ليزر الزجاج المطعم بالنيوديميوم، الذي يبلغ طوله الموجي مكرومتراً واحداً، وليزر غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يبلغ طوله الموجي 10 مكرومترات (الشكل 13).
      2ـ درجة الحرارة والكثافة: يشترط في البيئة الفيزيائية المطلوبة لإطلاق الاندماج النووي بهدف الحصول على طاقة ذات جدوى اقتصادية أن يتحقق معيار لاوسون من ناحية الحرارة والضغط فيجب أن تصل درجة حرارة كرية الوقود الحاوية على مزيج الدوتيريوم والتريتيوم إلى نحو 100 مليون درجة أي عدة أضعاف درجة حرارة مركز الشمس. ويجب في الوقت نفسه أن تصل كثافة الوقود إلى أكثر من 1000 ضعف كثافته العادية في الحالة الصلبة أو السائلة. وأمكن في الواقع توليد ضغوط تبلغ عدة بلايين ضغط جوي في الانفجارات الداخلية التي تمت بفعل شعاع الليزر المطبق على كرية الوقود.
      والضغط العالي من الناحية النظرية يزيد من فعالية الاندماج، فعندما يبلغ الوقود الموجود داخل الكرية ذروة الانضغاط، تتحول الطاقة الحركية للمادة المنفجرة نحو الداخل بسرعة هائلة، إلى طاقة حرارية، وينشأ من احتواء تلك الحرارة في الحيز المضغوط ارتفاع شديد في درجة حرارة الوقود. وهكذا يبدأ الاندماج النووي الحراري في حيز صغير في مركز كرية الوقود (الشكل 14)، ويخرج أربعة أخماس الطاقة التي يحررها الاندماج بشكل طاقة حركية للنترونات التي تمر في البلازما المحيطة، وتترك طاقتها في سائل خاص يعمل مهدئاً في جدار المفاعل. ويستهلك الخمس الباقي من الطاقة، التي تتحرر في تفاعلات الاندماج، في إصدار جسيمات ألْفا.
      الشكل (14) صورة بأشعة إكس لكرية من الزجاج تحوي مزيد D-T تبين انتظام إشعاع 24 شعاع ليزر على كرية الوقود، والشكل يبين إمكانية صور الأشعة السينية في تحديد انتظام ضوء الليزر الذي تتعرض له كرية الوقود، وتبين الصورة إلى اليسار الاشعة السينية عندما تركز كل من 24 حزمة من ضوء الليزر على مساحات صغيرة من سطح الكرية. إن هذه الإضاءة مفيدة لتفحص دقة توجيه أشعة الليزر وتجميعها.
      أما الصور الأخرى فهي لكرية متفجرة داخلياً عند تعريضها للحزم المتراكبة من أشعة الليزر، والأجزاء الحمراء في كل صورة تحدد المناطق التي يحدث فيها أعلى إصدار للأشعة السينية.
      بعد وقت قصير جداً من تعرض كرية الوقود لأشعة الليزر تنطلق الأشعة السينية من البلازما بالقرب من سطحها الابتدائي، ومع انضغاط الكرية يتحرك الجزء الذي يصدر الأشعة السينية ليكون أقرب إلى مركز الكرية، ويظهر وميض ساطع من الأشعة السينية عندما يبلغ الانضغاط أقصى قيمة له، بعد بداية التفجير الداخلي، بنانو ثانية تقريباً، وتكون سرعة اقشرة المتفجرة حيثئذ 300كم/ثا.
      ولأن هذه الجسيمات موجبة الشحنة، فإن حركتها تتباطأ بسبب اصطدامها بالوقود المحيط بها وتتخلى عن طاقتها الحركية على مسافة تتناسب عكساً مع كثافة الوقود. وبذلك يمكن ترك جزء كبير من طاقة الاندماج في أكثر طبقات الوقود برودة عندما يكون نصف قطر كرية الوقود وكثافته بالقدر الذي يحقق إيقاف جسيمات ألْفا. ويكون مثل هذا الامتصاص الجزئي لطاقة الاندماج، أمراً لا غنى عنه لانتشار الاحتراق النووي الحراري انتشاراً فعالاً وهذا ما يعرف بالتسخين الذاتي. وعندما تزيد الطاقة التي تتركها جسيمات ألْفا في الوقود على الطاقة اللازمة لانضغاطه، يقال إن الكرية قد اشتعلت. وعند معرفة مقدار كثافة الوقود المنضغط التي يمكن تحقيقها، يمكن تحديد نصف قطر قلب الكرية وكتلة الوقود، والطاقة الليزرية اللازمة للاشتعال. إن تحقيق الاشتعال يعد مؤشراً يبرهن على الجدوى العلمية للاندماج الليزري الحراري.
      3ـ المحاكاة الحاسوبية للاندماج الليزري الحراري: يعمد الباحثون إلى تطبيق المحاكاة الحاسوبية لدراسة التفجير الداخلي لكرية الوقود التي تم تصميمها للاستعمال في المفاعل. ويستعمل في المحاكاة الحاسوبية أشعة ليزر فلوريد الكريبتون krypton بطاقة 1.6 مليون جول، وهو ليزر غازي قيد التطوير في مختبرات لوس آلاموس الوطنية وبطول موجي يساوي 0.25 مكرومتر.
      وفي المحاكاة يحسب تراكم الطاقة بمعدل 3 × 1410واط على شكل ومضة من شعاع الليزر تزيد شدتها باطراد في مدة لا تتجاوز 5 إلى 10 نانو ثانية.
      وهناك معيار مهم لدراسة استجابة الكرية لأشعة الليزر يسمى «نسبة تقارب شمعة الإشعال» وهي النسبة بين نصف القطر الابتدائي لمادة شمعة الإشعال ونصف قطرها النهائي.
      وللمحافظة على استقرار الكرية يجب ألا تكون هذه النسبة كبيرة وأن تبقى بحدود 50 ضعفاً تقريباً. ويبين الشكل 16 تغيرات الضغط وازدياد اللااستقرار الهيدرودينامي اللذين يسببان تشوه منحنيات الكثافة ويجعلانها تأخذ شكلاً معقداً حول قلب الكرية.
      وجسيمات ألفا الصادرة نتيجة للاحتراق النووي الحراري في منطقة شمعة الإشعال، تبدأ في ترك طاقتها في طبقة الوقود الرئيسة ويتحقق الاندماج النووي الحراري عندما يرتفع حاصل ضرب الكثافة في نصف قطر منطقة شمعة الإشعال إلى قيم كبيرة، يتوقف معها معظم جسيمات ألفا عن الحركة.
      وتصل درجة الحرارة في قلب شمعة الإشعال إلى 100 مليون درجة سلسيوس في حين تكون درجة حرارة طبقة الوقود الرئيسة في حدود 30 مليون درجة، وينتشر الاحتراق النووي الحراري قطرياً إلى الخارج في اتجاه طبقة الوقود الرئيسة، ويصبح التوزع الحراري أكثر انتظاماً، ويأخذ الاحتراق شكلاً كروياً تقريباً كلما استهلك الوقود الرئيس. وعندئذٍ تتفكك الكرية وينطفئ الوقود النووي الحراري.
      وقد أجريت محاكاة حاسوبية باستعمال البرنامج أوركيد Orchid الذي وضعه ش.ب. فيردون Charles P.Verdon في جامعة روستستر، وقد احتاجت هذه المحاكاة التي أخذت بالحسبان الكثير من لا انتظامات التشعيع، إلى عشرات الساعات على الحاسوب CRAY.X.-MP الذي يعد من أسرع الحواسيب في العالم.

      تعليق


      • #4
        وأظهرت تلك الحسابات أن المردود النموذجي للطاقة النووية الحرارية يساوي مئة ضعف طاقة الدخل الليزرية. إن تلك النتائج حملت الكثير من مخابر البحث على تجديد الثقة في جدوى الاندماج الليزري. وعلى هذا فإن محطة لتوليد الكهرباء تستطيع توليد نحو بليون واط إذا ما تم دمج عشر كريات من وقود الدوتيريوم والتريتيوم في كل ثانية.
        واستناداً إلى تلك الحسابات، يجب أن تكون استطاعة الليزر ضمن المجال من 1.6 مليون جول إلى 10 ملايين جول لتكون مناسبة لبناء مفاعل للاندماج النووي بوساطة أشعة الليزر. وما تزال البحوث جارية للحصول على ليزر استطاعة ذي أطوال موجية قصيرة جداً من دون الحاجة إلى استعمال العدسات التوافقية.
        الاندماج النووي وآلة التضيق Z
        آلة التضيق Z هي آلة في مختبرات سانديا القومية Sandia في ولاية نيو مكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية (وفي الولاية جبال سانديا وكهف سانديا شمال شرق مدينة ألبوكيركة Albuquerque) أدت إلى طريقة جديدة لبدء الاندماج المتحكم فيه بوساطة تفجرات كثيفة هي نبضات مكثفة عالية الشدة من الأشعة السينية في نانو ثانية.
        واكتسبت آلة التضيق Z في الأعوام 1996/1998 أهمية خاصة لكونها طريقة فعالة جداً في تحقيق الاندماج النووي العطالي، وتبين للباحثين أن الجمع بين فعالية هذه الطريقة ومردودها وانخفاض كلفة توليد الطاقة الكهربائية النبضية في زمن قصير جداً (نانو ثانية) وبساطة آلة التضيق Z ودقتها له ميزات مهمة من حيث إنه منبع لإشعاع قوي ومتجانس للأشعة السينية تصل قوته إلى 1000 تيراواط في نانو ثانية واحدة ويتيح تحقيق الاندماج النووي العطالي.
        يتألف جهاز التضيق Z مما يأتي (الشكل 17):
        ـ حجرة الإشعاع الأولية العليا: وتتألف من صفيف دائري من أسلاك من التنغستين قطر السلك فيها يساوي عشر قطر شعرة الإنسان تتوضع على محيط دائرة الحجرة.
        ـ حجرة الإشعاع الأولية السفلى: وهي مماثلة في الشكل والمكونات لحجرة الإشعاع الأولية العليا.
        ـ حجرة الإشعاع الثانوية: وهي تتوضع في وسط الجهاز بين الحجرتين العليا والسفلى. ويوجد وسط فراغ هذه الحجرة «عبوة» من مزيج الدوتيريوم والتريتيوم لا يزيد قطرها على 2مم ويحمل المزيج مادة لدنة.
        وتتصل حجرتا الإشعاع الأوليتان العليا والسفلى بحجرة الإشعاع الثانوية بفتحتين صغيرتين تسمحان بمرور البلازما الحارة جداً.
        يتوضع جهاز التضيق Z، كما هو مبين في الشكل 18ـ أ، في مركز للطاقة النبضية يتألف من 36 مولد ماركس تشحن مكثفات بحجم 5000 متر مكعب تعمل على توتر قدره 90 KV.
        يستخدم مفتاح غازي ليزري لمزامنة إطلاق 36 نبضة كهربائية من المكثفات المتوضعة دائرياً حول جهاز التضيق Z وذلك في حدود نانو ثانية. وتنتقل النبضات الكهربائية المتراكبة من المكثفات إلى صفيف أسلاك التنغستين التي تحيط بحجرتي الإشعاع الأوليتين العليا والسفلى (الشكلان 18ـ ب و18ـ ج).
        إن تفريغ شحنة المكثفات عبر أسلاك التنغستين يسمح بمرور تيار كهربائي نبضي تبلغ قيمته عدة ملايين من الأمبيرات. إن مرور هذا التيار «الهائل» في أسلاك التنغستين الرفيعة جداً في نانو ثانية يسبب الظواهر الفيزيائية الآتية:
        ـ تنصهر أسلاك التنغستين وتتبخر وتتحول إلى بلازما حارة جداً تندفع من حجرتي الإشعاع العليا والسفلى إلى الحجرة الثانوية الوسطى وذلك عبر فتحة ضيقة.
        ـ إن مرور التيار الكهربائي الكبير وتشكل البلازما يولدان حقلاً مغنطيسياً دائرياً يحيط بمجرى التيار وعلى طول المحور Z (المحور Z هو اصطلاحاً مسار التيار) هذا الحقل المغنطيسي الشديد يسبب التضيق والحصر وفق المحور Z ومن ثم يحصر البلازما المتشكلة ويضغطها ويرفع من حرارتها وكثافتها.
        ـ بسبب التضيق والحرارة الشديدة تنطلق أشعة سينية قوية ومتجانسة بقوة تزيد على 1000 تيراواط في نانو ثانية.
        ـ بتأثير الأشعة السينية الشديدة تتبخر الطبقة الخارجية لكرية الوقود (دوتيريوم - تريتيوم) (الشكلان 19 - أ و19 - ب) وتنفجر وتنقل الطاقة الحركية الداخلية إلى كرية الوقود نفسها وتتسبب قوة رد الفعل في دفع القشرة داخلياً في اتجاه مركز كرية الوقود (الشكل 19 - ج) ويضغط التفجير الداخلي مزيج الدوتيريوم - التريتوم ضغطاً هائلاً ويسبب ارتفاعاً شديداً لحرارته، وتصغر كرية الوقود بنسبة 1/1000 إلى 1/10000 من حجمها الأصلي. وبسبب هذا الانضغاط الهائل والحرارة الشديدة والكثافة المتجانسة، يبدأ الاندماج النووي عندما تصل درجة الحرارة إلى 120 مليون درجة أو أكثر. ويمتد صدر موجة الاحتراق إلى الخارج ويبرد ويتوقف عندها الاندماج (الشكل 20).
        وفي سلسلة التجارب التي بدأت في مخابر سانديا في نهاية عام 1996 تم تمرير تيار شدته 20 مليون أمبير في آلة التضيق Z ونتج منه نبضات هائلة من الأشعة السينية الشديدة طاقتها مليونا جول في نانو ثانية وباستطاعة 1000 تيراواط.
        ومن تجارب أخرى على آلة التضيق Z أجريت في عامي 1997و1998 في مخابر لورنس ليفرمور في كاليفورنية وفي مخابر سانديا تم التوصل إلى إنتاج أشعة سينية باستطاعة 2000 تيراواط، وتم توليد حرارة مقدارها 3 ملايين درجة سلسيوس في حجرة الأشعة الثانوية، وتبين من التجارب العملية والمحاكاة الحاسوبية الدقيقة أن استعمال الطاقة الكهربائية النبضية عبر المكثفات هو أكثر فاعلية وأقل كلفة وأعلى مردوداً من استخدام أشعة الليزر، إذ إن استخدام جهاز التضيق Z المستخدم في التجارب السابقة يعطي مردوداً كلياً من طاقة الأشعة السينية بنسبة 15 من دخل الطاقة الكهربائية، في حين أن المردود في جهاز نوفا الليزري المستخدم في مخابر لورنس ليفرمور لا يزيد على 0.1 ومن ثم فإن ضعف فاعلية نظام الليزر لا يتيح تحقيق أي مردود عملي مرتفع في الاندماج النووي.
        العامل 3 النهائي
        في استخدام آلة التضيق Z للأشعة السينية تؤدي إعادة التجارب دائماً إلى قيم الطاقة نفسها وإلى طاقة الأشعة السينية نفسها. وبينت كل القياسات أنه عندما تتضاعف قيمة شدة التيار بالأمبير فإن طاقة الأشعة السينية تتضاعف أربع مرات وكما هو متوقع نظرياً فيما يتصل بالإشعاع الحراري فإن درجة حرارة التضيق Z تزداد بنسبة الجذر التربيعي لشدة التيار، وهكذا فإن الضرب بـ 3 لقيمة شدة التيار أي الوصول إلى 60 مليون أمبير يسمح بتحقيق الطاقة اللازمة من الأشعة السينية ودرجة الحرارة اللازمة لإشعال الاندماج النووي في آلة التضيق Z.
        المحاكاة الحاسوبية للاندماج بآلة التضيق Z
        تم تطوير نماذج حاسوبية لدراسة فيزياء البلازما المعقدة لآلة التضيق Z. ومع أن المحاكاة كانت مقصورة على بعدين فقط فإنها تطبق قدرات حاسوبية كبيرة. يطور العلماء في مخابر سانديا ولوس آلاموس Los Alamos (في ولاية نيو مكسيكو) نماذج حاسوبية دقيقة لمحاكاةٍ ثلاثية الأبعاد لآلة التضيق Z لدراسة المميزات المغنطيسية والهدرودينامية والإشعاعية للتضيق Z. وتتطلب المحاكاة الاعتماد على حاسوب ذي قدرات كبيرة جداً يعمل عند 1.8 ترليون نقطة عائمة أي بقيم تيرافلوبس Teraflops (Tera تعني 1012، وFlops مؤلفة من دمج أوائل الكلمات Flooting Point Per Second أي نقطة عائمة في الثانية الواحدة) وكذلك تم رصد الاعتمادات لتصميم آلة تضيق Z جديدة تتوافر فيها شروط الاندماج لما توفره من إمكانات واعدة جداً في تحقيق الاندماج بفعالية كبيرة وبمردود مرتفع وبكلفة قليلة نسبياً مقارنة مع نظام التوكاماك أو الحصر باستخدام أشعة الليزر.
        الاندماج النووي البارد المحفوز بالميون
        تستطيع الجسيمات الشبيهة بالإلكترونات، التي تسمى ميونات muon حفز تفاعلات الاندماج النووي من دون حاجة إلى استعمال أجهزة الليزر ذات الطاقة العالية، أو حصر البلازما في حقول مغنطيسية هائلة وتسخين البلازما إلى درجة حرارة تفوق درجة حرارة مركز الشمس. وهذا يسمى الاندماج المحفوز بالميون، وهو يعمل على نحوٍ مختلف تماماً عما سبق، لأنه يتفادى كلياً الحاجة إلى استعمال درجات الحرارة العالية.
        والاندماج المحفوز بالميون، الذي يسمى أيضاً الاندماج البارد، يمكن أن يتم بسرعة في درجة حرارة الغرفة، ضمن وعاء بسيط يحتوي على الدوتيريوم والتريتيوم. وعند إدخال الجسيمات المعروفة بالميونات السالبة الشحنة إلى الوعاء، تكوِّن روابط شديدة وغير عادية بين نوى بعض ذرات نظيري الهدروجين، حينئذٍ تندمج نوى هذين النظيرين المرتبطة بالميونات وتُقذف الميونات التي تستطيع أن تقوم بحفز تفاعلات اندماجية أخرى، ولا يتأثر باقي ذرات الغاز تأثراً يذكر، فيما عدا الارتفاع الذي يطرأ على درجة حرارة الغاز بعد كل تفاعل اندماجي.
        وحدوث الاندماج المحفوز بالميون غير مقصور على درجة الحرارة العادية، فقد أمكن تحقيق هذا التفاعل في حالتي نظيري الهدروجين السائلة والصلبة، وعند درجات حرارة وصلت إلى 13 درجة كالفن أي 13 سلسيوس فوق الصفر المطلق وحُقق التفاعل في الغازات عند درجات من الحرارة وصلت إلى 530 درجة، وتتوقع البحوث الحديثة أن تجري هذه التفاعلات بأعلى كفاية عند درجات من الحرارة قريبة من 900 درجة.
        وفي عام 1982 بدأت مجموعة من العلماء برنامجاً تجريبياً جديداً للاندماج المحفوز بالميون وذلك في مختبرات لوس آلاموس لفيزياء الميزونات Los Alamoss Meson Physics LAMPF (Facility ) تحت إشراف غاجيفسكي R.Gajewski من وزارة الطاقة الأمريكية.
        ووجدت تلك البحوث أن المعدلات الإجمالية لحدوث التفاعلات الاندماجية كانت أسرع كثيراً مما كان متوقعاً، وفي إحدى التجارب تسببت المعدلات السريعة كتابع لدرجة الحرارة بحدوث نحو 150 اندماجاً لكل ميون. إن هذه الاكتشافات المثيرة أدت إلى اهتمامات واسعة بالاندماج المحفوز بالميون.
        ويقوم الإيون الميوني الجزيئي بعد تكوينه بالقفز من حالة ترابطه الضعيف إلى حالة يكون فيها الترابط أكثر قوة، محرراً بذلك طاقة يمكن نقلها بوساطة الإلكترون. ولأن النواتين، في حالة الترابط القوي هذه في الإيون الميوني الجزيئي، تكونان محصورتين في حيز صغير جداً، فإنهما تتنافران بسبب الشحنة الموجبة التي يحملها كل منهما، إلا أن الميون يجذبهما جذباً متكرراً الواحدة إلى الأخرى. وفي النهاية تتحد النواتان وتندمجان وفقاً لظاهرة ميكانيكية كمومية، تعرف بظاهرة النفق effect tunnel أي تمران من حاجز التنافر المشترك بينهما، حتى يصبح التقارب بينهما بالقدر الذي يفرضه تأثير القوة النووية الشديدة وهي القوة التي تربط البروتونات والنترونات في النواة.
        وهنا تبدأ قوانين الفيزياء النووية بالتحكم في الأحداث، وتندمج النواتان لتكوِّنا نواة مفردة من الهليوم 5 - الذي يحوي بروتونين وثلاثة نترونات، وبعد ذلك بقليل تتفكك هذه النواة إلى هليوم 4 فيه بروتونان ونترونان وإلى جسيم ألفا، ويتحرر نترون واحد، ويحرر هذا التفاعل طاقة حركية، فيبتعد كل من جسيم ألفا والنترون أحدهما عن الآخر بسرعة كبيرة، ويبقى الميون في العادة حراً ليقوم بتكرار الدورة ويؤدي بذلك دور الحافز الحقيقي للاندماج النووي.
        وأحياناً يقوم جسيم ألفا، الناتج من التفاعل الاندماجي بتأثير شحنته الموجبة، بحجز الميون السالب الشحنة، ومنعه من حفز تفاعل اندماجي آخر، وحتى في هذه الحالة يبقى الاحتمال وارداً لحدوث تصادم يحرر الميون الحبيس لأن جسيم ألفا يتحرك بسرعة كبيرة في الغاز الكثيف الموجود في وعاء التفاعل.
        ومنذ عام 1985 رأى علماء مختبر لوس آلاموس الوطني أن نحو 40% من الميونات التي تلتصق بجسيمات ألفا يتم تحريرها في النهاية، وما يزال المجال متسعاً لفهم هذه العملية فهماً أشد عمقاً. إذ إن تواتر التصاق الميون المحفوز بجسيم ألفا، الذي يسبب توقف سلسلة التفاعلات الاندماجية، يشكل العقبة الرئيسة في سبيل تحقيق الاندماج المحفوز بالميون على نحو مستمر، والحسابات الدقيقة لاحتمالات الالتصاق ليست سهلة، لأن تفاعلات الأجسام المتعددة المشتركة هي على درجة كبيرة من التعقيد. والبحوث مستمرة في أمريكة وروسية واليابان وأوربة للوصول إلى حلول لتلك المشكلات. وهي تهدف في النهاية إلى توليد الطاقة من مفاعل يعمل بالاندماج النووي البارد.
        ومع أنه لم يتوافر الوقت الكافي لتقويم مضمونات الاكتشافات الحديثة، فإن عدداً من الإمكانات أخذ يظهر، فعلى الرغم من عدد تفاعلات الاندماج لكل ميون، وكلفة إنتاج الميونات فإن كفة المخطط الذي يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق تبقى راجحة إذ إن الكتلة المكافئة لكتلة الميون تساوي تقريباً الطاقة الناتجة من ستة تفاعلات اندماجية. وبعبارة أخرى، تستطيع الآلة المثالية لإنتاج الميونات، ذات الكفاية التامة أن تولد ميوناً واحداً مقابل ستة تفاعلات اندماجية محفوزة بالميون تتم في جهاز منفصل للتفاعل. ولكن الكلفة الحقيقية لتوليد الميون تزيد على ما ذكر عشرين مرة على الأقل، وربما يؤدي التقدم في تقنية مُسرِّعات الجسيمات إلى تخفيض هذه الكلفة.
        وفي المركز الأوربي للبحوث النووية N.R.E.C وحالياً المنظمة الأوربية للبحوث النووية OERN قام جاندل M.Jandel من جامعة أوبسالة بتحريات عن كلفة إنتاج الميون في المختبر، ويتم ذلك بتصويب حزمة من الإيونات على وعاء يحوي الدوتيريوم والتريتيوم وتبين أن كلفة الطاقة هي مكافئة لما بين 100 إلى 500 تفاعل اندماجي، وكما اتضح من تجارب مختبرات لوس آلاموس لفيزياء الميزونات فإن الميون الذي يتم توليده بهذه الطريقة يمكنه الاستمرار في حفز ما يزيد كثيراً على 100 تفاعل اندماجي.
        ويمثل الشكل 21 مفاعلاً يعمل بالاندماج البارد بالاعتماد على التقنية المتوافرة اليوم.
        وكما هو موضح بالشكل فإن إنتاج الميونات اللازمة يتم على النحو الآتي: يقوم مسرِّع الجسيمات بتصويب حزمة من الإيونات نحو هدف مصنوع من مادة الليتيوم. وبعد ذلك توجه حزمة الميونات الناتجة نحو وعاء تفاعل مزود بالدوتيريوم والتريتيوم. وهناك تقوم الميونات بحفز تفاعلات الاندماج. وتقوم مصفاة باستبعاد الهليوم الناتج من التفاعل. وتصدم النترونات الناتجة من تفاعلات الاندماج غلافاً من الليتيوم فيتكون التريتيوم والهليوم. ويرسل التريتيوم إلى وعاء الاندماج في حين يتم استبعاد الهليوم. وتستعمل الحرارة الناتجة من تفاعلات الاندماج في تبخير مائع وسيط يجري في أنبوب في الغلاف المكون من الليتيوم كما يستعمل البخار الناتج في إدارة عنفات بخارية تدير مولدات الطاقة الكهربائية. ويستعمل جزء من الكهرباء في إمداد مسرِّع الجسيمات والمضخات وأنظمة المفاعل الأخرى بالطاقة، أما باقي الطاقة فيتم توزيعه إلى المستهلك.
        وسيتفوق المفاعل الذي يعمل بالاندماج البارد بعدة ميزات على المفاعلات الانشطارية. فمن جهة أولى «الرماد» الذي ينتج لا محالة من عملية الاندماج ما هو إلا غاز الهليوم غير الضار من دون أي نفايات مشعة، وكذلك فالمواد اللازمة وقوداً للتفاعل الاندماجي متوافرة بكثرة في ماء البحر الذي يحوي كميات كبيرة من الدوتيريوم والليتيوم الذي يمكن استعماله لإنتاج التريتيوم.
        ومن جهة أخرى وبسبب فيزيائية الاندماج المحفوز بالميون، فإن المفاعل المبني على هذا الأساس لن يكون عرضةً للتفاعلات التي لا يمكن السيطرة عليها أو للانصهار من خللٍ في دارات التبريد. وإضافة إلى ما سبق لا يمكن استعمال الاندماج البارد منطلقاً لإنتاج الأسلحة النووية الحرارية.
        وبغض النظر عن التطبيقات التقنية الممكنة، فإن أبحاث الاندماج المحفوز بالميون تمس فروعاً كثيرة في الفيزياء الحديثة وتعتمد على قوانين الفيزياء الجزيئية والذرية والنووية وفيزياء الجسيمات وعلى التقدم في تقنية مسرِّعات الجسيمات.
        الاندماج النووي البارد بالتحليل الكهربائي
        في 23 آذار من عام 1989 أعلن عالمان في مجال الكيمياء الكهربائية هما م.فلايشمان M.Flishman من جامعة ساوثمبتون وب.س.بونس B.S.Pons من جامعة يوتة، للصحافة في مقال نشر في مجلة «الكيمياء التحليلية الكهربائية» عدد حزيران 1989 أن مرور تيار كهربائي في ماء ثقيل (وهو نظير للماء) نحو مهبط (كاتود) من معدن البالاديوم يولد كمية كبيرة غير متوقعة من الحرارة، وأن الحرارة المتولدة تزيد كثيراً على الطاقة المقدمة من التيار الكهربائي المغذي، وأنها في كل الأحوال أكبر من أن تعزى إلى تفاعل كيمياوي. وقد كشف العالمان أيضاً عن إصدار عدد قليل من النترونات، وقدما شرحاً على أساس أن ما حدث هو اندماج نووي بارد، وأنه في أثناء عملية التحليل الكهربائي، تنتشر في الشبكة البلورية لمهبط البالاديوم نوى الدوتيريوم الموجود في العادة في الماء الثقيل، بدلاً من بروتون منفرد. ويشرح العالمان أن النوى حيث تحتشد بكميات كبيرة، وبطاقات عالية فهي تتغلب على تنافرها الكهربائي، وتندمج مكوِّنة التريتيوم، وتصدر عن الاندماج نترونات وحرارة عالية إضافية، تبلغ من مهبط واحد 50 ميغاجول (مليون جول) على مدى 800 ساعة. وأكد العالمان أن أي تفاعل كيمياوي لا يستطيع تقديم هذه الكمية من الطاقة الحرارية.
        لكن تلك الادعاءات قوبلت في الحال بالشك، فالحسابات التي أجريت لتفسير الظاهرة، توحي بأن احتمال الاندماج بين نوى الدوتيريوم قليل جداً في الشروط العادية. ويشككون على نحوٍ خاص بقياسات إصدار النترونات في أثناء التجربة، فعدد النترونات الذي سجله فلايشمان وبونس يقل بمليار مرة عما يجب أن يرافق الحرارة المسجلة في حالة حدوث تفاعل اندماجي نووي. ويفسر العالمان فلايشمان وبونس ذلك بحدوث تفاعل بديل وغريب يؤدي إلى إنتاج عنصر الهليوم 4 الذي كشفه العالمان من دون إصدار للنترونات.
        وكما جاء في المقدمة فإن هناك عدة تفاعلات اندماجية محتملة بين نوى الدوتيريوم، يؤدي أولها إلى إنتاج التريتيوم، والثاني إلى إنتاج عنصر الهليوم 4 والثالث إلى إنتاج عنصر الهليوم 3.
        وسارع العلماء في كثير من المختبرات العلمية إلى إعادة التجربة، ومع كل هذا التسابق الشديد، لم يكن هناك حتى نهاية عام 1989 إلا بضع مجموعات أعلنت دليلاً على النجاح في هذا المضمار. ففي جامعة لمونوسوف في موسكو أعلنوا كشف نترونات، ولكنهم لم يقوموا بقياس الحرارة الناتجة.
        أما بحاثة جامعة فلوريدة فأكدوا ظهور عنصر التريتيوم وهو ناتج طبيعي في حال حدوث الاندماج النووي. وأكد مورتن C.Mortin من جامعة تكساس ظهور حرارة فائضة كما أكد هاغنس Huggins من جامعة ستانفورد أن الماء الثقيل يولد حرارة زائدة في التجربة، وأكد أن ظاهرة الاندماج هي حقيقية وأن الحرارة المتولدة لا يمكن أن تأتي من تفاعل كيمياوي.
        ويقول بونس إن نحو 60 مركزاً من مراكز البحوث في العالم قد حصلت على تأكيدات جزئية لما توصل إليه هو وزميله فلايشمان، لكنها لا تريد الإعلان عن ذلك في الوقت الحاضر.
        وقد تقدمت جامعة يوتة في الولايات المتحدة الأمريكية بطلبات كثيرة لتسجيل براءات اختراع شاملة بهذا الخصوص. ومع ذلك فإن فلايشمان وبونس هما اللذان استحوذا على الاهتمام العام، والبحوث مستمرة في جميع مخابر العالم، والزمن وحده كفيل بكشف ما إذا كانت ظاهرة الاندماج هذه حقيقية أم لا.
        مقداد مهنا
        وأظهرت تلك الحسابات أن المردود النموذجي للطاقة النووية الحرارية يساوي مئة ضعف طاقة الدخل الليزرية. إن تلك النتائج حملت الكثير من مخابر البحث على تجديد الثقة في جدوى الاندماج الليزري. وعلى هذا فإن محطة لتوليد الكهرباء تستطيع توليد نحو بليون واط إذا ما تم دمج عشر كريات من وقود الدوتيريوم والتريتيوم في كل ثانية.
        واستناداً إلى تلك الحسابات، يجب أن تكون استطاعة الليزر ضمن المجال من 1.6 مليون جول إلى 10 ملايين جول لتكون مناسبة لبناء مفاعل للاندماج النووي بوساطة أشعة الليزر. وما تزال البحوث جارية للحصول على ليزر استطاعة ذي أطوال موجية قصيرة جداً من دون الحاجة إلى استعمال العدسات التوافقية.
        الاندماج النووي وآلة التضيق Z
        آلة التضيق Z هي آلة في مختبرات سانديا القومية Sandia في ولاية نيو مكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية (وفي الولاية جبال سانديا وكهف سانديا شمال شرق مدينة ألبوكيركة Albuquerque) أدت إلى طريقة جديدة لبدء الاندماج المتحكم فيه بوساطة تفجرات كثيفة هي نبضات مكثفة عالية الشدة من الأشعة السينية في نانو ثانية.
        واكتسبت آلة التضيق Z في الأعوام 1996/1998 أهمية خاصة لكونها طريقة فعالة جداً في تحقيق الاندماج النووي العطالي، وتبين للباحثين أن الجمع بين فعالية هذه الطريقة ومردودها وانخفاض كلفة توليد الطاقة الكهربائية النبضية في زمن قصير جداً (نانو ثانية) وبساطة آلة التضيق Z ودقتها له ميزات مهمة من حيث إنه منبع لإشعاع قوي ومتجانس للأشعة السينية تصل قوته إلى 1000 تيراواط في نانو ثانية واحدة ويتيح تحقيق الاندماج النووي العطالي.
        يتألف جهاز التضيق Z مما يأتي (الشكل 17):
        ـ حجرة الإشعاع الأولية العليا: وتتألف من صفيف دائري من أسلاك من التنغستين قطر السلك فيها يساوي عشر قطر شعرة الإنسان تتوضع على محيط دائرة الحجرة.
        ـ حجرة الإشعاع الأولية السفلى: وهي مماثلة في الشكل والمكونات لحجرة الإشعاع الأولية العليا.
        ـ حجرة الإشعاع الثانوية: وهي تتوضع في وسط الجهاز بين الحجرتين العليا والسفلى. ويوجد وسط فراغ هذه الحجرة «عبوة» من مزيج الدوتيريوم والتريتيوم لا يزيد قطرها على 2مم ويحمل المزيج مادة لدنة.
        وتتصل حجرتا الإشعاع الأوليتان العليا والسفلى بحجرة الإشعاع الثانوية بفتحتين صغيرتين تسمحان بمرور البلازما الحارة جداً.
        يتوضع جهاز التضيق Z، كما هو مبين في الشكل 18ـ أ، في مركز للطاقة النبضية يتألف من 36 مولد ماركس تشحن مكثفات بحجم 5000 متر مكعب تعمل على توتر قدره 90 KV.
        يستخدم مفتاح غازي ليزري لمزامنة إطلاق 36 نبضة كهربائية من المكثفات المتوضعة دائرياً حول جهاز التضيق Z وذلك في حدود نانو ثانية. وتنتقل النبضات الكهربائية المتراكبة من المكثفات إلى صفيف أسلاك التنغستين التي تحيط بحجرتي الإشعاع الأوليتين العليا والسفلى (الشكلان 18ـ ب و18ـ ج).
        إن تفريغ شحنة المكثفات عبر أسلاك التنغستين يسمح بمرور تيار كهربائي نبضي تبلغ قيمته عدة ملايين من الأمبيرات. إن مرور هذا التيار «الهائل» في أسلاك التنغستين الرفيعة جداً في نانو ثانية يسبب الظواهر الفيزيائية الآتية:
        ـ تنصهر أسلاك التنغستين وتتبخر وتتحول إلى بلازما حارة جداً تندفع من حجرتي الإشعاع العليا والسفلى إلى الحجرة الثانوية الوسطى وذلك عبر فتحة ضيقة.
        ـ إن مرور التيار الكهربائي الكبير وتشكل البلازما يولدان حقلاً مغنطيسياً دائرياً يحيط بمجرى التيار وعلى طول المحور Z (المحور Z هو اصطلاحاً مسار التيار) هذا الحقل المغنطيسي الشديد يسبب التضيق والحصر وفق المحور Z ومن ثم يحصر البلازما المتشكلة ويضغطها ويرفع من حرارتها وكثافتها.
        ـ بسبب التضيق والحرارة الشديدة تنطلق أشعة سينية قوية ومتجانسة بقوة تزيد على 1000 تيراواط في نانو ثانية.
        ـ بتأثير الأشعة السينية الشديدة تتبخر الطبقة الخارجية لكرية الوقود (دوتيريوم - تريتيوم) (الشكلان 19 - أ و19 - ب) وتنفجر وتنقل الطاقة الحركية الداخلية إلى كرية الوقود نفسها وتتسبب قوة رد الفعل في دفع القشرة داخلياً في اتجاه مركز كرية الوقود (الشكل 19 - ج) ويضغط التفجير الداخلي مزيج الدوتيريوم - التريتوم ضغطاً هائلاً ويسبب ارتفاعاً شديداً لحرارته، وتصغر كرية الوقود بنسبة 1/1000 إلى 1/10000 من حجمها الأصلي. وبسبب هذا الانضغاط الهائل والحرارة الشديدة والكثافة المتجانسة، يبدأ الاندماج النووي عندما تصل درجة الحرارة إلى 120 مليون درجة أو أكثر. ويمتد صدر موجة الاحتراق إلى الخارج ويبرد ويتوقف عندها الاندماج (الشكل 20).
        وفي سلسلة التجارب التي بدأت في مخابر سانديا في نهاية عام 1996 تم تمرير تيار شدته 20 مليون أمبير في آلة التضيق Z ونتج منه نبضات هائلة من الأشعة السينية الشديدة طاقتها مليونا جول في نانو ثانية وباستطاعة 1000 تيراواط.
        ومن تجارب أخرى على آلة التضيق Z أجريت في عامي 1997و1998 في مخابر لورنس ليفرمور في كاليفورنية وفي مخابر سانديا تم التوصل إلى إنتاج أشعة سينية باستطاعة 2000 تيراواط، وتم توليد حرارة مقدارها 3 ملايين درجة سلسيوس في حجرة الأشعة الثانوية، وتبين من التجارب العملية والمحاكاة الحاسوبية الدقيقة أن استعمال الطاقة الكهربائية النبضية عبر المكثفات هو أكثر فاعلية وأقل كلفة وأعلى مردوداً من استخدام أشعة الليزر، إذ إن استخدام جهاز التضيق Z المستخدم في التجارب السابقة يعطي مردوداً كلياً من طاقة الأشعة السينية بنسبة 15 من دخل الطاقة الكهربائية، في حين أن المردود في جهاز نوفا الليزري المستخدم في مخابر لورنس ليفرمور لا يزيد على 0.1 ومن ثم فإن ضعف فاعلية نظام الليزر لا يتيح تحقيق أي مردود عملي مرتفع في الاندماج النووي.
        العامل 3 النهائي
        في استخدام آلة التضيق Z للأشعة السينية تؤدي إعادة التجارب دائماً إلى قيم الطاقة نفسها وإلى طاقة الأشعة السينية نفسها. وبينت كل القياسات أنه عندما تتضاعف قيمة شدة التيار بالأمبير فإن طاقة الأشعة السينية تتضاعف أربع مرات وكما هو متوقع نظرياً فيما يتصل بالإشعاع الحراري فإن درجة حرارة التضيق Z تزداد بنسبة الجذر التربيعي لشدة التيار، وهكذا فإن الضرب بـ 3 لقيمة شدة التيار أي الوصول إلى 60 مليون أمبير يسمح بتحقيق الطاقة اللازمة من الأشعة السينية ودرجة الحرارة اللازمة لإشعال الاندماج النووي في آلة التضيق Z.
        المحاكاة الحاسوبية للاندماج بآلة التضيق Z
        تم تطوير نماذج حاسوبية لدراسة فيزياء البلازما المعقدة لآلة التضيق Z. ومع أن المحاكاة كانت مقصورة على بعدين فقط فإنها تطبق قدرات حاسوبية كبيرة. يطور العلماء في مخابر سانديا ولوس آلاموس Los Alamos (في ولاية نيو مكسيكو) نماذج حاسوبية دقيقة لمحاكاةٍ ثلاثية الأبعاد لآلة التضيق Z لدراسة المميزات المغنطيسية والهدرودينامية والإشعاعية للتضيق Z. وتتطلب المحاكاة الاعتماد على حاسوب ذي قدرات كبيرة جداً يعمل عند 1.8 ترليون نقطة عائمة أي بقيم تيرافلوبس Teraflops (Tera تعني 1012، وFlops مؤلفة من دمج أوائل الكلمات Flooting Point Per Second أي نقطة عائمة في الثانية الواحدة) وكذلك تم رصد الاعتمادات لتصميم آلة تضيق Z جديدة تتوافر فيها شروط الاندماج لما توفره من إمكانات واعدة جداً في تحقيق الاندماج بفعالية كبيرة وبمردود مرتفع وبكلفة قليلة نسبياً مقارنة مع نظام التوكاماك أو الحصر باستخدام أشعة الليزر.
        الاندماج النووي البارد المحفوز بالميون
        تستطيع الجسيمات الشبيهة بالإلكترونات، التي تسمى ميونات muon حفز تفاعلات الاندماج النووي من دون حاجة إلى استعمال أجهزة الليزر ذات الطاقة العالية، أو حصر البلازما في حقول مغنطيسية هائلة وتسخين البلازما إلى درجة حرارة تفوق درجة حرارة مركز الشمس. وهذا يسمى الاندماج المحفوز بالميون، وهو يعمل على نحوٍ مختلف تماماً عما سبق، لأنه يتفادى كلياً الحاجة إلى استعمال درجات الحرارة العالية.
        والاندماج المحفوز بالميون، الذي يسمى أيضاً الاندماج البارد، يمكن أن يتم بسرعة في درجة حرارة الغرفة، ضمن وعاء بسيط يحتوي على الدوتيريوم والتريتيوم. وعند إدخال الجسيمات المعروفة بالميونات السالبة الشحنة إلى الوعاء، تكوِّن روابط شديدة وغير عادية بين نوى بعض ذرات نظيري الهدروجين، حينئذٍ تندمج نوى هذين النظيرين المرتبطة بالميونات وتُقذف الميونات التي تستطيع أن تقوم بحفز تفاعلات اندماجية أخرى، ولا يتأثر باقي ذرات الغاز تأثراً يذكر، فيما عدا الارتفاع الذي يطرأ على درجة حرارة الغاز بعد كل تفاعل اندماجي.
        وحدوث الاندماج المحفوز بالميون غير مقصور على درجة الحرارة العادية، فقد أمكن تحقيق هذا التفاعل في حالتي نظيري الهدروجين السائلة والصلبة، وعند درجات حرارة وصلت إلى 13 درجة كالفن أي 13 سلسيوس فوق الصفر المطلق وحُقق التفاعل في الغازات عند درجات من الحرارة وصلت إلى 530 درجة، وتتوقع البحوث الحديثة أن تجري هذه التفاعلات بأعلى كفاية عند درجات من الحرارة قريبة من 900 درجة.
        وفي عام 1982 بدأت مجموعة من العلماء برنامجاً تجريبياً جديداً للاندماج المحفوز بالميون وذلك في مختبرات لوس آلاموس لفيزياء الميزونات Los Alamoss Meson Physics LAMPF (Facility ) تحت إشراف غاجيفسكي R.Gajewski من وزارة الطاقة الأمريكية.
        ووجدت تلك البحوث أن المعدلات الإجمالية لحدوث التفاعلات الاندماجية كانت أسرع كثيراً مما كان متوقعاً، وفي إحدى التجارب تسببت المعدلات السريعة كتابع لدرجة الحرارة بحدوث نحو 150 اندماجاً لكل ميون. إن هذه الاكتشافات المثيرة أدت إلى اهتمامات واسعة بالاندماج المحفوز بالميون.
        ويقوم الإيون الميوني الجزيئي بعد تكوينه بالقفز من حالة ترابطه الضعيف إلى حالة يكون فيها الترابط أكثر قوة، محرراً بذلك طاقة يمكن نقلها بوساطة الإلكترون. ولأن النواتين، في حالة الترابط القوي هذه في الإيون الميوني الجزيئي، تكونان محصورتين في حيز صغير جداً، فإنهما تتنافران بسبب الشحنة الموجبة التي يحملها كل منهما، إلا أن الميون يجذبهما جذباً متكرراً الواحدة إلى الأخرى. وفي النهاية تتحد النواتان وتندمجان وفقاً لظاهرة ميكانيكية كمومية، تعرف بظاهرة النفق effect tunnel أي تمران من حاجز التنافر المشترك بينهما، حتى يصبح التقارب بينهما بالقدر الذي يفرضه تأثير القوة النووية الشديدة وهي القوة التي تربط البروتونات والنترونات في النواة.
        وهنا تبدأ قوانين الفيزياء النووية بالتحكم في الأحداث، وتندمج النواتان لتكوِّنا نواة مفردة من الهليوم 5 - الذي يحوي بروتونين وثلاثة نترونات، وبعد ذلك بقليل تتفكك هذه النواة إلى هليوم 4 فيه بروتونان ونترونان وإلى جسيم ألفا، ويتحرر نترون واحد، ويحرر هذا التفاعل طاقة حركية، فيبتعد كل من جسيم ألفا والنترون أحدهما عن الآخر بسرعة كبيرة، ويبقى الميون في العادة حراً ليقوم بتكرار الدورة ويؤدي بذلك دور الحافز الحقيقي للاندماج النووي.
        وأحياناً يقوم جسيم ألفا، الناتج من التفاعل الاندماجي بتأثير شحنته الموجبة، بحجز الميون السالب الشحنة، ومنعه من حفز تفاعل اندماجي آخر، وحتى في هذه الحالة يبقى الاحتمال وارداً لحدوث تصادم يحرر الميون الحبيس لأن جسيم ألفا يتحرك بسرعة كبيرة في الغاز الكثيف الموجود في وعاء التفاعل.
        ومنذ عام 1985 رأى علماء مختبر لوس آلاموس الوطني أن نحو 40% من الميونات التي تلتصق بجسيمات ألفا يتم تحريرها في النهاية، وما يزال المجال متسعاً لفهم هذه العملية فهماً أشد عمقاً. إذ إن تواتر التصاق الميون المحفوز بجسيم ألفا، الذي يسبب توقف سلسلة التفاعلات الاندماجية، يشكل العقبة الرئيسة في سبيل تحقيق الاندماج المحفوز بالميون على نحو مستمر، والحسابات الدقيقة لاحتمالات الالتصاق ليست سهلة، لأن تفاعلات الأجسام المتعددة المشتركة هي على درجة كبيرة من التعقيد. والبحوث مستمرة في أمريكة وروسية واليابان وأوربة للوصول إلى حلول لتلك المشكلات. وهي تهدف في النهاية إلى توليد الطاقة من مفاعل يعمل بالاندماج النووي البارد.
        ومع أنه لم يتوافر الوقت الكافي لتقويم مضمونات الاكتشافات الحديثة، فإن عدداً من الإمكانات أخذ يظهر، فعلى الرغم من عدد تفاعلات الاندماج لكل ميون، وكلفة إنتاج الميونات فإن كفة المخطط الذي يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق تبقى راجحة إذ إن الكتلة المكافئة لكتلة الميون تساوي تقريباً الطاقة الناتجة من ستة تفاعلات اندماجية. وبعبارة أخرى، تستطيع الآلة المثالية لإنتاج الميونات، ذات الكفاية التامة أن تولد ميوناً واحداً مقابل ستة تفاعلات اندماجية محفوزة بالميون تتم في جهاز منفصل للتفاعل. ولكن الكلفة الحقيقية لتوليد الميون تزيد على ما ذكر عشرين مرة على الأقل، وربما يؤدي التقدم في تقنية مُسرِّعات الجسيمات إلى تخفيض هذه الكلفة.
        وفي المركز الأوربي للبحوث النووية N.R.E.C وحالياً المنظمة الأوربية للبحوث النووية OERN قام جاندل M.Jandel من جامعة أوبسالة بتحريات عن كلفة إنتاج الميون في المختبر، ويتم ذلك بتصويب حزمة من الإيونات على وعاء يحوي الدوتيريوم والتريتيوم وتبين أن كلفة الطاقة هي مكافئة لما بين 100 إلى 500 تفاعل اندماجي، وكما اتضح من تجارب مختبرات لوس آلاموس لفيزياء الميزونات فإن الميون الذي يتم توليده بهذه الطريقة يمكنه الاستمرار في حفز ما يزيد كثيراً على 100 تفاعل اندماجي.
        ويمثل الشكل 21 مفاعلاً يعمل بالاندماج البارد بالاعتماد على التقنية المتوافرة اليوم.
        وكما هو موضح بالشكل فإن إنتاج الميونات اللازمة يتم على النحو الآتي: يقوم مسرِّع الجسيمات بتصويب حزمة من الإيونات نحو هدف مصنوع من مادة الليتيوم. وبعد ذلك توجه حزمة الميونات الناتجة نحو وعاء تفاعل مزود بالدوتيريوم والتريتيوم. وهناك تقوم الميونات بحفز تفاعلات الاندماج. وتقوم مصفاة باستبعاد الهليوم الناتج من التفاعل. وتصدم النترونات الناتجة من تفاعلات الاندماج غلافاً من الليتيوم فيتكون التريتيوم والهليوم. ويرسل التريتيوم إلى وعاء الاندماج في حين يتم استبعاد الهليوم. وتستعمل الحرارة الناتجة من تفاعلات الاندماج في تبخير مائع وسيط يجري في أنبوب في الغلاف المكون من الليتيوم كما يستعمل البخار الناتج في إدارة عنفات بخارية تدير مولدات الطاقة الكهربائية. ويستعمل جزء من الكهرباء في إمداد مسرِّع الجسيمات والمضخات وأنظمة المفاعل الأخرى بالطاقة، أما باقي الطاقة فيتم توزيعه إلى المستهلك.
        وسيتفوق المفاعل الذي يعمل بالاندماج البارد بعدة ميزات على المفاعلات الانشطارية. فمن جهة أولى «الرماد» الذي ينتج لا محالة من عملية الاندماج ما هو إلا غاز الهليوم غير الضار من دون أي نفايات مشعة، وكذلك فالمواد اللازمة وقوداً للتفاعل الاندماجي متوافرة بكثرة في ماء البحر الذي يحوي كميات كبيرة من الدوتيريوم والليتيوم الذي يمكن استعماله لإنتاج التريتيوم.
        ومن جهة أخرى وبسبب فيزيائية الاندماج المحفوز بالميون، فإن المفاعل المبني على هذا الأساس لن يكون عرضةً للتفاعلات التي لا يمكن السيطرة عليها أو للانصهار من خللٍ في دارات التبريد. وإضافة إلى ما سبق لا يمكن استعمال الاندماج البارد منطلقاً لإنتاج الأسلحة النووية الحرارية.
        وبغض النظر عن التطبيقات التقنية الممكنة، فإن أبحاث الاندماج المحفوز بالميون تمس فروعاً كثيرة في الفيزياء الحديثة وتعتمد على قوانين الفيزياء الجزيئية والذرية والنووية وفيزياء الجسيمات وعلى التقدم في تقنية مسرِّعات الجسيمات.
        الاندماج النووي البارد بالتحليل الكهربائي
        في 23 آذار من عام 1989 أعلن عالمان في مجال الكيمياء الكهربائية هما م.فلايشمان M.Flishman من جامعة ساوثمبتون وب.س.بونس B.S.Pons من جامعة يوتة، للصحافة في مقال نشر في مجلة «الكيمياء التحليلية الكهربائية» عدد حزيران 1989 أن مرور تيار كهربائي في ماء ثقيل (وهو نظير للماء) نحو مهبط (كاتود) من معدن البالاديوم يولد كمية كبيرة غير متوقعة من الحرارة، وأن الحرارة المتولدة تزيد كثيراً على الطاقة المقدمة من التيار الكهربائي المغذي، وأنها في كل الأحوال أكبر من أن تعزى إلى تفاعل كيمياوي. وقد كشف العالمان أيضاً عن إصدار عدد قليل من النترونات، وقدما شرحاً على أساس أن ما حدث هو اندماج نووي بارد، وأنه في أثناء عملية التحليل الكهربائي، تنتشر في الشبكة البلورية لمهبط البالاديوم نوى الدوتيريوم الموجود في العادة في الماء الثقيل، بدلاً من بروتون منفرد. ويشرح العالمان أن النوى حيث تحتشد بكميات كبيرة، وبطاقات عالية فهي تتغلب على تنافرها الكهربائي، وتندمج مكوِّنة التريتيوم، وتصدر عن الاندماج نترونات وحرارة عالية إضافية، تبلغ من مهبط واحد 50 ميغاجول (مليون جول) على مدى 800 ساعة. وأكد العالمان أن أي تفاعل كيمياوي لا يستطيع تقديم هذه الكمية من الطاقة الحرارية.
        لكن تلك الادعاءات قوبلت في الحال بالشك، فالحسابات التي أجريت لتفسير الظاهرة، توحي بأن احتمال الاندماج بين نوى الدوتيريوم قليل جداً في الشروط العادية. ويشككون على نحوٍ خاص بقياسات إصدار النترونات في أثناء التجربة، فعدد النترونات الذي سجله فلايشمان وبونس يقل بمليار مرة عما يجب أن يرافق الحرارة المسجلة في حالة حدوث تفاعل اندماجي نووي. ويفسر العالمان فلايشمان وبونس ذلك بحدوث تفاعل بديل وغريب يؤدي إلى إنتاج عنصر الهليوم 4 الذي كشفه العالمان من دون إصدار للنترونات.
        وكما جاء في المقدمة فإن هناك عدة تفاعلات اندماجية محتملة بين نوى الدوتيريوم، يؤدي أولها إلى إنتاج التريتيوم، والثاني إلى إنتاج عنصر الهليوم 4 والثالث إلى إنتاج عنصر الهليوم 3.
        وسارع العلماء في كثير من المختبرات العلمية إلى إعادة التجربة، ومع كل هذا التسابق الشديد، لم يكن هناك حتى نهاية عام 1989 إلا بضع مجموعات أعلنت دليلاً على النجاح في هذا المضمار. ففي جامعة لمونوسوف في موسكو أعلنوا كشف نترونات، ولكنهم لم يقوموا بقياس الحرارة الناتجة.
        أما بحاثة جامعة فلوريدة فأكدوا ظهور عنصر التريتيوم وهو ناتج طبيعي في حال حدوث الاندماج النووي. وأكد مورتن C.Mortin من جامعة تكساس ظهور حرارة فائضة كما أكد هاغنس Huggins من جامعة ستانفورد أن الماء الثقيل يولد حرارة زائدة في التجربة، وأكد أن ظاهرة الاندماج هي حقيقية وأن الحرارة المتولدة لا يمكن أن تأتي من تفاعل كيمياوي.
        ويقول بونس إن نحو 60 مركزاً من مراكز البحوث في العالم قد حصلت على تأكيدات جزئية لما توصل إليه هو وزميله فلايشمان، لكنها لا تريد الإعلان عن ذلك في الوقت الحاضر.
        وقد تقدمت جامعة يوتة في الولايات المتحدة الأمريكية بطلبات كثيرة لتسجيل براءات اختراع شاملة بهذا الخصوص. ومع ذلك فإن فلايشمان وبونس هما اللذان استحوذا على الاهتمام العام، والبحوث مستمرة في جميع مخابر العالم، والزمن وحده كفيل بكشف ما إذا كانت ظاهرة الاندماج هذه حقيقية أم لا.
        مقداد مهنا

        تعليق

        يعمل...
        X