الصولي (إبراهيم بن العباس ـ)
(176 ـ 243هـ/792 ـ 857 م)
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول (وصول رجل تركي، كان ملكاً في جرجان، تمجس بعد التركية، وتشبّه بالفرس، فلما حضر يزيد بن المهلب جرجان أمنّه، فأسلم صول على يده، ولم يزل معه حتى قُتل ويزيد يوم العَقر).
ويُكنى إبراهيم بأبي إسحق، ويلقب بالكاتب، لأنه كان، كما يقول ياقوت، كاتباً حاذقاً بليغاً فصيحاً منشئاً، من صنائع ذي الرياستين: الفضل بن سهل. تنقل إبراهيم في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن مات وهو متولٍّ ديوان الضياع والنفقات بسرّ من رأى، وقال المسعودي: لايُعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتّاب أشعر منه، وكان يقول الشعر ثم يختاره، ويسقط رذله، ثم يُسقط الوسط، ثم يُسقط ما يُسبَق إليه، فلايدع من القصيدة إلا اليسير، وربما لم يدع فيها إلا البيت أو البيتين، ولذلك قصُرت قصائده وصغُر حجم ديوانه.
وكان إبراهيم بن العباس صديقاً للوزير محمد بن عبد الملك الزيات، ثم صارت بينهما شحناء عظيمة لم يمكن تلافيها، فكان إبراهيم يهجوه، وكان إبراهيم على الأهو از فعزله محمد بن عبد الملك الزيات عنها، واعتقل وأوذي.
طرق من الشعر أكثر فنونه، وسارت له أبيات بين الناس، عاصر من الكتّاب أحمد بن المدبر، ومن الشعراء أبا تمام والبحتري ودعبل بن علي الخزاعي، وكان دعبل يقول: «لوتكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا بلاشيء»، وكان ينقد شعر معاصريه، فقد قيل إنه قال لأبي تمام الطائي، وقد أنشده شعراً له في المعتصم: «يا أبا تمام، أمراء الكلام رعيةٌ لإحسانك»، فقال له أبوتمام: «ذلك لأنني أستضيء بك، وأرِد شريعتك»، ومن شعره الذي يتناقله الناس قوله:
أَوْلَى البريّة طُرَّاً أن تواسيَه
عند السرور، الذي واساكَ في الحزن
إن الكرام إذا ما أسْهلوا ذكروا
مَنْ كان يألفهم في المنزل الخشن
وقال ابن خلكان عن إبراهيم بن العباس: كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر كله نُخَب، وهو صغير، ومن رقيق شعره:
دنَتْ بأناسٍ عن تناءٍ زيارةٌ
وشطّ بليلى عن دُنُوٍّ مــزارُها
وإن مقيماتٍ بمنعرج اللِّوى
لأقرب من ليلى، وهاتيك دارُها
وله نثر بديع، وكان يكتب عن بعض الخلفاء الذين عاصرهم كالمعتصم والمتوكل والمعتضد، وكان يزعم أن خؤولته ترجع إلى العباس بن الأحنف الشاعر المشهو ر، وقد ذكره ابن الجرَّاح في كتابه «الورقة» ووصفه بأنه بغدادي أصله من خراسان، أشعر نظرائه الكُتَّاب وأرقّهم لساناً، وأشعاره قِصار، ثلاثة أبيات ونحو ها إلى العشرة، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافَع، وأضاف ابن خلكان قوله: وقد وقفت على ديوانه، ونقلتُ منه أشياء، منها قوله:
ولربَّ نازلةٍ يَضيق بها الفتـى
ذرعاً، وعند الله منها المخرج
ضاقت، فلما استحكمت حلقاتها
فُرِجت، وكان يظنها لاتُفـرَجُ
وأورد له أبوتمام في كتاب «الحماسة» في باب النسيب، قوله:
ونٌبّئتُ ليلى أرسلتْ بشفاعةٍ
إليَّ، فهلاَّ نفـسُ ليلـى شفـيعها
أأكرم من ليلى عليَّ فتبتغي
به الجاه، أم كنت امرءاً لاأطيعها؟
وكل الذين ترجموا لإبراهيم كانوا يذكرون له شيئاً من كتاباته ويستشهدون بشيء من أشعاره، حتى إن الإمام أحمد بن يحيى ثعلباً كان يقول: «إبراهيم بن العباس أشعر المحدَثين، وما روى من شعر كاتبٍ غيره»، ويستجيد أبياته التي مطلعها:
لنا إبل كوم يضيق بها الفضا
ويفترُّ عنها أرضها وسماؤها
ويقول: والله، لوأن هذا لبعض الأوائل لاستجيد له.
وعدد ياقوت الحموي مؤلفاته في آخر ترجمته، فقال: ولإبراهيم بن العباس من التصانيف فيما ذكره محمد بن اسحق النديم: كتاب ديوان رسائله، كتاب ديوان شعره، كتاب الدولة كبير، كتاب الطبيخ، كتاب العِطر.
محمود الربداوي
(176 ـ 243هـ/792 ـ 857 م)
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول (وصول رجل تركي، كان ملكاً في جرجان، تمجس بعد التركية، وتشبّه بالفرس، فلما حضر يزيد بن المهلب جرجان أمنّه، فأسلم صول على يده، ولم يزل معه حتى قُتل ويزيد يوم العَقر).
ويُكنى إبراهيم بأبي إسحق، ويلقب بالكاتب، لأنه كان، كما يقول ياقوت، كاتباً حاذقاً بليغاً فصيحاً منشئاً، من صنائع ذي الرياستين: الفضل بن سهل. تنقل إبراهيم في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن مات وهو متولٍّ ديوان الضياع والنفقات بسرّ من رأى، وقال المسعودي: لايُعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتّاب أشعر منه، وكان يقول الشعر ثم يختاره، ويسقط رذله، ثم يُسقط الوسط، ثم يُسقط ما يُسبَق إليه، فلايدع من القصيدة إلا اليسير، وربما لم يدع فيها إلا البيت أو البيتين، ولذلك قصُرت قصائده وصغُر حجم ديوانه.
وكان إبراهيم بن العباس صديقاً للوزير محمد بن عبد الملك الزيات، ثم صارت بينهما شحناء عظيمة لم يمكن تلافيها، فكان إبراهيم يهجوه، وكان إبراهيم على الأهو از فعزله محمد بن عبد الملك الزيات عنها، واعتقل وأوذي.
طرق من الشعر أكثر فنونه، وسارت له أبيات بين الناس، عاصر من الكتّاب أحمد بن المدبر، ومن الشعراء أبا تمام والبحتري ودعبل بن علي الخزاعي، وكان دعبل يقول: «لوتكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا بلاشيء»، وكان ينقد شعر معاصريه، فقد قيل إنه قال لأبي تمام الطائي، وقد أنشده شعراً له في المعتصم: «يا أبا تمام، أمراء الكلام رعيةٌ لإحسانك»، فقال له أبوتمام: «ذلك لأنني أستضيء بك، وأرِد شريعتك»، ومن شعره الذي يتناقله الناس قوله:
أَوْلَى البريّة طُرَّاً أن تواسيَه
عند السرور، الذي واساكَ في الحزن
إن الكرام إذا ما أسْهلوا ذكروا
مَنْ كان يألفهم في المنزل الخشن
وقال ابن خلكان عن إبراهيم بن العباس: كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر كله نُخَب، وهو صغير، ومن رقيق شعره:
دنَتْ بأناسٍ عن تناءٍ زيارةٌ
وشطّ بليلى عن دُنُوٍّ مــزارُها
وإن مقيماتٍ بمنعرج اللِّوى
لأقرب من ليلى، وهاتيك دارُها
وله نثر بديع، وكان يكتب عن بعض الخلفاء الذين عاصرهم كالمعتصم والمتوكل والمعتضد، وكان يزعم أن خؤولته ترجع إلى العباس بن الأحنف الشاعر المشهو ر، وقد ذكره ابن الجرَّاح في كتابه «الورقة» ووصفه بأنه بغدادي أصله من خراسان، أشعر نظرائه الكُتَّاب وأرقّهم لساناً، وأشعاره قِصار، ثلاثة أبيات ونحو ها إلى العشرة، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافَع، وأضاف ابن خلكان قوله: وقد وقفت على ديوانه، ونقلتُ منه أشياء، منها قوله:
ولربَّ نازلةٍ يَضيق بها الفتـى
ذرعاً، وعند الله منها المخرج
ضاقت، فلما استحكمت حلقاتها
فُرِجت، وكان يظنها لاتُفـرَجُ
وأورد له أبوتمام في كتاب «الحماسة» في باب النسيب، قوله:
ونٌبّئتُ ليلى أرسلتْ بشفاعةٍ
إليَّ، فهلاَّ نفـسُ ليلـى شفـيعها
أأكرم من ليلى عليَّ فتبتغي
به الجاه، أم كنت امرءاً لاأطيعها؟
وكل الذين ترجموا لإبراهيم كانوا يذكرون له شيئاً من كتاباته ويستشهدون بشيء من أشعاره، حتى إن الإمام أحمد بن يحيى ثعلباً كان يقول: «إبراهيم بن العباس أشعر المحدَثين، وما روى من شعر كاتبٍ غيره»، ويستجيد أبياته التي مطلعها:
لنا إبل كوم يضيق بها الفضا
ويفترُّ عنها أرضها وسماؤها
ويقول: والله، لوأن هذا لبعض الأوائل لاستجيد له.
وعدد ياقوت الحموي مؤلفاته في آخر ترجمته، فقال: ولإبراهيم بن العباس من التصانيف فيما ذكره محمد بن اسحق النديم: كتاب ديوان رسائله، كتاب ديوان شعره، كتاب الدولة كبير، كتاب الطبيخ، كتاب العِطر.
محمود الربداوي