سمر خوري
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحدى أكثر المناطق تنوعًا ثقافيًا في العالم، وقد لاقى قطاع الموسيقى المزدهر في المنطقة اهتمامًا.
شهدت المنطقة نموًا "استثنائيًا" في إيرادات الموسيقى المسجلة بنحو 35% في عام 2021، لتصبح أسرع المناطق نموًا في العالم في ذلك الوقت، وقد شكل البث نحو 95.3% من إيرادات المنطقة، بحسب الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية (IFPI).
منصة عالمية للفنانين العرب
خطى خبراء صناعة الموسيقى خطوات كبيرة للاستفادة من سوق منطقة الشرق الأوسط المزدهرة. في يونيو/ حزيران 2023، أبرمت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) شراكة مع بيلبورد العالمية (Billboard) لإطلاق منصة جديدة مخصصة للفنانين ذوي الأصول العربية تحمل اسم "بيلبورد عربية" (Billboard Arabia).
وفي هذا الشأن، يقول رامي زيدان، المدير التنفيذي لبيلبورد عربية: "نحن نلتزم بالاستجابة لاحتياجات الفنانين في المنطقة، وتعد شراكتنا مع بيلبورد دليلًا على ذلك".
ويضيف: "مع إطلاق بيلبورد عربية، نتوقع دفعة جديدة لنمو صناعة الموسيقى في المنطقة، إذ سيتسنى لمزيد من الفنانين الوصول لآفاق جديدة وربما تحقيق أثر عالمي".
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أطلق الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية المخطط الرسمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أول مخطط رسمي للبث الموسيقي في المنطقة.
سلط المخطط الضوء على أفضل 20 أغنية على أساس أسبوعي، فيما شملت بيانات البث الموسيقي 13 سوقًا عبر المنطقة من لبنان إلى الإمارات.
علاوة على ذلك، غطى أكثر من 300 مليون شخص وتضمن محتوى مؤهلًا من (Apple Music) و(Deezer) ويوتيوب وسبوتيفاي وأنغامي.
الإمكانات الكامنة للمنطقة
أثبت الفنانون من الأصول العربية، مثل شاكيرا وميكا وباولا عبدول وفرينش مونتانا، وجودهم على الساحة العالمية لهذا القطاع التنافسي.
تعاونت اللبنانيتان ميريام فارس ونانسي عجرم مع العديد من الفنانين مثل مالوما ونيكي ميناج، ومارشميلو على الترتيب. فيما تحشد النجوم الصاعدة في المنطقة مثل الفنانة الفلسطينية التشيلية إليانا ومغني الراب المصري ويجز جمهورًا من حول العالم.
يتوقع أن تصل قيمة سوق الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تتلقى دعمًا من دول مثل السعودية، إلى 670 مليون دولار في عام 2027، وفقًا لتقرير صادر عن (Research Nester).
فيما يتم اكتشاف 66% من الفنانين الجدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خارج بلدانهم الأصلية، بحسب تقرير (Fan Study) الصادر عن سبوتيفاي العام الماضي.
فضلًا عن ذلك، يستمع الأشخاص حول العالم من فرنسا وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وكندا وتركيا والمكسيك وإيطاليا والولايات المتحدة إلى فنانين من المنطقة.
كما تحظى أنواع عدة من الموسيقى مثل موسيقى الأفروبيت (Afrobeats) والموسيقى اللاتينية والكيبوب K-Pop (البوب الكوري) باهتمام. أما الموسيقى العربية، فتشق "طريقها بثبات" بحسب زيدان.
وعن القطاع، يضيف زيدان: "كسوق ناشئة وفتية نسبيًا، هناك ثروة من المواهب والطاقة والإبداع. إلا أنه لم يتوفر الدعم الكافي لوضع الفنانين العرب المعروفين والجدد على الساحة الموسيقية العالمية والاحتفاء بإنجازاتهم وابتكاراتهم. وعلى الرغم من عدم تلقي السوق أهمية في الماضي، فإنها تشهد تحولًا واضحًا".
وعن كيفية الإبقاء على جاذبية صناعة الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونموها، تقول روان الدباس، المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "يعتمد الأمر في النهاية على الموسيقى الجيدة، ووفقًا لِما أظهرته مخططات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام الماضي، نجح العديد من الفنانين الموهوبين في المنطقة في تقديم موسيقى ممتعة ومتنوعة".
استثمارات شركات التسجيل
تُعد عمليات إطلاق البيانات التصنيفية التي تركز على العرب من بين علامات المسار الصاعد للمنطقة على المسرح العالمي.
وعلى الرغم من أن سلوك الاستهلاك مثل البث مهم في النمو، إلا أن النمو يرجع أيضًا إلى الاستثمار والدعم من شركات التسجيل، سواء من خلال عمليات الدمج والاستحواذ أم الشراكات، فضلاً عن إنشاء العلامات التجارية.
يقول رئيس الرسوم البيانية العالمية في الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية (IFPI)، لويس موريسون: "إن عمل واستثمارات شركات التسجيل، جنبًا إلى جنب مع شراكاتها مع فناني الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تخلق تطورات مثيرة حقًا في ساحات الموسيقى المحلية. يطور الفنانون أصواتهم الفريدة فيما يستفيدون أيضًا من الشبكات العالمية والاتصالات التي يمكن لشركات تسجيل تقديمها".
شهدت السنوات الثلاث الماضية ظهور العديد من الأسماء الجديدة.
في عام 2020، أطلقت العلامة التجارية MDLBEAST لأسلوب الحياة والترفيه في المملكة العربية السعودية شركة التسجيلات الخاصة بها، MDLBEAST Records.
في أبريل/ نيسان 2021، دخلت شركة Republic Records وشركتها الأم Universal Music Group في شراكة مع قطب الموسيقى وسيم صليبي لإطلاق Universal Arabic Music، المخصصة للفنانين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في ديسمبر/ كانون الأول 2021، تضافرت جهود سوني ميوزيك إنترتينمنت الشرق الأوسط وأنغامي لإطلاق شركة تسجيلات، Vibe Music Arabia، لدعم الفنانين العرب المستقلين في دول مجلس التعاون الخليجي والمشرق.
في مارس/ آذار 2022، وافقت مجموعة Warner Music Group (WMG) على الاستحواذ على Qanawat Music، وهي شركة تابعة لشركة Qanawat FZ LLC وموزع موسيقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن المتوقع أن تعزز الصفقة مكانة دبي كمركز للإعلام وإنشاء المحتوى وسط زيادة الطلب على الموسيقيين العرب والإقليميين. في العام السابق، استثمرت شركة التسجيلات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها في شركة روتانا ميوزيك المملوكة لمجموعة روتانا للأمير الوليد بن طلال.
في مايو/ أيار 2022، وقع الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية ووزارة الاقتصاد الإماراتية مذكرة تفاهم لدعم النمو المستمر لأعمال الموسيقى المحلية المسجلة.
وفقًا لبحث أجراه الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية العام الماضي شمل المستمعين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و44 عامًا، يستمع الأشخاص المقيمون في الإمارات العربية المتحدة إلى متوسط 22.5 ساعة من الموسيقى أسبوعيًا، أي 22% أعلى من المتوسط العالمي، فيما يستمع 54% إلى نوع واحد على الأقل من الشرق الأوسط.
في الآونة الأخيرة، في أبريل/ نيسان 2023، دخلت FIVE Hotels and Resorts ومقرها دبي في شراكة مع WMG، التي تضم نجوم أمثال إيد شيران، وليزو، وكريس ستابلتون، لإنشاء شركة التسجيلات FIVE Music.
بيانات تصنيف جديدة.. عروض للجوائز
ستطور بيلبورد عربية 10 جداول تصنيف موسيقية، وستستخدم بيانات من أفضل منصات البث وتلتقط أنماط الاستهلاك على الصعيدين الإقليمي والعالمي، مخصصة لأنواع الموسيقى العربية، من دون تاريخ إطلاق محدد حتى الآن.
مثل نظيرتها الأميركية، يكشف زيدان أنها ستقيم أيضًا حفل توزيع جوائز Billboard Arabia Music Awards، مع انعقاد نسختها الأولى في الرياض بعد إطلاق جداول التصنيف. بصرف النظر عن التصنيفات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لدى الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية أيضًا بعض الخطط لإطلاق جداول جديدة، يتم اختبارها في مصر والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
آفاق صناعة الموسيقى
وفقًا للخبراء، يبدو مستقبل الساحة الموسيقية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واعدًا.
كما يقول زيدان من بيلبورد عربية: "يتخطى فنانونا الحدود ويكسرون الحواجز، ويتركون بصماتهم على المسرح الموسيقي العالمي. مع تزايد تواصل العالم، نحن على ثقة من أن الفنانين العرب سيلعبون دورًا أكثر أهمية في صنع مستقبل الموسيقى في جميع أنحاء العالم".
ويضيف الدباس من الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية: "يتم تطوير البنية التحتية لاقتصاد موسيقي قوي ومستدام، نأمل أن ينتج نجومًا عالميين في المستقبل".