انباط
Nabataeans - Nabatéens
الأنباط
الأنباط قوم من العرب جاؤوا من قلب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وشمالي الحجاز.
لم يأت الأخباريون العرب على ذكرهم بالاسم، وإن كانوا ألمحوا إلى بعض آثارهم في الشام والحجاز من دون معرفة أصحابها. ويقتصر ياقوت الحموي في ذكره لِسَلْع (ولعلّها البتراء) بالقول: حصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس.
وأكثر ما عرف من تاريخهم وحدود مُلكهم في الزمان والمكان ودورهم الاقتصادي والحضاري كان من المصادر القديمة، ولاسيما البقايا الأثرية النبطية في شرقي الأردن وجنوبي سورية وفلسطين وشمالي الحجاز.
ومنذ أن أطْلعَ بدوُ وادي موسى الرحالةَ السويسري بوركهارت على البتراء عام 1812، بدأ اهتمام العلماء بالأنباط ينمو باطراد. واليوم تُعززُ المعرفةُ بهم بعشرات المؤلفات والبحوث وبعمليات البحث والتصوير الجوي والتنقيب الأثري.
وأول أعمال التنقيب الأثري قام بها هورسفلد وكونوي عام 1929 واتسعت التنقيبات اليوم كثيراً، وشملت العدد الأكبر من مراكز الأنباط قرب بلدة قنوات في جبل العرب حتى واحة الحجر «مدائن صالح» في العربية السعودية. وينفذ هذه الأعمال اختصاصيون بينهم الكثير من الآثاريين العرب.
وعلى كثرة البحث والتحري عن تاريخ الأنباط وحضارتهم، فإن بعض المشكلات حولهم تبقى من دون حل ومنها مهد الأنباط ومآلهم وأوائل أيامهم وتسلسل ملوكهم وتاريخ بعض أوابدهم.
أصل الأنباط
يجمع العلماء على أن ما تسميه التوراة «نبايوت بن إسماعيل وأخاقَيْدر» لا علاقة له بالأنباط، وليس هناك من دليل قاطع على أن «النبياطي» المذكورين في أخبار الملك الآشوري «آشور بانيبال» في القرن السابع قبل الميلاد هم الأنباط، وإن كان ذلك محتملاً جداً.
والأنباط عرب بكل ما في الكلمة من معنى، وعلى هذا الأمر يقوم الإجماع قديماً وحديثاً، فموطنهم كان يسمى «العربية الحجرية» وأسماء الأعلام لديهم عربية (حارث - عبادة - مالك - قصي - جميلة)، ومعبوداتهم عربية (ذو الشرى واللات والعزى وهُبَل ومَناة). ويثبت هذا الأمر تيودوروس الصقلي وسترابون ، ويلمح إليه المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر ويكرر المؤرخ يوسفوس ذكر «العرب الأنباط»، وعندما يذكرُ أحدَ ملوكهم يسميه «ملك العرب».
ومن الثابت اليوم أن الأنباط جاؤوا من قلب الجزيرة العربية واستقروا زمناً ما في الحجاز، وهناك من يرى أنهم حجازيون أصلاً يشاركون قريشاً في أكثر أسماء الأشخاص، وخطهم قريب جداً من خط كتبة الوحي، وأن القلم العربي مأخوذ من قلم النبط، وقد حلوا في موطن الأدوميين.
اعتمد الأنباط على تجارة القوافل، واغتنوا وأسسوا مملكة مهمة، وكتبوا بالآرامية التي أخذوها غالباً عن الأدوميين، وكانت الآرامية لغة التجارة في غربي آسيا منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، كما أنها أصبحت لغة بلاط الفرس الأخمينيين. ولاشك في أن الأنباط كانوا يتكلمون العربية فيما بينهم، ويذكر جان كانتينو أن لغة الكلام لديهم أخذت تؤثر تدريجياً في آرامية اللغة المكتوبة حتى آلت فيما بعد إلى عربية شبه كاملة في نص النمارة (شرق شهبا) للملك المعروف امرئ القيس.
الأنباط والنبط والنبيط
يرجح أن قدوم الأنباط كان في القرن السادس قبل الميلاد، ولكن إطارهم التاريخي المعروف يراوح بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الثاني بعده. وفي التاريخ العربي الإسلامي نبيط وأنباط آخرون ذكروا بعد ستة قرون تقريباً من الأنباط موضوع البحث. ويعرفِّهم القاموس المحيط بما يلي:
النبط، جيل ينزلون بالبطائح بين العراقيين كالنبط والأنباط وهو نبطية ونباطي ونباط، وتنبط تشبه بهم أو تنسب إليهم، وفي معاجم أخرى يقال إنهم من العجم أو من أولاد شيث، وهناك «نبيط أهل الشام» وهم السكان المحليون العاملون في الزراعة.
يصف تيودور الصقلي الأنباط بالمنعة وحب الحرية والغزو والصبر على الجوع والعطش، ويذكر أنهم لم يخضعوا لأحد ولم ينجح أحد في السيطرة عليهم، وتلك بطبيعة الحال من صفات البيئة البدوية. وقد ظلت البداوة ظاهرة في مجتمعهم، في تربية الماشية وتسيير القوافل. وإذا كانت لديهم بعض الزراعات وإذا كانوا قد استغلوا مناجم النحاس في أدوم، واستخرجوا الإسفلت من الضفة الشرقية للبحر الميت، فإن اقتصادهم كان يعتمد أساساً على التجارة، ولاسيما تجارة القوافل وأحياناً تجارة البحر أيضاً.
لمحة عن تاريخهم
كان مجيء الأنباط إلى جنوبي الأردن نحو القرن السادس ق.م على الأرجح، على أن أول ذكر لهم في التاريخ، على ما يعرف حتى اليوم، يعود إلى عام 312ق.م عندما غزاهم «أنتيغون» أحد قواد الاسكندر المقدوني ولكنه باء بخيبة الأمل. ثم إن أول وثيقة محررة بالكتابة النبطية هو النص المعروف بنص الخالصة من نحو القرن الثالث ق.م ويذكر الحارث ملك الأنباط.
ويُقسم تاريخ الأنباط إلى مدتين أساسيتين، تمتد الأولى من 312 ق.م (عام غزوة أنتيغون) حتى 64ق.م (عام احتلال الرومان لجنوبي بلاد الشام). وتمتد المدة الثانية من عام 64 المذكور حتى عام 106م وهو عام تأسيس الامبراطور الروماني ترايانوس للولاية الجديدة التي سميت «الولاية العربية» Provincia Arabia وعاصمتها بصرى وقد حلت محل مملكة الأنباط.
المملكة النبطية في العصر الهلنستي
في القرن الثالث قبل الميلاد كانت سورية الجنوبية في يد البطالمة الذين حاولوا دون جدوى إخضاع المملكة النبطية والخلاص من سيطرتها على البحر الأحمر. وفي هذا القرن يرد ذكر حارثة (أو الحارث) ملك الأنباط في نص مكتشف في موقع «الخالصة» على طريق غزة. ونحو 168ق.م ورد في سفر المكابيين ذكر للملك النبطي الحارث الأول. وبعد وقت قليل نشب النزاع بين الأنباط والمكابيين اليهود وبين الأنباط والعرب الإيطوريين حول بعض ممتلكات الدولة السلوقية في جنوبي بلاد الشام. وفي نحو عام 100ق.م اصطدم الحارث الثاني باسكندر جانوس المكابي الذي استولى على غزة وهدد بذلك مصالح الأنباط الاقتصادية. ولكن ملك الأنباط عُبادة الأول هَزَم َنحو عام 93ق.م ذلك الملك اليهودي عند أم قيس (جَدَرة) واسترد بعض المناطق التي اغتصبها، كما انتصر جيش عبادة الأول في النقب على ملك السلوقيين أنطيوخوس الثاني عشر في عام 85ق.م، وأصابه بجراح قاتلة وشتت شمل جيشه.
خلف عُبادة الأول ابنهُ الحارث الثالث فيلوهيلينوس (أي محب اليونان) وهو أشهر ملوك الأنباط، وفي عهده كانت دمشق في دولة الأنباط بين 84 و72ق.م وضربت نقودها باسمه. وبعد حرب سجال بينه وبين اسكندر جانوس أحاط الحارث الثالث بمملكة المكابيين اليهود من الجنوب والشرق وغزاها فانهار الجيش اليهودي في معركة أويدا (حديثة) قرب اللد، ومات اسكندر جانوس في 78ق.م، ودب النزاع بين ولديه، فرأى الحارث الفرصة مواتية للتحرك، وزحف على يهوذا بجيش جرار نحو عام 65ق.م، وحاصر القدس حصاراً شديداً وكادت تسقط لولا طلب الرومان من الحارث فك الحصار لقاء ضمان صداقتهم، وكان ذلك تغريراً به من الرومان سبب تأزم الوضع ووقوع الحرب بينه وبين الرومان الذين وصلوا إلى البتراء نفسها نحو عام 62ق.م، ثم تم الصلح بين الطرفين ورفع بومبي صورةً للحارث في موكب نصره.
ا
Nabataeans - Nabatéens
الأنباط
الأنباط قوم من العرب جاؤوا من قلب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وشمالي الحجاز.
لم يأت الأخباريون العرب على ذكرهم بالاسم، وإن كانوا ألمحوا إلى بعض آثارهم في الشام والحجاز من دون معرفة أصحابها. ويقتصر ياقوت الحموي في ذكره لِسَلْع (ولعلّها البتراء) بالقول: حصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس.
وأكثر ما عرف من تاريخهم وحدود مُلكهم في الزمان والمكان ودورهم الاقتصادي والحضاري كان من المصادر القديمة، ولاسيما البقايا الأثرية النبطية في شرقي الأردن وجنوبي سورية وفلسطين وشمالي الحجاز.
ومنذ أن أطْلعَ بدوُ وادي موسى الرحالةَ السويسري بوركهارت على البتراء عام 1812، بدأ اهتمام العلماء بالأنباط ينمو باطراد. واليوم تُعززُ المعرفةُ بهم بعشرات المؤلفات والبحوث وبعمليات البحث والتصوير الجوي والتنقيب الأثري.
وأول أعمال التنقيب الأثري قام بها هورسفلد وكونوي عام 1929 واتسعت التنقيبات اليوم كثيراً، وشملت العدد الأكبر من مراكز الأنباط قرب بلدة قنوات في جبل العرب حتى واحة الحجر «مدائن صالح» في العربية السعودية. وينفذ هذه الأعمال اختصاصيون بينهم الكثير من الآثاريين العرب.
وعلى كثرة البحث والتحري عن تاريخ الأنباط وحضارتهم، فإن بعض المشكلات حولهم تبقى من دون حل ومنها مهد الأنباط ومآلهم وأوائل أيامهم وتسلسل ملوكهم وتاريخ بعض أوابدهم.
أصل الأنباط
يجمع العلماء على أن ما تسميه التوراة «نبايوت بن إسماعيل وأخاقَيْدر» لا علاقة له بالأنباط، وليس هناك من دليل قاطع على أن «النبياطي» المذكورين في أخبار الملك الآشوري «آشور بانيبال» في القرن السابع قبل الميلاد هم الأنباط، وإن كان ذلك محتملاً جداً.
والأنباط عرب بكل ما في الكلمة من معنى، وعلى هذا الأمر يقوم الإجماع قديماً وحديثاً، فموطنهم كان يسمى «العربية الحجرية» وأسماء الأعلام لديهم عربية (حارث - عبادة - مالك - قصي - جميلة)، ومعبوداتهم عربية (ذو الشرى واللات والعزى وهُبَل ومَناة). ويثبت هذا الأمر تيودوروس الصقلي وسترابون ، ويلمح إليه المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر ويكرر المؤرخ يوسفوس ذكر «العرب الأنباط»، وعندما يذكرُ أحدَ ملوكهم يسميه «ملك العرب».
ومن الثابت اليوم أن الأنباط جاؤوا من قلب الجزيرة العربية واستقروا زمناً ما في الحجاز، وهناك من يرى أنهم حجازيون أصلاً يشاركون قريشاً في أكثر أسماء الأشخاص، وخطهم قريب جداً من خط كتبة الوحي، وأن القلم العربي مأخوذ من قلم النبط، وقد حلوا في موطن الأدوميين.
اعتمد الأنباط على تجارة القوافل، واغتنوا وأسسوا مملكة مهمة، وكتبوا بالآرامية التي أخذوها غالباً عن الأدوميين، وكانت الآرامية لغة التجارة في غربي آسيا منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، كما أنها أصبحت لغة بلاط الفرس الأخمينيين. ولاشك في أن الأنباط كانوا يتكلمون العربية فيما بينهم، ويذكر جان كانتينو أن لغة الكلام لديهم أخذت تؤثر تدريجياً في آرامية اللغة المكتوبة حتى آلت فيما بعد إلى عربية شبه كاملة في نص النمارة (شرق شهبا) للملك المعروف امرئ القيس.
الأنباط والنبط والنبيط
يرجح أن قدوم الأنباط كان في القرن السادس قبل الميلاد، ولكن إطارهم التاريخي المعروف يراوح بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الثاني بعده. وفي التاريخ العربي الإسلامي نبيط وأنباط آخرون ذكروا بعد ستة قرون تقريباً من الأنباط موضوع البحث. ويعرفِّهم القاموس المحيط بما يلي:
النبط، جيل ينزلون بالبطائح بين العراقيين كالنبط والأنباط وهو نبطية ونباطي ونباط، وتنبط تشبه بهم أو تنسب إليهم، وفي معاجم أخرى يقال إنهم من العجم أو من أولاد شيث، وهناك «نبيط أهل الشام» وهم السكان المحليون العاملون في الزراعة.
يصف تيودور الصقلي الأنباط بالمنعة وحب الحرية والغزو والصبر على الجوع والعطش، ويذكر أنهم لم يخضعوا لأحد ولم ينجح أحد في السيطرة عليهم، وتلك بطبيعة الحال من صفات البيئة البدوية. وقد ظلت البداوة ظاهرة في مجتمعهم، في تربية الماشية وتسيير القوافل. وإذا كانت لديهم بعض الزراعات وإذا كانوا قد استغلوا مناجم النحاس في أدوم، واستخرجوا الإسفلت من الضفة الشرقية للبحر الميت، فإن اقتصادهم كان يعتمد أساساً على التجارة، ولاسيما تجارة القوافل وأحياناً تجارة البحر أيضاً.
لمحة عن تاريخهم
ويُقسم تاريخ الأنباط إلى مدتين أساسيتين، تمتد الأولى من 312 ق.م (عام غزوة أنتيغون) حتى 64ق.م (عام احتلال الرومان لجنوبي بلاد الشام). وتمتد المدة الثانية من عام 64 المذكور حتى عام 106م وهو عام تأسيس الامبراطور الروماني ترايانوس للولاية الجديدة التي سميت «الولاية العربية» Provincia Arabia وعاصمتها بصرى وقد حلت محل مملكة الأنباط.
المملكة النبطية في العصر الهلنستي
في القرن الثالث قبل الميلاد كانت سورية الجنوبية في يد البطالمة الذين حاولوا دون جدوى إخضاع المملكة النبطية والخلاص من سيطرتها على البحر الأحمر. وفي هذا القرن يرد ذكر حارثة (أو الحارث) ملك الأنباط في نص مكتشف في موقع «الخالصة» على طريق غزة. ونحو 168ق.م ورد في سفر المكابيين ذكر للملك النبطي الحارث الأول. وبعد وقت قليل نشب النزاع بين الأنباط والمكابيين اليهود وبين الأنباط والعرب الإيطوريين حول بعض ممتلكات الدولة السلوقية في جنوبي بلاد الشام. وفي نحو عام 100ق.م اصطدم الحارث الثاني باسكندر جانوس المكابي الذي استولى على غزة وهدد بذلك مصالح الأنباط الاقتصادية. ولكن ملك الأنباط عُبادة الأول هَزَم َنحو عام 93ق.م ذلك الملك اليهودي عند أم قيس (جَدَرة) واسترد بعض المناطق التي اغتصبها، كما انتصر جيش عبادة الأول في النقب على ملك السلوقيين أنطيوخوس الثاني عشر في عام 85ق.م، وأصابه بجراح قاتلة وشتت شمل جيشه.
خلف عُبادة الأول ابنهُ الحارث الثالث فيلوهيلينوس (أي محب اليونان) وهو أشهر ملوك الأنباط، وفي عهده كانت دمشق في دولة الأنباط بين 84 و72ق.م وضربت نقودها باسمه. وبعد حرب سجال بينه وبين اسكندر جانوس أحاط الحارث الثالث بمملكة المكابيين اليهود من الجنوب والشرق وغزاها فانهار الجيش اليهودي في معركة أويدا (حديثة) قرب اللد، ومات اسكندر جانوس في 78ق.م، ودب النزاع بين ولديه، فرأى الحارث الفرصة مواتية للتحرك، وزحف على يهوذا بجيش جرار نحو عام 65ق.م، وحاصر القدس حصاراً شديداً وكادت تسقط لولا طلب الرومان من الحارث فك الحصار لقاء ضمان صداقتهم، وكان ذلك تغريراً به من الرومان سبب تأزم الوضع ووقوع الحرب بينه وبين الرومان الذين وصلوا إلى البتراء نفسها نحو عام 62ق.م، ثم تم الصلح بين الطرفين ورفع بومبي صورةً للحارث في موكب نصره.
ا
تعليق