علاقة الكاريكاتير بالصحافة
على الرغم من أن الكاريكاتير أحد الفنون التشكيلية المستقلة إلا أن علاقته الشديدة بالصحافة جعلته يتداخل مع كل منهما بذات الوقت، إذ يجمع الكاريكاتير بين مضمون المقال وخصائص الصورة، فالصحافة هي النافذة الأكثر سرعة لإيصال الكاريكاتير إلى الجمهور عبر الخطاب البصري الذي يعبر عن نبض الشارع وسلاحه الأبيض في وجه الاستبداد حين أعيته السبل الأخرى، رغم أنه اقتصر في بداياته على الإضحاك والتسلية، ولكنه ما لبث أن تبنى المواضيع الناقدة الجادة عبر القوالب الهزلية.
سجلت الصحافة العربية دخول الكاريكاتير إليها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع الذي لقب بـ"سيد الساخرين في العصر الحديث" من خلال جريدته الأسبوعية "أبو نظارة زرقاء" التي صدرت في القاهرة أيام الخديوي اسماعيل الذي أصدر أمرًا بإيقافها كونها تهاجمه مما اضطر صاحبها لتغيير اسمها مرارًا وتكرارًا، وبعدها أصبح الكاريكاتير علامة بارزة في الصحف العربية والمصرية مثل مجلة "خيال الظل" عام 1907 لأحمد حافظ عوض التي طغى الكاريكاتير على موادها، ومجلة "الكشكول" التي كانت تسخر من سعد زغلول وحزب الوفد كما لعبت مجلة "روز اليوسف" دورًا مهمًا في الصراعات السياسية القائمة.
وفي تونس وظف الكاريكاتير في الكثير من الصحف الناشئة وأهمها جريدة "السرور" التي أصدرها الأديب علي الدوعاجي مع بيرم التونسي والتي تتبع جماعة تحت السور، أما في سورية فقد تشابهت الصحافة الهزلية الكاريكاتيرية بمثيلتها المصرية ومن أهمها جريدة "المضحك المبكي" التي استمرت بالصدور حتى عام 1966 كما حفلت البلاد العربية بالكثير من الصحف التي اعتمدت الكاريكاتير في أبوابها كتعبير عن منهجها ورؤيتها.
من أعلام الكاريكاتير في العالم والوطن العربي
يعتبر الإسباني- الأرجنتيني خواكين سلفادور لابادو الملقب بـ"كينو" من أشهر رسامي الكرتون والكاريكاتير بالعالم، وهو الحائز على "جائزة أمير أستورياس" الإسبانية، إذ تميزت رسوماته بالكونية بشكل يستطيع أي إنسان أن يفهمها أينما وجد، وهو الذي حاول تغيير العالم بالأفكار والفن والكلمة لا بالسلاح، وكان ابتكاره لشخصية الطفلة مافالدا هو الذي كرّسه عالميًا إلى حد ما، إذ إنها انطبعت في أذهان الملايين لأن أسطورتها اعتمدت على النقد الذكي واللماح من خلال أسئلة "مافالدا" لوالديها والشروح التي كانا يقدمانها إليها عن الديكتاتورية والاكتظاظ السكاني والحرب النووية و"الزعيم الكوبي" فيدل كاسترو وسواه من المواضيع، وقد عبر أمبرتو إيكو عنها بقوله "إنها تحاول البقاء صغيرة كي لا تقفز إلى عالم الكبار"، فـ كينو يعتبر أن الناس عندما يكبرون ينسون أوليات السعادة التي عرفوها في الطفولة فهم يتزوجون بلا حب ويلهثون لجمع المال ويبتعدون عن المنطق. وكينو الذي اعتبر علمًا في عالم الكاريكاتير غادرنا عام 2020 تاركًا خلفه إرثًا فنيًا باهرًا.
وهناك الكثير من رسامي الكاريكاتير في العالم العربي مثل ألكسندر صاروخان وجورج البهجوري ومحمد رخا وصلاح جاهين في مصر، وعلي فرزات ورائد خليل في سورية، ولكن الوجه الأبرز كان لناجي العلي من فلسطين والذي بلغت رسومه أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتيري كثف من خلالها عمق المعاناة الفلسطينية ووضح فيها للرأي العام حجم المعاناة الفلسطينية في الأرض المحتلة ممثلًا صوت المقاومة الوطنية والتي كانت الصورة الناقدة والمتهكمة للكثير من الظواهر السلبية والتي دفع حياته ثمنًا لمواقفه. وقد اختار لرسوماته شخصية "حنظلة" وهو رسم يظهر فيه طفل يعقد يديه خلف ظهره، وأصبح هذا الرسم توقيعًا يمهر به العلي رسومه فهو الشاهد والشهيد في جل أعماله.
خاتمة
فن الكاريكاتير فن مشاغب ومشاكس ومحرض وهو من أكثر الفنون شعبية والتصاقًا بالناس كونه يعتمد على التفاعل المباشر مع المتلقي، على الرغم من كونه مهملًا ومهمشًا من قبل الدارسين والنقاد إلا من محاولات خجولة بعض الشيء، لتأرجحه بين الفن التشكيلي والصحافة ودائمًا في الغالب ترجح كفة جهة على جهة في الأعمال المنجزة مما يجعل وجوده قلقا وغير مستقر وبالتالي فإن انتماءه غير محدد تمامًا ولكن الثابت فيه تلك الابتسامة التي يتركها على شفاه محبيه.
على الرغم من أن الكاريكاتير أحد الفنون التشكيلية المستقلة إلا أن علاقته الشديدة بالصحافة جعلته يتداخل مع كل منهما بذات الوقت، إذ يجمع الكاريكاتير بين مضمون المقال وخصائص الصورة، فالصحافة هي النافذة الأكثر سرعة لإيصال الكاريكاتير إلى الجمهور عبر الخطاب البصري الذي يعبر عن نبض الشارع وسلاحه الأبيض في وجه الاستبداد حين أعيته السبل الأخرى، رغم أنه اقتصر في بداياته على الإضحاك والتسلية، ولكنه ما لبث أن تبنى المواضيع الناقدة الجادة عبر القوالب الهزلية.
سجلت الصحافة العربية دخول الكاريكاتير إليها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع الذي لقب بـ"سيد الساخرين في العصر الحديث" من خلال جريدته الأسبوعية "أبو نظارة زرقاء" التي صدرت في القاهرة أيام الخديوي اسماعيل الذي أصدر أمرًا بإيقافها كونها تهاجمه مما اضطر صاحبها لتغيير اسمها مرارًا وتكرارًا، وبعدها أصبح الكاريكاتير علامة بارزة في الصحف العربية والمصرية مثل مجلة "خيال الظل" عام 1907 لأحمد حافظ عوض التي طغى الكاريكاتير على موادها، ومجلة "الكشكول" التي كانت تسخر من سعد زغلول وحزب الوفد كما لعبت مجلة "روز اليوسف" دورًا مهمًا في الصراعات السياسية القائمة.
"سجلت الصحافة العربية دخول الكاريكاتير إليها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع الذي لقب بـ"سيد الساخرين في العصر الحديث" من خلال جريدته الأسبوعية "أبو نظارة زرقاء"" |
يعتبر الإسباني- الأرجنتيني خواكين سلفادور لابادو الملقب بـ"كينو" من أشهر رسامي الكرتون والكاريكاتير بالعالم |
من أعلام الكاريكاتير في العالم والوطن العربي
يعتبر الإسباني- الأرجنتيني خواكين سلفادور لابادو الملقب بـ"كينو" من أشهر رسامي الكرتون والكاريكاتير بالعالم، وهو الحائز على "جائزة أمير أستورياس" الإسبانية، إذ تميزت رسوماته بالكونية بشكل يستطيع أي إنسان أن يفهمها أينما وجد، وهو الذي حاول تغيير العالم بالأفكار والفن والكلمة لا بالسلاح، وكان ابتكاره لشخصية الطفلة مافالدا هو الذي كرّسه عالميًا إلى حد ما، إذ إنها انطبعت في أذهان الملايين لأن أسطورتها اعتمدت على النقد الذكي واللماح من خلال أسئلة "مافالدا" لوالديها والشروح التي كانا يقدمانها إليها عن الديكتاتورية والاكتظاظ السكاني والحرب النووية و"الزعيم الكوبي" فيدل كاسترو وسواه من المواضيع، وقد عبر أمبرتو إيكو عنها بقوله "إنها تحاول البقاء صغيرة كي لا تقفز إلى عالم الكبار"، فـ كينو يعتبر أن الناس عندما يكبرون ينسون أوليات السعادة التي عرفوها في الطفولة فهم يتزوجون بلا حب ويلهثون لجمع المال ويبتعدون عن المنطق. وكينو الذي اعتبر علمًا في عالم الكاريكاتير غادرنا عام 2020 تاركًا خلفه إرثًا فنيًا باهرًا.
"تميزت رسومات كينو بالكونية بشكل يستطيع أي إنسان أن يفهمها أينما وجد، وهو الذي حاول تغيير العالم بالأفكار والفن والكلمة لا بالسلاح، وكان ابتكاره لشخصية الطفلة مافالدا هو الذي كرسه عالميًا" |
خاتمة
فن الكاريكاتير فن مشاغب ومشاكس ومحرض وهو من أكثر الفنون شعبية والتصاقًا بالناس كونه يعتمد على التفاعل المباشر مع المتلقي، على الرغم من كونه مهملًا ومهمشًا من قبل الدارسين والنقاد إلا من محاولات خجولة بعض الشيء، لتأرجحه بين الفن التشكيلي والصحافة ودائمًا في الغالب ترجح كفة جهة على جهة في الأعمال المنجزة مما يجعل وجوده قلقا وغير مستقر وبالتالي فإن انتماءه غير محدد تمامًا ولكن الثابت فيه تلك الابتسامة التي يتركها على شفاه محبيه.