ڤيغوتسكي (ليڤ ـ)
(1869ـ 1934)
ليڤ سيميونوڤيتش ڤيغوتسكي Lev Semyonovich Vygotsky، عالم نفس وتربوي روسي، عُرف بأبحاثه ونظرياته المتعلقة بنمو الإدراك لدى الطفل وبالتفاعلات الثقافية الاجتماعية. لم تعرف أعماله لأسباب سياسية، لا في وطنه ولا في العالم الغربي إلا في وقت متأخر.
ولد ڤيغوتسكي في أورشا Orsha في بيلوروسيا، ودرس في جامعة موسكو ليصير مدرساً في الأدب، وبدأ بعد تخرجه التدريس في معاهد عدة. تركز بحث ڤيغوتسكي الأول على الإبداع الفني، ومنذ عام 1924 تبدلت مهنته تبدلاً مذهلاً حين بدأ العمل في حقول علم نفس النمو والتربية وعلم النفس المرضي. لم يتلق ڤيغوتسكي أي تدريب سابق في علم النفس ولكنه بدا شغوفاً به، واكتسب في حياته القصيرة معرفة واسعة فيه إضافة إلى العلوم الاجتماعية والفلسفة واللسانيات والأدب.
أفضل ما شهر به ڤيغوتسكي بوصفه عالم نفس تربوي «النظرية الاجتماعية الثقافية»؛ التي ترى أن التفاعل الاجتماعي في الثقافات المختلفة يفضي إلى تبدلات مستمرة في تفكير الطفل وسلوكه. وتُبين هذه النظرية أن النمو يعتمد على التفاعل بين الناس والأدوات التي توفرها ثقافاتهم لتساعدهم على تكوين نظرتهم للعالم.
ثمة ثلاث طرائق كما يرى ڤيغوتسكي تنتقل بها أدوات الثقافة من شخص إلى آخر. تتمثل الطريقة الأولى في التعلم المقلّد إذ يحاول فرد ما محاكاة أو نسخ فرد آخر، وتتمثل الثانية في التعلّم التوجيهي الذي يتضمن تذكر توجيهات المدرس واستخدام تلك التوجيهات في تنظيم الذات، أما الطريقة الثالثة فتتمثل في انتقال أدوات الثقافة إلى الآخرين بوساطة التعلم التعاوني الذي يشمل مجموعة من الأقران المتعطشين لفهم بعضهم بعضاً وللعمل متآزرين لتعلّم مهارة معينة.
تدمج نظرية ڤيغوتسكي البيئة الاجتماعية مع الإدراك، فالطفل سوف يكتسب طرائق التفكير والسلوك التي تكوّن ثقافته عن طريق تفاعله مع شخص أكثر معرفة. ويعتقد ڤيغوتسكي أن التفاعل الاجتماعي سوف يفضي إلى تبدلات مستمرة في تفكير الطفل وسلوكه، وأنماط التفكير هذه والسلوكيات تختلف بين ثقافة وأخرى.
البنائية الاجتماعية عند ڤيغوتسكي
يرى ڤيغوتسكي أن الأنشطة الأساسية كلها تتخذ شكل قالب التاريخ الاجتماعي وتكوّن منتجات النمو الاجتماعي التاريخي. وبمعنى آخر يمكن القول إن المهارات الإدراكية ونماذج التفكير لا تحددها عوامل فطرية مسبقاً، لكنها نتاج أنشطة تمارس في مؤسسات اجتماعية للثقافة التي ينمو فيها الفرد، ومن ثم فإن تاريخ المجتمع الذي ينشأ فيه الطفل وتاريخ الطفل الشخصي هي محددات حاسمة للطريقة التي سيفكر فيها هذا الفرد. وفي عملية نمو الإدراك هذه تكون اللغة أداة حاسمة لتحديد كيفية تعلم الطفل وكيفية تفكيره، لأن أساليب التفكير المتقدمة نقلت إلى الطفل بوساطة الكلمة.
أصول التفكير واللغة بحسب ڤيغوتسكي
يرى ڤيغوتسكي أن للتفكير والكلام جذوراً مختلفة في الكائن البشري، فالتفكير يكون غير شفوي واللغة غير عقلية في المراحل المبكرة، كما أن خطي تطورهما غير متوازيين وكثيراً ما يتقاطعان، وفي لحظة معينة في سن الثانية من عمر الإنسان تلتقي منحنيات نمو التفكير والكلام وتنضم بعضها إلى بعض لتبدأ نمطاً جديداً من السلوك، وهذا حين يصير التفكير شفوياً والكلام عقلياً. ويبدأ الطفل باستخدام لغة خاصة بالتفاعل الاجتماعي الظاهري، لكن هذه اللغة تصير عند نقطة معينة بنية لتفكير الطفل.
يرى ڤيغوتسكي أن الفهم الواضح للعلاقات المتبادلة بين التفكير واللغة ضروري لفهم النمو العقلي، واللغة ليست تعبيراً محضاً للمعرفة التي يكتسبها الطفل وحسب، فثمة تطابق جوهري بين التفكير واللغة.
منطقة النمو الأقرب
تعد فكرة «منطقة النمو الأقرب» zone of proximal development أشهر أفكار ڤيغوتسكي، فهو يقول إن الإنسان لديه مناطق للقدرة، فهناك منطقة للأشياء التي يستطيع الإنسان إنجازها من دون حاجة إلى مساعدة أحد، وثمة منطقة للأشياء التي لايستطيع الإنسان القيام بها مهما كانت المساعدة المقدمة له. وبين هاتين المنطقتين تقع «منطقة النمو الأقرب»، وهي منطقة للأشياء التي لايستطيع الإنسان إنجازها بمفرده ويحتاج إلى قدر من المساعدة والإرشاد.
تمتلك «منطقة النمو الأقرب» لدى ڤيغوتسكي كثيراً من التضمينات للأفراد الموجودين في المحيط التربوي، وتتمثل إحدى هذه التضمينات في فكرة أن التعلم الإنساني يقتضي طبيعة اجتماعية معينة، وهي جزء من عملية يرتقي بوساطتها الأطفال إلى الحياة الفكرية للمحيطين بهم. ويرى ڤيغوتسكي أن السمة الأساسية للتعلم هي إيقاظه عدداً من عمليات النمو الداخلية التي لا تعمل إلا حين يكون الطفل في تفاعل مع الناس المحيطين به وفي تعاون مع أقرانه، ولهذا حين يتعلق الأمر بتعلم اللغة تكون موثوقية المحيط والألفة بين المسهمين فيه عناصر أساسية لجعل المتعلم يشعر بأنه جزء من محيطه.
أبرز أعمال ڤيغوتسكي «التفكير واللغة» (1937) Thought and Language و«دراسات مختارة في علم النفس» (1956) Selected Psychological Studies و«تطوير العمليات العقلية العليا» (1960) Development of Higher Mental Processes.
غسان منيف عيسى
(1869ـ 1934)
ليڤ سيميونوڤيتش ڤيغوتسكي Lev Semyonovich Vygotsky، عالم نفس وتربوي روسي، عُرف بأبحاثه ونظرياته المتعلقة بنمو الإدراك لدى الطفل وبالتفاعلات الثقافية الاجتماعية. لم تعرف أعماله لأسباب سياسية، لا في وطنه ولا في العالم الغربي إلا في وقت متأخر.
ولد ڤيغوتسكي في أورشا Orsha في بيلوروسيا، ودرس في جامعة موسكو ليصير مدرساً في الأدب، وبدأ بعد تخرجه التدريس في معاهد عدة. تركز بحث ڤيغوتسكي الأول على الإبداع الفني، ومنذ عام 1924 تبدلت مهنته تبدلاً مذهلاً حين بدأ العمل في حقول علم نفس النمو والتربية وعلم النفس المرضي. لم يتلق ڤيغوتسكي أي تدريب سابق في علم النفس ولكنه بدا شغوفاً به، واكتسب في حياته القصيرة معرفة واسعة فيه إضافة إلى العلوم الاجتماعية والفلسفة واللسانيات والأدب.
أفضل ما شهر به ڤيغوتسكي بوصفه عالم نفس تربوي «النظرية الاجتماعية الثقافية»؛ التي ترى أن التفاعل الاجتماعي في الثقافات المختلفة يفضي إلى تبدلات مستمرة في تفكير الطفل وسلوكه. وتُبين هذه النظرية أن النمو يعتمد على التفاعل بين الناس والأدوات التي توفرها ثقافاتهم لتساعدهم على تكوين نظرتهم للعالم.
ثمة ثلاث طرائق كما يرى ڤيغوتسكي تنتقل بها أدوات الثقافة من شخص إلى آخر. تتمثل الطريقة الأولى في التعلم المقلّد إذ يحاول فرد ما محاكاة أو نسخ فرد آخر، وتتمثل الثانية في التعلّم التوجيهي الذي يتضمن تذكر توجيهات المدرس واستخدام تلك التوجيهات في تنظيم الذات، أما الطريقة الثالثة فتتمثل في انتقال أدوات الثقافة إلى الآخرين بوساطة التعلم التعاوني الذي يشمل مجموعة من الأقران المتعطشين لفهم بعضهم بعضاً وللعمل متآزرين لتعلّم مهارة معينة.
تدمج نظرية ڤيغوتسكي البيئة الاجتماعية مع الإدراك، فالطفل سوف يكتسب طرائق التفكير والسلوك التي تكوّن ثقافته عن طريق تفاعله مع شخص أكثر معرفة. ويعتقد ڤيغوتسكي أن التفاعل الاجتماعي سوف يفضي إلى تبدلات مستمرة في تفكير الطفل وسلوكه، وأنماط التفكير هذه والسلوكيات تختلف بين ثقافة وأخرى.
البنائية الاجتماعية عند ڤيغوتسكي
يرى ڤيغوتسكي أن الأنشطة الأساسية كلها تتخذ شكل قالب التاريخ الاجتماعي وتكوّن منتجات النمو الاجتماعي التاريخي. وبمعنى آخر يمكن القول إن المهارات الإدراكية ونماذج التفكير لا تحددها عوامل فطرية مسبقاً، لكنها نتاج أنشطة تمارس في مؤسسات اجتماعية للثقافة التي ينمو فيها الفرد، ومن ثم فإن تاريخ المجتمع الذي ينشأ فيه الطفل وتاريخ الطفل الشخصي هي محددات حاسمة للطريقة التي سيفكر فيها هذا الفرد. وفي عملية نمو الإدراك هذه تكون اللغة أداة حاسمة لتحديد كيفية تعلم الطفل وكيفية تفكيره، لأن أساليب التفكير المتقدمة نقلت إلى الطفل بوساطة الكلمة.
أصول التفكير واللغة بحسب ڤيغوتسكي
يرى ڤيغوتسكي أن للتفكير والكلام جذوراً مختلفة في الكائن البشري، فالتفكير يكون غير شفوي واللغة غير عقلية في المراحل المبكرة، كما أن خطي تطورهما غير متوازيين وكثيراً ما يتقاطعان، وفي لحظة معينة في سن الثانية من عمر الإنسان تلتقي منحنيات نمو التفكير والكلام وتنضم بعضها إلى بعض لتبدأ نمطاً جديداً من السلوك، وهذا حين يصير التفكير شفوياً والكلام عقلياً. ويبدأ الطفل باستخدام لغة خاصة بالتفاعل الاجتماعي الظاهري، لكن هذه اللغة تصير عند نقطة معينة بنية لتفكير الطفل.
يرى ڤيغوتسكي أن الفهم الواضح للعلاقات المتبادلة بين التفكير واللغة ضروري لفهم النمو العقلي، واللغة ليست تعبيراً محضاً للمعرفة التي يكتسبها الطفل وحسب، فثمة تطابق جوهري بين التفكير واللغة.
منطقة النمو الأقرب
تعد فكرة «منطقة النمو الأقرب» zone of proximal development أشهر أفكار ڤيغوتسكي، فهو يقول إن الإنسان لديه مناطق للقدرة، فهناك منطقة للأشياء التي يستطيع الإنسان إنجازها من دون حاجة إلى مساعدة أحد، وثمة منطقة للأشياء التي لايستطيع الإنسان القيام بها مهما كانت المساعدة المقدمة له. وبين هاتين المنطقتين تقع «منطقة النمو الأقرب»، وهي منطقة للأشياء التي لايستطيع الإنسان إنجازها بمفرده ويحتاج إلى قدر من المساعدة والإرشاد.
تمتلك «منطقة النمو الأقرب» لدى ڤيغوتسكي كثيراً من التضمينات للأفراد الموجودين في المحيط التربوي، وتتمثل إحدى هذه التضمينات في فكرة أن التعلم الإنساني يقتضي طبيعة اجتماعية معينة، وهي جزء من عملية يرتقي بوساطتها الأطفال إلى الحياة الفكرية للمحيطين بهم. ويرى ڤيغوتسكي أن السمة الأساسية للتعلم هي إيقاظه عدداً من عمليات النمو الداخلية التي لا تعمل إلا حين يكون الطفل في تفاعل مع الناس المحيطين به وفي تعاون مع أقرانه، ولهذا حين يتعلق الأمر بتعلم اللغة تكون موثوقية المحيط والألفة بين المسهمين فيه عناصر أساسية لجعل المتعلم يشعر بأنه جزء من محيطه.
أبرز أعمال ڤيغوتسكي «التفكير واللغة» (1937) Thought and Language و«دراسات مختارة في علم النفس» (1956) Selected Psychological Studies و«تطوير العمليات العقلية العليا» (1960) Development of Higher Mental Processes.
غسان منيف عيسى