امراض نباتات
Plant diseases (Phytopathology) - Maladies des plantes
أمراض النباتات
يصبح النبات مريضاً عندما يهاجمه عامل ممرض حي أو عامل بيئي يحدث شذوذاً في مظهره الخارجي وفي عملياته الفيزيولوجية وفي أنشطته المختلفة. ومن هنا تبرز أهمية معرفة شروط النمو الطبيعية للنباتات، ويختلف المرض عن الضرر، إذ ينتج الأخير بتأثير غير مستمر لعامل غير حي، كالبرق، والبَرَد، والكيمياويات السامة في الهواء والتربة، ودرجات الحرارة المتطرفة، واختلال العلاقات المائية، والجروح التي تحدثها الحشرات والحيوانات القارضة وغيرها.
ويسمى الفرع الذي يهتم بدراسة أمراض النباتات diseases of plants بعلم أمراض النباتات plant pathology أو phytopathology. أما علم السَببيّات etiology فيهتم بدراسة طبيعة الممرضات التي تحدث أمراضاً معدية وتصنيفها ودورة حياتها.
أهمية أمراض النباتات
يبلغ عدد الأمراض النباتية المسجلة في العالم نحو ثمانين ألف مرض، تحدث خسائر سنوية كبيرة قد تصل في كثير من الدول النامية التي لا تتوافر فيها إجراءات المكافحة إلى نحو 30 -50% من الإنتاج الزراعي.
وتدل دراسة المستحاثات النباتية على تعرض النباتات لإصابات مرضية منذ نحو 250 مليون عام. وقد أوردت الأسفار القديمة ذكراً لأمراض الأصداء، والبياضات، واللفحات التي سببت تغيرات جذرية في اقتصاديات الشعوب في تلك العهود. وقد تفشى بعضها في أزمنة قريبة، وأحدث آثاراً مشابهة كمرض اللفحة المبكرة على البطاطا في أيرلندة في المدة ما بين 1845 و1860، وتبقع الأوراق ومرض «باناما» على الموز في أمريكة الوسطى في المدة ما بين 1900 - 1965، والبياض الدقيقي والبياض الزغبي على العنب في فرنسة في المدة ما بين 1851 - 1878، وصدأ البن في سيلان منذ 1870، ولفحة أوراق الذرة الصفراء في أمريكة عام 1970، وفي المنطقة العربية أمثلة واضحة عن الآثار الكبيرة التي تسببها أمراض النباتات للاقتصاد القومي، فذبول القطن والزيتون في سورية وتعفن البصل وتفحم الذرة الصفراء الشامية في مصر، وتقرح الحمضيات في السعودية واليمن. وتجعد أوراق البندورة الفيروسي واصفرارها في معظم الدول العربية، هي شواهد قليلة على الآثار المدمرة لأمراض النباتات.
تطوّر المرض وانتشاره
تدعى المرحلة التي يكون فيها الممرض على علاقة قوية بالنسج الحية للمضيف بمرحلة الإمراض pathogenesis، وتشمل هذه المرحلة أطواراً مميزة: النقل inoculation الذي يوصل المرض إلى المنطقة التي يحدث فيها غزو النبات، والاختراق penetration الذي يحدث عبر الجروح أو الفتحات الطبيعية كالمسام، والعديسات، والفتحات المائية، والغدد الرحيقية وغيرها، والحضانة incubation وهي المدة الزمنية الواقعة بين وصول الممرض إلى ساحة الإصابة وظهور الأعراض المرضية، والإصابة infection وهي المرحلة التي توافق ظهور المرض، وتترافق عادة بترسخ المرض وانتشاره.
ويطلق على الجزء من دورة حياة الممرض الذي لا يكون فيه الممرض على علاقات حيوية بالنسج الحية للمضيف اسم المرحلة الرمية saprogenesis. وفي هذه المرحلة يستمر نمو الممرض في نسج غير حية، أو يدخل في مرحلة كمون latency. ويُنتِج معظم الفطور في أثناء هذه المرحلة أجساماً ثمرية جنسية، كما ينتج بعضها تركيبات قاسية البنية متراصة تستطيع مقاومة الأحوال البيئية المتطرفة، وتتيح للممرض الاحتفاظ بحيويته مدداً زمنية طويلة في التربة وفي مخلفات النباتات.
1ـ المرض الوبائي النباتي: تطلق تسمية المرض الوبائي النباتي على المرض الذي يصيب عدداً كبيراً من الأفراد النباتية. ويسمى المرض متوطناً عندما يتكرر حدوثه في منطقة معينة، من دون أن يؤدي إلى خسائر كبيرة.
تحدث الأوبئة النباتية عندما يصيب الممرض نسبة مئوية كبيرة من مجتمعات المضيف المزروعة على مسافة واسعة. وقد تكون الأوبئة متوسطة الحدة أو مدمرة، وقد يكون انتشارها محلياً أو إقليمياً أو عالمياً. ويكثر انتشارها عندما تتاح للممرض شروط بيئية مثالية لنموه وتكاثره. كما قد تحدث الأوبئة أحياناً نتيجة دخول الممرض إلى منطقة معينة لم يكن موجوداً فيها من قبل. وهذا ما حدث للذرة في إفريقية في الخمسينات فيما يتصل بالبياضات الزغبية والأصداء، وللبن في البرازيل فيما يتعلق بالصدأ عام 1960، وللكستناء في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتصل باللفحة عام1900. ويتردد حدوث الأوبئة عند تربية أصناف جديدة، قد يُظهر بعضها حساسية عالية لممرضات موجودة في المنطقة، لم تكن تتأثر بها الأصناف السابقة. فقد ظهرت في أثناء زراعة الشوفان أصناف مقاومة للصدأ والتفحم وأصناف شديدة الحساسية للفطر Helminthosporium victoriae الذي كان يعدّ في السابق فطراً قليل الأهمية على الحشائش. وقد أحدثت القدرة التدميرية لهذا الفطر في منتصف الأربعينات تحولاً كبيراً في زراعة أصناف الشوفان في الولايات المتحدة الأمريكية على مساحة كبيرة جداً.
وتظهر الأوبئة في العادة بتواتر دوري، فقد يتنامى المرض النباتي بسرعة بعد ظهوره أول مرة ويصل إلى حدود وبائية، أو قد يبقى على مستويات منخفضة ويصبح مستوطناً. وقد يختل هذا التوازن عند توافر شروط مشجعة لحدوث الوباء وتجدده. ومن أهم هذه الشروط العوامل المناخية وخاصة درجات الحرارة والرطوبة، وإدخال مضيفات جديدة وحساسة، وتنامي سلالات عدوانية من الممرض، وتغير الممارسات الزراعية الذي قد يأتي بشروط أكثر ملاءمة للمرض.
2ـ العوامل البيئية التي تؤثر في تطور الأمراض النباتية: تعدّ درجات الحرارة والرطوبة النسبية في الجو، ونوع التربة وخصبها، ودرجة رطوبتها وباهائها pH (حموضتها) [ر] من أهم العوامل البيئية التي تؤثر في تطور أمراض النباتات في منطقة محدّدة وانتشارها فيها وبائياً فيما بعد.
ـ درجة الحرارة: لكل ممرض درجة حرارة يكون نموه فيها مثالياً. وقد يكون للمراحل المختلفة من دورة حياته كإنتاج الأبواغ وإنباتها، ونمو الميسيليوم، متطلبات حرارية مختلفة. ويفيد التحكم في درجة حرارة الخزن لبعض الثمار والخضار والغراس في السيطرة على بعض الفطور والجراثيم التي تحدث تعفنات وتحللات لهذه المواد في أثناء مدة التخزين، شريطة ألاّ يؤدي ذلك إلى تغيير نوعيتها. ويمكن ضبط درجات الحرارة في الدفيئات لوقف تنامي الأمراض التي تظهر فيها.
وتتيح معرفة درجات الحرارة والرطوبة المثلى إمكان تنبؤ دقيق بتطور بعض الأمراض كالعفن الأزرق على التبغ، والبياض الزغبي على القرعيات، واللفحة المتأخرة على البطاطا، وتبقع أوراق الشوندر، والصدأ على أوراق القمح. كما تسهم درجات الحرارة المرتفعة في إخفاء الأعراض التي تحدثها بعض الأمراض الفيروسية والميكوبلازمية (المفطورية)، وتجعل تشخيصها صعباً.
ـ الرطوبة الجوية: تعد الرطوبة النسبية المرتفعة عاملاً مهماً في إنبات أبواغ الفطور وتنامي أعفان التخزين. فضبط رطوبة المخرن على 85- 90% يوقف تطور فطور العفن الطري على جذور البطاطا الحلوة حتى إذا كانت درجة حرارة المخزن مثلى لنمو الممرض، إذ تنتج جذور البطاطا الحلوة في هذه الحالة نسجاً فلينية يصعب على الفطر اختراقها.
وتشجع الرطوبة العالية تطور معظم الفطور والجراثيم التي تصيب الأوراق والثمار، لأنها ضرورية لإنبات البوغ الفطري وتكاثره، وأساسية لدخول الجراثيم. مع العلم أن أبواغ فطور البياض الدقيقي تنبت على نحو أفضل في حال رطوبة نسبية دون مستوى الإشباع. ويمكن مكافحة بعض التعفنات الخضراء التي تظهر على النباتات المحمية، وتعفن الأزهار والأوراق والسوق والبادرات الذي تحدثه أنواع العنقودي botrytis بخفض الرطوبة الجوية في الدفيئة أو باجتناب رش النباتات بالماء.
ويؤدي انخفاض الرطوبة، من ناحية أخرى، إلى ظهور آثار مدمرة للنباتات. فاحتراق الأوراق، وهو مرض طفيلي غير شائع، يظهر على الأشجار في المواقع المفتوحة إثر طقس دافئ جاف وعاصف. كما يعدّ احتراق الأوراق وتساقط الأزهار مرَضاً شائعاً في نباتات التنسيق الداخلي، لأن الرطوبة النسبية داخل المنازل والمكاتب تكون عادة أقل من 30 %.
ـ رطوبة التربة: تعدّ الرطوبة العالية أو المنخفضة للتربة عاملاً يحد من تنامي أمراض تعفنات الجذور. إذ تحفز الرطوبة العالية تنامي فطور التحليل المائي. كما تعد زيادة الرطوبة مشكلة عامة للنباتات المزروعة ضمن الأصص، ذلك أنها تقلل من كمية الأكسجين وترفع من سوية ثاني أكسيد الكربون في التربة، مما يجعل الجذور أكثر قابلية للإصابة بالكائنات التي تسبب تعفن الجذور. وعلى نقيض ما ذكر، تشتد وطأة بعض الأمراض عندما تكون نسبة الرطوبة الأرضية منخفضة كالعفن الكلي على النجيليات، والعفن الفحمي على الذرة الصفراء والبيضاء وفول الصويا، والجرب العادي على البطاطا والعفن الأبيض على البصل.
ـ درجة باهاء التربة: تؤثر درجة الباهاء تأثيراً ملحوظاً في عدد قليل من الأمراض كالجرب العادي على البطاطا، والجذر الصولجاني في الصليبيات ويسببه الفطر Plasmodiophora brassicae. ويلجأ بعض المزارعين في الدول الغربية إلى إضافة الكبريت إلى الحقول المعدة لزراعة البطاطا لجعل درجة الباهاء نحو pH=5، كما يضاف الكلس إلى الأتربة الحامضية طريقةً لمكافحة مرض الجذر الصولجاني الذي يزدهر في الأراضي الحامضية.
ـ نوع التربة: ينشط بعض الممرضات في التربة الطمييِّة، في حين ينشط بعضها الآخر في التربة الغضارية. فتعفن الجذور الذي يحدثه الفطر Phymatotrichum على القطن وعلى عدد كبير من النباتات، يزدهر في الأتربة السوداء القلوية ذات المحتوى المنخفض من المادة العضوية في الولايات الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية. كما يحدث الفطر المسبب للذبول الفيوزاريومي Fusarium oxysporum الذي يصيب عدداً كبيراً من النباتات المزروعة، أضراراً كبيرة في الأراضي الخفيفة، ويشتد ضرر الخيطيات أيضاً في الأراضي الخفيفة التي ترتفع درجة حرارتها بسرعة.
ـ خصب التربة والتسميد: أظهرت نتائج حقلية وأخرى منفذة في الدفيئات أن زيادة بعض العناصر الغذائية التي يحتاج النبات إليها أو نقصها، يؤثران في تنامي الأمراض المعدية كاللفحة النارية على التفاحيات، وعفن سوق الذرة، والبياض الدقيقي على القمح، وأمراض اللفحة على الذرة، إذ تكون هذه الأمراض وأمراض أخرى كثيرة أشد خطورة عقب إضافة كميات عالية من الآزوت. ويكفي تصحيح ذلك بإضافة أسمدة بوتاسية. وتؤدي الزيادة المفرطة في الآزوت أيضاً إلى ظهور أعراض نقص البوتاسيوم والتوتياء وعناصر أخرى، وإلى تأخر تطور الأزهار والثمار، وإلى تهيئة النبات لأضرار الصقيع. ويحدث نقص في الكلسيوم والمغنزيوم عند إضافة البوتاسيوم بكميات مرتفعة. وتسبب الزيادة أو النقص في كميات الفوسفور، والحديد، والتوتياء، والمنغنيز، والبورون، والمولبدينوم، والكبريت، والنحاس وغيرها أمراضاً فيزيولوجية للنبات.
يتبين من كل ما تقدم، أن تطور الأمراض النباتية يحتاج إلى توافر عوامل مختلفة: أحوال بيئية مناسبة ووجود ممرض شرس ومضيف حساس للإصابة.
تشخيص الأمراض النباتية
يعد التشخيص السليم الخطوة الأولى في دراسة أي مرض نباتي، ولا بدّ من إجراء تشخيص دقيق وسريع للمرض قبل اقتراح أي طريقة للمعالجة. ويعتمد التشخيص أساساً على ملاحظة الأعراض المميزة التي يبديها النبات المريض، والعلامات الخاصة بالكائن الممرض. وتمر عملية التشخيص بثلاث مراحل تشمل: الملاحظة الدقيقة للمظاهر المرضية وتصنيفها، وتقويم هذه المظاهر، وإعطاء قرار منطقي بطبيعة المسبب
تعليق