اموي (مسجد)
Umayyad Mosque - Mosquée des Omeyyades
الأموي (المسجد ـ)
المسجد الأموي من أشهر المساجد في العالم الإسلامي ومعلم من أبرز المعالم في مدينة دمشق، وأثر رائع من آثار الحضارة الإسلامية العريقة والأثر الرئيسي الذي تقوم عليه شهرة الوليد بن عبد الملك العمرانية.
كان موقع المسجد مُخّصصاً للعبادة منذ أقدم العصور، ففيه أقام الآراميون في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، معبداً للإله حَدد، ثم حُول في العهد الروماني إلى معبد للإله جوبيتر Jupiter. وكان هذا المعبد (380 ×300م) يتألف من فناء واسع ورواق يحيط به، له أعمدة من الداخل وسور من الخارج، ويتوسطه هيكل الإله سِلاّ Cella، وأهم ما تبقى من المعبد بوابته الغربية المحمولة على أعمدة عملاقة التي تشاهد اليوم قبل الدخول إلى المسجد الأموي من بابه الغربي. وفي القرن الرابع الميلادي حين غدت المسيحية ديانة رسمية للدولة أقيم في جزء من المعبد كنيسة سميت باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان.
تصميم المسجد المعماري وأصالته
شيد مسجد دمشق وفق تصميم جديد يتفق مع شعائر الدين الإسلامي وأغراض الحياة العامة، فجاء فريداً في هندسته، لم يبن على نسقه في العهود السابقة أي بناء آخر. إذ لا توجد كنيسة في الشرق أو الغرب في مثل هذا التصميم تماماً، مع ما يبدو عليه من ظواهر الاقتباس واستخدامه لعناصر معمارية وزخرفية كانت شائعة في الفنون السابقة.
وتنقل الروايات عبارة قالها الخليفة العباسي المأمون على مسجد دمشق حين زاره: «إن مما أعجبني فيه كونه بني على غير مثال متقدم».
وهكذا ظهر المسجد الأموي وقتئذ انطلاقة جديدة في فن العمارة، وثورة على البساطة المألوفة في المساجد السابقة. تفنن المؤرخون والرحالة في وصف عناصره المعمارية والزخرفية والتعبير عن الإعجاب، وملؤوا بذلك صفحات من النثر والشعر.
فلقد وُضعت بإشادة مسجد دمشق مبادئ هندسة المساجد الكبرى التي شيدت بعده في العالم الإسلامي. وظل المعماريون قروناً عدة يستوحون فنونه أو ينسجون على منواله.
كان تصميم المسجد على أساس تقسيم مساحة الأرض المستطيلة (156× 97 متراً) إلى جزء مسقوف في الجهة الجنوبية ليكون الحرم وآخر سماوي هو الصحن أو الفناء الذي أحيط برواق من جهاته الثلاث يوفر الاتصال بين أبواب المسجد والحرم والقاعات الأخرى المقامة في طرفيه الشرقي والغربي التي أطلق عليها اسم المشاهد.
أمّا أقسام المسجد الرئيسة فهي:
السور والأبواب: للمسجد سور مرتفع مبني بالحجر المنحوت، هو سور المعبد الروماني في الأصل. جددت أقسام منه في العهود العربية.
وكان السور مزوّداً في أركانه بأبراج مربعة يصعد إليها بدرج من الداخل، استخدمت في البداية للأذان. وبقي اثنان منها في الجهة الجنوبية، أقيمت عليها مئذنتان. وكان السور متوجاً «بالشرّافات» الضخمة التي لم يبق منها واحدة، إذ تساقطت بفعل الزلازل، كما أثبتت ذلك كتب الحوليات. ويعتقد أنها كانت من النوع المسنن القديم.
أمّا أبواب المسجد فثلاثة مفتوحة على الصحن وأروقته في الشرق والغرب والشمال، وهناك باب رابع في الجنوب، يؤدي مباشرة إلى الحرم، وهو في الجانب الغربي منه، دعي قديماً باب الزيادة.
وأهم هذه الأبواب من الناحية المعمارية، الباب الغربي (باب البريد) والشرقي المسمى باب جيرون (النوفرة)، فكل منهما يحتوي على ثلاث فتحات مستطيلة، الوسطى منها واسعة يعلوها عقد عاتق حلزوني الشكل. وقد صفحت مصاريعها بالنحاس المزخرف. وكل من البابين يؤدي إلى صحن المسجد عن طريق بهو فخم.
أما الباب الشمالي الذي أطلقت عليه عدة أسماء أقدمها باب الفراديس، ثم باب الناطفيين (صانعي الناطف) ثم باب الكلاسة (نسبة إلى الحي). ويتألف من فتحة واحدة واسعة. وكان على أبواب المسجد الأربعة ميضآت حسنة التنظيم، كثيرة المياه، أحسن وصفها الرحالة ابن جبير وعدّها من محاسن المسجد وأسماها السقايات. كما وصفها المقدسي في القرن الرابع فقال: «وعلى كل باب ميضأة مرخمة ببيوت ينبع فيها الماء وفوارات».
الصحن والأروقة: يحتل الصحن رقعة مستطيلة واسعة طولها 132 متراً وعرضها 50 متراً. ويحيط بالصحن من جهاته الثلاث، الشرقية والغربية والشمالية، رواق عرضه عشرة أمتار، يرتفع قليلاً عن أرض الصحن، ويتألف من صف من القناطر المحمولة على العمد والعضائد، وزعت ليتناوب عمودان مع عضادة وهكذا. والعمود قطعة واحدة من الحجر الكلسي الصلب، وبعض الأعمدة من الغرانيت القديم، تعلوها تيجان من النوع الكورنثي، أما العضائد فمبنية بالحجر ومصفحة بالرخام، وتحمل العمد والعضائد عقوداً نصف دائرية بعضها مدبب الرأس قليلاً. ويعلو هذه العقود صف آخر من العقود الصغيرة، اثنان صغيران فوق كل عقد كبير وبينهما سويرية (عمود صغير). وقد اتبع هذا التنظيم في الحرم أيضاً من أجل زيادة ارتفاع السقوف دونما حاجة إلى استخدام أعمدة بالغة الارتفاع. وللرواق سقف مستو من الخشب صُفِّح سطحه بالرصاص.
ولقد تغيرت معالم الرواق الشمالي حين جدد في أعقاب زلزال عام 1759 م. وبقي الرواقان الشرقي والغربي محافظين على وضعهما الأصيل الأموي.
ويشاهد في الصحن ثلاث قبات صغيرة، أولاها في الجانب الغربي اشتهرت باسم قبة الخزنة، وهي غرفة مثمنة الوجوه، في أحدها باب صغير، محمولة على ثمانية أعمدة مغروسة في بلاط الصحن من غير قواعد، لكنها تحتفظ بتيجانها الكورنثية الجميلة. يذكر الرواة أنها كانت مخصصة لخزينة المسجد ووثائقه وحساباته، وأنها أُنشئت في عهد والي دمشق الفضل بن صالح، أيام الخليفة العباسي المهدي عام 172 للهجرة. وتقع القبة الثانية في الجهة الشرقية وكانت تدعى قديماً بقبة زين العابدين ثم قبة الساعات.
ويتوسط الصحن بركة للوضوء مربعة الشكل، كان عليها قبة، هدمت منذ بضع سنين (أعيدت كما كانت عليه في أعمال الترميم التي بدأت في أوائل التسعينات). وكانت قد جددت آخر مرة في عهد الوالي عثمان باشا، فسمّيت القبة العثمانية، وأسماها القدماء الشادروان.
وهناك على مسافة قليلة من البركة في الجهتين عمودان، غُرسا في الصحن، في رأسيهما ما يشبه الثريا من البرونز المخرم الجميل، عرفا قديماً بعمودي الإسراج، كما وصفهما ابن جبير في القرن السادس الهجري.
وكانت أرض الصحن وأروقته مبلطة بالرخام والفسيفساء الحجرية ثم تغيرت معالمها، وجدد البلاط أكثر من مرة وتغير مستوى الصحن والأروقة نتيجة الردم والتجديد. وقد أمكن معرفة المستوى الأصلي بعد إجراء عمليات سبر ودراسات في عام 1959م، وتم تجديد البلاط وفق هذا المستوى، واحتفظ في الرواق الغربي بقدامة في مكانها الأصلي تمثل البلاط الفسيفسائي القديم.
تعليق