فيكتور عمانوئيل
فيكتور عمانوئيل Victor Emmanuel اسم حمله أشهر ثلاثة ملوك ينتسبون إلى أسرة سافوي إحدى أهم الأسر التي حكمت في أوربا الغربية وخاصة في إيطاليا وفرنسا، والتي أسسها الكونت سافوي Savoy مع بداية القرن الحادي عشر الميلادي في الأقاليم المحيطة بجبال الألب، وأُلحق بها عدد من الأقاليم الصغيرة على منحدرات هذه الجبال وخاصة شمال غربي إيطاليا إضافة إلى السهول الممتدة في سفوح تلك المنحدرات حتى منطقة جنوة Genoa.
تمكنت هذه الأسرة من توسيع نطاق حكمها حتى شمل إيطاليا كلها،مستفيدة من نتائج عدد من الحروب،واستمرت في حكم إيطاليا حتى سنة 1946م. وأشهر ملوكها:
ـ فيكتور عمانوئيل الأول (1759ـ 1824م): ابن فيكتور أماديوس الثالث Amadeus III ملك سردينيا حكمها سنة 1814 بعد شقيقه شارلز عمانوئيل الثاني الذي نزل عن العرش عام 1802، وقد واجه فيكتور سنة 1821 ثورة عارمة نزل على أثرها عن العرش لأخيه تشارلز فليكس Charles Felix شرط اتباع الدستور وإعلان الحرب على النمسا.
ـ فيكتور عمانوئيل الثاني (1820ـ 1878م): آخر ملوك سردينيا وأول ملوك إيطاليا، ورث والده شارلز ألبرت الذي نزل عن العرش عام 1849 بعد هزيمة عسكرية في مواجهة النمسا. وحكم حتى عام 1861. قاد بعد تسلمه العرش حملة توحيد إيطاليا بدعم كبير من مقاطعة بيدمونت Piedmont وتأييد فرنسي، مكّنه من هزيمة النمساويين والاستيلاء على إقليم لومبارديا Lombardy.
في عهده احتل القائد غاريبالدي مملكة صقلية التي ضُمّت إلى سردينيا سنة 1861 مع بعض المقاطعات وسط إيطاليا، وفي الوقت نفسه نجح الجيش الإيطالي في ضم مقاطعة البندقية سنة 1866م ومدينة روما سنة 1870م. ونتيجة هذا الضم السريع توحدت إيطاليا تحت حكم فيكتور عمانوئيل الثاني، لكنها لم تشمل كل المناطق التي كان سكانها يتكلمون الإيطالية، إذ بقيت مقاطعتا ترانتان Trentin وتريستا Trieste تحت السيادة النمساوية، وفي ذلك الوقت دخلت إيطاليا التحالف الثلاثي سنة 1882 لتحقيق أهدافها الاستعمارية في البحرين المتوسط والأحمر، لكنها سرعان ما غيّرت موقفها بعد قيام الحرب العالمية الأولى.
ـ فيكتور عمانوئيل الثالث: ولد في نابولي سنة 1869 وأصبح ملكاً على إيطاليا سنة 1900 إثر اغتيال والده هومبرت الأول. حظي باحترام شعبه وتقديره في أثناء فترة حكمه الأولى، لكن التقدير والاحترام لم يستمرا بسبب رفضه إعلان الأحكام العرفية لوقف تقدم موسوليني نحو روما سنة 1922.
وكانت إيطاليا قد دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول الوفاق (23 أيار/مايو 1915) مقابل تعهد هذه الدول بموجب معاهدة لندن (نيسان/إبريل 1915) بالسماح لها بضم الأراضي الإيطالية المأهولة جزئياً أو كلياً والتي كانت تحت النفوذ النمساوي، إضافة إلى بعض المناطق على شاطئ دالماسيا Dalmatia. ومع أن إيطاليا خرجت من الحرب منتصرة بعد تكبدها خسائر كبيرة، لكنها لم تحقق مطالبها في مؤتمر الصلح، بسبب تعارض هذه المطالب مع مبادئ الرئيس ويلسون والنزاع مع ألمانيا حول منطقة نهر الأديج Adige ومع الولايات المتحدة حول بعض المناطق المتاخمة للحدود الفرنسية والسويسرية، وهي المناطق التي تمكّن موسوليني لاحقاً من ضمها إلى إيطاليا سنة 1924.
وكان النظام الفاشي في إيطاليا قد توطّد في فترة مابين الحربين العالميتين عندما انتسب بنيتو موسوليني إلى الحزب الاشتراكي، ولقيت دعوته القومية الشوفينية تأييداً في إيطاليا لأسباب سياسية واقتصادية خارجية وداخلية أهمها وجود أحزاب مفككة وحكومة فقدت دورها، وعلى أثر ذلك طالب موسوليني بأن يكون لحزبه خمس حقائب وزارية، ورداً على رفض الحكومة آنذاك هذا الطلب قرر الزحف على روما في تشرين الأول 1922، وعندما قررت الحكومة فرض الأحكام العرفية لمنعه وأعوانه من دخول روما، رفض الملك فيكتور عمانوئيل إصدار الأحكام العرفية، بل وافق على دخول بعض الوزراء الفاشيين إلى الحكومة، وإثر ذلك صعّد موسوليني موقفه وطالب برئاسة الحكومة لنفسه، وانحنى الملك أمام طلبه ومكَّنه من تشكيل حكومة مختلطة، ثم حكومة فاشية بسطت سلطانها كاملاً على إيطاليا في السنتين 1925ـ1926، واعتمدت في سيطرتها هذه على (الميليشيات) الخاصة والصحافة الموجهة والنقابات المسيطر عليها، فأصبحت إدارة الدولة كلها بيد زعيم واحد هو «الدوتشي».
سارت السياسة الخارجية الإيطالية في هذه الفترة وفق ثلاثة محاور أولها: إقناع الدول الكبرى بفكرة إعادة النظر في معاهدات الصلح، وثانيها: التقارب مع فرنسا وإنكلترا، وثالثها: محاولة احتلال الحبشة والاتجاه إلى التعاون مع ألمانيا.
وفي سنة 1934 أصدر الدوتشي أوامره بغزو الحبشة، وتمكّن الإيطاليون من دخول عاصمتها عام 1936، ونودي بالملك فيكتور عمانوئيل امبراطوراً على الحبشة، وبذلك حققت حكومة الدوتشي حلماً استعمارياً ومجالاً حيوياً للإيطاليين وثأرت لمعركة «عدوة» عام 1896، التي هُزم فيها الإيطاليون. وبهذه الإنجازات السياسية والعسكرية مثّلت الحركة الفاشية بمعناها الضيق ردة الفعل الطبيعية لخوف معظم دول أوربا على نفسها من المد الشيوعي، وهو ما ظهر جلياً في إيطاليا سنة 1922، وفي ألمانيا سنة 1932، وفي إسبانيا 1936، كما تأكد هذا في تشكيل محور روما برلين سنة 1936 الذي مهّد لاندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 بين دول المحور ودول الحلفاء، عندما أيدت إيطاليا الدوتشي ألمانيا في اجتياح فرنسا والاستيلاء على عاصمتها باريس عام 1940، وكذلك إعلانها الحرب على إنكلترا وفرنسا حتى لاتفوتها فرصة اقتسام الغنائم في حالة النصر. وشاركت بحد أدنى في معارك الحرب على جبهات مختلفة من دون موافقة الملك الذي تحول إلى أداة في يد الدوتشي. وقد حققت دول المحور انتصاراتها حتى سنة 1941، ثم مالت الحرب إلى التوازن سنة 1942. وفي المرحلة الثالثة تراجعت دول المحور سنة 1943 حين تمكن الحلفاء من غزو صقلية، وهو أمر أدى إلى إصدار المجلس الفاشي قراره بعزل موسوليني واعتقاله وتعيين المارشال بادوليو رئيساً للحكومة وإعادة بعض صلاحيات الملك فيكتور عمانوئيل إليه. لكن عندما تمكّن الألمان من إعادة موسوليني إلى السلطة ثانية، فرَّ فيكتور عمانوئيل ورئيس الحكومة بادوليو إلى مقر الحلفاء في جنوبي إيطاليا، وأسفر العداء بين الزعيم الفاشي وفيكتور عمانوئيل الثالث عن وجهه القبيح؛ فقد عدَّ موسوليني الملك متآمراً عليه وصرّح بأنه قادر على رد المؤامرة إلى الملك وإلى استعادة شعبيته كزعيم، ولكن هذا العداء لم يغير في قدر الحرب، إذ تابع الحلفاء زحفهم من جنوبي إيطاليا وتمكّنوا من دخول روما وبقية مدن إيطاليا، واعتقل الإيطاليون موسوليني وأعدموه في ميلانو (نيسان/إبريل 1945).
وبسبب سلبية الملك فيكتور عمانوئيل في التعامل مع الفاشيين، وتحول إيطاليا إلى دولة فاشية بحجة محاولة إنقاذ النظام الملكي؛ تنحى الملك عقب سقوط موسوليني عن العرش لمصلحة ابنه الأمير هومبرت، لكن الشعب الإيطالي فوّت عليه هذه الفرصة باقتراعه إلى جانب إلغاء النظام الملكي إثر انتخابات جرت في إيطاليا سنة 1946 فأنهت حكم أسرة سافوي في أوربا الغربية.
زهير مارديني
فيكتور عمانوئيل الثاني |
تمكنت هذه الأسرة من توسيع نطاق حكمها حتى شمل إيطاليا كلها،مستفيدة من نتائج عدد من الحروب،واستمرت في حكم إيطاليا حتى سنة 1946م. وأشهر ملوكها:
ـ فيكتور عمانوئيل الأول (1759ـ 1824م): ابن فيكتور أماديوس الثالث Amadeus III ملك سردينيا حكمها سنة 1814 بعد شقيقه شارلز عمانوئيل الثاني الذي نزل عن العرش عام 1802، وقد واجه فيكتور سنة 1821 ثورة عارمة نزل على أثرها عن العرش لأخيه تشارلز فليكس Charles Felix شرط اتباع الدستور وإعلان الحرب على النمسا.
ـ فيكتور عمانوئيل الثاني (1820ـ 1878م): آخر ملوك سردينيا وأول ملوك إيطاليا، ورث والده شارلز ألبرت الذي نزل عن العرش عام 1849 بعد هزيمة عسكرية في مواجهة النمسا. وحكم حتى عام 1861. قاد بعد تسلمه العرش حملة توحيد إيطاليا بدعم كبير من مقاطعة بيدمونت Piedmont وتأييد فرنسي، مكّنه من هزيمة النمساويين والاستيلاء على إقليم لومبارديا Lombardy.
في عهده احتل القائد غاريبالدي مملكة صقلية التي ضُمّت إلى سردينيا سنة 1861 مع بعض المقاطعات وسط إيطاليا، وفي الوقت نفسه نجح الجيش الإيطالي في ضم مقاطعة البندقية سنة 1866م ومدينة روما سنة 1870م. ونتيجة هذا الضم السريع توحدت إيطاليا تحت حكم فيكتور عمانوئيل الثاني، لكنها لم تشمل كل المناطق التي كان سكانها يتكلمون الإيطالية، إذ بقيت مقاطعتا ترانتان Trentin وتريستا Trieste تحت السيادة النمساوية، وفي ذلك الوقت دخلت إيطاليا التحالف الثلاثي سنة 1882 لتحقيق أهدافها الاستعمارية في البحرين المتوسط والأحمر، لكنها سرعان ما غيّرت موقفها بعد قيام الحرب العالمية الأولى.
فيكتور عمانوئيل الثالث |
وكانت إيطاليا قد دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول الوفاق (23 أيار/مايو 1915) مقابل تعهد هذه الدول بموجب معاهدة لندن (نيسان/إبريل 1915) بالسماح لها بضم الأراضي الإيطالية المأهولة جزئياً أو كلياً والتي كانت تحت النفوذ النمساوي، إضافة إلى بعض المناطق على شاطئ دالماسيا Dalmatia. ومع أن إيطاليا خرجت من الحرب منتصرة بعد تكبدها خسائر كبيرة، لكنها لم تحقق مطالبها في مؤتمر الصلح، بسبب تعارض هذه المطالب مع مبادئ الرئيس ويلسون والنزاع مع ألمانيا حول منطقة نهر الأديج Adige ومع الولايات المتحدة حول بعض المناطق المتاخمة للحدود الفرنسية والسويسرية، وهي المناطق التي تمكّن موسوليني لاحقاً من ضمها إلى إيطاليا سنة 1924.
وكان النظام الفاشي في إيطاليا قد توطّد في فترة مابين الحربين العالميتين عندما انتسب بنيتو موسوليني إلى الحزب الاشتراكي، ولقيت دعوته القومية الشوفينية تأييداً في إيطاليا لأسباب سياسية واقتصادية خارجية وداخلية أهمها وجود أحزاب مفككة وحكومة فقدت دورها، وعلى أثر ذلك طالب موسوليني بأن يكون لحزبه خمس حقائب وزارية، ورداً على رفض الحكومة آنذاك هذا الطلب قرر الزحف على روما في تشرين الأول 1922، وعندما قررت الحكومة فرض الأحكام العرفية لمنعه وأعوانه من دخول روما، رفض الملك فيكتور عمانوئيل إصدار الأحكام العرفية، بل وافق على دخول بعض الوزراء الفاشيين إلى الحكومة، وإثر ذلك صعّد موسوليني موقفه وطالب برئاسة الحكومة لنفسه، وانحنى الملك أمام طلبه ومكَّنه من تشكيل حكومة مختلطة، ثم حكومة فاشية بسطت سلطانها كاملاً على إيطاليا في السنتين 1925ـ1926، واعتمدت في سيطرتها هذه على (الميليشيات) الخاصة والصحافة الموجهة والنقابات المسيطر عليها، فأصبحت إدارة الدولة كلها بيد زعيم واحد هو «الدوتشي».
سارت السياسة الخارجية الإيطالية في هذه الفترة وفق ثلاثة محاور أولها: إقناع الدول الكبرى بفكرة إعادة النظر في معاهدات الصلح، وثانيها: التقارب مع فرنسا وإنكلترا، وثالثها: محاولة احتلال الحبشة والاتجاه إلى التعاون مع ألمانيا.
وفي سنة 1934 أصدر الدوتشي أوامره بغزو الحبشة، وتمكّن الإيطاليون من دخول عاصمتها عام 1936، ونودي بالملك فيكتور عمانوئيل امبراطوراً على الحبشة، وبذلك حققت حكومة الدوتشي حلماً استعمارياً ومجالاً حيوياً للإيطاليين وثأرت لمعركة «عدوة» عام 1896، التي هُزم فيها الإيطاليون. وبهذه الإنجازات السياسية والعسكرية مثّلت الحركة الفاشية بمعناها الضيق ردة الفعل الطبيعية لخوف معظم دول أوربا على نفسها من المد الشيوعي، وهو ما ظهر جلياً في إيطاليا سنة 1922، وفي ألمانيا سنة 1932، وفي إسبانيا 1936، كما تأكد هذا في تشكيل محور روما برلين سنة 1936 الذي مهّد لاندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 بين دول المحور ودول الحلفاء، عندما أيدت إيطاليا الدوتشي ألمانيا في اجتياح فرنسا والاستيلاء على عاصمتها باريس عام 1940، وكذلك إعلانها الحرب على إنكلترا وفرنسا حتى لاتفوتها فرصة اقتسام الغنائم في حالة النصر. وشاركت بحد أدنى في معارك الحرب على جبهات مختلفة من دون موافقة الملك الذي تحول إلى أداة في يد الدوتشي. وقد حققت دول المحور انتصاراتها حتى سنة 1941، ثم مالت الحرب إلى التوازن سنة 1942. وفي المرحلة الثالثة تراجعت دول المحور سنة 1943 حين تمكن الحلفاء من غزو صقلية، وهو أمر أدى إلى إصدار المجلس الفاشي قراره بعزل موسوليني واعتقاله وتعيين المارشال بادوليو رئيساً للحكومة وإعادة بعض صلاحيات الملك فيكتور عمانوئيل إليه. لكن عندما تمكّن الألمان من إعادة موسوليني إلى السلطة ثانية، فرَّ فيكتور عمانوئيل ورئيس الحكومة بادوليو إلى مقر الحلفاء في جنوبي إيطاليا، وأسفر العداء بين الزعيم الفاشي وفيكتور عمانوئيل الثالث عن وجهه القبيح؛ فقد عدَّ موسوليني الملك متآمراً عليه وصرّح بأنه قادر على رد المؤامرة إلى الملك وإلى استعادة شعبيته كزعيم، ولكن هذا العداء لم يغير في قدر الحرب، إذ تابع الحلفاء زحفهم من جنوبي إيطاليا وتمكّنوا من دخول روما وبقية مدن إيطاليا، واعتقل الإيطاليون موسوليني وأعدموه في ميلانو (نيسان/إبريل 1945).
وبسبب سلبية الملك فيكتور عمانوئيل في التعامل مع الفاشيين، وتحول إيطاليا إلى دولة فاشية بحجة محاولة إنقاذ النظام الملكي؛ تنحى الملك عقب سقوط موسوليني عن العرش لمصلحة ابنه الأمير هومبرت، لكن الشعب الإيطالي فوّت عليه هذه الفرصة باقتراعه إلى جانب إلغاء النظام الملكي إثر انتخابات جرت في إيطاليا سنة 1946 فأنهت حكم أسرة سافوي في أوربا الغربية.
زهير مارديني