فونتانِه (تيودور -)
(1819-1898)
تيودور فونتانِه Theodor Fontane روائي وشاعر وناقد مسرحي ألماني، يعدّ رائد الواقعية الانتقادية critical realism في الأدب الألماني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وذلك لتعمده إظهار مواقفه الناقدة صراحة تجاه الأرستقراطية. ولد في بلدة نويروبين Neuruppin شمال غربي برلين، وتُوفِّي في برلين. وهو سليل أسرة عريقة من الهوغِنوت Hugenotten Huguenots الذين هاجروا في مطلع القرن الثامن عشر من فرنسا إلى ألمانيا بسبب اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية للبروتستنت، وقاموا بدور فعال في نمو برلين اقتصادياً. كان والده صيدلانياً ناجحاً، وتبع الابن خطا أبيه، فبعد سنوات طفولة سعيدة التحق فونتانِه بمدرسة نويروبين حتى عام 1833 حين انتقل إلى المدرسة المهنية في برلين ليتابع طريقه صيدلانياً في برلين ولايبزيغ ودرسدن حتى عام 1849 حين قرر التخلي عن هذه المهنة والتفرغ للأدب الذي تجلى انشغاله به منذ عام 1839 عندما نشر قصة «حب الإخوة» Geschwisterliebe. وكان في عام 1844 قد تطوع لمدة سنة في «كتيبة حراسة» القيصر فرانتس Kaiser Franz في برلين، وسافر لفترة قصيرة إلى لندن، ثم انتسب إلى اتحاد الأدب البروسي المحافظ ذي الاسم الغريب «نفق فوق نهر شبريه» Tunnel über der Spree حيث تعرف بعض كبار أدباء المرحلة مثل هايزِه Heyse وغايِبل Geibel وشتورم Storm. وفي عام 1848 كان فونتانِه شاهد عيان على أحداث الثورة البرجوازية ومشاركاً إيجابياً فيها. صار مراسل «صحيفة درسدن» Dresdner Zeitung، ونشر في عام 1850 ديوانين شعريين، أولهما مجموعة بالادات Ballade بعنوان «رجال وأبطال» Männer und Helden، وثانيهما مجموعة رومَنْسات Romanze بعنوان «عن روزاموندِه الجميلة» Von der schönen Rosamunde، وعقد قرانه في العام نفسه على إمِلي رونيه - كومَّر Emilie Rouanet-Kummer. إلا أن هذه السنوات المتخمة بالأحداث المختلفة كانت بالنسبة لفونتانِه مرحلة أزمة مالية وفنية - سياسية في الوقت نفسه، فعندما سُدَّت جميع الطرق في وجهه، رهن قلمه لمصلحة «الدائرة الأدبية» ثم لمصلحة «الدائرة المركزية للشؤون الصحفية» لدى الحكومة البروسية preussische المحافظة، فكتب كثيراً من التحقيقات والزوايا الناقدة والمقالات النقدية للعروض المسرحية، كما زار إنكلترا واسكوتلندا مرات عدة بمهمات رسـمية، ونشـر كتباً حول هذه الرحلات، مثل «صيف في لندن» Ein Sommer in London عـام (1854)، و«من إنكلترا؛ بحوث ورسائل حول المسرح الإنكليزي وحول الفن والصحافة»Aus England. Studien und Briefe über Londoner Theater, Kunst und Presse عـام (1860)، و«ما وراء تويد» Jenseits des Tweed عـام (1860). ثم صار مراسلاً حربياً بين 1864-1866، وبين 1870-1871 حين وقع في أسر القوات الفرنسية التي سجنته في معتقل بيزانسون Besançon ثم في جـزيرة أولِرون Oléron، ونشر على أثـرها كتاب «أسير حـرب» Kriegsgefangen عـام (1871).
يكمن إبداع فونتانِه الأبرز في عصره في رواياته وقصصه الطويلة التي تقارب العشرين، كتبها ونشرها بالتحديد في أثناء العقدين الأخيرين من حياته. وموضوعات هذه الأعمال تتركز في إطار حياة المدينة الكبرى برلين وفي أوساط الأرستقراطية البروسية المعاصرة، وهي تتسم بطابع تحليلي جلي يكسر الأوهام والأحكام المسبقة حول أسلوب حياة هذه الطبقة المترفة ودورها الاجتماعي الاقتصادي. يلجأ الكاتب في رواياته وقصصه إلى أسلوب السرد المرسَل، وإلى التشخيص والتوصيف غير المباشر في حوارات ثنائية مطولة وفي أحاديث جماعية مسهبة. ففي أولى رواياته «قبل العاصفة» Vor dem Sturm عام (1878) يقدم الكاتب لوحة اجتماعية تفصيلية لبروسيا في مرحلة ما قبل حروب التحرير، وأسلوبها يدين كثيراً لوولتر سكوت W.Scott وكذلك لڤيليبالد ألكسيس Wilibald Alexis مؤسس الرواية التاريخية في ألمانيا. وفي قصته الطويلة المتميزة «شطرنج ڤوتينو» Schach von Wuthenow عام (1883) ينهار البطل في مواجهة أعراف الطبقة الإقطاعية وتقاليدها التي عفا عليها الزمن وتجاوزتها حقائق العصر، فيقدم الكاتب بذلك وجهة نظر تحليلية لأسباب هزيمة ألمانيا في حرب عام 1808.
إن تعاطف فونتانِه مع تقاليد حياة الأرستقراطية البروسية ونمطها ينبع من وعيه أنها قد فقدت دورها في صنع التاريخ، وأن زوالها حتمي؛ وهذا هو ما عالجه مثلاً في آخر رواياته «السيد شْتِكلين» Der Stechlin عام (1898) الممتلئة بالتأملات حول الصراع ما بين القديم والجديد. أما رواية «السيدة جيني ترايبل» Frau Jenny Treibel عام (1892) فهي العمل الساخر الوحيد بين روايات فونتانِه، والتي لم يخفِ فيها موقفه المعترض على أساليب البرجوازية الصاعدة وانتهازيتها.
يرى نقاد الأدب أن ذروة إبداع فونتانِه قد تجلت في روايتين ضخمتين، أولاهما بعنوان «أخطاء واضطرابات» Irrungen Wirriungen عام (1888) وهي قصة حب خارج الأطر الاجتماعية السائدة. تنتمي بطلتها إلى البرجوازية الصغيرة، وتمتلك وعياً ناضجاً ورؤية واضحة، فتخترق التقاليد الأخلاقية المهيمنة، على علمها بحتمية سقوطها. والرواية الثانية هي «إفي بريست» Effi Briest عام (1895) التي تعد، إلى جانب «مدام بوڤاري» لفلوبير Flaubert و«آنّا كارنينا» لتولستوي L.Tolstoi، أبرع تصوير للخيانة الزوجية وعواقبها المأساوية في مجتمع ذي بنية أخلاقية مهترئة وآيلة إلى الزوال. وقد اقتبست هذه الرواية وكثير غيرها إلى السينما والتلفزيون داخل ألمانيا وخارجها.
نبيل الحفار
(1819-1898)
يكمن إبداع فونتانِه الأبرز في عصره في رواياته وقصصه الطويلة التي تقارب العشرين، كتبها ونشرها بالتحديد في أثناء العقدين الأخيرين من حياته. وموضوعات هذه الأعمال تتركز في إطار حياة المدينة الكبرى برلين وفي أوساط الأرستقراطية البروسية المعاصرة، وهي تتسم بطابع تحليلي جلي يكسر الأوهام والأحكام المسبقة حول أسلوب حياة هذه الطبقة المترفة ودورها الاجتماعي الاقتصادي. يلجأ الكاتب في رواياته وقصصه إلى أسلوب السرد المرسَل، وإلى التشخيص والتوصيف غير المباشر في حوارات ثنائية مطولة وفي أحاديث جماعية مسهبة. ففي أولى رواياته «قبل العاصفة» Vor dem Sturm عام (1878) يقدم الكاتب لوحة اجتماعية تفصيلية لبروسيا في مرحلة ما قبل حروب التحرير، وأسلوبها يدين كثيراً لوولتر سكوت W.Scott وكذلك لڤيليبالد ألكسيس Wilibald Alexis مؤسس الرواية التاريخية في ألمانيا. وفي قصته الطويلة المتميزة «شطرنج ڤوتينو» Schach von Wuthenow عام (1883) ينهار البطل في مواجهة أعراف الطبقة الإقطاعية وتقاليدها التي عفا عليها الزمن وتجاوزتها حقائق العصر، فيقدم الكاتب بذلك وجهة نظر تحليلية لأسباب هزيمة ألمانيا في حرب عام 1808.
إن تعاطف فونتانِه مع تقاليد حياة الأرستقراطية البروسية ونمطها ينبع من وعيه أنها قد فقدت دورها في صنع التاريخ، وأن زوالها حتمي؛ وهذا هو ما عالجه مثلاً في آخر رواياته «السيد شْتِكلين» Der Stechlin عام (1898) الممتلئة بالتأملات حول الصراع ما بين القديم والجديد. أما رواية «السيدة جيني ترايبل» Frau Jenny Treibel عام (1892) فهي العمل الساخر الوحيد بين روايات فونتانِه، والتي لم يخفِ فيها موقفه المعترض على أساليب البرجوازية الصاعدة وانتهازيتها.
يرى نقاد الأدب أن ذروة إبداع فونتانِه قد تجلت في روايتين ضخمتين، أولاهما بعنوان «أخطاء واضطرابات» Irrungen Wirriungen عام (1888) وهي قصة حب خارج الأطر الاجتماعية السائدة. تنتمي بطلتها إلى البرجوازية الصغيرة، وتمتلك وعياً ناضجاً ورؤية واضحة، فتخترق التقاليد الأخلاقية المهيمنة، على علمها بحتمية سقوطها. والرواية الثانية هي «إفي بريست» Effi Briest عام (1895) التي تعد، إلى جانب «مدام بوڤاري» لفلوبير Flaubert و«آنّا كارنينا» لتولستوي L.Tolstoi، أبرع تصوير للخيانة الزوجية وعواقبها المأساوية في مجتمع ذي بنية أخلاقية مهترئة وآيلة إلى الزوال. وقد اقتبست هذه الرواية وكثير غيرها إلى السينما والتلفزيون داخل ألمانيا وخارجها.
نبيل الحفار