فريش (ماكس -)
(1911-1991)
يعد ماكس فريش Max Frisch إلى جانب فريدريش دورنمات Friedrich Dürrenmatt أهم أديب سويسري في القرن العشرين، وقد عرضت مسرحياته في كثير من مسارح العالم، كما ترجمت رواياته إلى لغات عديدة. حصل على كثير من الجوائز المحلية والدولية منها: جائزة كونراد فرديناند ماير C.F.Meyer لمدينة زوريخZürich عام (1939)، وجائزة روكفلر للدراما Rockefeller عام (1951)، وجائزة ڤيلهلم رابِهW.Raabe عام (1955)، وجـائـزة غيورغ بوشنَر G.Büchner عـام (1958)، والجائزة الكبرى لمؤسسة فريدريش شيلر F.Schiller عام (1974)، وجائزة السلام لسوق الكتاب الألماني (1976)، وجائزة الكومنوِلثCommonwealth Award عام (1985)، وجائزة نويشتات Neustadt الأدبية الأمريكية (1986)، إلى جانب عدد من دكتوراه الشرف، ووسام «فارس» من «جمعية الفنون والآداب»Ordre des Arts et des Lettres الفرنسية.
ولد ماكس فريش في زوريخ وتوفي فيها. كان والده مهندساً معمارياً متوسط الحال، لم يستطع تمويل دراسة ابنه في كلية الآداب، مما اضطر الابن إلى ترك الجامعة والعمل صحفياً ليقوم بأودِه ويحقق طموحاته، وقد وفرت له الصحافة فرصة السفر، فقام برحلات طويلة إلى بلدان شرقي أوربا وجنوبيها وتركيا والاتحاد السوڤييتي. ثم درس هندسة العمارة بين 1936-1940 في زوريخ. وفي مسابقة شارك فيها 82 مهندساً معمارياً فاز فريش بتكليفه تصميم مسبح في الهواء الطلق لصالح مدينة زوريخ، فافتتح على إثرها مكتبه الخاص بين 1944-1955 ليمارس مهنته ويكون مصدر رزق.
بدأ فريش يكتب النصوص المسرحية منذ أن كان في المدرسة الثانوية، وبعد روايته الأولى «يورغ راينهارت»Jürg Reinhart عام (1934) قرر الإقلاع عن الكتابة الأدبية. غير أنه عندما سُحب إلى الخدمة الإلزامية مع بداية الحرب العالمية الثانية، أخذ بتدوين مشاهداته حول ما يجري في وطنه وأوربا، وكذلك بعرض أفكاره وخواطره حول الماضي والحاضر وما يجب أن يكون عليه المستقبل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقد كان هذا كله الأساس لـ «اليوميات، صفحات من كيس الخبز» Tagebuch, Blätter aus dem Brotsack عام (1940) التي تضمنت بصورة شبه وثائقية ومن وجهة نظر موضوعية خطاطات معظم أعماله اللاحقة، وتأملاته في حال المسرح ومستقبله، وقد خصص حيزاً كبيراً نسبياً للقائه بالكاتب المسرحي والشاعر الألماني برتولت بريشت[ر] B.Brecht. وفي عام 1943 ظهرت روايته الثانية بعنوان «العسيرون» Die Schwierigen التي تستعرض سيرة تطور فنان تشكيلي. وبعد القصة الطويلة «أكونُ، أو الرحلة إلى بكين» Bin oder Die Reise nach Peking عام (1945) حقق فريش نجاحه العالمي الأول برواية «شتيللر» Stiller عام (1954)، وهي سيرة حياة نحاتٍ هرب من ضيق أفق وجوده البرجوازي ومن إخفاقه فناناً، وبعد سنوات عدة يمر بوطنه باسم آخر، فيُعتقل على الحدود ويُقنَع في أثناء جلسات التحقيق بالعودة إلى وجوده السابق وهويته الأصلية. وعلى الرغم من معارضته الحازمة يرضخ شيئاً فشيئاً، ليعود طائعاً إلى سجن وجوده السابق. أما عمل فريش اللاحق الذي لفت إليه الأنظار مجدداً، فهو الرواية التقريرية «الإنسان فابر»Homo Faber عام (1957) التي يجوز عدّها جزءاً ثانياً لرواية «شتيللر» من حيث المسألة الفكرية المعالجة فيها. ثم جاءت «يوميات 1946-1949» (Tagebuch 1946-1949) عام (1950) التي وجد فيها النقد وثيقة حياتية غنية عن الأوضاع الثقافية - الاجتماعية الأوربية في مرحلة ما بعد الحرب. وفي عام 1964، صدرت روايته اللافتة بعنوان «ليكن اسمي غانْتِنباين» Mein Name sei Gantenbein، لتكوّن الجزء الأخير من الثلاثية الروائية التي عالج فيها فريش مسألة الهوية الفردية في أزمة المجتمع البرجوازي الأوربي في النصف الأول من القرن العشرين المتخم بالفظائع اللاإنسانية.
إن موضوعـة الإنسان المنفصم والهارب بحثاً عن ذاتـه، والذي يخفق في نهاية المطاف، تحتل حيزاً كبيراً في إبداع فريش المسرحي اللاإيهامي antiillusionistisch، حيث يتجلى تأثير بريشت ووايلدر[ر] Wilder، وحيث تكون الشخصيات واقعية من دون أن تستلهم نماذج من الواقع المعيش مباشرة، بل هي شخصيات افتراضية، قد تكون أحياناً حاملاً لأفكار المؤلف نفسه، لكنها تخلق لنفسها واقعاً يوازي الواقع العياني ولا يعكسه. ففي أولى مسرحياته المنشورة «سانتا كروز» Santa Cruz عام (1947)، يطّلع المشاهد على جو حميمي يكاد أن يكون مأساة خاصة حول زواج يُبقي حنين الطرفين إلى السفر والمسافات الشاسعة والإشباع يقظاً، لكنه لا يلبيه أبداً، ويتوقف قوام هذا الزواج على تخلي الطرفين إرادياً عن تحقيق الأحلام. وفي مسرحية «إنهم يغنون ثانية» Nun singen sie wieder عام (1946) يطرح فريش تساؤلاً سياسياً: كيف يمكن للشعب الألماني ذي التقاليد الإنسانية العريقة أن يغرق هكذا في أحضان البربرية النازية؟ فتكشف المسرحية عن الإخفاق الأخلاقي للأفراد في مواجهة النازية العاتية، وهي في الوقت نفسه تحذير من استمرار هذا الإخفاق تجاه الخطر المحتمل في المستقبل. وبعد جولة عبر ألمانيا كتب فريش المسرحية الهزلية «الجدار الصيني»Die Chinesische Mauer عام (1946) التي أعاد صياغتها لاحقاً عام 1955، ثم عام 1972، وهي نوع من الاستعراض البالغ السخرية لأمكنة وشخصيات، منها نابليون وكولومبوس وبونتيوس بيلاطُس وكليوباترا ودون خوان، فصارت المسرحية صرخة تحذير ضد أي شكل من أشكال العنف، ولاسيما منه الذري. ولن يتحقق هذا في رأيه إلا عندما يمتنع البشر عن الخنوع للمتسلطين وموالاتهم كالمنوَّمين. وفي مسرحية «عندما انتهت الحرب» Als der Krieg zu Ende war ما بين (1948-1962)، يهاجم الكاتب الأحكام المسبقة ويطالب بالتمييز بين الإنسان والوحش. وفي مسرحية «أمير الأراضي البور»Graf Oederland ما بين (1951-1956-1961)، يرى الكاتب أن الفرد أيضاً عرضة لحالات انفجار تنفيسية عشوائية، وليس الجموع فحسب، فبطله القاضي الرزين يتحول فجأة إلى قاتل بالفأس، ومن دون مبررات على ما يبدو، ليجد نفسه في نهاية المطاف على رأس حركة انقلابية حاشدة. أما في ملهاة «دون خوان أو عشق الهندسة»Don Juan oder die Liebe zur Geometrie ما بين (1953-1961)، يظهر بطل الغواية الكلاسيكي عاشقاً للعلوم، وفيها سيفرِّغ شحنات شبقه غير المرتوي.
إن أكثر مسرحيات فريش شهرة وخطورة هي «بيدرمَن ومشعلو الحرائق» Biedermann und die Brandstifter عام (1955) التي أطلق عليها تسمية «مسرحية تعليمية من دون عبرة»، إذ يرى فيها فريش أن أولئك الخانعين الذين رفضوا تحمل المسؤولية في أثناء الحكم النازي، لم يتعلموا شيئاً من الكارثة التي أسهموا في وقوعها، بل إنهم يطالبون بالتعويض بوصفهم ضحايا، ولهذا فإن خطر الحرب مازال قائماً. وفي مسرحيته الشهيرة الثانية التي أثارت ضجة في أوربا «أندورا» Andorra عام (1961) يقول الكاتب إن الحكم النازي قد استغل اللاسامية سياسياً كي يؤسس لصعوده إلى سدة السلطة، وليس انطلاقاً من موقف إيديولوجي، وهذا الموقف العنصري سياسياً قد يبرز في أي مكان آخر من العالم تجاه أي مجموعة بشرية أخرى إن احتاجت السلطة إلى حجة ما لتبرير أفعالها اللاإنسانية، كما يتصرف الغرب حيال المسلمين اليوم.
مع مسرحية «سيرة حياة. لعبة» Biographie. Ein Spiel عام (1968)، يتحول فريش نحو قضية نفسية فردية، فيمنح بطله فرصة إعادة صياغة أهم المواقف في حياته، لكن البطل يخفق لأن الظروف الاجتماعية السياسية المرافقة لم تتغير. وفي «اللوحة الثلاثية»Triptychon عام (1979)، يعود الكاتب إلى مسألة الهوية الفردية ليقول إن ما له من قيمة في الحياة وما يتبقى من الإنسان هي القرارات الصحيحة التي تؤدي إلى أفعال مؤثرة.
عاش فريش بين 1961-1965 في روما، انتقل على إثرها إلى منطقة تِسّين Tessin في الجنوب الإيطالي من سويسرا، ثم انتقل عام 1981 إلى نيويورك، وعاد إلى زوريخ قبل وفاته بشهور قليلة. وكان يرى أن الأدب غير قادر على التأثير في سيرورة التاريخ مباشرة، لكنه قادر على تفتيت الإيديولوجيات. ترجمت غالبية أعمال فريش المسرحية إلى العربية، كما عُرض بعضها في مسارح عربية عدة.
نبيل الحفار
(1911-1991)
يعد ماكس فريش Max Frisch إلى جانب فريدريش دورنمات Friedrich Dürrenmatt أهم أديب سويسري في القرن العشرين، وقد عرضت مسرحياته في كثير من مسارح العالم، كما ترجمت رواياته إلى لغات عديدة. حصل على كثير من الجوائز المحلية والدولية منها: جائزة كونراد فرديناند ماير C.F.Meyer لمدينة زوريخZürich عام (1939)، وجائزة روكفلر للدراما Rockefeller عام (1951)، وجائزة ڤيلهلم رابِهW.Raabe عام (1955)، وجـائـزة غيورغ بوشنَر G.Büchner عـام (1958)، والجائزة الكبرى لمؤسسة فريدريش شيلر F.Schiller عام (1974)، وجائزة السلام لسوق الكتاب الألماني (1976)، وجائزة الكومنوِلثCommonwealth Award عام (1985)، وجائزة نويشتات Neustadt الأدبية الأمريكية (1986)، إلى جانب عدد من دكتوراه الشرف، ووسام «فارس» من «جمعية الفنون والآداب»Ordre des Arts et des Lettres الفرنسية.
ولد ماكس فريش في زوريخ وتوفي فيها. كان والده مهندساً معمارياً متوسط الحال، لم يستطع تمويل دراسة ابنه في كلية الآداب، مما اضطر الابن إلى ترك الجامعة والعمل صحفياً ليقوم بأودِه ويحقق طموحاته، وقد وفرت له الصحافة فرصة السفر، فقام برحلات طويلة إلى بلدان شرقي أوربا وجنوبيها وتركيا والاتحاد السوڤييتي. ثم درس هندسة العمارة بين 1936-1940 في زوريخ. وفي مسابقة شارك فيها 82 مهندساً معمارياً فاز فريش بتكليفه تصميم مسبح في الهواء الطلق لصالح مدينة زوريخ، فافتتح على إثرها مكتبه الخاص بين 1944-1955 ليمارس مهنته ويكون مصدر رزق.
بدأ فريش يكتب النصوص المسرحية منذ أن كان في المدرسة الثانوية، وبعد روايته الأولى «يورغ راينهارت»Jürg Reinhart عام (1934) قرر الإقلاع عن الكتابة الأدبية. غير أنه عندما سُحب إلى الخدمة الإلزامية مع بداية الحرب العالمية الثانية، أخذ بتدوين مشاهداته حول ما يجري في وطنه وأوربا، وكذلك بعرض أفكاره وخواطره حول الماضي والحاضر وما يجب أن يكون عليه المستقبل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقد كان هذا كله الأساس لـ «اليوميات، صفحات من كيس الخبز» Tagebuch, Blätter aus dem Brotsack عام (1940) التي تضمنت بصورة شبه وثائقية ومن وجهة نظر موضوعية خطاطات معظم أعماله اللاحقة، وتأملاته في حال المسرح ومستقبله، وقد خصص حيزاً كبيراً نسبياً للقائه بالكاتب المسرحي والشاعر الألماني برتولت بريشت[ر] B.Brecht. وفي عام 1943 ظهرت روايته الثانية بعنوان «العسيرون» Die Schwierigen التي تستعرض سيرة تطور فنان تشكيلي. وبعد القصة الطويلة «أكونُ، أو الرحلة إلى بكين» Bin oder Die Reise nach Peking عام (1945) حقق فريش نجاحه العالمي الأول برواية «شتيللر» Stiller عام (1954)، وهي سيرة حياة نحاتٍ هرب من ضيق أفق وجوده البرجوازي ومن إخفاقه فناناً، وبعد سنوات عدة يمر بوطنه باسم آخر، فيُعتقل على الحدود ويُقنَع في أثناء جلسات التحقيق بالعودة إلى وجوده السابق وهويته الأصلية. وعلى الرغم من معارضته الحازمة يرضخ شيئاً فشيئاً، ليعود طائعاً إلى سجن وجوده السابق. أما عمل فريش اللاحق الذي لفت إليه الأنظار مجدداً، فهو الرواية التقريرية «الإنسان فابر»Homo Faber عام (1957) التي يجوز عدّها جزءاً ثانياً لرواية «شتيللر» من حيث المسألة الفكرية المعالجة فيها. ثم جاءت «يوميات 1946-1949» (Tagebuch 1946-1949) عام (1950) التي وجد فيها النقد وثيقة حياتية غنية عن الأوضاع الثقافية - الاجتماعية الأوربية في مرحلة ما بعد الحرب. وفي عام 1964، صدرت روايته اللافتة بعنوان «ليكن اسمي غانْتِنباين» Mein Name sei Gantenbein، لتكوّن الجزء الأخير من الثلاثية الروائية التي عالج فيها فريش مسألة الهوية الفردية في أزمة المجتمع البرجوازي الأوربي في النصف الأول من القرن العشرين المتخم بالفظائع اللاإنسانية.
إن موضوعـة الإنسان المنفصم والهارب بحثاً عن ذاتـه، والذي يخفق في نهاية المطاف، تحتل حيزاً كبيراً في إبداع فريش المسرحي اللاإيهامي antiillusionistisch، حيث يتجلى تأثير بريشت ووايلدر[ر] Wilder، وحيث تكون الشخصيات واقعية من دون أن تستلهم نماذج من الواقع المعيش مباشرة، بل هي شخصيات افتراضية، قد تكون أحياناً حاملاً لأفكار المؤلف نفسه، لكنها تخلق لنفسها واقعاً يوازي الواقع العياني ولا يعكسه. ففي أولى مسرحياته المنشورة «سانتا كروز» Santa Cruz عام (1947)، يطّلع المشاهد على جو حميمي يكاد أن يكون مأساة خاصة حول زواج يُبقي حنين الطرفين إلى السفر والمسافات الشاسعة والإشباع يقظاً، لكنه لا يلبيه أبداً، ويتوقف قوام هذا الزواج على تخلي الطرفين إرادياً عن تحقيق الأحلام. وفي مسرحية «إنهم يغنون ثانية» Nun singen sie wieder عام (1946) يطرح فريش تساؤلاً سياسياً: كيف يمكن للشعب الألماني ذي التقاليد الإنسانية العريقة أن يغرق هكذا في أحضان البربرية النازية؟ فتكشف المسرحية عن الإخفاق الأخلاقي للأفراد في مواجهة النازية العاتية، وهي في الوقت نفسه تحذير من استمرار هذا الإخفاق تجاه الخطر المحتمل في المستقبل. وبعد جولة عبر ألمانيا كتب فريش المسرحية الهزلية «الجدار الصيني»Die Chinesische Mauer عام (1946) التي أعاد صياغتها لاحقاً عام 1955، ثم عام 1972، وهي نوع من الاستعراض البالغ السخرية لأمكنة وشخصيات، منها نابليون وكولومبوس وبونتيوس بيلاطُس وكليوباترا ودون خوان، فصارت المسرحية صرخة تحذير ضد أي شكل من أشكال العنف، ولاسيما منه الذري. ولن يتحقق هذا في رأيه إلا عندما يمتنع البشر عن الخنوع للمتسلطين وموالاتهم كالمنوَّمين. وفي مسرحية «عندما انتهت الحرب» Als der Krieg zu Ende war ما بين (1948-1962)، يهاجم الكاتب الأحكام المسبقة ويطالب بالتمييز بين الإنسان والوحش. وفي مسرحية «أمير الأراضي البور»Graf Oederland ما بين (1951-1956-1961)، يرى الكاتب أن الفرد أيضاً عرضة لحالات انفجار تنفيسية عشوائية، وليس الجموع فحسب، فبطله القاضي الرزين يتحول فجأة إلى قاتل بالفأس، ومن دون مبررات على ما يبدو، ليجد نفسه في نهاية المطاف على رأس حركة انقلابية حاشدة. أما في ملهاة «دون خوان أو عشق الهندسة»Don Juan oder die Liebe zur Geometrie ما بين (1953-1961)، يظهر بطل الغواية الكلاسيكي عاشقاً للعلوم، وفيها سيفرِّغ شحنات شبقه غير المرتوي.
إن أكثر مسرحيات فريش شهرة وخطورة هي «بيدرمَن ومشعلو الحرائق» Biedermann und die Brandstifter عام (1955) التي أطلق عليها تسمية «مسرحية تعليمية من دون عبرة»، إذ يرى فيها فريش أن أولئك الخانعين الذين رفضوا تحمل المسؤولية في أثناء الحكم النازي، لم يتعلموا شيئاً من الكارثة التي أسهموا في وقوعها، بل إنهم يطالبون بالتعويض بوصفهم ضحايا، ولهذا فإن خطر الحرب مازال قائماً. وفي مسرحيته الشهيرة الثانية التي أثارت ضجة في أوربا «أندورا» Andorra عام (1961) يقول الكاتب إن الحكم النازي قد استغل اللاسامية سياسياً كي يؤسس لصعوده إلى سدة السلطة، وليس انطلاقاً من موقف إيديولوجي، وهذا الموقف العنصري سياسياً قد يبرز في أي مكان آخر من العالم تجاه أي مجموعة بشرية أخرى إن احتاجت السلطة إلى حجة ما لتبرير أفعالها اللاإنسانية، كما يتصرف الغرب حيال المسلمين اليوم.
مع مسرحية «سيرة حياة. لعبة» Biographie. Ein Spiel عام (1968)، يتحول فريش نحو قضية نفسية فردية، فيمنح بطله فرصة إعادة صياغة أهم المواقف في حياته، لكن البطل يخفق لأن الظروف الاجتماعية السياسية المرافقة لم تتغير. وفي «اللوحة الثلاثية»Triptychon عام (1979)، يعود الكاتب إلى مسألة الهوية الفردية ليقول إن ما له من قيمة في الحياة وما يتبقى من الإنسان هي القرارات الصحيحة التي تؤدي إلى أفعال مؤثرة.
عاش فريش بين 1961-1965 في روما، انتقل على إثرها إلى منطقة تِسّين Tessin في الجنوب الإيطالي من سويسرا، ثم انتقل عام 1981 إلى نيويورك، وعاد إلى زوريخ قبل وفاته بشهور قليلة. وكان يرى أن الأدب غير قادر على التأثير في سيرورة التاريخ مباشرة، لكنه قادر على تفتيت الإيديولوجيات. ترجمت غالبية أعمال فريش المسرحية إلى العربية، كما عُرض بعضها في مسارح عربية عدة.
نبيل الحفار