الكترونيات
Electronics - Electroniques
الإلكترونيات
كانت الإلكترونيات electronics تُعنى أصلاً بوصف سلوك الإلكترونات الحرة في الأوعية المفرغة من الهواء، ثم استعمل هذا المصطلح فيما بعد ليشمل سلوك هذه الإلكترونات في الغازات والسوائل والمواد الصلبة. وغدا في النهاية، فرعاً خاصاً من الهندسة الكهربائية. ويمكن القول إن الهندسة الكهربائية التي تهتم بدراسة حركة الإلكترونات في النواقل، هي فرع من الإلكترونيات التي تعنى بدراسة حركة الإلكترونات أينما ظهرت. والحقيقة في كل هذا أن مفهوم الإلكترون[ر] عام جداً وأساسي جداً حتى ليستحيل معها ظاهرياً الحد من مجال هذا الموضوع أو تطبيقاته الصناعية.
تبحث الإلكترونيات في سلوك العناصر التي تطلق سيلاً من الإلكترونات في فراغ أو في غاز أو في أنبوب أو صمام أو تستعمل جريان إلكترونات في نصف ناقل semiconductor كما تبحث في تطبيقاتها. وتقوم الأجهزة الإلكترونية بعملها من دون الحاجة إلى حركة ميكانيكية، وهي تنجز بذلك مهام كثيرة بسرعة واقتصاد أكبر مما في الأجهزة الميكانيكية.
وقد نما مجال الإلكترونيات واتسع اتساعاً كبيراً، فلم تعد التعريفات القديمة كافية على الإطلاق، وما هو اليوم جديد يصبح في الغد في عداد القديم بسبب التطور المتسارع في هذا الميدان الذي غزا مجالات الحياة كافة، وغدت الأجهزة الإلكترونية البحتة كالتلفاز والراديو والهاتف، وكذلك الأجهزة التي تتحكم في عمل مكنات أخرى كأجهزة تصنيع الآلات الميكانيكية والمحركات الكهربائية والطائرات والمركبات الفضائية والأسلحة، عصب الحياة في العالم المعاصر.
تشمل الإلكترونيات مجالات واسعة كاللاسلكي والرادار والتلفزة، والأجهزة الملاحية، وأنظمة التحكم الصناعي والحواسيب والاتصالات وأجهزة التسجيل والاستعادة وأجهزة القياس والاختبار والأجهزة الطبية والأجهزة الأخرى التي تستعمل الأنابيب أو الصمامات الإلكترونية والعناصر نصف الناقلة. وبالمقابل يشمل مجال الكهرباء توليد الطاقة ونقلها والإضاءة والتجهيزات الأخرى التي ينحصر سريان الإلكترونات فيها في النواقل المعدنية. ولكن الأجهزة الكهربائية والإلكترونية غالباً ما يؤثر بعضها في بعض، ويرتبط بعضها ببعض، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون للمحرك تحكم إلكتروني في سرعة دورانه وأن تُشَغَّل «حاكمة» relay ما بوساطة خلية كهرضوئية، وأن يُشَغَّل جرس كهربائي بحساس sensor للموجات فوق الصوتية.
لمحة تاريخية
تمتد جذور الإلكترونيات إلى الكشوف الكهربائية التي تحققت في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر. ومن الرجال الذين كان لهم السبق في هذه الكشوف ويليم جلبرت William Gilbert ونيوتن Newton في القرن السادس عشر، وكولومب Coulomb وغلفاني Galvani في القرن الثامن عشر، وأمبير Ampere وفارادي Faraday وأوم Ohm ومورس Morse وأديسون Adison وماركوني Marconi في القرن التاسع عشر، وغيرهم كثيرون.
أما أصل كلمة إلكترون[ر] فموغل في القدم، وقد اشتقت من التسمية اليونانية للكهرمان الذي لاحظ الإغريق أنه يجذب الأجسام الخفيفة عندما يدلك. وقد لاحظ أديسون في السنوات الأولى من القرن العشرين ظهور ألق أزرق اللون في المصباح الكهربائي تحت شروط معينة من الفراغ والجهد، وفسر ذلك بسريان الإلكترونات السالبة من الطرف السالب (المهبط) إلى الطرف الموجب (المصعد) لفتيل المصباح، وسمى أحد طلاب أديسون هذه الظاهرة بالإصدار الحراري thermionic emission. وتوصل الباحث البريطاني فليمنغ إلى فكرة استخدام أثر أديسون هذا في استقبال الموجات الراديوية. فجهز صماماً مفرغاً بلوحين معدنيين، وسخن القطب السالب منه إلى درجة التوهج بوساطة بطارية فانبعثت الإلكترونات متجهة إلى القطب الموجب (المصعد). وعندما وضع الصمّام في دارة مستقبل راديوي، أصبح المصعد موجباً وسالباً بالتناوب بحسب تغيرات الموجات الراديوية القادمة، فكانت الإلكترونات تنجذب إلى المصعد عندما يكون موجباً وتصدر عنه عندما يكون سالباً، وقد سمح ذلك للتيار بالمرور باتجاه واحد. لقد أنتجت عملية التقويم هذه، التي سميت «كشفاً» detection أو «كشف التعديل» demodulation تيار خرج مقوم من الممكن استعماله لتشغيل مستقبل هاتفي أو أي جهاز تسجيل آخر، ولكن هذه الإشارات كانت ضعيفة جداً. وفي عام 1907 حسّن دي فورست De Forest صمام فليمينغ تحسيناً جذرياً بإدخال قطب ثالث بين المهبط والمصعد، له شكل المشواة، سمي «الشبكة». وقد أتاحت هذه الشبكة للصمام إعطاء الطاقة من دون استهلاكها في الدخل، وأصبح بالإمكان استعمال هذا الصمام الثلاثي مضخماً للإشارات الكهربائية. ثم طوِّر الصّمام الثلاثي بإضافة أقطاب أخرى فنتجت الصمامات المتعددة الشبكات التي استعملت لاحقاً على نطاق واسع في أجهزة التضخيم والتحكم والإرسال والاستقبال. وقد لوحظ تطور كبير في البث اللاسلكي الراديوي منذ عام 1920 وفي الوقت نفسه حصل تطور رئيسي في الأجهزة الإلكترونية الأخرى فاخترع المهندس الأمريكي الجنسية الروسي الأصل فلاديمير زفوريكين Vladimir Zworykin «الإيكونوسكوب» iconoscope وهو جهاز مبني على ظاهرة الأثر الكهرضوئي photoelectric effect أي إطلاق الإلكترونات من المعادن بفعل الضوء، الأمر الذي جعل مسح الصور وتحويلها إلى تيارات كهربائية ممكناً، وهذا هو أساس التلفزة.
تطور صناعة الإلكترونيات
دخلت صناعة الإلكترونيات في الحرب العالمية الثانية مرحلة تطور رئيسة، فقد حرضت هذه الحرب علماء الدول المحاربة ومهندسيها على الابتكار والإبداع. ولم تكد الحرب تقترب من نهايتها حتى كانت هذه الدول ولاسيما بريطانية والولايات المتحدة قد أقامت منشآت صناعية ضخمة لإنتاج الأجهزة الإلكترونية. وقد وفر اختراع الترانزستور عام 1948 بديلاً صغيراً وسهل التركيب للصمام المفرغ أعطى دفعاً جديداً للصناعة الإلكترونية، وسهل تطور الحاسوب[ر] خاصة فاتحاً بذلك المجال لإمكانات جديدة في الأتمتة. ومع طرح الدارات الميكروية microcircuits أولاً، ثم الدارات المتكاملة[ر] integrated circuits في أوائل الستينات، فتحت الإلكترونيات آفاقاً جديدة في الفضاء والمخابر والصناعة.
وفي السبعينات من القرن العشرين وأوائل الثمانينات كانت الإلكترونيات واحدة من أكبر الصناعات في أمريكة، وكانت صناعة رئيسة في دول أخرى منها اليابان وألمانية الغربية وبريطانية وروسية. وفي نهاية عام 1990 احتلت هذه الصناعة مكانة رئيسة في الميزان التجاري بين دول كبرى مثل أمريكة واليابان، وقد تغدو هذه الصناعة قريباً الصناعة الكبرى في العالم أجمع.
أثر الإلكترونيات في تطور المعرفة والمجتمع
بدأ تطبيق الإلكترونيات في مجال الاتصالات البرقية في بداية القرن العشرين ثم ما لبث أن اتسع ليشمل الهاتف والإذاعة المسموعة (الراديو) ومن ثم الإذاعة المرئية (التلفزة). ودخلت الإلكترونيات المجال العسكري من الباب العريض في الحربين العالميتين الأولى والثانية على وجه الخصوص، وتلا ذلك دخول الإلكترونيات في تصنيع جميع الأدوات المنزلية والصناعية والتحكم في وظائف عملها بعد اختراع أنصاف النواقل. ومع دخول الدارات المتكاملة صَغُر حجم الأجهزة الإلكترونية وارتفعت كفايتها فأصبح بالإمكان، على سبيل المثال، صنع حاسوب الجيب وتصنيع تلفاز أو راديو في حجم ساعة اليد، وتصنيع الإنسان الآلي (الروبوت) القادر على الكلام وغير ذلك. وتدل التقديرات أنه سيمكن في مدد قريبة صنع حاسوب الجيب الفائق، والمسجل نصف الناقل أي الذي يعمل من دون أشرطة مغنطيسية إضافة إلى الكثير من التطبيقات التي لم تكن في الماضي القريب إلا حلماً.
تعليق