صور النطاق العالي (HDRI)…
سأحاول في هذه المقالة التطرق إلى موضوع صور النطاق العالي، أو ما يطلق عليه عادة اسم (HDR) أو (HDRI). تأتي الحاجة لكتابة هذه المقالة، على أمل أن تقوم بإيضاح بعض المفاهيم بشكل يسير نسبيا، بسبب اللغط الواسع بشأن هذه التقنية والتي يعتبرها البعض إحدى ضروب الفنون، وفي الحقيقة هي ليست كذلك. إن هذا اللغط واسع الانتشار حول العالم وليس في عالمنا العربي فقط، وللأسف فإن استخدام هذه التقنية أصبح محدودا بشكل معين حتى أصبح هذا الشكل أو النمط هو ما يميز صور النطاق العالي، ومنها تحولت تقنية النطاق العالي من تقنية إلى «فن» أو مجال من مجالات التصوير، وشتّان بين المعنيَيْن.
تعريف
ما المقصود بالنطاق العالي؟ لربما كنت أجبت على هذا السؤال في إحدى المقالات القديمة ولكن لا ضير أن أطرح الجواب مرة أخرى.
يقصد بـ «النطاق» هنا مدى مستويات الإضاءة التي يمكن للوسط (شريط حساس أو مستشعر) تسجيلها. يُقاس هذا المدى أحيانا بمقياس لوغاريتمي خاص يطلق عليه اسم (Exposure Value, EV) – أي «قيمة تعريضية» وهي مرادفة تقريبا لمصطلح الوقفات أو الخطوات عند حساب التعريض في الكاميرا (Stops). فلكل وسط مداه أو نطاقه الذي يعمل فيه على تسجيل المستويات المختلفة للإضاءة في المشهد. وتظهر المشكلة هنا في حال ما إذا كان المشهد المطلوب يحتوي على إضاءات متعددة يكون الاختلاف في مداها كبيرا إلى درجة أن الوسط لن يستطيع تسجيل مستوىً معينا دون الإخلال بالمناطق (الإضاءات) الأخرى في المشهد. بلغة الكاميرا، فإن هذا يعني إنه لو تم التقاط صورة ما لمنطقة وهاجة، فإنه يلزم تقليل الخطوات لاحتواء التفاصيل في هذه المناطق، ولكن مع الأسف فإن مناطق الظلال قد تتأثر وتصبح سوداء تماما وخالية من التفاصيل؛ والعكس بالعكس عند الحفاظ على التفاصيل في مناطق الظلال، فقد تصبح الأجسام الساطعة بيضاء تماما وخالية من التفاصيل. على أن هذه المشكلة لم تكن بالعويصة على الحل فيما مضى عند استخدام الأشرطة الحساسة (الأفلام)، لا سيما بالأبيض والأسود. فقد كانت المقولة المتداولة في تلك الفترة هي: عرّض للظلال وحمّض للسواطع (expose for shadows and develop for highlights). بهذه الطريقة يمكن الحصول على التفاصيل في كلتا المنطقتين، الظلال والسواطع، ويعود الفضل في ذلك إلى النطاق أو المدى لهذه الأشرطة الحساسة لاحتواء المستويات المختلفة من الإضاءة. ولكن الأمور تغيرت بعض الشيء عند تطور التصوير الرقمي.
في البداية كان النطاق للمستشعرات في الكاميرات الرقمية صغيرا، بيد أن التطور في هذا المجال وسّع هذا النطاق للمستشعرات حتى أصبحت تضاهي الأشرطة الحساسة تقريبا. وفي المقابل، كلما زاد النطاق للمستشعر، زادت التكاليف (والأسعار!). نتجت عن هذا الأمر فكرة الحصول على صورة رقمية يكون نطاقها كبيرا.
مما يثير الإرباك أحيانا هو استخدام مصطلح (HD) بدلا من (HDR)، والإثنان وإن كانا على علاقة ما فيما بينهما ولكن المصطلحين يعبران عن أمران مختلفان. فمصطلح (HD) - والذي يشاهد كثيرا في الإعلانات الخاصة بأجهزة التلفاز - يعبر عن (High Definition)، أي «تحديد عالي»، وهو مرادف آخر للتباين بين الألوان. يُعبـَّر أحيانا عن هذا المصطلح بطريقة النسبة، مثل «1:س»، وتكون قيمة «س» عدد ما. تمثل هذه النسبة عدد الدرجات التي يمكن عرضها على الجهاز ابتداءً من اللون الأسود الخالص إلى الأبيض الخالص. وبالطبع فإنه كلما زادت قيمة «س» عنى ذلك زيادة الدقة في عرض الألوان ودرجاتها على الجهاز. وهكذا يتبين بأن مصطلح التحديد العالي (HD) هو شيء مختلفٌ تماما عن النطاق العالي أو صور النطاق العالي؛ فالنطاق العالي هو مصطلح للتعبير عن مدى استيعاب الوسط لمستويات الإضاءة، بينما التحديد العالي هو مصطلح للتعبير عن مدى دقة عرض درجات الألوان المختلفة.
صور النطاق العالي
تكلمنا في مقالات سابقة عن أنواع بعض الصور والصيغ، وبشكل عام يوجد هناك نوعان يطغيان على الساحة: صيغ 8-بت (وأبرزها صيغة ج.ب.ج. JPEG)، وصيغ 16-بت (وأبرزها صيغة التيف TIFF). الفرق بين الإثنين هو في عدد الألوان التي يمكن عرضها في الملف. تأتي بعد ذلك صيغ 32-بت، وهي ما تسمى أحيانا بصيغة «النقطة العائمة» (floating point)، وهذا لأن الألوان لا يتم تحديدها عن طريق أعداد صحيحة كما هي الحال في النظامين الأولـَيـْـن، بل عن طريق الأعداد والكسور العشرية مما يجعل هذا النظام غير منتهي (نظريا) وعالي الدقة؛ وهذا هو النظام التي تعمل به صور النطاق العالي.
من أبرز الصيغ المستخدمة لحفظ الصور عالية النطاق هما صيغتي (hdr) و (exr)، وبعيدا عن تاريخ تطور هاتين الصيغتين، فإن الأولى أقدم من الثانية، وتوفر الصيغة الثانية بعض الضغط للملف لتقليل الحجم نوعا ما. هناك بعض البرامج المصممة للتعامل مع هذه الصور قد تكون قديمة بعض الشيء ولا يمكنها التعامل مع صيغة (exr). تكون الصور بهذه الصيغ، إذا التقطت بشكل صحيح، حاوية على كم هائل من المعلومات المتعلقة بالضوء في المشهد المُصوَّر وفي الحقيقة لا يمكن لأي جهاز (حتى هذه اللحظة) عرض جميع هذه المعلومات في آن واحد، ولكن أقصى ما يمكن توفيره هو خاصية تغيير الإضاءة في الصورة لحظة بلحظة عن طريق بعض أزرار التحكم. ولهذا السبب فإن الوقوف عند هذا الحد غير ممكن لأنه لا يمكن طباعة أو حتى تداول وعرض هذه الصور على الشبكة مثلا؛ ولو كان يوجد بعض التطبيقات التي تعمل على عرض مستويات الإضاءة للمتصفحات كما هي الحال في البرامج إلّا أنها ليست بالعملية. ومن هنا تولد مفهوم ما يسمى بعملية «إعادة توزيع الدرجات» (Tone-mapping)، وتسمى أحيانا مجازاً بعملية «الخَبْز» (Baking)، لأنها تكون آخر عملية في السلسلة المتعلقة بصور النطاق العالي حيث يكون بعدها ممكنا تداول هذه الصور بشكل اعتيادي كباقي الصيغ والأنواع الأخرى وتكون فيها مستويات الإضاءة قد عُينت بشكل نهائي.
على حد علمي، يقوم بعض العلماء الآن في شتى المجالات باستخدام تقنية النطاق العالي لتصوير بعض الأمور المتعلقة بالأبحاث لكونها تمثل أرشيفا ممتازا مع هذا الكم من معلومات الإضاءة، بحيث يمكن دراسة بعض التفاصيل على شاشات الحاسوب عن طريق تغيير المستويات رقميا بدلا من معاينة الموضوع مباشرة.
التقاط صور بنطاق عالي
قبل التطرق إلى الحديث عن طريقة التقاط هذه الصور، يجدر بالذكر بعض الأساليب التي يعمد إليها البعض في تشكيل صورة ما ومن ثم ادعاء أنها (HDR). في عالم التصوير الرقمي يجب أن تتركب صورة النطاق العالي من أكثر من صورة واحدة. يقوم البعض (عن طريق بعض البرامج والتطبيقات) باستحداث بعض التغييرات على الصورة فتظهر مشبعة بالألوان وغالبا ما تكون «خشنة» المنظر؛ أي حادة كثيرا في تفاصيلها – وأخيرا تكون هذه الصورة قد أُنتجت عن طريق استخدام صورة واحدة فقط (قد تكون أو لا تكون بصيغة السالب الرقمي RAW). تسمى هذه العملية بـ «النطاق الكاذب» (fake HDR) أو «شبيه النطاق العالي» (pseudo-HDR). وفي كل الأحوال فإن هذا كله لا يمت إلى صور النطاق العالي بصلة.
درجت الكاميرات الرقمية الحديثة على إدراج خاصية التقاط الصور المتتابعة بتعريض مختلف بعدد خطوات معين يحدده المستخدم سلفا. تسمى هذه الخاصية بـ «التعريض المتعدد» (Exposure Bracketing)؛ والمصطلح من تعريبي. في كاميرات الكانون يكون عدد اللقطات التي يمكن التقاطها بهذه الخاصية 3 عادةً، ولكن تراءى لي بأن بعض كاميرات النيكون قد تسمح بالتقاط 5 والبعض منها يسمح بالتقاط 9 لقطات متتالية بتعريض مختلف. على أية حال، فالأمر لا يختلف كثيرا في النتيجة النهائية لصورة النطاق العالي إلا في مواضع قليلة نسبيا حيث يكون التدرج في الإضاءة أو التعريض مطلوبا لتكوين صورة ذات نطاق عالي متكامل من غير انقطاع في مستويات الإضاءة. على أن فرصة حدوث هذا الأمر قليلة جدا وملازمة لبعض المواقف الصعبة حيث يكون المشهد متعدد الإضاءات المختلفة فيكون لزاما التعريض بخطوات قريبة للحصول على معلومات عن الإضاءة تكون متدرجة بانسياب دون انقطاع. يمكن فعل ذلك في الكاميرات التي يكون التعريض المتعدد فيها محددا بثلاث لقطات عن طريق التقاط 3 تعريضات أولا ثم تحريك مسطرة التعريض إلى المستوى المطلوب والتقاط 3 أخرى وهكذا حتى يتم العمل كيفما يشاء المصور. على أن هذه العملية نادرا ما تكون مطلوبة.
يمكن العمل مع التعريض المتعدد في مختلف أنظمة الكاميرا (أولوية البؤرة، أولوية الغالق، اليدوي... الخ)، ولكنه من المناسب جدا العمل بنظام أولوية البؤرة أو فتحة العدسة (Av) أو اليدوي (M) وهذا لأن في هذين النظامين يمكن تعيين فتحة العدسة (وبالتالي عمق الميدان) وتقوم الكاميرا بتغيير سرعة الغالق لالتقاط صور متعددة بتعريضات مختلفة فيما بينها – بينما في نظام أولوية الغالق (Tv) تقوم الكاميرا بتثبيت سرعة الغالق (كما يختارها المصور) وتقوم بتغيير فتحة العدسة بين اللقطات للحصول على تعريض مختلف، وهذا سيسبب اختلافا في عمق الميدان بين الصور الملتقطة، وبالتالي تتوالى المشاكل في الدمج لاحقا. يمكن كذلك التعريض المتعدد بنظام التعريض المطول (Bulb) إلّا أن هذه العملية يجب أن يقودها المصور بنفسه، فلا يوجد نظام آلي في الكاميرا لتحقيق هذا الأمر، ولكن يمكن للمصور التحكم بالتوقيت بين اللقطات للحصول على المطلوب.
كما يفضل كذلك ضبط طريقة قياس الضوء في الكاميرا إلى «التقييمي» (Evaluative) أو «المركزي» (Center-Weighted) لأن هاتين الطريقتين تضعان بالاعتبار الإضاءة في مختلف المناطق في الصورة أو المشهد المُراد تصويره بخلاف نظام «الجزئي» (Partial Metering) ونظام «النقطي» (Spot Metering)، واللذين يقومان بقياس الضوء من مناطق محدودة في الصورة فقط. لعل أنسب هذه الأنظمة هو التقييمي (من وجهة نظري). لمعرفة الفروقات بين هذه الطرق في قياس الضوء في الكاميرا يرجى الرجوع إلى المقالات القديمة في هذه المدونة.
يفضل كذلك ضبط الكاميرا على خاصية «التصوير المتتابع» أو «التصوير السريع» (قد يتغير المسمى بحسب نوع الكاميرا) وهذا لكي لا يضطر المصور إلى ضغط زر الغالق لالتقاط الصورة لثلاث مرات، ولكن يكفي أن يكون ضاغطا على الزر لالتقاط 3 صور متتالية، أو مع ضبط المُؤقت فإن المصور يمكنه ضغط الزر والابتعاد عن الكاميرا وسُتلتقط 3 صور تلقائيا. سيكون هذا مفيدا لتفادي لمس الكاميرا قدر المستطاع أثناء العمل حيث قد يتسبب هذا الأمر بالاهتزاز الطفيف بين اللقطات.
تختلف الكاميرات كذلك بعدد الخطوات التي يمكن تعيينها بين اللقطات، وكما أسلفنا الذكر، فإن هناك بعض الكاميرات التي تسمح بالتقاط أكثر من 3 صور متتابعة مختلفة التعريض. على كلِّ، سيكون محور النقاش هنا هو كاميرات الكانون والتي تسمح عادة بالتقاط 3 صور متتالية. تختلف كاميرات الكانون فيما بينها بعدد الخطوات المسموح بها بين اللقطات، فمنها ما يسمح بخطوتين فقط، ومنها ما يسمح بثلاث أو أكثر. الحد المسموح في كاميرات كانون إيوس 7د هو 3 خطوات، وليس بالضرورة استخدام هذا الحد؛ فبحسب تجربتي الشخصية تكون الخطوتان بين اللقطات كافيتان لصنع صورة ذات نطاق عالي جيد. ولكن يفضل معاينة المشهد المراد تصويره والتعرف على الفروقات بين مستويات الإضاءة في الصورة لكي يتم تحديد بداية ونهاية سلسلة اللقطات من ناحية التعريض. أما طريقة القياس فقد تتطلب مقالة منفردة ولكن قد تساعد بعض المقالات القديمة في هذه المدونة قليلا.
سأحاول في هذه المقالة التطرق إلى موضوع صور النطاق العالي، أو ما يطلق عليه عادة اسم (HDR) أو (HDRI). تأتي الحاجة لكتابة هذه المقالة، على أمل أن تقوم بإيضاح بعض المفاهيم بشكل يسير نسبيا، بسبب اللغط الواسع بشأن هذه التقنية والتي يعتبرها البعض إحدى ضروب الفنون، وفي الحقيقة هي ليست كذلك. إن هذا اللغط واسع الانتشار حول العالم وليس في عالمنا العربي فقط، وللأسف فإن استخدام هذه التقنية أصبح محدودا بشكل معين حتى أصبح هذا الشكل أو النمط هو ما يميز صور النطاق العالي، ومنها تحولت تقنية النطاق العالي من تقنية إلى «فن» أو مجال من مجالات التصوير، وشتّان بين المعنيَيْن.
تعريف
ما المقصود بالنطاق العالي؟ لربما كنت أجبت على هذا السؤال في إحدى المقالات القديمة ولكن لا ضير أن أطرح الجواب مرة أخرى.
يقصد بـ «النطاق» هنا مدى مستويات الإضاءة التي يمكن للوسط (شريط حساس أو مستشعر) تسجيلها. يُقاس هذا المدى أحيانا بمقياس لوغاريتمي خاص يطلق عليه اسم (Exposure Value, EV) – أي «قيمة تعريضية» وهي مرادفة تقريبا لمصطلح الوقفات أو الخطوات عند حساب التعريض في الكاميرا (Stops). فلكل وسط مداه أو نطاقه الذي يعمل فيه على تسجيل المستويات المختلفة للإضاءة في المشهد. وتظهر المشكلة هنا في حال ما إذا كان المشهد المطلوب يحتوي على إضاءات متعددة يكون الاختلاف في مداها كبيرا إلى درجة أن الوسط لن يستطيع تسجيل مستوىً معينا دون الإخلال بالمناطق (الإضاءات) الأخرى في المشهد. بلغة الكاميرا، فإن هذا يعني إنه لو تم التقاط صورة ما لمنطقة وهاجة، فإنه يلزم تقليل الخطوات لاحتواء التفاصيل في هذه المناطق، ولكن مع الأسف فإن مناطق الظلال قد تتأثر وتصبح سوداء تماما وخالية من التفاصيل؛ والعكس بالعكس عند الحفاظ على التفاصيل في مناطق الظلال، فقد تصبح الأجسام الساطعة بيضاء تماما وخالية من التفاصيل. على أن هذه المشكلة لم تكن بالعويصة على الحل فيما مضى عند استخدام الأشرطة الحساسة (الأفلام)، لا سيما بالأبيض والأسود. فقد كانت المقولة المتداولة في تلك الفترة هي: عرّض للظلال وحمّض للسواطع (expose for shadows and develop for highlights). بهذه الطريقة يمكن الحصول على التفاصيل في كلتا المنطقتين، الظلال والسواطع، ويعود الفضل في ذلك إلى النطاق أو المدى لهذه الأشرطة الحساسة لاحتواء المستويات المختلفة من الإضاءة. ولكن الأمور تغيرت بعض الشيء عند تطور التصوير الرقمي.
في البداية كان النطاق للمستشعرات في الكاميرات الرقمية صغيرا، بيد أن التطور في هذا المجال وسّع هذا النطاق للمستشعرات حتى أصبحت تضاهي الأشرطة الحساسة تقريبا. وفي المقابل، كلما زاد النطاق للمستشعر، زادت التكاليف (والأسعار!). نتجت عن هذا الأمر فكرة الحصول على صورة رقمية يكون نطاقها كبيرا.
مما يثير الإرباك أحيانا هو استخدام مصطلح (HD) بدلا من (HDR)، والإثنان وإن كانا على علاقة ما فيما بينهما ولكن المصطلحين يعبران عن أمران مختلفان. فمصطلح (HD) - والذي يشاهد كثيرا في الإعلانات الخاصة بأجهزة التلفاز - يعبر عن (High Definition)، أي «تحديد عالي»، وهو مرادف آخر للتباين بين الألوان. يُعبـَّر أحيانا عن هذا المصطلح بطريقة النسبة، مثل «1:س»، وتكون قيمة «س» عدد ما. تمثل هذه النسبة عدد الدرجات التي يمكن عرضها على الجهاز ابتداءً من اللون الأسود الخالص إلى الأبيض الخالص. وبالطبع فإنه كلما زادت قيمة «س» عنى ذلك زيادة الدقة في عرض الألوان ودرجاتها على الجهاز. وهكذا يتبين بأن مصطلح التحديد العالي (HD) هو شيء مختلفٌ تماما عن النطاق العالي أو صور النطاق العالي؛ فالنطاق العالي هو مصطلح للتعبير عن مدى استيعاب الوسط لمستويات الإضاءة، بينما التحديد العالي هو مصطلح للتعبير عن مدى دقة عرض درجات الألوان المختلفة.
في مخطط الدرجات هذا، نلاحظ بأن هناك 10 درجات بعد اللون الأسود، فيكون التباين هنا 10:1 (القراءة من اليمين). المصدر |
صور النطاق العالي
تكلمنا في مقالات سابقة عن أنواع بعض الصور والصيغ، وبشكل عام يوجد هناك نوعان يطغيان على الساحة: صيغ 8-بت (وأبرزها صيغة ج.ب.ج. JPEG)، وصيغ 16-بت (وأبرزها صيغة التيف TIFF). الفرق بين الإثنين هو في عدد الألوان التي يمكن عرضها في الملف. تأتي بعد ذلك صيغ 32-بت، وهي ما تسمى أحيانا بصيغة «النقطة العائمة» (floating point)، وهذا لأن الألوان لا يتم تحديدها عن طريق أعداد صحيحة كما هي الحال في النظامين الأولـَيـْـن، بل عن طريق الأعداد والكسور العشرية مما يجعل هذا النظام غير منتهي (نظريا) وعالي الدقة؛ وهذا هو النظام التي تعمل به صور النطاق العالي.
من أبرز الصيغ المستخدمة لحفظ الصور عالية النطاق هما صيغتي (hdr) و (exr)، وبعيدا عن تاريخ تطور هاتين الصيغتين، فإن الأولى أقدم من الثانية، وتوفر الصيغة الثانية بعض الضغط للملف لتقليل الحجم نوعا ما. هناك بعض البرامج المصممة للتعامل مع هذه الصور قد تكون قديمة بعض الشيء ولا يمكنها التعامل مع صيغة (exr). تكون الصور بهذه الصيغ، إذا التقطت بشكل صحيح، حاوية على كم هائل من المعلومات المتعلقة بالضوء في المشهد المُصوَّر وفي الحقيقة لا يمكن لأي جهاز (حتى هذه اللحظة) عرض جميع هذه المعلومات في آن واحد، ولكن أقصى ما يمكن توفيره هو خاصية تغيير الإضاءة في الصورة لحظة بلحظة عن طريق بعض أزرار التحكم. ولهذا السبب فإن الوقوف عند هذا الحد غير ممكن لأنه لا يمكن طباعة أو حتى تداول وعرض هذه الصور على الشبكة مثلا؛ ولو كان يوجد بعض التطبيقات التي تعمل على عرض مستويات الإضاءة للمتصفحات كما هي الحال في البرامج إلّا أنها ليست بالعملية. ومن هنا تولد مفهوم ما يسمى بعملية «إعادة توزيع الدرجات» (Tone-mapping)، وتسمى أحيانا مجازاً بعملية «الخَبْز» (Baking)، لأنها تكون آخر عملية في السلسلة المتعلقة بصور النطاق العالي حيث يكون بعدها ممكنا تداول هذه الصور بشكل اعتيادي كباقي الصيغ والأنواع الأخرى وتكون فيها مستويات الإضاءة قد عُينت بشكل نهائي.
على حد علمي، يقوم بعض العلماء الآن في شتى المجالات باستخدام تقنية النطاق العالي لتصوير بعض الأمور المتعلقة بالأبحاث لكونها تمثل أرشيفا ممتازا مع هذا الكم من معلومات الإضاءة، بحيث يمكن دراسة بعض التفاصيل على شاشات الحاسوب عن طريق تغيير المستويات رقميا بدلا من معاينة الموضوع مباشرة.
التقاط صور بنطاق عالي
قبل التطرق إلى الحديث عن طريقة التقاط هذه الصور، يجدر بالذكر بعض الأساليب التي يعمد إليها البعض في تشكيل صورة ما ومن ثم ادعاء أنها (HDR). في عالم التصوير الرقمي يجب أن تتركب صورة النطاق العالي من أكثر من صورة واحدة. يقوم البعض (عن طريق بعض البرامج والتطبيقات) باستحداث بعض التغييرات على الصورة فتظهر مشبعة بالألوان وغالبا ما تكون «خشنة» المنظر؛ أي حادة كثيرا في تفاصيلها – وأخيرا تكون هذه الصورة قد أُنتجت عن طريق استخدام صورة واحدة فقط (قد تكون أو لا تكون بصيغة السالب الرقمي RAW). تسمى هذه العملية بـ «النطاق الكاذب» (fake HDR) أو «شبيه النطاق العالي» (pseudo-HDR). وفي كل الأحوال فإن هذا كله لا يمت إلى صور النطاق العالي بصلة.
درجت الكاميرات الرقمية الحديثة على إدراج خاصية التقاط الصور المتتابعة بتعريض مختلف بعدد خطوات معين يحدده المستخدم سلفا. تسمى هذه الخاصية بـ «التعريض المتعدد» (Exposure Bracketing)؛ والمصطلح من تعريبي. في كاميرات الكانون يكون عدد اللقطات التي يمكن التقاطها بهذه الخاصية 3 عادةً، ولكن تراءى لي بأن بعض كاميرات النيكون قد تسمح بالتقاط 5 والبعض منها يسمح بالتقاط 9 لقطات متتالية بتعريض مختلف. على أية حال، فالأمر لا يختلف كثيرا في النتيجة النهائية لصورة النطاق العالي إلا في مواضع قليلة نسبيا حيث يكون التدرج في الإضاءة أو التعريض مطلوبا لتكوين صورة ذات نطاق عالي متكامل من غير انقطاع في مستويات الإضاءة. على أن فرصة حدوث هذا الأمر قليلة جدا وملازمة لبعض المواقف الصعبة حيث يكون المشهد متعدد الإضاءات المختلفة فيكون لزاما التعريض بخطوات قريبة للحصول على معلومات عن الإضاءة تكون متدرجة بانسياب دون انقطاع. يمكن فعل ذلك في الكاميرات التي يكون التعريض المتعدد فيها محددا بثلاث لقطات عن طريق التقاط 3 تعريضات أولا ثم تحريك مسطرة التعريض إلى المستوى المطلوب والتقاط 3 أخرى وهكذا حتى يتم العمل كيفما يشاء المصور. على أن هذه العملية نادرا ما تكون مطلوبة.
يمكن العمل مع التعريض المتعدد في مختلف أنظمة الكاميرا (أولوية البؤرة، أولوية الغالق، اليدوي... الخ)، ولكنه من المناسب جدا العمل بنظام أولوية البؤرة أو فتحة العدسة (Av) أو اليدوي (M) وهذا لأن في هذين النظامين يمكن تعيين فتحة العدسة (وبالتالي عمق الميدان) وتقوم الكاميرا بتغيير سرعة الغالق لالتقاط صور متعددة بتعريضات مختلفة فيما بينها – بينما في نظام أولوية الغالق (Tv) تقوم الكاميرا بتثبيت سرعة الغالق (كما يختارها المصور) وتقوم بتغيير فتحة العدسة بين اللقطات للحصول على تعريض مختلف، وهذا سيسبب اختلافا في عمق الميدان بين الصور الملتقطة، وبالتالي تتوالى المشاكل في الدمج لاحقا. يمكن كذلك التعريض المتعدد بنظام التعريض المطول (Bulb) إلّا أن هذه العملية يجب أن يقودها المصور بنفسه، فلا يوجد نظام آلي في الكاميرا لتحقيق هذا الأمر، ولكن يمكن للمصور التحكم بالتوقيت بين اللقطات للحصول على المطلوب.
Das Licht Der Dunkelheims (ضوء الظلمات) صورة من أصل نطاق عالي تم دمجها من عدة صور ملتقطة بالتعريض المطول (ابتداءً من 8 دقائق ونزولا إلى مدة 3 ثواني). أنقر للتكبير |
يفضل كذلك ضبط الكاميرا على خاصية «التصوير المتتابع» أو «التصوير السريع» (قد يتغير المسمى بحسب نوع الكاميرا) وهذا لكي لا يضطر المصور إلى ضغط زر الغالق لالتقاط الصورة لثلاث مرات، ولكن يكفي أن يكون ضاغطا على الزر لالتقاط 3 صور متتالية، أو مع ضبط المُؤقت فإن المصور يمكنه ضغط الزر والابتعاد عن الكاميرا وسُتلتقط 3 صور تلقائيا. سيكون هذا مفيدا لتفادي لمس الكاميرا قدر المستطاع أثناء العمل حيث قد يتسبب هذا الأمر بالاهتزاز الطفيف بين اللقطات.
تختلف الكاميرات كذلك بعدد الخطوات التي يمكن تعيينها بين اللقطات، وكما أسلفنا الذكر، فإن هناك بعض الكاميرات التي تسمح بالتقاط أكثر من 3 صور متتابعة مختلفة التعريض. على كلِّ، سيكون محور النقاش هنا هو كاميرات الكانون والتي تسمح عادة بالتقاط 3 صور متتالية. تختلف كاميرات الكانون فيما بينها بعدد الخطوات المسموح بها بين اللقطات، فمنها ما يسمح بخطوتين فقط، ومنها ما يسمح بثلاث أو أكثر. الحد المسموح في كاميرات كانون إيوس 7د هو 3 خطوات، وليس بالضرورة استخدام هذا الحد؛ فبحسب تجربتي الشخصية تكون الخطوتان بين اللقطات كافيتان لصنع صورة ذات نطاق عالي جيد. ولكن يفضل معاينة المشهد المراد تصويره والتعرف على الفروقات بين مستويات الإضاءة في الصورة لكي يتم تحديد بداية ونهاية سلسلة اللقطات من ناحية التعريض. أما طريقة القياس فقد تتطلب مقالة منفردة ولكن قد تساعد بعض المقالات القديمة في هذه المدونة قليلا.
تعليق