الاتجاهات الواقعية
من الواضح أن من الخطأ الظن بأن الفن التجريدي أو القريب من التجريدي ، مهما كان تياره عريضاً منذ الحرب ، ومهما كان خصبه واضحاً ، قد استطاع أن يجر جميع الفنانين وراءه ... فالاتجاهات التقليدية لا يزال لها أتباع . وأولهم أولئك الذين التقينا بهم في فترة العشرينات والثلاثينات أي الذين يرفضون التكعيبية وتوابعها . ( ومنهم ديران وفلامنك ودو نوايه دي سيكونزاك وشابلان - ميدي ، ، وأودو وبراير)، والذين يحاولون الجمع بين بعض ماجاء به جماعة الأنبياء والوحشيين وبين مبادئ موروثة عن عصر النهضة بريانشون ، وليجول ، وليموز و كافاليس و كايار وأخيراً الذين يمثلون التصوير الساذج مثل ( بوشان وبومبوا وريمبر) وسواهم ... وجميع من ذكرنا من المصورين لا يتغيرون إلا قليلاً : فلا اتجاههم ولا مزايا لوحاتهم بمختلفة اختلافاً محسوساً بين انتاج ما بعد عام ١٩٤٥ وانتاج ماتقبل العام المذكور .
وإن فنانين شباناً يقتفون آثار هم إلا أن الابداع لم يعد في هذه الفئة من الفنانين ، وكذلك لم تعد فيه الحيوية . هذا عدا بعض وإذا كان لابد لنا من ذكر بعض الأسماء ، فسبب ذلك ، جزئياً أن هذه الأسماء تدل على محاولات لرد الفعل ضد الاتجاهات السابقة ، لفتت إليها انتباه الجمهور وبين الفنانين الذين لا تنطبق عليهم هذه القاعدة نجد الفنان ( غروبر Gruber ) ، الذي كان خليقاً بأن يثير بيكاسو بل يرجع . وعندما يختار غروبر اسلوب تعبيره ، فلا يستوحي ماتيس ولا إلى ماقبل الانطباعيين ، حتى كوربه . وهو يعجب اعجابا خاصا بالقدامى من كبار المصورين مثل بوش و بروجیل و دوریر و غرونفالد . ويجوز لنا الافتراض أن أهم ما يجتذبه من الفن القديم هو لوحات و اغواء القديس انطونيوس واللوحات الخارقة غير العادية لأنه يجد لذة في خلط الواقع بالمستغرب ، بحيث نجد له بعض القرابة مع السيرياليين . فسواء أكان الأشخاص داخل غرفة أم كانوا في نطاق منظر طبيعي ، فإن لهم هيئة المنفيين. وإذا كانت وجوههم تعبر عن الكآبة والكلل القلق المضطرب ، منذ ماقبل الحرب ، فقد أخذوا بعد ذلك ، يتميزون ، علاوة عما ذكر بأجسام فارعة وعظيمة حتى أن نحولهم الشديد يتماوج أحياناً داخل ملابس رثة بالية . أما الألوان فهي في جوهرها وأساسها ألوان باردة. بيد أنها لا تعوزها النكهة ، مع أنها رزينة. إلا أن الخط هو الذي يبنى عليه التعبير أولا. قاس لاذع ، بعيد عن كل مرونة حسية . وأنه ليزيد في تبرم كل كائن في عالم المنفى والانهيار هذا .
وفي السنة التي مات فيها غروبر أي في عام ١٩٤٨ أكتشف دعاة الواقعية ( بوفيه Buffet ). وسرعان ما أكسبوه شهرة يجد المرء صعوبة في تبريرها لدى مشاهدة لوحاته. ولسنا بالطبع لنلومه على ما كان في لوحاته في أوائل عهده من غثاثة ، ومن انسانية بشعة نحيلة ، تظل تجور نفسها في حياة كتيبة بين الأشياء المضجرة. فهذه النظرة يسهل تعليلها بمناخ ما بعد الحرب. وإن المرء ليقبل بها راضياً على أنها شاهدة على الحزن الذي يشعر به انسان شاب في أوروبا التي لم تكد تنفلت من العاصفة . وأن ثمة لوحات رائعة رسمها مونشی و كوكوشكا و سوتين وغيرهم ممن يعبرون عن انهيارات أشد من التي عبر عنها بوفه وعن تشاؤم لايقل عن تشاؤمه . إلا أنهم يعبرون عن ذلك بوسائل تؤثر فينا بما فيها من وقع على الأفئدة ، بينما يبدو الخط عند بوفه صلباً وبدائياً ، والألوان فقيرة . فإذا سعى الفنان لأخراجها عن كمودها ، جعلها فجة مزعجة . اهتمامنا قبل الآن ... فهو يعرض صوره منذ ۱۹۳۰ . إلا أنه أنتج أفضل لوحاته وأكملها أثناء الحرب الأخيرة أو بعدها .
وأن غثاثة الوسائل لاتزال موجودة في أحدث لوحاته، سواء أكان موضوعها ( البندقية ) أم ( باريز ) أم ( السيرك ) أم ( جان دارك ) . ويزداد تجمد الرسم ، فيصبح أكثر جفافاً وأكثر تكلفاً .
أما لورجو Lorjou فخطه أقوى . وألوانه أكثر حيوية . ويحدث أحياناً أن يتخذ هذا الفنان موضوعات الساعة السياسية ، ويعالجها بميله الشديد إلى الضخامة المفرطة التي لا تنبذ الابتذال ولا المبالغة في التفخيم. ونحن نجد لديه، مثلما نجد عند بعض التجريدين الذين يثور ضدهم، عودة للمذهب التعبيري . وهو هنا مذهب تعبيري ذو خشونة وصخب شديدين جداً .
أما ريبيرول Rebeyrolle Minaux فيسيرون في فلك « لورجو » فترة ما . أما الآن فإن تصوير أولهم أي ريبيرول قد أصبح ملتبساً مبهماً إلى حــد ، يتميز بالكاد عن ( اللاشكليين ) . وهو مولع بأسلوب واسع متعجل . ولذلك فهو لا ينأى عن الخلاعة ، بيد أن له مواهب المصور الحقيقي وتستطيع ألوانه أن تكون لذيذة جداً .
وبإختصار ، فإن التصوير الذي يرتكز على النظرية الجمالية في أيام النهضة ، وأن كان قد احتفظ بعدد من الانصار منذ مطلع هـذا القرن ، فقد مضى في مجمله في ضعف متزايد. وهذا الأمر لاشك فيه . وكل مافعل لإعادة قواه إليه لم يؤد في أغلب الأحيان إلا إلى أعمال فنية غير مرضية ، مهددة كثيراً بألا تبقى وتعيش إلا كشاهد على افتتان قصير العمر . ولن يكون الأمر مختلفاً . ذلك ، فيما يتعلق بجميع هذه اللوحات التجريدية التي تهمل المزايا التصويرية ، ولا تحاول أن تثير الدهشة أو الاعجاب إلا عن طريق المبالغات الطائشة الرخيصة .
من الواضح أن من الخطأ الظن بأن الفن التجريدي أو القريب من التجريدي ، مهما كان تياره عريضاً منذ الحرب ، ومهما كان خصبه واضحاً ، قد استطاع أن يجر جميع الفنانين وراءه ... فالاتجاهات التقليدية لا يزال لها أتباع . وأولهم أولئك الذين التقينا بهم في فترة العشرينات والثلاثينات أي الذين يرفضون التكعيبية وتوابعها . ( ومنهم ديران وفلامنك ودو نوايه دي سيكونزاك وشابلان - ميدي ، ، وأودو وبراير)، والذين يحاولون الجمع بين بعض ماجاء به جماعة الأنبياء والوحشيين وبين مبادئ موروثة عن عصر النهضة بريانشون ، وليجول ، وليموز و كافاليس و كايار وأخيراً الذين يمثلون التصوير الساذج مثل ( بوشان وبومبوا وريمبر) وسواهم ... وجميع من ذكرنا من المصورين لا يتغيرون إلا قليلاً : فلا اتجاههم ولا مزايا لوحاتهم بمختلفة اختلافاً محسوساً بين انتاج ما بعد عام ١٩٤٥ وانتاج ماتقبل العام المذكور .
وإن فنانين شباناً يقتفون آثار هم إلا أن الابداع لم يعد في هذه الفئة من الفنانين ، وكذلك لم تعد فيه الحيوية . هذا عدا بعض وإذا كان لابد لنا من ذكر بعض الأسماء ، فسبب ذلك ، جزئياً أن هذه الأسماء تدل على محاولات لرد الفعل ضد الاتجاهات السابقة ، لفتت إليها انتباه الجمهور وبين الفنانين الذين لا تنطبق عليهم هذه القاعدة نجد الفنان ( غروبر Gruber ) ، الذي كان خليقاً بأن يثير بيكاسو بل يرجع . وعندما يختار غروبر اسلوب تعبيره ، فلا يستوحي ماتيس ولا إلى ماقبل الانطباعيين ، حتى كوربه . وهو يعجب اعجابا خاصا بالقدامى من كبار المصورين مثل بوش و بروجیل و دوریر و غرونفالد . ويجوز لنا الافتراض أن أهم ما يجتذبه من الفن القديم هو لوحات و اغواء القديس انطونيوس واللوحات الخارقة غير العادية لأنه يجد لذة في خلط الواقع بالمستغرب ، بحيث نجد له بعض القرابة مع السيرياليين . فسواء أكان الأشخاص داخل غرفة أم كانوا في نطاق منظر طبيعي ، فإن لهم هيئة المنفيين. وإذا كانت وجوههم تعبر عن الكآبة والكلل القلق المضطرب ، منذ ماقبل الحرب ، فقد أخذوا بعد ذلك ، يتميزون ، علاوة عما ذكر بأجسام فارعة وعظيمة حتى أن نحولهم الشديد يتماوج أحياناً داخل ملابس رثة بالية . أما الألوان فهي في جوهرها وأساسها ألوان باردة. بيد أنها لا تعوزها النكهة ، مع أنها رزينة. إلا أن الخط هو الذي يبنى عليه التعبير أولا. قاس لاذع ، بعيد عن كل مرونة حسية . وأنه ليزيد في تبرم كل كائن في عالم المنفى والانهيار هذا .
وفي السنة التي مات فيها غروبر أي في عام ١٩٤٨ أكتشف دعاة الواقعية ( بوفيه Buffet ). وسرعان ما أكسبوه شهرة يجد المرء صعوبة في تبريرها لدى مشاهدة لوحاته. ولسنا بالطبع لنلومه على ما كان في لوحاته في أوائل عهده من غثاثة ، ومن انسانية بشعة نحيلة ، تظل تجور نفسها في حياة كتيبة بين الأشياء المضجرة. فهذه النظرة يسهل تعليلها بمناخ ما بعد الحرب. وإن المرء ليقبل بها راضياً على أنها شاهدة على الحزن الذي يشعر به انسان شاب في أوروبا التي لم تكد تنفلت من العاصفة . وأن ثمة لوحات رائعة رسمها مونشی و كوكوشكا و سوتين وغيرهم ممن يعبرون عن انهيارات أشد من التي عبر عنها بوفه وعن تشاؤم لايقل عن تشاؤمه . إلا أنهم يعبرون عن ذلك بوسائل تؤثر فينا بما فيها من وقع على الأفئدة ، بينما يبدو الخط عند بوفه صلباً وبدائياً ، والألوان فقيرة . فإذا سعى الفنان لأخراجها عن كمودها ، جعلها فجة مزعجة . اهتمامنا قبل الآن ... فهو يعرض صوره منذ ۱۹۳۰ . إلا أنه أنتج أفضل لوحاته وأكملها أثناء الحرب الأخيرة أو بعدها .
وأن غثاثة الوسائل لاتزال موجودة في أحدث لوحاته، سواء أكان موضوعها ( البندقية ) أم ( باريز ) أم ( السيرك ) أم ( جان دارك ) . ويزداد تجمد الرسم ، فيصبح أكثر جفافاً وأكثر تكلفاً .
أما لورجو Lorjou فخطه أقوى . وألوانه أكثر حيوية . ويحدث أحياناً أن يتخذ هذا الفنان موضوعات الساعة السياسية ، ويعالجها بميله الشديد إلى الضخامة المفرطة التي لا تنبذ الابتذال ولا المبالغة في التفخيم. ونحن نجد لديه، مثلما نجد عند بعض التجريدين الذين يثور ضدهم، عودة للمذهب التعبيري . وهو هنا مذهب تعبيري ذو خشونة وصخب شديدين جداً .
أما ريبيرول Rebeyrolle Minaux فيسيرون في فلك « لورجو » فترة ما . أما الآن فإن تصوير أولهم أي ريبيرول قد أصبح ملتبساً مبهماً إلى حــد ، يتميز بالكاد عن ( اللاشكليين ) . وهو مولع بأسلوب واسع متعجل . ولذلك فهو لا ينأى عن الخلاعة ، بيد أن له مواهب المصور الحقيقي وتستطيع ألوانه أن تكون لذيذة جداً .
وبإختصار ، فإن التصوير الذي يرتكز على النظرية الجمالية في أيام النهضة ، وأن كان قد احتفظ بعدد من الانصار منذ مطلع هـذا القرن ، فقد مضى في مجمله في ضعف متزايد. وهذا الأمر لاشك فيه . وكل مافعل لإعادة قواه إليه لم يؤد في أغلب الأحيان إلا إلى أعمال فنية غير مرضية ، مهددة كثيراً بألا تبقى وتعيش إلا كشاهد على افتتان قصير العمر . ولن يكون الأمر مختلفاً . ذلك ، فيما يتعلق بجميع هذه اللوحات التجريدية التي تهمل المزايا التصويرية ، ولا تحاول أن تثير الدهشة أو الاعجاب إلا عن طريق المبالغات الطائشة الرخيصة .
تعليق