وفي الوقت نفسه أصبحت الملونة أكثر تنوعاً ، وأكثر ازدهاراً ، وأكثر رنيناً . . . وجماع القول أن لموال يزيد مافي فنه من شاعرية ، وهي شاعرية يمكن أن تكون حارة، دون أن تنساق إلى الهذيان والفوضى .
ومن بين جميع فناني هذه الجماعة ( التي يمكن أن نضم إليها أيضاً الفير جان Elvire Jan ) ، وكذلك ( اوباك Ubac ) ، ( ولكن إلى حد ما فقط ) يعتبر سنجییه Singier دون ريب أكثرهم فتنة مباشرة وأكثرهم دعابة ، وأكثرهم ميلاً إلى أن يكتشف النواحي الحلوة اللطيفة المداعبة ، من هذه الدنيا . وإذا مانظر إلى النور ، فإنه لا يهتم قط بالصراع الذي قد ينشب بين النور والظلمات ، وإنما ينظر إليه من خلال اللعب الخفيف الذي يلعبه النور على سطح المياه أو في رحاب السماء ، حتى الليل نفسه يجد فيه سنجييه ذريعة لأن يبسط أمام أعيننا ضرباً من الحرير الأزرق المزين بسواد مخملي ، عليه بعض النقاط الصفراء والحمراء ترقشه . وإن هذا الفن الخلو من كل أثر للمأساة ، وهو خال أيضاً من كل اضطراب ، وليس فيه شيء ثقيل وإنما هو نقل لا يحفل من الموضوع إلا بدلالات الألوان ، فاللون الأحمر الشديد لشمس الظهيرة ، والأزرق الفيروزي لتصويره « نافذة بحرية » . بيد أن حساسية سنجيبه انما تتجلى في رقة الألوان، وفي ندرتها اللذيذة ، وتأنقها ، وكثيراً ما تخلو لوحته إلا من بضعة أصباغ مسطحة متدرجة . وحوالي ١٩٥٣ قد نجد فيها أشكالاً هندسية البنيان تتلاعب . وفي هذه الأشكال ما يجعلها ذات صلة بصور ميرو . أما في اللوحات التي جاءت بعد ذلك، فإننا واجدون بضعة خطوط رفيعة كأنها الشقوق ، تتمشى خلال اللوحة وكأنها تتنزه فيها بلا مبالات
أما ( تال كوت Tal Coat ) فلاشك بأن تطوره الفني كان أعجب وأدهش تطور بين سائر فناني جيله. فبعد أن قضى فترة من الواقعية ، وقع خلال الحرب تحت تأثير ماتيس ، ثم وقع تحت تاثير بيكاسو عام ١٩٤٥. فإن اللون الحي ، اللذيذ ، والرسم ذا الخط العريض التركيبي يميزان اللوحات التي نفذها في هذه الآونة والتي وضعته في مصاف أبرز المصورين الشبان . وفي ١٩٤٦ - ١٩٤٧ ، ثبت دعائم شهرته بتصويره الأسماك في وعائها المائي . فقد افتن في جعل الأصباغ مخففة برشاقة . وفي جعل العجينة رقيقة وبنفس الوقت رنانة . وإذا كانت اللوحات الأولى تسمح لنا برؤية الأسماك ، فإن اللوحات الأخيرة من هذه السلسلة لم يعد فيها شي من ذلك ، وكل ما يظهر فيها هو أثر الحركات السريعة البراقة التي ترسمها الأسماك في الماء. وقد قطع ما بينه وبين هذه الطريقة حوالي عام ١٩٤٩ ، مع أنه مدين لها بلوحات بلغت ما بلغت من الابتكار وتأثر بالمصورين الصينيين في عهد سونغ. فراح يقتصر في لوحته على وضع طبقة خفيفة من اللون الشفاف الباهت . أما غايته من ذلك فهي : أن يوحي بالشقوق والطحالب في صخرة أو بالمطر وهو يضرب الجبل . وقد استمر في رغبته بأن يكون معبراً متواضعاً لطبيعة لم تفسدها الحضارة الحديثة وانطبعت ، على أبعد تقدير بآثار الانسانية البدائية ، وفي آخر الأمر ، صار تال كوت يرسم بضع إشارات متمتمة هامسة ، وكأنها من عهود ماقبل التاريخ ، فوق مساحات كبيرة من اللوحة . يطليها بعدد محدود من الألوان المخففة تدريجياً بصورة رقيقة .
انه الطبيعي أكثر أن يذكرنا زاو - يو - كي Zao Wou-Ki بفن سونغ . وهو رجل صيني استقر في باريز عام ١٩٤٨ أن اتخذ كلي قدوة له ، أظهر حبه للنور وهو يتغلغل إلى الضباب والظليل ويتيه فيهما . وبالطبع كان الفنانون من مدرسة سونغ من مصوري المشاهد الطبيعية ، يمثلون الماء والأشجار والجبال بشكل يمكن من التعرف إليها ، في حين أن زاو - يوكي يستبعد الأشياء ويقتصر على تصوير عنصر سيال تتخلله الخطوط والبقع ذات الكيان المستقل . إلا ان طريقته الخفية في الكتابة ، وحبه للمتلاشي وللتدرج الذي لانكاد نشعر به ، وإيثاره للمسافات والأمداء التي لا حدود لها ، ولا أفق ، والتي تذوب فيها أضواء لطيفة في قلب ضباب متحرك . . والأمر الصيني الآخر هو أن زاو - كي لا يفلت أن ملونته لا تقتصر على الرمادي والأسود، فهو يعبر عن نفسه بصورة أساسية بواسطة دقة القيم ورقتها .
وهذه الدقة الرقيقة تشغل أيضاً حيزاً كبيراً في لوحات الألماني رايكيل Reichel ، والهنغاري زينس Szenes ( وزوجته ) . فهذه الفنانة قد البرتغالية فييرا دا سيلفا Vieira Da Silva أقامت في باريز منذ ۱۹۲۸ ، وظلت مدة خمس عشرة سنة تدخلنا في عالم هو في نفس الوقت مغمور بالضوء ومليء بالأسرار . ففي لوحاتها هياكل عنكبوتية ، وفيها أعماق يتداخل بعضها في بعض دون أي منطق ، ومناظير تجذبنا إليها لكي نضيع فيها ونتيه ، ولكي تجعلنا نلتقي بخفقات اللغز الناعمة ، تلوينها خفيف ، شفاف في أكثر الأحيان، يرتج ويرن أكثر ما يمكن عندما يقتصر على الرمادي الذي يلون الصباح ، وعلى الأبيض الذي يشبه الحوار ، وعلى الأزرق الذي يبلغ من الشحوب الباهت ما يجعله يبدو وكأنه يغرق في الماء ..... ... ذلكم هو مانجده في هذا التصوير الذي يتأرجح بين التشبيهي والتجريدي ، بل الأجدر بنا أن نقول انه تصوير تلميحي allusive » ، وتؤكد ذلك لوحات كتلك المسماة الكاتدرائية » ، و ( المنظر البحري ) ، و «محطة الشمال» . غير أن التلميح هو من التبسيط بحيث لا يترك للأشياء ، بصورة عامة ، ما يعرف عليها فالذي تهتم به الفنانة ، فوق اهتمامها بالأشياء كلها ، إنما هو في الواقع الجو الذي يحيط بهذه الأشياء فيؤثر فينا بحقيقته غير الملموسة ويتركنا في الاستغراب والحيرة .
ويمكن ان نبدي الملاحظة نفسها بشأن « رايكيل .. إلا أن مناخه يختلف عن مناخ فييرا دا سيلفا وقبل أن يستقر رايكل في باريز عام ۱۹۲۸ ، كان على اتصال بكلي. وهو يمت إليه بشكل بارز للعيان . انه أيضاً فنان رومانطيقي ، وشاعر يعرف كيف يدخل في انتاجه مفاتن مالا يدرك . وهو يؤثر التمتمة الموحية ، والأشياء المضمرة ، واللمسات اللطيفة الساحرة على التأكيدات القاطعة والتعاريف التي لا تحتمل الالتباس . انه أقل من كلي تمسكاً بالنظريات . ولكنه أكثر منه ميلاً لتصوير دواخل الحياة ، وكل أعماله تقريباً رسوم مائية aquarelles صغيرة الحجم ، وألوانه الأثيرية الكتومة ذات رقة ساحرة . وأن الأشياء والأشكال تبدو وكأنها محاطة بالحنان ، وكأنها وضعت في مأمن داخل بيئة لا يمكن أن ينفذ إليها مافي الحياة العادية من قسوة وابتذال . وإذا كان رايكل لا يهمل الرسم نفسه ، فليس في رسمه ماهو ثقيل وما هو حاد ، ذلك لأن نعومة التلوين البراق يغلفانه ويظللانه ويخففانه .
ومن بين جميع فناني هذه الجماعة ( التي يمكن أن نضم إليها أيضاً الفير جان Elvire Jan ) ، وكذلك ( اوباك Ubac ) ، ( ولكن إلى حد ما فقط ) يعتبر سنجییه Singier دون ريب أكثرهم فتنة مباشرة وأكثرهم دعابة ، وأكثرهم ميلاً إلى أن يكتشف النواحي الحلوة اللطيفة المداعبة ، من هذه الدنيا . وإذا مانظر إلى النور ، فإنه لا يهتم قط بالصراع الذي قد ينشب بين النور والظلمات ، وإنما ينظر إليه من خلال اللعب الخفيف الذي يلعبه النور على سطح المياه أو في رحاب السماء ، حتى الليل نفسه يجد فيه سنجييه ذريعة لأن يبسط أمام أعيننا ضرباً من الحرير الأزرق المزين بسواد مخملي ، عليه بعض النقاط الصفراء والحمراء ترقشه . وإن هذا الفن الخلو من كل أثر للمأساة ، وهو خال أيضاً من كل اضطراب ، وليس فيه شيء ثقيل وإنما هو نقل لا يحفل من الموضوع إلا بدلالات الألوان ، فاللون الأحمر الشديد لشمس الظهيرة ، والأزرق الفيروزي لتصويره « نافذة بحرية » . بيد أن حساسية سنجيبه انما تتجلى في رقة الألوان، وفي ندرتها اللذيذة ، وتأنقها ، وكثيراً ما تخلو لوحته إلا من بضعة أصباغ مسطحة متدرجة . وحوالي ١٩٥٣ قد نجد فيها أشكالاً هندسية البنيان تتلاعب . وفي هذه الأشكال ما يجعلها ذات صلة بصور ميرو . أما في اللوحات التي جاءت بعد ذلك، فإننا واجدون بضعة خطوط رفيعة كأنها الشقوق ، تتمشى خلال اللوحة وكأنها تتنزه فيها بلا مبالات
أما ( تال كوت Tal Coat ) فلاشك بأن تطوره الفني كان أعجب وأدهش تطور بين سائر فناني جيله. فبعد أن قضى فترة من الواقعية ، وقع خلال الحرب تحت تأثير ماتيس ، ثم وقع تحت تاثير بيكاسو عام ١٩٤٥. فإن اللون الحي ، اللذيذ ، والرسم ذا الخط العريض التركيبي يميزان اللوحات التي نفذها في هذه الآونة والتي وضعته في مصاف أبرز المصورين الشبان . وفي ١٩٤٦ - ١٩٤٧ ، ثبت دعائم شهرته بتصويره الأسماك في وعائها المائي . فقد افتن في جعل الأصباغ مخففة برشاقة . وفي جعل العجينة رقيقة وبنفس الوقت رنانة . وإذا كانت اللوحات الأولى تسمح لنا برؤية الأسماك ، فإن اللوحات الأخيرة من هذه السلسلة لم يعد فيها شي من ذلك ، وكل ما يظهر فيها هو أثر الحركات السريعة البراقة التي ترسمها الأسماك في الماء. وقد قطع ما بينه وبين هذه الطريقة حوالي عام ١٩٤٩ ، مع أنه مدين لها بلوحات بلغت ما بلغت من الابتكار وتأثر بالمصورين الصينيين في عهد سونغ. فراح يقتصر في لوحته على وضع طبقة خفيفة من اللون الشفاف الباهت . أما غايته من ذلك فهي : أن يوحي بالشقوق والطحالب في صخرة أو بالمطر وهو يضرب الجبل . وقد استمر في رغبته بأن يكون معبراً متواضعاً لطبيعة لم تفسدها الحضارة الحديثة وانطبعت ، على أبعد تقدير بآثار الانسانية البدائية ، وفي آخر الأمر ، صار تال كوت يرسم بضع إشارات متمتمة هامسة ، وكأنها من عهود ماقبل التاريخ ، فوق مساحات كبيرة من اللوحة . يطليها بعدد محدود من الألوان المخففة تدريجياً بصورة رقيقة .
انه الطبيعي أكثر أن يذكرنا زاو - يو - كي Zao Wou-Ki بفن سونغ . وهو رجل صيني استقر في باريز عام ١٩٤٨ أن اتخذ كلي قدوة له ، أظهر حبه للنور وهو يتغلغل إلى الضباب والظليل ويتيه فيهما . وبالطبع كان الفنانون من مدرسة سونغ من مصوري المشاهد الطبيعية ، يمثلون الماء والأشجار والجبال بشكل يمكن من التعرف إليها ، في حين أن زاو - يوكي يستبعد الأشياء ويقتصر على تصوير عنصر سيال تتخلله الخطوط والبقع ذات الكيان المستقل . إلا ان طريقته الخفية في الكتابة ، وحبه للمتلاشي وللتدرج الذي لانكاد نشعر به ، وإيثاره للمسافات والأمداء التي لا حدود لها ، ولا أفق ، والتي تذوب فيها أضواء لطيفة في قلب ضباب متحرك . . والأمر الصيني الآخر هو أن زاو - كي لا يفلت أن ملونته لا تقتصر على الرمادي والأسود، فهو يعبر عن نفسه بصورة أساسية بواسطة دقة القيم ورقتها .
وهذه الدقة الرقيقة تشغل أيضاً حيزاً كبيراً في لوحات الألماني رايكيل Reichel ، والهنغاري زينس Szenes ( وزوجته ) . فهذه الفنانة قد البرتغالية فييرا دا سيلفا Vieira Da Silva أقامت في باريز منذ ۱۹۲۸ ، وظلت مدة خمس عشرة سنة تدخلنا في عالم هو في نفس الوقت مغمور بالضوء ومليء بالأسرار . ففي لوحاتها هياكل عنكبوتية ، وفيها أعماق يتداخل بعضها في بعض دون أي منطق ، ومناظير تجذبنا إليها لكي نضيع فيها ونتيه ، ولكي تجعلنا نلتقي بخفقات اللغز الناعمة ، تلوينها خفيف ، شفاف في أكثر الأحيان، يرتج ويرن أكثر ما يمكن عندما يقتصر على الرمادي الذي يلون الصباح ، وعلى الأبيض الذي يشبه الحوار ، وعلى الأزرق الذي يبلغ من الشحوب الباهت ما يجعله يبدو وكأنه يغرق في الماء ..... ... ذلكم هو مانجده في هذا التصوير الذي يتأرجح بين التشبيهي والتجريدي ، بل الأجدر بنا أن نقول انه تصوير تلميحي allusive » ، وتؤكد ذلك لوحات كتلك المسماة الكاتدرائية » ، و ( المنظر البحري ) ، و «محطة الشمال» . غير أن التلميح هو من التبسيط بحيث لا يترك للأشياء ، بصورة عامة ، ما يعرف عليها فالذي تهتم به الفنانة ، فوق اهتمامها بالأشياء كلها ، إنما هو في الواقع الجو الذي يحيط بهذه الأشياء فيؤثر فينا بحقيقته غير الملموسة ويتركنا في الاستغراب والحيرة .
ويمكن ان نبدي الملاحظة نفسها بشأن « رايكيل .. إلا أن مناخه يختلف عن مناخ فييرا دا سيلفا وقبل أن يستقر رايكل في باريز عام ۱۹۲۸ ، كان على اتصال بكلي. وهو يمت إليه بشكل بارز للعيان . انه أيضاً فنان رومانطيقي ، وشاعر يعرف كيف يدخل في انتاجه مفاتن مالا يدرك . وهو يؤثر التمتمة الموحية ، والأشياء المضمرة ، واللمسات اللطيفة الساحرة على التأكيدات القاطعة والتعاريف التي لا تحتمل الالتباس . انه أقل من كلي تمسكاً بالنظريات . ولكنه أكثر منه ميلاً لتصوير دواخل الحياة ، وكل أعماله تقريباً رسوم مائية aquarelles صغيرة الحجم ، وألوانه الأثيرية الكتومة ذات رقة ساحرة . وأن الأشياء والأشكال تبدو وكأنها محاطة بالحنان ، وكأنها وضعت في مأمن داخل بيئة لا يمكن أن ينفذ إليها مافي الحياة العادية من قسوة وابتذال . وإذا كان رايكل لا يهمل الرسم نفسه ، فليس في رسمه ماهو ثقيل وما هو حاد ، ذلك لأن نعومة التلوين البراق يغلفانه ويظللانه ويخففانه .
تعليق