مايتاني من طبيعة الألوان الحمراء والألوان الزرقاء . ولكنه عندما عالج في عام ١٩٤٨ موضوع « اكليل الشوك » كانت لوحته غير واضحة المفهوم إلا بالنسبة للناظر الذي يعرف ماهي الحالات السابقة التي مر بها وجه المسيح لدى هذا المصور. إذ أننا لانرى في هذه اللوحة إلا ضرباً من الشبكة الشعرية تتألف من خطوط عمودية وافقية زرقاء وذات رؤوس حادة ورؤوس محدبة ، أمام خلفية حمراء تذكر بالدم والألم ، كما أنها توحي بالنصر في الألم . وبعد ذلك بأربع سنوات أصبح التجريد كاملاً ، في اللوحة المسماة ( الجثمانية ) . ففيها خلفية بنفسجية مظلمة ، تبرز منها أشكال قائمة ، يحسها الناظر مكسرة تبدو فيها زوايا جارحة ، وتضم بينها بضع بقع خضراء وكأنها تريد أن تخنقها كما يخنق الليل خضرة بستان الزيتون . وخلف هذه الأشكال تخفق ألوان حمراء كأنها تشنجات وتمزقات نفس يائسة .
على أن مانيسيه لايقصر اختياره على المواضيع الدينية ، فهو ينقل بنفس الأسلوب ، وإن لم يكن في نفس الجو، مشاهد الطبيعة كمشهد المد قرب مصب نهر السوم أو مناظر طبيعية هولاندية . وفي ١٩٥٨ - ١٩٥٩ أقام مدة في مقاطعة البروفانس العلميا في فرنسا ، فأوحت له هذه الاقامة بلوحات تدل على تغير في الطريقة . فحتى ذلك الحين كانت الأشكال لديه مقطعة قطعاً تكاد تكون هندسية فإذا بها تصبح متلوية ، ترسم حدودها خطوط عريضة غير منتظمة ، وتكسوها أصباغ متعددة الألوان ، وترسم هذه الأصباغ حركات مائلة لايبدو في اللوحة إلا مرحلة واحدة منها. ومن جهة ثانية فسواء أكان اسم اللوحة « السيل » أم كان اسمها ( رياح الميسترال ) ، نرى أن هذه الأصباغ تتمدد وتتثاءب بشيء من الرخاوة ، حتى يظن أن ثمة تياراً ذا نزوات يحملها . ثم ان الايقاعات أصبحت أوسع مما كانت عليه ، كما أصبحت الألوان يجوز أن نتساءل عما إذا كان مانيسيه ، في هذا الأسلوب الباروك يعبر عن ذاته بنفس التوفيق السابق ، ولو أنه أتحفنا عام ١٩٦٢ بلوحات ريفية كبيرة تمتاز بما فيها من كثافة ذلك أكثر رنيناً . ومع و عمق روحي .
وعلى العكس من ذلك ، ليس ثمة أي شك في أن الباروك يوافق تماماً مزاج برتول . ومنذ ماقبل الحرب ، وفي الفترة التي كان لايزال يتلمس فيها طريقه تلمساً ، بدا عليه حبه للخطوط التي تتموج ، وإيثاره التضاد في النور واللقاءات الدرامية . وإذ تأثر تأثراً عميقاً بجيروم بوش وبلوحة ( رؤيا سان سيفير ) وأخذ يكثر في لوحاته من تصوير العناصر الغريبة الغامضة الرمزية وحتى السرية . وفيما بعد نراه يتخلى عن هذه الرمزية بيد أنه ظل في كثير من الأحيان يدخل عناصر خيالية وحتى في اللوحات غير التشبيهية التي بدأ انتاجها حوالي ١٩٥٥ .
وبعض هذه اللوحات يرتكز على عالم الأشياء . وقد يحدث أن تظل بعض بقايا الحقيقة ظاهرة فيها . إلا أنها تندمج في تركيب في لاتقرره إلا حساسية الفنان وفكره. وبالأحرى فإن برتول يشعر بالحرية عندما يعبر عن مشاعره. وفي اللوحة التي سماها «مانييفيكات Magnificat » : تعظم نفسي الرب » ، والتي صورها عام ١٩٥٨ نرى مهرجاناً فرحاً من الألوان الحمراء التي ترافقها ألوان زرقاء صافية ، وتدعمها ألوان خضراء وبنفسجية وسمراء داكنة. وانه لمهرجان يتعالى باندفاع وإيمان ، إلا أن ايقاعاته تخضع لتركيب مرتب ترتيباً هندسياً بيد أن برتول حطم هذا الهيكل الهندسي في عام ١٩٥٩ ليدخل إلى أعماله الفنية حركات أكثر ديناميكية ، وارتعاشاً أكثر حدة . ولقد ظل طوال حياته الفنية يراوده بالحاح موضوع العراك . وإذا كان العراك من قبل يتمثل في مبارزة بين الفرسان في حقل عسكري أو في رجال يصارعون ثوراً في إحدى حلبات مصارعة الثيران ، فهو ينمثل الآن في قوى تتصارع وتتقاتل ، ولولا أن تعبير الكوني قد اسيء استعماله في هذه الأيام ، لقلت أن هذه القوى هي قوى كونية . . . وعلى كل حال ، فهي قوى النور وقوى الظلام . وإذا كان مثل هذا العراك يتمثل على الصعيد الروحي أو الصعيد الأخلاقي ، فهو يذكرنا أيضاً بدنيا الطبيعة ، فنفكر تارة بالصراع الذي يدور في سماء اقتريت فيها العاصفة . وطوراً بأشعة الشمس التي تنفذ من خلال ظليل كثيف ، أو خلال ظلمة أجمة . وإذا قسنا هذه اللوحات بمارسمه في عام ١٩٥٨ وجدنا أن النور أصبح في نفس الوقت أكثر شفافية وأكثر عنفاً .
وان لهذا النور هجمات مندفعة ، وهو يهاجم على جبهات مختلفة ، وبأسلحة متنوعة ، فهو يخدش الظلال ، ويمزقها ويقطع أوصالها وهو يجرح نفسه ، في الوقت نفسه .. وهو هنا يقشعر في الألوان البيضاء والصفراء ، وهو هناك ينتشي بالظفر في الألوان الحمراء وفي مكان آخر نراه يرن بقلق في الألوان البنفسجية والمغراء والألوان المخفضة التي لها دور هام في فنه . فهي لا تغني التركيب فحسب . بل تعطيه أيضاً رزانة وتزيده عمقاً . وإذا أردنا أن نقارب بين برتول وبين قدامى المصورين ، خطر على بالنا فوراً اسم ( تنتوريه Tintoret) واسم « ديلاكروا » .
وإذا كان نشيد برتول يتميز بما فيه من اندفاع وحرارة ، وإذا كان نشيد مانيسييه يبدو ذا مهابة كترانيم الكنائس ، فإن نشيد لموال هو في الوقت نفسه ، نشيد مباشر وداخلي . وكان في أول أمره يعني بصورة خاصة بالحياة الداخلية ، وأكثر لوحاته ذات الدلالة التي صورها بين ١٩٤٥ و ۱۹٥٠ موضوعها ( المخادع ) . وقد ظل في دواخل الحياة » و «مدی بحری » و « عاصفة على البحر وحتى عام ١٩٥٤ ظل يصور الأشياء بشكل موجز يقتصر على ما يمكن أن يرد إلى مجموعة من الخطوط . لكن فنه في لوحاته الحديثة أصبح فناً غير تشبيهي . وإن الأسماء التي يعطيها للوحاته هذه « الخريف » ( أرديش العليا ) أزهار متفتحة ليست مع ذلك مجرد فهي تدل على الواقع الذي أثار حساسية الفنان الذي تصلنا بــــــه لوحاته .
وأن ما يجذبه بصورة خاصة ، منذ بضع سنوات ، هو الشيء المتحرك والماء والسماء المثقلة بالغيوم. وعندما يصور لوحته المسماة الصخور على سطح الماء » نشاهد أن المادة السائلة تصطدم بمقاومات. وأنها تغور تارة ، وتزيد أخرى . ولكننا لانرى الصخور بدقة ، وكذلك لانرى فرقاً بين الغيوم ومياه البحر. ويتوقف لموال كما يفعل بازين عند التجانس الموجود بين الأشياء ، وهو كبازين أيضاً ، يؤثر مفعول الألوان والضوء على الاحساس بالشيء الـ الملموس .
وفي عام ۱۹٥٥ ظلت الخطوط كثيرة العدد في لوحاته وهي بحيث تشكل نوعاً من الحاجز المشبك ربما أحس النظر بضيق فيه وبعد ذلك ، خفت شدة الرسم وانتهى الأمر بأن أصبح الخط مجزأ ثم تلاشي ، بحيث لم نعد نلمح في اللوحة إلا غلياناً من بقع الألوان
على أن مانيسيه لايقصر اختياره على المواضيع الدينية ، فهو ينقل بنفس الأسلوب ، وإن لم يكن في نفس الجو، مشاهد الطبيعة كمشهد المد قرب مصب نهر السوم أو مناظر طبيعية هولاندية . وفي ١٩٥٨ - ١٩٥٩ أقام مدة في مقاطعة البروفانس العلميا في فرنسا ، فأوحت له هذه الاقامة بلوحات تدل على تغير في الطريقة . فحتى ذلك الحين كانت الأشكال لديه مقطعة قطعاً تكاد تكون هندسية فإذا بها تصبح متلوية ، ترسم حدودها خطوط عريضة غير منتظمة ، وتكسوها أصباغ متعددة الألوان ، وترسم هذه الأصباغ حركات مائلة لايبدو في اللوحة إلا مرحلة واحدة منها. ومن جهة ثانية فسواء أكان اسم اللوحة « السيل » أم كان اسمها ( رياح الميسترال ) ، نرى أن هذه الأصباغ تتمدد وتتثاءب بشيء من الرخاوة ، حتى يظن أن ثمة تياراً ذا نزوات يحملها . ثم ان الايقاعات أصبحت أوسع مما كانت عليه ، كما أصبحت الألوان يجوز أن نتساءل عما إذا كان مانيسيه ، في هذا الأسلوب الباروك يعبر عن ذاته بنفس التوفيق السابق ، ولو أنه أتحفنا عام ١٩٦٢ بلوحات ريفية كبيرة تمتاز بما فيها من كثافة ذلك أكثر رنيناً . ومع و عمق روحي .
وعلى العكس من ذلك ، ليس ثمة أي شك في أن الباروك يوافق تماماً مزاج برتول . ومنذ ماقبل الحرب ، وفي الفترة التي كان لايزال يتلمس فيها طريقه تلمساً ، بدا عليه حبه للخطوط التي تتموج ، وإيثاره التضاد في النور واللقاءات الدرامية . وإذ تأثر تأثراً عميقاً بجيروم بوش وبلوحة ( رؤيا سان سيفير ) وأخذ يكثر في لوحاته من تصوير العناصر الغريبة الغامضة الرمزية وحتى السرية . وفيما بعد نراه يتخلى عن هذه الرمزية بيد أنه ظل في كثير من الأحيان يدخل عناصر خيالية وحتى في اللوحات غير التشبيهية التي بدأ انتاجها حوالي ١٩٥٥ .
وبعض هذه اللوحات يرتكز على عالم الأشياء . وقد يحدث أن تظل بعض بقايا الحقيقة ظاهرة فيها . إلا أنها تندمج في تركيب في لاتقرره إلا حساسية الفنان وفكره. وبالأحرى فإن برتول يشعر بالحرية عندما يعبر عن مشاعره. وفي اللوحة التي سماها «مانييفيكات Magnificat » : تعظم نفسي الرب » ، والتي صورها عام ١٩٥٨ نرى مهرجاناً فرحاً من الألوان الحمراء التي ترافقها ألوان زرقاء صافية ، وتدعمها ألوان خضراء وبنفسجية وسمراء داكنة. وانه لمهرجان يتعالى باندفاع وإيمان ، إلا أن ايقاعاته تخضع لتركيب مرتب ترتيباً هندسياً بيد أن برتول حطم هذا الهيكل الهندسي في عام ١٩٥٩ ليدخل إلى أعماله الفنية حركات أكثر ديناميكية ، وارتعاشاً أكثر حدة . ولقد ظل طوال حياته الفنية يراوده بالحاح موضوع العراك . وإذا كان العراك من قبل يتمثل في مبارزة بين الفرسان في حقل عسكري أو في رجال يصارعون ثوراً في إحدى حلبات مصارعة الثيران ، فهو ينمثل الآن في قوى تتصارع وتتقاتل ، ولولا أن تعبير الكوني قد اسيء استعماله في هذه الأيام ، لقلت أن هذه القوى هي قوى كونية . . . وعلى كل حال ، فهي قوى النور وقوى الظلام . وإذا كان مثل هذا العراك يتمثل على الصعيد الروحي أو الصعيد الأخلاقي ، فهو يذكرنا أيضاً بدنيا الطبيعة ، فنفكر تارة بالصراع الذي يدور في سماء اقتريت فيها العاصفة . وطوراً بأشعة الشمس التي تنفذ من خلال ظليل كثيف ، أو خلال ظلمة أجمة . وإذا قسنا هذه اللوحات بمارسمه في عام ١٩٥٨ وجدنا أن النور أصبح في نفس الوقت أكثر شفافية وأكثر عنفاً .
وان لهذا النور هجمات مندفعة ، وهو يهاجم على جبهات مختلفة ، وبأسلحة متنوعة ، فهو يخدش الظلال ، ويمزقها ويقطع أوصالها وهو يجرح نفسه ، في الوقت نفسه .. وهو هنا يقشعر في الألوان البيضاء والصفراء ، وهو هناك ينتشي بالظفر في الألوان الحمراء وفي مكان آخر نراه يرن بقلق في الألوان البنفسجية والمغراء والألوان المخفضة التي لها دور هام في فنه . فهي لا تغني التركيب فحسب . بل تعطيه أيضاً رزانة وتزيده عمقاً . وإذا أردنا أن نقارب بين برتول وبين قدامى المصورين ، خطر على بالنا فوراً اسم ( تنتوريه Tintoret) واسم « ديلاكروا » .
وإذا كان نشيد برتول يتميز بما فيه من اندفاع وحرارة ، وإذا كان نشيد مانيسييه يبدو ذا مهابة كترانيم الكنائس ، فإن نشيد لموال هو في الوقت نفسه ، نشيد مباشر وداخلي . وكان في أول أمره يعني بصورة خاصة بالحياة الداخلية ، وأكثر لوحاته ذات الدلالة التي صورها بين ١٩٤٥ و ۱۹٥٠ موضوعها ( المخادع ) . وقد ظل في دواخل الحياة » و «مدی بحری » و « عاصفة على البحر وحتى عام ١٩٥٤ ظل يصور الأشياء بشكل موجز يقتصر على ما يمكن أن يرد إلى مجموعة من الخطوط . لكن فنه في لوحاته الحديثة أصبح فناً غير تشبيهي . وإن الأسماء التي يعطيها للوحاته هذه « الخريف » ( أرديش العليا ) أزهار متفتحة ليست مع ذلك مجرد فهي تدل على الواقع الذي أثار حساسية الفنان الذي تصلنا بــــــه لوحاته .
وأن ما يجذبه بصورة خاصة ، منذ بضع سنوات ، هو الشيء المتحرك والماء والسماء المثقلة بالغيوم. وعندما يصور لوحته المسماة الصخور على سطح الماء » نشاهد أن المادة السائلة تصطدم بمقاومات. وأنها تغور تارة ، وتزيد أخرى . ولكننا لانرى الصخور بدقة ، وكذلك لانرى فرقاً بين الغيوم ومياه البحر. ويتوقف لموال كما يفعل بازين عند التجانس الموجود بين الأشياء ، وهو كبازين أيضاً ، يؤثر مفعول الألوان والضوء على الاحساس بالشيء الـ الملموس .
وفي عام ۱۹٥٥ ظلت الخطوط كثيرة العدد في لوحاته وهي بحيث تشكل نوعاً من الحاجز المشبك ربما أحس النظر بضيق فيه وبعد ذلك ، خفت شدة الرسم وانتهى الأمر بأن أصبح الخط مجزأ ثم تلاشي ، بحيث لم نعد نلمح في اللوحة إلا غلياناً من بقع الألوان
تعليق