بأن هذه الانطباعية انما انطباعية معمقة لا تقتصر ما تحفل به على انطباعات الشبكة البصرية . فعند بازين ينفعل الكائن بأجمعه من مشهد العالم، ويشترك في التركيب الذي يولد على اللوحة والذي تجتمع فيه وتختلط حقيقة الطبيعة الخارجية وحقيقة الفنان الداخلية . وبعبارة أخرى فإنه يدعونا إلى دخول عالم لانستطيع أن نكتشفه إلا إذا قبلنا بمغادرة الشواطئ المتينة ، لنغوص في لجة متماوجة ، براقة هي لحة مالاحد له ، مالا كيان له .
وكان ( بيسيير Bissiere ) قد جاوز الخمسين من عمره عندما سار في الاتجاه الذي نراه يتفتح فيه فيما بعد ، مع أن أول . عهده بالتصوير يرجع إلى الزمن الذي كان فيه السابعة عشرة من عمره . وإذن فقد ظل زمناً طويلاً يبحث عن اتجاهه الحقيقي ، بعد أن اجتذبته الواقعية ثم التكعيبية . وحوالي عام عدداً من المناظر الطبيعية وفي هذه الصور نرى بقعاً صغيرة مرصوفة بعضها لصق ببعض . وهي التي تبشر ، على نحو عجيب ، بالاساوب الذي سيتبناه بعد ذلك الوقت بثلاثين سنة . إلا أنه لم يجد نفسه إلا بعد أن جال حوله في ميدان الفن البدائي . وأن اللوحة المسماة الشكلان الكبيران الواقفان ( ١٩٣٧ ) عهد الطريق إلى السجاجيد الرائعة التي ابدعها أثناء الحرب ، عن طريق جمع قطع قديمة من أقمشة مختلفة المادة ومختلفة الألوان.وفي الصور التي جاءت في أعقاب هذه النجود ، لم يعد للتشبيه فيها إلا وجود قليل كتوم . فملاك الكاتدرائية » لم يصور إلا تلميحاً ببضعة خطوط رفيعة كأنها تمتزج ببنية قماش اللوحة . وفي لوحات أخرى ، نرى رسوماً مبسطة لأشكال بشرية دميمة وحيوانات تجاور معينات هندسية ، وأخاديد ، ونجوماً وخطوطاً متكسرة متعرجة . وليس لكل هذه العناصر في الدرجة الأولى إلا قيمة تشكيلية . وإذا كان من الممكن أن تذكرنا باشارات ماقبل التاريخ ، فهي لا تحملنا على التذكر بالفنان ميرو . فبيسيير لا يرسم تلك الأشكال البشرية الدميمة بهذا المزاج المازح وأحياناً الوحشي الذي يتميز به العصور الاسباني . ذلك لأن بيسيير ينظر إلى الحياة بكثير من الجدية . وهو أيضاً شديد التواضع بحيث لا يمكن أن يهزأ من أي شي ، حتى أننا لا نجد لديه تلك السخرية الهازئة والتي تلقاها عند « كلي » . ومع ذلك ، فهو قريب من كلي بالذات، لأن النهج البدائي الذي لديه نابع عنده أيضاً من تحري التعبير البسيط النقي التلميحي .
وفي مطلع الخمسينات اختفت الأشكال البشرية الدميمة ، في حين أن الاشارات الأخرى ظلت موجودة وأصبحت ترتبط ، في بعض اللوحات ، بألوان سمراء لكي تضفي على اللوحة منظر لوحة مصورة على قشرة الشجر أو منظر قماش قديم خلع عليه مر الأيام جمالاً ونبلاً .
وحوالي ١٩٥٥ أخذت الاشارات البدائية تختفي بدورها بصورة عامة ، أخذت الخطوط تكتفي بنفسها ، وتشكل شبكة تغطي سطح اللوحة ، وتسكن الألوان بين قطبها . ويلاحظ وجود اتجاهين فحسب ، العمودي والأفقي ، في حين استبعد تماماً خط الزوايا . ولا نجد في اللوحة أي خط منحني يرسم توثباً مندفعاً . وإذن فليس ثمة حركة أو ، على الأقل ليس ثمة شكلاً واضحاً في الفراغ فإن بسيير برصفه البقع الملونة واحدة إلى جنب واحدة ، دون أن تفصل بينها دائماً خطوط ، يبدو وكأنه يفتح أمامنا عدداً كبيراً من النوافذ . ذلك لأن البقع تشير إلى مستويات مختلفة . وأن السطح الذي يبدو لأ عيننا انما هو سطح خافق ، ولكن ، على أي شيء تطل هذه النوافذ ؟ ؟ انها تطل على حقيقة يختلط فيها العالم الخارجي بالعالم الداخلي ، كما هو الأمر لدى بازين .
أما إلى وجود الطبيعة في هذا الفن ، فأمر يستحيل الشك فيه . اننا نجد فيه ملونة كاملة من الأخضر الذي تعطيه للمروج الربيعية والخريفية ، الألوان الزهرية والليلكية التي تحييها في الأزهار ، إلى النشوة الحلوة التي تسبغها على سماء الصبح ، إلى النيران التي توقدها الشمس قبل أن تغوص في الليل . ولكننا نجد أيضاً في فن ( بيسيير ) أصباغاً و انسجامات تعبر عما لابد من تسميته حالات نفسية : فألوان حمراء تخشع ، وزرقاء تتأمل وخضراء تتذكر وسوداء تحمل الهدوء والمصالحة. والخلاصة أن كل شيء في هذه الأعمال يحمل طابع حساسية رقيقة ، كل شي فيها يشهد بنمكر لا يحاول أن يؤثر على العالم. فكر ينأى عن تعجل المجتمع المعاصر، فكر أقرب إلى حياة الأشجار والنباتات الهادئة منه إلى النشاط البشري المتعجرف .
وحوالي عام ١٩٣٥ كان بيسيير مدرساً في أكاديمية رانسون ، وقد التف حوله عدد من الشبان أمثال مانيسيه وبرتول ولوال الذين حفظوا له أبداً بوافر الامتنان ، ذكرى نصائحه لهم وتشجيعه اياهم سيكون مختلفاً ومتميزاً عنه كما عن سائر رفاقه فكان منيسيه مصوراً دينياً قبل كل شيء ، ويبدو أنه تأمل ، حتى أكثر من رووو في تعاليم الصور الزجاجية المنفذة في القرون الوسطى ، أو على الأقل نقول ان فنه يبدو وكأنه قد بني على أساس الواقع لابد أن يتحقق منه كل من ينظر إلى هذه الزجاجيات ، أي واقع التأثر بالألوان قبل التعرف إلى الموضوع . فالتشبيه لا يلعب فيها سوى دور ثانوي ويمكن اهماله ، دون أن يفقد العمل مقدرته على اثارة المشاعر .
وفي اللوحة المسماة ( حجاج عمداس ) التي صورها مانيسيه عام ١٩٤٤ ، نجد أن الطابع الديني فيها لا يأتي من الوضعيات والتعابير بقدر
وكان ( بيسيير Bissiere ) قد جاوز الخمسين من عمره عندما سار في الاتجاه الذي نراه يتفتح فيه فيما بعد ، مع أن أول . عهده بالتصوير يرجع إلى الزمن الذي كان فيه السابعة عشرة من عمره . وإذن فقد ظل زمناً طويلاً يبحث عن اتجاهه الحقيقي ، بعد أن اجتذبته الواقعية ثم التكعيبية . وحوالي عام عدداً من المناظر الطبيعية وفي هذه الصور نرى بقعاً صغيرة مرصوفة بعضها لصق ببعض . وهي التي تبشر ، على نحو عجيب ، بالاساوب الذي سيتبناه بعد ذلك الوقت بثلاثين سنة . إلا أنه لم يجد نفسه إلا بعد أن جال حوله في ميدان الفن البدائي . وأن اللوحة المسماة الشكلان الكبيران الواقفان ( ١٩٣٧ ) عهد الطريق إلى السجاجيد الرائعة التي ابدعها أثناء الحرب ، عن طريق جمع قطع قديمة من أقمشة مختلفة المادة ومختلفة الألوان.وفي الصور التي جاءت في أعقاب هذه النجود ، لم يعد للتشبيه فيها إلا وجود قليل كتوم . فملاك الكاتدرائية » لم يصور إلا تلميحاً ببضعة خطوط رفيعة كأنها تمتزج ببنية قماش اللوحة . وفي لوحات أخرى ، نرى رسوماً مبسطة لأشكال بشرية دميمة وحيوانات تجاور معينات هندسية ، وأخاديد ، ونجوماً وخطوطاً متكسرة متعرجة . وليس لكل هذه العناصر في الدرجة الأولى إلا قيمة تشكيلية . وإذا كان من الممكن أن تذكرنا باشارات ماقبل التاريخ ، فهي لا تحملنا على التذكر بالفنان ميرو . فبيسيير لا يرسم تلك الأشكال البشرية الدميمة بهذا المزاج المازح وأحياناً الوحشي الذي يتميز به العصور الاسباني . ذلك لأن بيسيير ينظر إلى الحياة بكثير من الجدية . وهو أيضاً شديد التواضع بحيث لا يمكن أن يهزأ من أي شي ، حتى أننا لا نجد لديه تلك السخرية الهازئة والتي تلقاها عند « كلي » . ومع ذلك ، فهو قريب من كلي بالذات، لأن النهج البدائي الذي لديه نابع عنده أيضاً من تحري التعبير البسيط النقي التلميحي .
وفي مطلع الخمسينات اختفت الأشكال البشرية الدميمة ، في حين أن الاشارات الأخرى ظلت موجودة وأصبحت ترتبط ، في بعض اللوحات ، بألوان سمراء لكي تضفي على اللوحة منظر لوحة مصورة على قشرة الشجر أو منظر قماش قديم خلع عليه مر الأيام جمالاً ونبلاً .
وحوالي ١٩٥٥ أخذت الاشارات البدائية تختفي بدورها بصورة عامة ، أخذت الخطوط تكتفي بنفسها ، وتشكل شبكة تغطي سطح اللوحة ، وتسكن الألوان بين قطبها . ويلاحظ وجود اتجاهين فحسب ، العمودي والأفقي ، في حين استبعد تماماً خط الزوايا . ولا نجد في اللوحة أي خط منحني يرسم توثباً مندفعاً . وإذن فليس ثمة حركة أو ، على الأقل ليس ثمة شكلاً واضحاً في الفراغ فإن بسيير برصفه البقع الملونة واحدة إلى جنب واحدة ، دون أن تفصل بينها دائماً خطوط ، يبدو وكأنه يفتح أمامنا عدداً كبيراً من النوافذ . ذلك لأن البقع تشير إلى مستويات مختلفة . وأن السطح الذي يبدو لأ عيننا انما هو سطح خافق ، ولكن ، على أي شيء تطل هذه النوافذ ؟ ؟ انها تطل على حقيقة يختلط فيها العالم الخارجي بالعالم الداخلي ، كما هو الأمر لدى بازين .
أما إلى وجود الطبيعة في هذا الفن ، فأمر يستحيل الشك فيه . اننا نجد فيه ملونة كاملة من الأخضر الذي تعطيه للمروج الربيعية والخريفية ، الألوان الزهرية والليلكية التي تحييها في الأزهار ، إلى النشوة الحلوة التي تسبغها على سماء الصبح ، إلى النيران التي توقدها الشمس قبل أن تغوص في الليل . ولكننا نجد أيضاً في فن ( بيسيير ) أصباغاً و انسجامات تعبر عما لابد من تسميته حالات نفسية : فألوان حمراء تخشع ، وزرقاء تتأمل وخضراء تتذكر وسوداء تحمل الهدوء والمصالحة. والخلاصة أن كل شيء في هذه الأعمال يحمل طابع حساسية رقيقة ، كل شي فيها يشهد بنمكر لا يحاول أن يؤثر على العالم. فكر ينأى عن تعجل المجتمع المعاصر، فكر أقرب إلى حياة الأشجار والنباتات الهادئة منه إلى النشاط البشري المتعجرف .
وحوالي عام ١٩٣٥ كان بيسيير مدرساً في أكاديمية رانسون ، وقد التف حوله عدد من الشبان أمثال مانيسيه وبرتول ولوال الذين حفظوا له أبداً بوافر الامتنان ، ذكرى نصائحه لهم وتشجيعه اياهم سيكون مختلفاً ومتميزاً عنه كما عن سائر رفاقه فكان منيسيه مصوراً دينياً قبل كل شيء ، ويبدو أنه تأمل ، حتى أكثر من رووو في تعاليم الصور الزجاجية المنفذة في القرون الوسطى ، أو على الأقل نقول ان فنه يبدو وكأنه قد بني على أساس الواقع لابد أن يتحقق منه كل من ينظر إلى هذه الزجاجيات ، أي واقع التأثر بالألوان قبل التعرف إلى الموضوع . فالتشبيه لا يلعب فيها سوى دور ثانوي ويمكن اهماله ، دون أن يفقد العمل مقدرته على اثارة المشاعر .
وفي اللوحة المسماة ( حجاج عمداس ) التي صورها مانيسيه عام ١٩٤٤ ، نجد أن الطابع الديني فيها لا يأتي من الوضعيات والتعابير بقدر
تعليق