الصخرة (قبة ـ)
يقصد بتعبير «قبة الصخرة» ذلك الجامع المثمن الشكل الواقع وسط مجمع «الأقصى الشريف» تقريباً، ويتألف من أرض واسعة تحيط بها الأسوار بطول 492م وعرض 310م وفيها منشآت إسلامية مختلفة كالمدارس والأسبلة والقباب، وأهمها المسجد الأقصى[ر] وقبة الصخرة، وقد جاء اسمها من الصخرة التي وقف عليها الرسول محمدr، ثم انطلق إلى السماء على البراق ليلة المعراج، ويورد بعض الباحثين أن عمر بن الخطاب كان أول من فكر في تكريم الصخرة المذكورة، فأمر بإنشاء تصميم خشبي فوقها حماية لها ويكون مصلى للناس، وبقي الأمر كذلك حتى تولى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فقرر استبدال بناءٍ جميل مهيب بهذه الظلة يتناسب مع مكانة هذه الصخرة في قلوب المسلمين، وأمر بتشييد مبنى قبة الصخرة سنة 69هـ/ 688م معتمداً على مهندسين وعرفاء أكفياء من أهل الشام، الذين طالما اعتمد عليهم البيزنطيون في فنون العمارة، وانتهت أعمال البناء سنة 72هـ/691ـ692م، فإذا هو آية في فن العمارة، ولا يزال حتى اليوم فريداً في شكله ومكانته بين جميع المساجد التي شيدت في العالم الإسلامي بعد ذلك.
شكل البناء مثمن، طول كل ضلع منه20.95م، وارتفاعه 9.5م عدا ارتفاع التصوينة العليا التي يبلغ ارتفاعها 60.2م، وفي الجوانب المقابلة للجهات الأربع الأصلية أربعة أبواب يتقدم كلاً منها جوسق بارز، أكبرها جوسق (أو سقيفة) الباب القبلي، والجزء السفلي من الجدار الخارجي تكسوه ألواح من الرخام، أما الجزء العلوي فكان مغطى بالفسيفساء، ولكن السلطان العثماني سليمان القانوني استبدل بها سنة 952هـ/1545م لوحات قاشانية جميلة، بسبب تأثر الفسيفساء الخارجية بعوامل الجو والطبيعة، طوالَ أكثر من ثمانية قرون ونصف القرن.
ويلي المثمن الخارجي من الداخل مثمن آخر يقوم على ثمانية دعائم (أو أكتاف) و16عموداً، تصل فيما بينها من الأعلى أوتاد خشبية، زُخرفت بشكل بديع، لدعم البناء ككل ولمقاومة الزلازل، بحيث يقوم عمودان بين كل دعامة وأخرى، وفوق كل ذلك سلسلة من الأقواس تحمل سقف الممر، وتلي المثمن الداخلي دائرة مركزية تحيط بالصخرة التي تعلوها قبة ضخمة، تقوم على قبة عالية ترتكز على أربع دعائم، بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة، بحيث يتشكل بين هذه الدائرة المركزية والتثمينة الثانية (الوسطى) ممر آخر، يستعمله المسلمون مع الممر الأول، للطواف حول الصخرة وللصلاة في أوقاتها.
ويقع المحراب في الناحية القبلية، تقابله مصطبة المؤذنين المستندة على عشرة أعمدة رخامية.
والبناء بأكمله يحيط بالصخرة التي هي قمة بارزة في أعلى جبل موريا، ترتفع عن مستوى الأقصى الشريف أربعة أمتار تقريباً، ويتم الصعود إلى البناء عن طريق درج عريض أمام كل باب من الأبواب الأربعة، وأمامه بائكة (سلسلة أقواس) تؤدي إلى الباب، وهذه البوائك أمام الأبواب، في نهاية كل درج تسمى «الموازين»، وسطح جبل موريا هو «الحرم الشريف» المقصود بالآية الكريمة )سبحانَ الذي أَسْرَى بعبدِهِ ليَلاً مِنَ المسجِدِ الحَرَام إلى المسجِدِ الأقْصَى الذي بَاركْنَا حَوَلَه( (الإسراء 1).
وتحت الصخرة كهف صغير يعرف بـ المغارة، مربع الشكل تقريباً، مساحته 4.5م2 ومتوسط ارتفاع سقفه 3م، يوجد في جهته الجنوبية محرابان.
العناصر المعمارية: والصخرة نفسها كتلة ضخمة من الحجر الصلب الأصم طولها87.70م وعرضها 13.50م، جرداء قاتمة اللون غير مشذبة، اشتهرت بحدثين قدسيين:
أولهما: أن إبراهيم الخليل هم بذبح ولده إسماعيل عليها قرباناً لله وافتُدِيَ ابنه بكبش كبير، والحدث الثاني، أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء ليلة المعراج انطلاقاً من هذه الصخرة. وعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 492هـ/1099م حولوا مسجد الصخرة إلى كنيسة دعوها باسم «هيكل السيد العظيم»، وشيدوا فوق الصخرة هيكلاً وضعوا فيه الصور والتماثيل، وعمد الرهبان آنذاك إلى فصل أجزاء صغيرة من الصخرة وبيعها إلى الحجاج بوزنها ذهباً، فأحاطها الملوك بحاجز مشبك من الحديد لحمايتها، ولما حرر صلاح الدين بيت المقدس أمر بإزالة جميع ما وضعه الصليبيون فوق الصخرة، ودعم السياج المشبك الذي يحيط بها وأمر بسد الفراغات بين الأعمدة والأكتاف الحاملة للقبة حماية للصخرة المشرفة.
ولعل أهم عنصر معماري في البناء هو القبة التي تعلو الصخرة، والتي تقوم على أربع دعائم مستطيلة بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة تعلوها أقواس رخامية متناوبة الألوان، قام عليها جدار استندت عليه رقبة القبة التي فتحت فيها 16نافذة، يتخللها الزجاج المذهب لينفذ منها النور، وفي أعلى الرقبة كتبت آيات من سورة طه بماء الذهب وبالخط النسخي، وفوق كل ذلك قامت القبة العظيمة على قاعدة مستديرة، قطرها20.44م وارتفاعها 31.5م، وتتألف من طبقتين خشبيتين، كسيت الطبقة الخارجية منها بصفائح رصاصية، ثُبَّت عليها 10200لوحاً من النحاس المذهب، أما الطبقة الداخلية فقد زينت بالزخارف الخشبية الملونة، وبين الطبقتين جعلت طبقة من اللباد تخفيفاً لحرارة الصيف، وتألفت من كل هذا قبة من أجلّ وأهم القباب الدينية في العالم، وقد سقطت طاسة هذه القبة سنة 407هـ، ولكن الخليفة الظاهر الفاطمي قام سنة 413هـ/1022م بترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه.
أما المحاريب فأبرزها المحراب المجوف الواقع في الضلع الجنوبي للمثمن الأول، ويرجع إلى عهد البناء الأموي الأول، وهناك محرابان في (المغارة) تحت الصخرة، أحدهما في الجانب الشرقي لجدار القبلة ويعود أيضاً للفترة الأموية، وهو محراب مسطح، والثاني في الجانب الغربي من الجدار المذكور، ولعله متأخر عن المحراب الأموي الأصلي ويعرف باسم: (قبلة الأنبياء)، وتشكل المداخل والأبواب عناصر معمارية مهمة، وهي أربعة: يسمى الشرقي منها (باب داود) ويقابله الباب الغربي، ويسمى الباب الشمالي (باب الجنة)، أما الباب الجنوبي القبلي فيقع أمام بناء المسجد الأقصى، وقد عمد البناؤون إلى انحناء بسيط في دائرة دعامات القبة (2.5ـ3 درجة) بحيث أصبح الداخل من أي باب يتمكن من رؤية كل ما في البناء من أعمدة وأقواس، وقد غُطيت الأبواب بصفائح من الرصاص لحفظ أخشابها من عوامل الطبيعة، وجددت هذه الأبواب عدة مرات، أبرزها تجديد والدة الخليفة العباسي المقتدر بالله (295ـ320هـ/908-932م) حيث جعلت الأبواب من خشب التنوب وحليت بالذهب.
وهناك عناصر معمارية أخرى يضيق المجال عن التفصيل فيها، من أهمها الأعمدة والدعائم وتيجان الأعمدة والأوتاد الواصلة بينها، والتي كسيت بصفائح من البرونز زينت بزخارف مختلفة، والأقواس نصف الدائرية المتناوبة ألوان الرخام أو المكسوة بالفسيفساء، وهناك النوافذ التي بلغ عددها 56 نافذة، توزعت على أضلاع المثمن الخارجي ورقبة العتبة.
وهناك سقف يغطي الرواقين المتوازيين، بين دائرة الأعمدة والأكتاف الحاملة للرقبة، والمثمن الخارجي، وهذا السقف مائل، لمنع تراكم مياه الأمطار والثلوج فوقه، وهو مزدوج الكسوة إذ تغطيه الصفائح من الخارج بينما تزينه ألواح الخشب المنقوش والملون من الداخل.
أما الزخارف المعمارية في قبة الصخرة فقد بلغت القمة في الجمال والتنوع، من جدار المثمن الخارجي المكسو بالقاشاني المزجج والملون من الأعلى وبالرخام الثمين من الأسفل، إلى الرخام الذي استخدم في الأعمدة وتيجانها، وكسوة الواجهات الداخلية للمثمن الخارجي والأطناف (الأفاريز) الرخامية، وأخيراً الفسيفساء التي جاءت آية في الإبداع، وكانت المواضع الزخرفية في كل ذلك متنوعة من هندسية ونباتية من أشجار وفواكه وأوراق، عدا أشكال المجوهرات والمزاهر والأهلٍَّة والنجوم وغيرها، وتميزت بين كل ذلك الزخارف الكتابية التاريخية والتزيينية على السواء، ففي أعلى التثمينة الداخلية نرى شريطين من الكتابة الكوفية بطول 240م بالفص الذهبي على أرضية زرقاء، تحتوي على نصوص وآيات قرآنية مختلفة، وفيها نص تاريخي يسترعي الانتباه، فحواه: (بنى هذه القبة عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين)، ويلاحظ فيه أن اسم المأمون وألقابه مكتوبة بخط مختلف عن سائر النص، كما أن سنة 72هـ تقع في حكم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لا في حكم المأمون، والواقع أن الذي وضع اسم المأمون بدلاً من عبد الملك فاته أن يغير التاريخ، بل إن المأمون في السنة المذكورة لم يكن قد ولد بعد (ولادة المأمون كانت سنة 170هـ أي بعد ذلك التاريخ بقرن تقريباً).
وهناك ألواح برونزية مذهبة غطت الأوتاد الواصلة بين تيجان الأعمدة بشكل خاص، شكلت زخارفها عن طريق الضغط بتجدد مدهش ومهارة عالية.
يتبين من كل ذلك أن المواد المعمارية (أو الإنشائية) المستعملة في قبة الصخرة كانت متنوعة، أهمها الحجر والخشب والجص والفسيفساء والرخام والقاشاني عدا المعادن كالرصاص والنحاس والذهب والبرونز والأصبغة والألوان بتناسق كامل، مما جعل لهذا البناء أهمية فريدة في تاريخ العمارة، حتى اعتبرت قبة الصخرة آية الهندسة المعمارية، قال عنها غوستاف لوبونGustave Le Bon «إن بناء قبة الصخرة أعظم بناء يستوقف النظر، وإن جمالها وروعتها لا يصلان إلى خيال بني البشر»، وذكر بحاثة الآثار الإسلامية المعروف كرزويلK.A.Creswell «إن لمخطط قبة الصخرة خصوصية نادرة في تاريخ العمارة الإسلامية، كما أنها أذهلت كل من حاول دراستها من حيث فخامتها وتناسق أقسامها ودقة النسب الهندسية فيها».
وليس صحيحاً أن بناء قبة الصخرة شيد على طراز بعض المباني الرومانية والبيزنطية، لأن مسجد الصخرة، كبناء متكامل في خارجه وداخله، لا يشبهه (ككل) أيُّ بناء آخر، بل هو ابتكار معماري إسلامي فريد، يدل على أن المسلمين انتقلوا من الاقتباس إلى التطوير والإبداع منذ ذلك التاريخ المبكر للحضارة الإسلامية، وهذا الشكل المعماري إنما فرضته ضرورة الإحاطة بالصخرة.
محمد نادر العطار
يقصد بتعبير «قبة الصخرة» ذلك الجامع المثمن الشكل الواقع وسط مجمع «الأقصى الشريف» تقريباً، ويتألف من أرض واسعة تحيط بها الأسوار بطول 492م وعرض 310م وفيها منشآت إسلامية مختلفة كالمدارس والأسبلة والقباب، وأهمها المسجد الأقصى[ر] وقبة الصخرة، وقد جاء اسمها من الصخرة التي وقف عليها الرسول محمدr، ثم انطلق إلى السماء على البراق ليلة المعراج، ويورد بعض الباحثين أن عمر بن الخطاب كان أول من فكر في تكريم الصخرة المذكورة، فأمر بإنشاء تصميم خشبي فوقها حماية لها ويكون مصلى للناس، وبقي الأمر كذلك حتى تولى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فقرر استبدال بناءٍ جميل مهيب بهذه الظلة يتناسب مع مكانة هذه الصخرة في قلوب المسلمين، وأمر بتشييد مبنى قبة الصخرة سنة 69هـ/ 688م معتمداً على مهندسين وعرفاء أكفياء من أهل الشام، الذين طالما اعتمد عليهم البيزنطيون في فنون العمارة، وانتهت أعمال البناء سنة 72هـ/691ـ692م، فإذا هو آية في فن العمارة، ولا يزال حتى اليوم فريداً في شكله ومكانته بين جميع المساجد التي شيدت في العالم الإسلامي بعد ذلك.
شكل البناء مثمن، طول كل ضلع منه20.95م، وارتفاعه 9.5م عدا ارتفاع التصوينة العليا التي يبلغ ارتفاعها 60.2م، وفي الجوانب المقابلة للجهات الأربع الأصلية أربعة أبواب يتقدم كلاً منها جوسق بارز، أكبرها جوسق (أو سقيفة) الباب القبلي، والجزء السفلي من الجدار الخارجي تكسوه ألواح من الرخام، أما الجزء العلوي فكان مغطى بالفسيفساء، ولكن السلطان العثماني سليمان القانوني استبدل بها سنة 952هـ/1545م لوحات قاشانية جميلة، بسبب تأثر الفسيفساء الخارجية بعوامل الجو والطبيعة، طوالَ أكثر من ثمانية قرون ونصف القرن.
ويلي المثمن الخارجي من الداخل مثمن آخر يقوم على ثمانية دعائم (أو أكتاف) و16عموداً، تصل فيما بينها من الأعلى أوتاد خشبية، زُخرفت بشكل بديع، لدعم البناء ككل ولمقاومة الزلازل، بحيث يقوم عمودان بين كل دعامة وأخرى، وفوق كل ذلك سلسلة من الأقواس تحمل سقف الممر، وتلي المثمن الداخلي دائرة مركزية تحيط بالصخرة التي تعلوها قبة ضخمة، تقوم على قبة عالية ترتكز على أربع دعائم، بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة، بحيث يتشكل بين هذه الدائرة المركزية والتثمينة الثانية (الوسطى) ممر آخر، يستعمله المسلمون مع الممر الأول، للطواف حول الصخرة وللصلاة في أوقاتها.
ويقع المحراب في الناحية القبلية، تقابله مصطبة المؤذنين المستندة على عشرة أعمدة رخامية.
والبناء بأكمله يحيط بالصخرة التي هي قمة بارزة في أعلى جبل موريا، ترتفع عن مستوى الأقصى الشريف أربعة أمتار تقريباً، ويتم الصعود إلى البناء عن طريق درج عريض أمام كل باب من الأبواب الأربعة، وأمامه بائكة (سلسلة أقواس) تؤدي إلى الباب، وهذه البوائك أمام الأبواب، في نهاية كل درج تسمى «الموازين»، وسطح جبل موريا هو «الحرم الشريف» المقصود بالآية الكريمة )سبحانَ الذي أَسْرَى بعبدِهِ ليَلاً مِنَ المسجِدِ الحَرَام إلى المسجِدِ الأقْصَى الذي بَاركْنَا حَوَلَه( (الإسراء 1).
وتحت الصخرة كهف صغير يعرف بـ المغارة، مربع الشكل تقريباً، مساحته 4.5م2 ومتوسط ارتفاع سقفه 3م، يوجد في جهته الجنوبية محرابان.
أولهما: أن إبراهيم الخليل هم بذبح ولده إسماعيل عليها قرباناً لله وافتُدِيَ ابنه بكبش كبير، والحدث الثاني، أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء ليلة المعراج انطلاقاً من هذه الصخرة. وعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 492هـ/1099م حولوا مسجد الصخرة إلى كنيسة دعوها باسم «هيكل السيد العظيم»، وشيدوا فوق الصخرة هيكلاً وضعوا فيه الصور والتماثيل، وعمد الرهبان آنذاك إلى فصل أجزاء صغيرة من الصخرة وبيعها إلى الحجاج بوزنها ذهباً، فأحاطها الملوك بحاجز مشبك من الحديد لحمايتها، ولما حرر صلاح الدين بيت المقدس أمر بإزالة جميع ما وضعه الصليبيون فوق الصخرة، ودعم السياج المشبك الذي يحيط بها وأمر بسد الفراغات بين الأعمدة والأكتاف الحاملة للقبة حماية للصخرة المشرفة.
ولعل أهم عنصر معماري في البناء هو القبة التي تعلو الصخرة، والتي تقوم على أربع دعائم مستطيلة بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة تعلوها أقواس رخامية متناوبة الألوان، قام عليها جدار استندت عليه رقبة القبة التي فتحت فيها 16نافذة، يتخللها الزجاج المذهب لينفذ منها النور، وفي أعلى الرقبة كتبت آيات من سورة طه بماء الذهب وبالخط النسخي، وفوق كل ذلك قامت القبة العظيمة على قاعدة مستديرة، قطرها20.44م وارتفاعها 31.5م، وتتألف من طبقتين خشبيتين، كسيت الطبقة الخارجية منها بصفائح رصاصية، ثُبَّت عليها 10200لوحاً من النحاس المذهب، أما الطبقة الداخلية فقد زينت بالزخارف الخشبية الملونة، وبين الطبقتين جعلت طبقة من اللباد تخفيفاً لحرارة الصيف، وتألفت من كل هذا قبة من أجلّ وأهم القباب الدينية في العالم، وقد سقطت طاسة هذه القبة سنة 407هـ، ولكن الخليفة الظاهر الفاطمي قام سنة 413هـ/1022م بترميمها وإعادتها إلى ما كانت عليه.
وهناك عناصر معمارية أخرى يضيق المجال عن التفصيل فيها، من أهمها الأعمدة والدعائم وتيجان الأعمدة والأوتاد الواصلة بينها، والتي كسيت بصفائح من البرونز زينت بزخارف مختلفة، والأقواس نصف الدائرية المتناوبة ألوان الرخام أو المكسوة بالفسيفساء، وهناك النوافذ التي بلغ عددها 56 نافذة، توزعت على أضلاع المثمن الخارجي ورقبة العتبة.
وهناك سقف يغطي الرواقين المتوازيين، بين دائرة الأعمدة والأكتاف الحاملة للرقبة، والمثمن الخارجي، وهذا السقف مائل، لمنع تراكم مياه الأمطار والثلوج فوقه، وهو مزدوج الكسوة إذ تغطيه الصفائح من الخارج بينما تزينه ألواح الخشب المنقوش والملون من الداخل.
أما الزخارف المعمارية في قبة الصخرة فقد بلغت القمة في الجمال والتنوع، من جدار المثمن الخارجي المكسو بالقاشاني المزجج والملون من الأعلى وبالرخام الثمين من الأسفل، إلى الرخام الذي استخدم في الأعمدة وتيجانها، وكسوة الواجهات الداخلية للمثمن الخارجي والأطناف (الأفاريز) الرخامية، وأخيراً الفسيفساء التي جاءت آية في الإبداع، وكانت المواضع الزخرفية في كل ذلك متنوعة من هندسية ونباتية من أشجار وفواكه وأوراق، عدا أشكال المجوهرات والمزاهر والأهلٍَّة والنجوم وغيرها، وتميزت بين كل ذلك الزخارف الكتابية التاريخية والتزيينية على السواء، ففي أعلى التثمينة الداخلية نرى شريطين من الكتابة الكوفية بطول 240م بالفص الذهبي على أرضية زرقاء، تحتوي على نصوص وآيات قرآنية مختلفة، وفيها نص تاريخي يسترعي الانتباه، فحواه: (بنى هذه القبة عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين)، ويلاحظ فيه أن اسم المأمون وألقابه مكتوبة بخط مختلف عن سائر النص، كما أن سنة 72هـ تقع في حكم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لا في حكم المأمون، والواقع أن الذي وضع اسم المأمون بدلاً من عبد الملك فاته أن يغير التاريخ، بل إن المأمون في السنة المذكورة لم يكن قد ولد بعد (ولادة المأمون كانت سنة 170هـ أي بعد ذلك التاريخ بقرن تقريباً).
وهناك ألواح برونزية مذهبة غطت الأوتاد الواصلة بين تيجان الأعمدة بشكل خاص، شكلت زخارفها عن طريق الضغط بتجدد مدهش ومهارة عالية.
يتبين من كل ذلك أن المواد المعمارية (أو الإنشائية) المستعملة في قبة الصخرة كانت متنوعة، أهمها الحجر والخشب والجص والفسيفساء والرخام والقاشاني عدا المعادن كالرصاص والنحاس والذهب والبرونز والأصبغة والألوان بتناسق كامل، مما جعل لهذا البناء أهمية فريدة في تاريخ العمارة، حتى اعتبرت قبة الصخرة آية الهندسة المعمارية، قال عنها غوستاف لوبونGustave Le Bon «إن بناء قبة الصخرة أعظم بناء يستوقف النظر، وإن جمالها وروعتها لا يصلان إلى خيال بني البشر»، وذكر بحاثة الآثار الإسلامية المعروف كرزويلK.A.Creswell «إن لمخطط قبة الصخرة خصوصية نادرة في تاريخ العمارة الإسلامية، كما أنها أذهلت كل من حاول دراستها من حيث فخامتها وتناسق أقسامها ودقة النسب الهندسية فيها».
وليس صحيحاً أن بناء قبة الصخرة شيد على طراز بعض المباني الرومانية والبيزنطية، لأن مسجد الصخرة، كبناء متكامل في خارجه وداخله، لا يشبهه (ككل) أيُّ بناء آخر، بل هو ابتكار معماري إسلامي فريد، يدل على أن المسلمين انتقلوا من الاقتباس إلى التطوير والإبداع منذ ذلك التاريخ المبكر للحضارة الإسلامية، وهذا الشكل المعماري إنما فرضته ضرورة الإحاطة بالصخرة.
محمد نادر العطار