إسحاق بن عمران
اسحاق عمران
Ishak bin Imran - Ishak ben Imran
إسحاق بن عمران
(ت نحو 295هـ/ 906م)
طبيب مسلم، نشأ في بغداد، حيث قرأ الطب واشتغل بصناعته في القرن الثالث للهجرة. استدعاه أمير إفريقية زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم الأغلبي لخدمته (حكم 290- 304هـ) أمير إفريقية، وأرسل إليه راحلة وألف مثقال ليستعين بها على السفر، وكتاباً يعده فيه بالرجوع إلى بلاده متى شاء، فرضي اسحاق بذلك وعمل طبيباً خاصاً للأمير. وليس هناك ما يشير إلى الزمن الذي وصل فيه إلى القيروان، كما لا تعرف المدة التي قضاها فيها.
وبعد بضع سنوات من خدمة إسحاق للأمير وقعت بينهما وحشة فاستأذن إسحاق بالانصراف إلى بغداد فغضب الأمير وأمر بالتضييق عليه وقطع رزقه. فبارح إسحاق القصر وذهب إلى حي من أحياء القيروان يعالج الناس فيه، فوقع الإقبال عليه وخابت آمال الأمير بعقابه، فأمر بحبسه ثم أدى غضبه على إسحاق إلى الأمر بفصده في ذراعيه وترك دمه يسيل حتى مات ثم صلبه على جذع شجرة. كان إسحاق بن عمران طبيباً حاذقاً، متميزاً بمعرفة الأدوية البسيطة والمركبة. أطلق عليه في بغداد لقب سُم ساعة، مما يدل على معرفته أنواع السموم وطرائق تحضيرها وكيفية تأثيرها. لهذا لا غرابة أن يقال إن زيادة الله، وهو الطاغية الذي قضى على فتيانه جميعاً لنبأ جاء به منجمه أنه سيقتل يوماً بيد أحدهم، قد استدعاه ليتخلص من بعض خصومه. ويظن بعضهم أن الأمير قد طلب فعلاً من طبيبه أن يصنع له السم، فلما امتنع عن ذلك فعل به ما فعل.
ويذكر ابن أبي أصيبعة، نقلاً عن ابن جلجل، قصة أخرى عن سبب الخلاف الذي نشب بين الأمير الأغلبي وطبيبه، وهي أن الأمير اعتاد تناول الطعام وإلى جانبه طبيبه إسحاق بن عمران، الذي كان يقول له كل من هذا ودع هذا. إلى أن جاء إلى القيروان طبيب حدث يهودي، أندلسي الأصل، قرّبه الأمير فصار يجلس إلى مائدته ويشهده على أكله. وفي إحدى المرات قُدِّم للأمير لبن مروّب، فلما هم بأكله نهاه إسحاق عن ذلك، وسهل عليه الأمر الطبيب اليهودي، فوافق الأخيرَ وأكل منه فحدث للأمير في أثناء الليل ضيق شديد في النَّفَس حتى أشرف على الهلاك. فأرسل إلى إسحاق رسولاً يطلب منه الحضور لإسعافه. فقال له إسحاق لقد نهيته فلم يقبل مني، ليس عندي علاج له. فقال له الرسول هذه خمسمئة مثقال وعالجه، فأبى ولما أعطاه ألف مثقال أخذها وذهب معه. وهناك أمر بإحضار الثلج، ثم طلب من الأمير الأكل منه حتى تملأ، ثم قيأه فخرج جميع اللبن وقد تجبن ببرد الثلج.
لقد امتلأ قلب الأمير حقداً على طبيبه لعدم إخلاصه، فقال «باع إسحاق روحي في البدء اقطعوا رزقه...» ثم تتابعت الأحداث كما مر إلى أن انتهى الأمر بحبس الطبيب وفصده ثم صلبه. ويقول ابن الجزار «طال مقام إسحاق مصلوباً حتى عشش في جوفه طائر...» يعد هذا الحادث أسوأ نهاية لطبيب عالم مسلم عاش في عصر وبلد إسلاميين. ويقول أكثر المؤرخين إن الطب والفلسفة ظهرا في المغرب على يده، وإليه يعود الفضل في تأسيس مدرسة من الأطباء المشهورين. وقد ألف الحكيم أحمد بن ميلاد كتاباً عنوانه «تاريخ الطب العربي التونسي» تكلم فيه عن مدرسة الطب القيروانية في القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد، ونشره عام .1933
يقول بعض المؤرخين إن إسحاق بن سليمان الإسرائيلي قد تلمذ لإسحاق بن عمران، كما كان أبو بكر محمد بن أبي خالد الجزار، وهو عم الطبيب المشهور أحمد بن إبراهيم من تلامذته أيضاً. إلا أن الحكيم بن ميلاد يقول إنه لا صحة لهذا، إذ إن ابن عمران توفي قبل وصول ابن سليمان إلى القيروان بسبعة عشر عاماً.
ألف إسحاق بن عمران عدداً من الكتب والرسائل أهمها: كتاب العنصر والتمام، ألفه في المادة الطبية، واقتبس ابن البيطار بعض فقرات منه. وكتاب الماليخوليا: تكلم فيه عن المرض المعروف بالسوداء، وكتاب في الفصد، وكتاب في النبض، وكتاب نزهة النفس، وكتاب في البول، ورسالة في حفظ الصحة، ومقالة في الاستسقاء، ومقالة وجيزة في الإبانة عن الأشياء التي يقال إنها تشفي الأسقام. وقد تم نقل بعض مؤلفاته إلى اللغة اللاتينية.
زهير الكتبي
اسحاق عمران
Ishak bin Imran - Ishak ben Imran
إسحاق بن عمران
(ت نحو 295هـ/ 906م)
طبيب مسلم، نشأ في بغداد، حيث قرأ الطب واشتغل بصناعته في القرن الثالث للهجرة. استدعاه أمير إفريقية زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم الأغلبي لخدمته (حكم 290- 304هـ) أمير إفريقية، وأرسل إليه راحلة وألف مثقال ليستعين بها على السفر، وكتاباً يعده فيه بالرجوع إلى بلاده متى شاء، فرضي اسحاق بذلك وعمل طبيباً خاصاً للأمير. وليس هناك ما يشير إلى الزمن الذي وصل فيه إلى القيروان، كما لا تعرف المدة التي قضاها فيها.
وبعد بضع سنوات من خدمة إسحاق للأمير وقعت بينهما وحشة فاستأذن إسحاق بالانصراف إلى بغداد فغضب الأمير وأمر بالتضييق عليه وقطع رزقه. فبارح إسحاق القصر وذهب إلى حي من أحياء القيروان يعالج الناس فيه، فوقع الإقبال عليه وخابت آمال الأمير بعقابه، فأمر بحبسه ثم أدى غضبه على إسحاق إلى الأمر بفصده في ذراعيه وترك دمه يسيل حتى مات ثم صلبه على جذع شجرة. كان إسحاق بن عمران طبيباً حاذقاً، متميزاً بمعرفة الأدوية البسيطة والمركبة. أطلق عليه في بغداد لقب سُم ساعة، مما يدل على معرفته أنواع السموم وطرائق تحضيرها وكيفية تأثيرها. لهذا لا غرابة أن يقال إن زيادة الله، وهو الطاغية الذي قضى على فتيانه جميعاً لنبأ جاء به منجمه أنه سيقتل يوماً بيد أحدهم، قد استدعاه ليتخلص من بعض خصومه. ويظن بعضهم أن الأمير قد طلب فعلاً من طبيبه أن يصنع له السم، فلما امتنع عن ذلك فعل به ما فعل.
ويذكر ابن أبي أصيبعة، نقلاً عن ابن جلجل، قصة أخرى عن سبب الخلاف الذي نشب بين الأمير الأغلبي وطبيبه، وهي أن الأمير اعتاد تناول الطعام وإلى جانبه طبيبه إسحاق بن عمران، الذي كان يقول له كل من هذا ودع هذا. إلى أن جاء إلى القيروان طبيب حدث يهودي، أندلسي الأصل، قرّبه الأمير فصار يجلس إلى مائدته ويشهده على أكله. وفي إحدى المرات قُدِّم للأمير لبن مروّب، فلما هم بأكله نهاه إسحاق عن ذلك، وسهل عليه الأمر الطبيب اليهودي، فوافق الأخيرَ وأكل منه فحدث للأمير في أثناء الليل ضيق شديد في النَّفَس حتى أشرف على الهلاك. فأرسل إلى إسحاق رسولاً يطلب منه الحضور لإسعافه. فقال له إسحاق لقد نهيته فلم يقبل مني، ليس عندي علاج له. فقال له الرسول هذه خمسمئة مثقال وعالجه، فأبى ولما أعطاه ألف مثقال أخذها وذهب معه. وهناك أمر بإحضار الثلج، ثم طلب من الأمير الأكل منه حتى تملأ، ثم قيأه فخرج جميع اللبن وقد تجبن ببرد الثلج.
لقد امتلأ قلب الأمير حقداً على طبيبه لعدم إخلاصه، فقال «باع إسحاق روحي في البدء اقطعوا رزقه...» ثم تتابعت الأحداث كما مر إلى أن انتهى الأمر بحبس الطبيب وفصده ثم صلبه. ويقول ابن الجزار «طال مقام إسحاق مصلوباً حتى عشش في جوفه طائر...» يعد هذا الحادث أسوأ نهاية لطبيب عالم مسلم عاش في عصر وبلد إسلاميين. ويقول أكثر المؤرخين إن الطب والفلسفة ظهرا في المغرب على يده، وإليه يعود الفضل في تأسيس مدرسة من الأطباء المشهورين. وقد ألف الحكيم أحمد بن ميلاد كتاباً عنوانه «تاريخ الطب العربي التونسي» تكلم فيه عن مدرسة الطب القيروانية في القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد، ونشره عام .1933
يقول بعض المؤرخين إن إسحاق بن سليمان الإسرائيلي قد تلمذ لإسحاق بن عمران، كما كان أبو بكر محمد بن أبي خالد الجزار، وهو عم الطبيب المشهور أحمد بن إبراهيم من تلامذته أيضاً. إلا أن الحكيم بن ميلاد يقول إنه لا صحة لهذا، إذ إن ابن عمران توفي قبل وصول ابن سليمان إلى القيروان بسبعة عشر عاماً.
ألف إسحاق بن عمران عدداً من الكتب والرسائل أهمها: كتاب العنصر والتمام، ألفه في المادة الطبية، واقتبس ابن البيطار بعض فقرات منه. وكتاب الماليخوليا: تكلم فيه عن المرض المعروف بالسوداء، وكتاب في الفصد، وكتاب في النبض، وكتاب نزهة النفس، وكتاب في البول، ورسالة في حفظ الصحة، ومقالة في الاستسقاء، ومقالة وجيزة في الإبانة عن الأشياء التي يقال إنها تشفي الأسقام. وقد تم نقل بعض مؤلفاته إلى اللغة اللاتينية.
زهير الكتبي