ڤلامنك (موريس دي -)
(1876-1958)
ولد موريس دي ڤلامنك Maurice de Vlaminck المصور الفرنسي في باريس، وتوفي في أور - إي - لوار Eure- et-Loir وترعرع في كنف والدين مدرِّسَين للموسيقى، كان ضخم الجثة ذا لحية حمراء، كسب عيشه من عمله متسابقاً في رياضة الدراجات، ومدرساً على الكمان، وعازفاً في الفرق الموسيقية والنوادي الليلية، كما كان رافع أثقال، وكاتب مقالات لصحف ثورية، وسائق سيارات سباق، وعاملاً في صيانة السيارات، عُرف عنه حماسته، ونزواته الفوضوية، وانجراره وراء الحياة الصاخبة، كتب روايات ومذكرات عدة، من رواياته التي كتبها مع فرناند سيرنادا Fernand Sernada «من سرير إلى آخر» D’un lit dans l’autre و«كل شيء لهذا» Tout Pour ça ومن مذكراته «مناظر وأشخاص» Paysages et personnages.
هجر عائلته ليقطن في بلدة شاتو Chatou، حيث بدأ الرسم، واستأجر مرسماً مع ديران Derain، عرض أعماله للمرة الأولى عام 1904 بتشجيع من ماتيس Matisse في صالة بيرثي ڤيل Berthe Weill مع مجموعة من الفنانين، كما عرض في صالون المستقلين Salon des Indépendants عام (1905)، وبعدها في صالون الخريف Salon d’Automne حيث ظهر الوحشيون les fauves للمرة الأولى، ولفت أنظار فولار Vollard، تاجر اللوحات المعروف، فاشترى كل أعماله.
عُدَّت زيارته لإنكلترا بداية لمرحلة جديدة، حيث أخذت شخصيته الحقيقية تتضح في عمله، وفي عام 1925 اشترى منزله الريفي الأول في
منطقة أور - إي - لوار.
نال ڤلامنك في غضون نصف قرن شهرة واسعة مع صعود الوحشية، ثم ما لبث أن انتقل إلى الغنائية البعيدة عن المفاهيم الثورية، واتبع ما يشبه الأسلوب التقليدي في تصوير المناظر.
بحث في سنواته المبكرة متردداً عن أسلوب يميزه، وتوزعت تجربته الإبداعية على مراحل عدة بدأت بالمرحلة الوحشية من عام 1904 حتى عام 1907، ثم أعقبتها مرحلة تأثره بسيزان Cézanne، وفي عام 1911، راحت تتكون لديه سمات جديدة استمرت إلى عام 1927، وكانت متحررة من كل التأثيرات، ثم تلتها المرحلة الأخيرة واستمرت حتى وفاته.
لم تدم طويلاً المدرسة الوحشية التي انتمى إليها ڤلامنك منذ عام 1904، وخفَّ زخمها بعد ثلاث سنوات فقط، لكن ڤان غوغ van Gogh نفحها مفاهيم جديدة تمثلت في إبراز دور الضوء في تبادل بقع الألوان، ومن المعروف أن ڤان غوغ كان مصدراً لجزء من إلهامه وتأثره به لسنوات عديدة، كما حفزه على استخدام الألوان بطريقة انفعالية، على الرغم من الاختلافات الجوهرية ما بين التعبيرية والوحشية الحاضرتين في أعمال ڤلامنك، مع أنهما من نتاج تجربة ڤان غوغ، من الممكن توزيع لوحات ڤلامنك المنسوبة إلى الوحشية إلى فئتين أساسيتين: تلك التي تتضمن شواهد واضحة على تأثره بڤان غوغ، وتلك التي تنتمي إلى ما يدعى بالوحشية الصافية، وأغلب الظن أن ڤلامنك كان مولعاً بدرجة متساوية بين كلا الأسلوبين، ومثال على ذلك لوحة «زوجين في الريف» حيث رسم الشكلين بلمسات فرشاة عريضة ومحاطة بخط أزرق.
كان للمعرض الاستعادي لأعمال سيزان في صالون الخريف 1907، بعد مضي سنة على وفاته، تأثيراً مباشراً في تاريخ التصوير، وكان صدمة حفّزت بعض الفنانين مثل بيكاسو Picasso وڤلامنك على تغيير نهجهما، فقد رسم ڤلامنك إيحاءات لأشكال جديدة مستمدة من سيزان، مثلت نصراً للشكل على اللون.
تنامى حب ڤلامنك للطبيعة تدريجياً، مما أضفى توتراً متصاعداً على فنه، فجمع في مناظره ما بين التقشف والرقة المتدفقة مما أعطاها سحراً، وميزات شعرية فريدة، حيث لم يعد بحاجة إلى ينابيع خارجية للإلهام، فقد انقلب على المنظور التقليدي، واعتمد الحلول الهندسية الجديدة التي شملت اللون والكتلة، شعر ڤلامنك بالتناقض العميق في التكعيبية ورآهـــا كالآفة أطبقت على التصوير، إذ كتب في سنواته الأخيرة: «كانت الأفكار في فن التصوير لسنوات خلت قد خلقت دماراً مفزعاً، لقد حولوا البشرية عن التصوير ومسخوه وقتلوه، والآن هاهم يضعونه في تابوت مكعّب»، وسيتَّبع ڤلامنك طريقاً مختلفاً تماماً حيث رفض تأثير سيزان، لكنه حافظ على صرامة محددة في طريقته الجديدة في تصوير الطبيعة، وبدأ تأثير سيزان يخف تدريجياً، ومثال ذلك لوحة «المراكب»، ليختفي بعد حين كلياً، وأخذ أسلوبه الجديد يتشكل ويتجسد في التكوين واللون، وبقدر ما كان يتحوّل عن البناء الهندسي للمرحلة، كان يقترب من أسلوبه المتألق لمرحلته الوحشية.
بعد زيارته إلى لندن وإقامته فيها حيث استأجر مرسماً، رسم بعض اللوحات اعتماداً على هذه المفاهيم للمناظر: القوة في التعبير وتمثيل الطبيعة على نحو جميل واندفاع تلقائي، واستخدام ألوان قاتمة في أغلبها تجلب الانتباه بدراميتها: «بيت تحت العاصفة» و«غياب الشمس في غابة سنوش» و«القبعة ذات الريش» و«صورة مادلين» و«المراكب والجزر البحري»، لم يكن ڤلامنك مفتوناً بتصوير الوجوه على الرغم من تجاربه الناجحة في هذا الميدان.
انجذاباً لفكرة أن يعيش في طبيعة لم تفسدها الحضارة الزائفة عاش في بيته الريفي، حيث أضاف إلى عمله مصوراً نحو عشرين دراسة توزعت بين الروايات والشعر والمذكرات، وفي هذا المنزل أمضى أيامه الأخيرة.
عبد القادر عزوز
(1876-1958)
ولد موريس دي ڤلامنك Maurice de Vlaminck المصور الفرنسي في باريس، وتوفي في أور - إي - لوار Eure- et-Loir وترعرع في كنف والدين مدرِّسَين للموسيقى، كان ضخم الجثة ذا لحية حمراء، كسب عيشه من عمله متسابقاً في رياضة الدراجات، ومدرساً على الكمان، وعازفاً في الفرق الموسيقية والنوادي الليلية، كما كان رافع أثقال، وكاتب مقالات لصحف ثورية، وسائق سيارات سباق، وعاملاً في صيانة السيارات، عُرف عنه حماسته، ونزواته الفوضوية، وانجراره وراء الحياة الصاخبة، كتب روايات ومذكرات عدة، من رواياته التي كتبها مع فرناند سيرنادا Fernand Sernada «من سرير إلى آخر» D’un lit dans l’autre و«كل شيء لهذا» Tout Pour ça ومن مذكراته «مناظر وأشخاص» Paysages et personnages.
هجر عائلته ليقطن في بلدة شاتو Chatou، حيث بدأ الرسم، واستأجر مرسماً مع ديران Derain، عرض أعماله للمرة الأولى عام 1904 بتشجيع من ماتيس Matisse في صالة بيرثي ڤيل Berthe Weill مع مجموعة من الفنانين، كما عرض في صالون المستقلين Salon des Indépendants عام (1905)، وبعدها في صالون الخريف Salon d’Automne حيث ظهر الوحشيون les fauves للمرة الأولى، ولفت أنظار فولار Vollard، تاجر اللوحات المعروف، فاشترى كل أعماله.
عُدَّت زيارته لإنكلترا بداية لمرحلة جديدة، حيث أخذت شخصيته الحقيقية تتضح في عمله، وفي عام 1925 اشترى منزله الريفي الأول في
موريس دي ڤلامنك: «شارع مارلي - لو - روا» (1906) |
نال ڤلامنك في غضون نصف قرن شهرة واسعة مع صعود الوحشية، ثم ما لبث أن انتقل إلى الغنائية البعيدة عن المفاهيم الثورية، واتبع ما يشبه الأسلوب التقليدي في تصوير المناظر.
بحث في سنواته المبكرة متردداً عن أسلوب يميزه، وتوزعت تجربته الإبداعية على مراحل عدة بدأت بالمرحلة الوحشية من عام 1904 حتى عام 1907، ثم أعقبتها مرحلة تأثره بسيزان Cézanne، وفي عام 1911، راحت تتكون لديه سمات جديدة استمرت إلى عام 1927، وكانت متحررة من كل التأثيرات، ثم تلتها المرحلة الأخيرة واستمرت حتى وفاته.
لم تدم طويلاً المدرسة الوحشية التي انتمى إليها ڤلامنك منذ عام 1904، وخفَّ زخمها بعد ثلاث سنوات فقط، لكن ڤان غوغ van Gogh نفحها مفاهيم جديدة تمثلت في إبراز دور الضوء في تبادل بقع الألوان، ومن المعروف أن ڤان غوغ كان مصدراً لجزء من إلهامه وتأثره به لسنوات عديدة، كما حفزه على استخدام الألوان بطريقة انفعالية، على الرغم من الاختلافات الجوهرية ما بين التعبيرية والوحشية الحاضرتين في أعمال ڤلامنك، مع أنهما من نتاج تجربة ڤان غوغ، من الممكن توزيع لوحات ڤلامنك المنسوبة إلى الوحشية إلى فئتين أساسيتين: تلك التي تتضمن شواهد واضحة على تأثره بڤان غوغ، وتلك التي تنتمي إلى ما يدعى بالوحشية الصافية، وأغلب الظن أن ڤلامنك كان مولعاً بدرجة متساوية بين كلا الأسلوبين، ومثال على ذلك لوحة «زوجين في الريف» حيث رسم الشكلين بلمسات فرشاة عريضة ومحاطة بخط أزرق.
كان للمعرض الاستعادي لأعمال سيزان في صالون الخريف 1907، بعد مضي سنة على وفاته، تأثيراً مباشراً في تاريخ التصوير، وكان صدمة حفّزت بعض الفنانين مثل بيكاسو Picasso وڤلامنك على تغيير نهجهما، فقد رسم ڤلامنك إيحاءات لأشكال جديدة مستمدة من سيزان، مثلت نصراً للشكل على اللون.
تنامى حب ڤلامنك للطبيعة تدريجياً، مما أضفى توتراً متصاعداً على فنه، فجمع في مناظره ما بين التقشف والرقة المتدفقة مما أعطاها سحراً، وميزات شعرية فريدة، حيث لم يعد بحاجة إلى ينابيع خارجية للإلهام، فقد انقلب على المنظور التقليدي، واعتمد الحلول الهندسية الجديدة التي شملت اللون والكتلة، شعر ڤلامنك بالتناقض العميق في التكعيبية ورآهـــا كالآفة أطبقت على التصوير، إذ كتب في سنواته الأخيرة: «كانت الأفكار في فن التصوير لسنوات خلت قد خلقت دماراً مفزعاً، لقد حولوا البشرية عن التصوير ومسخوه وقتلوه، والآن هاهم يضعونه في تابوت مكعّب»، وسيتَّبع ڤلامنك طريقاً مختلفاً تماماً حيث رفض تأثير سيزان، لكنه حافظ على صرامة محددة في طريقته الجديدة في تصوير الطبيعة، وبدأ تأثير سيزان يخف تدريجياً، ومثال ذلك لوحة «المراكب»، ليختفي بعد حين كلياً، وأخذ أسلوبه الجديد يتشكل ويتجسد في التكوين واللون، وبقدر ما كان يتحوّل عن البناء الهندسي للمرحلة، كان يقترب من أسلوبه المتألق لمرحلته الوحشية.
بعد زيارته إلى لندن وإقامته فيها حيث استأجر مرسماً، رسم بعض اللوحات اعتماداً على هذه المفاهيم للمناظر: القوة في التعبير وتمثيل الطبيعة على نحو جميل واندفاع تلقائي، واستخدام ألوان قاتمة في أغلبها تجلب الانتباه بدراميتها: «بيت تحت العاصفة» و«غياب الشمس في غابة سنوش» و«القبعة ذات الريش» و«صورة مادلين» و«المراكب والجزر البحري»، لم يكن ڤلامنك مفتوناً بتصوير الوجوه على الرغم من تجاربه الناجحة في هذا الميدان.
انجذاباً لفكرة أن يعيش في طبيعة لم تفسدها الحضارة الزائفة عاش في بيته الريفي، حيث أضاف إلى عمله مصوراً نحو عشرين دراسة توزعت بين الروايات والشعر والمذكرات، وفي هذا المنزل أمضى أيامه الأخيرة.
عبد القادر عزوز