ورثة التكعيبية
إن المصورين من جيل ميرو الذين مثلوا في فترة مابين الحربين جميع الاتجاهات الحديثة ، وهم يستندون استناداً كثيراً أو قليلاً إلى التكعيبية لم يبتعدوا ، هم أيضاً من الطريق التي سبق أن ساروا عليها . وبالطبع ، فإن صور العري عند غرومير Gromaire » قد تكون ألين رسماً ، وقد يكون اللون أصبح أكثر تحرراً إزاء الشكل . حتى أن هذا الفنان قد انتهى به الأمر إلى أن يعطي لوحاته مظاهر أكثر تجريداً مدينة نيويورك في ١٩٥٠ - ١٩٥١ ، ويحاول التعبير عما تحويه هذه المدينة من صبغة اصطناعية بما فيها من ناطحات السحاب لافتات ضوئية عنيفة ويطيب له أن يجعل الضوء يغلف الأشكال بضرب من الزبد . بيد أنه لا ينزع عن الأشكال صبغتها النحتية . أما ألوانه الأثيرة لديه فهي كما كانت ، الألوان المغراء والحمراء والزرقاء عندما يستوحي الضخمة ومن والسوداء .
وكذلك تكثر الألوان الحمراء والزرقاء في لوحات ( دينوايه Desnoyer ) الذي لاتزال الحسية تسيطر على لوحاته دون الإدراك والفكر . وأن الحسية لديه صريحة فحلة ، لا تخشى ملامسة الابتذال والعامية ، بيد أنها تخلو من كل تكلف وتصنع كما تخلو من المرض ، وهي لاتتجلى فقط في الطريقة التي يعالج بها مشهداً طبيعياً ، أو في كونه ، عندما يصور أجساماً عارية ، يبدي انتباهاً هاماً إلى البشرة ، واهتماماً في نعومة اللحم وامتلائه ، انها تتجلى أيضاً في الاهتمام الذي يوليه للناحية الفيزيائية في التصوير ، وللمادة التي تبدو لديه دائماً وكأن فيها شيئاً من الدسم .
أما عجينة ( بودان Beaudin )، فهي على عكس ذلك ، تتميز بنحولها . إن بودان حساس أكثر مما هو شهواني ، ولذلك دأب دائماً على تنقية معطيات العالم الخارجي وقد زاد في عملية التنقية هذه ، بصورة خاصة ابتداء من عام ۱۹۳۹ . وبدءاً من هذا التاريخ أيضاً ازداد فنه حتى أن أشياء خفيفة كخيوط العنكبوت ومخلوقات ناعمة حانية كالعصافير ، وحيوانات مرنة وديناميكية كالجياد المخبة لم يعد يرسمها إلا بواسطة خطوط صلبة وزوايا حادة . ولا يختلف الأمر عن هذا أيضاً ، عندما يريد أن يبرز في ذهن الناظر بعض المناظر الطبيعية أو بعض بنايات باريز . فهيكل الصورة ظاهر للعيان دائماً ، ودقيق دائماً . إلا أن تكوين الصورة قد يكون متسعاً . فيستطيع أن يشعرنا بوجود مسافات شاسعة يغمرها ضوء خفاق ويتميز التلوين لدى بودان ، قبل كل شيء ، بالرصانة ، فالالوان الرمادية الصافية تجاور الألوان الخضراء المخفضة ، والزرقاء والصفراء المتقطعة . ولذلك قد يكون ممكناً أن يحمل المرء للوهلة الأولى على محمل البرودة هذه الرصانة وهذا الاهتمام البالغ بوضوح التكوين. وفي الواقع فإن سحراً خفياً ينبثق من هذه اللوحات . وإذا كان فيها مايدل على التكلف فما ذلك إلا دلالة على مزاج كلاسيكي لدى الفنان . ...
أما تطور الفن عند ( بوريس Borés ) فأكثر تعرجاً ، وقد ظل
بعد الحرب ، كما كان قبلها ، يختار بالتناوب تعبيرات مختلفة وهو في كل هذا متجاوب نفسه ، أمين لها ، بصورة دائمة . والخط الذي مع يحيط بالأشياء والأشخاص يكون تارة قاسياً قائماً ، ويكون طوراً متعرجاً صافياً ، إلا أن هذا الخط يبدي دائماً ضروباً من التبسيط المتلعثم الشديد التعبير ، وقد يحدث أن يبدو الشكل وكأنه يعوم داخل حدوده . وقد يحدث أيضاً ان يبدو وكأنه يتوسع . ويأتي اللون فيزيد من هذا الانطباع . قد يكون اللون مخففاً وقد يكون مكثفاً ، ولكنه يبدو غالباً وكأن عليه غشاء رقيق يحجبه كما لو أن اللون يأبى أن يظهر للملأ بكامله أو كما لو كان يأبى أن يتفتح إلا بتأثير تأمل يطول أمده . وعندئذ فقط - تشتد قوة الضياء فيه ، وتشتد نبضاته ، فتتكشف لنا في الواقع الحقيقة الشعرية الكامنة في اللوحة والتي تدين بها إلى ماني روح ، الفنان من حساسية حالمة .
وأننا لنتردد في الوهلة الأولى في أن نصنف « بوني » في صفوف هؤلاء المصورين ، لأن لوحاته الصغيرة التي تبرز زوايا منزلية ، ومهرجين ، ومشاهد مستمدة من الشارع ومن البلاجات هذه اللوحات قريبة ، قبل كل شيء ، من أحسن لوحات « فوييار » ( تلك التي أنتجها في سنوات ١٨٩٠ – ١٩٠٠ ) . إلا أن بوني كان بين ۱۹۱۲ - ۱۹۱۹ ، في مدينة سان بترسبورغ وكان واحداً من المصورين الروس الشبان الذي كانوا يشكلون الطليعة التي توجهها التكعيبية ويجتذبها التجريد. فكان يرى في المعارض إلى جانب » لاريونوف » و « ماليفتش » . وإذا كان قد غير اسلوبه بعد أن استقر في باريز عام ١٩٢٣ ، فإن ذكريات من التكعيبية لاتزال توجد في لوحاته حتى في رسم الموائد والكراسي والفواكه التي أخذ يصورها منذ الحرب العالمية الثانية. ومهما يكن من أمر ، فإن براءة النظرات ، ألوان والأشكال المرتعشة » وبعض الغموض في بقع الألوان ، وهي أن متنوعة ولكنها غير حارة . ... الأشياء كل هذا لبوني يتيح وجوداً متواضعاً خجولاً ، على أنه وجود يؤثر في النفس والشعور .
إن المصورين من جيل ميرو الذين مثلوا في فترة مابين الحربين جميع الاتجاهات الحديثة ، وهم يستندون استناداً كثيراً أو قليلاً إلى التكعيبية لم يبتعدوا ، هم أيضاً من الطريق التي سبق أن ساروا عليها . وبالطبع ، فإن صور العري عند غرومير Gromaire » قد تكون ألين رسماً ، وقد يكون اللون أصبح أكثر تحرراً إزاء الشكل . حتى أن هذا الفنان قد انتهى به الأمر إلى أن يعطي لوحاته مظاهر أكثر تجريداً مدينة نيويورك في ١٩٥٠ - ١٩٥١ ، ويحاول التعبير عما تحويه هذه المدينة من صبغة اصطناعية بما فيها من ناطحات السحاب لافتات ضوئية عنيفة ويطيب له أن يجعل الضوء يغلف الأشكال بضرب من الزبد . بيد أنه لا ينزع عن الأشكال صبغتها النحتية . أما ألوانه الأثيرة لديه فهي كما كانت ، الألوان المغراء والحمراء والزرقاء عندما يستوحي الضخمة ومن والسوداء .
وكذلك تكثر الألوان الحمراء والزرقاء في لوحات ( دينوايه Desnoyer ) الذي لاتزال الحسية تسيطر على لوحاته دون الإدراك والفكر . وأن الحسية لديه صريحة فحلة ، لا تخشى ملامسة الابتذال والعامية ، بيد أنها تخلو من كل تكلف وتصنع كما تخلو من المرض ، وهي لاتتجلى فقط في الطريقة التي يعالج بها مشهداً طبيعياً ، أو في كونه ، عندما يصور أجساماً عارية ، يبدي انتباهاً هاماً إلى البشرة ، واهتماماً في نعومة اللحم وامتلائه ، انها تتجلى أيضاً في الاهتمام الذي يوليه للناحية الفيزيائية في التصوير ، وللمادة التي تبدو لديه دائماً وكأن فيها شيئاً من الدسم .
أما عجينة ( بودان Beaudin )، فهي على عكس ذلك ، تتميز بنحولها . إن بودان حساس أكثر مما هو شهواني ، ولذلك دأب دائماً على تنقية معطيات العالم الخارجي وقد زاد في عملية التنقية هذه ، بصورة خاصة ابتداء من عام ۱۹۳۹ . وبدءاً من هذا التاريخ أيضاً ازداد فنه حتى أن أشياء خفيفة كخيوط العنكبوت ومخلوقات ناعمة حانية كالعصافير ، وحيوانات مرنة وديناميكية كالجياد المخبة لم يعد يرسمها إلا بواسطة خطوط صلبة وزوايا حادة . ولا يختلف الأمر عن هذا أيضاً ، عندما يريد أن يبرز في ذهن الناظر بعض المناظر الطبيعية أو بعض بنايات باريز . فهيكل الصورة ظاهر للعيان دائماً ، ودقيق دائماً . إلا أن تكوين الصورة قد يكون متسعاً . فيستطيع أن يشعرنا بوجود مسافات شاسعة يغمرها ضوء خفاق ويتميز التلوين لدى بودان ، قبل كل شيء ، بالرصانة ، فالالوان الرمادية الصافية تجاور الألوان الخضراء المخفضة ، والزرقاء والصفراء المتقطعة . ولذلك قد يكون ممكناً أن يحمل المرء للوهلة الأولى على محمل البرودة هذه الرصانة وهذا الاهتمام البالغ بوضوح التكوين. وفي الواقع فإن سحراً خفياً ينبثق من هذه اللوحات . وإذا كان فيها مايدل على التكلف فما ذلك إلا دلالة على مزاج كلاسيكي لدى الفنان . ...
أما تطور الفن عند ( بوريس Borés ) فأكثر تعرجاً ، وقد ظل
بعد الحرب ، كما كان قبلها ، يختار بالتناوب تعبيرات مختلفة وهو في كل هذا متجاوب نفسه ، أمين لها ، بصورة دائمة . والخط الذي مع يحيط بالأشياء والأشخاص يكون تارة قاسياً قائماً ، ويكون طوراً متعرجاً صافياً ، إلا أن هذا الخط يبدي دائماً ضروباً من التبسيط المتلعثم الشديد التعبير ، وقد يحدث أن يبدو الشكل وكأنه يعوم داخل حدوده . وقد يحدث أيضاً ان يبدو وكأنه يتوسع . ويأتي اللون فيزيد من هذا الانطباع . قد يكون اللون مخففاً وقد يكون مكثفاً ، ولكنه يبدو غالباً وكأن عليه غشاء رقيق يحجبه كما لو أن اللون يأبى أن يظهر للملأ بكامله أو كما لو كان يأبى أن يتفتح إلا بتأثير تأمل يطول أمده . وعندئذ فقط - تشتد قوة الضياء فيه ، وتشتد نبضاته ، فتتكشف لنا في الواقع الحقيقة الشعرية الكامنة في اللوحة والتي تدين بها إلى ماني روح ، الفنان من حساسية حالمة .
وأننا لنتردد في الوهلة الأولى في أن نصنف « بوني » في صفوف هؤلاء المصورين ، لأن لوحاته الصغيرة التي تبرز زوايا منزلية ، ومهرجين ، ومشاهد مستمدة من الشارع ومن البلاجات هذه اللوحات قريبة ، قبل كل شيء ، من أحسن لوحات « فوييار » ( تلك التي أنتجها في سنوات ١٨٩٠ – ١٩٠٠ ) . إلا أن بوني كان بين ۱۹۱۲ - ۱۹۱۹ ، في مدينة سان بترسبورغ وكان واحداً من المصورين الروس الشبان الذي كانوا يشكلون الطليعة التي توجهها التكعيبية ويجتذبها التجريد. فكان يرى في المعارض إلى جانب » لاريونوف » و « ماليفتش » . وإذا كان قد غير اسلوبه بعد أن استقر في باريز عام ١٩٢٣ ، فإن ذكريات من التكعيبية لاتزال توجد في لوحاته حتى في رسم الموائد والكراسي والفواكه التي أخذ يصورها منذ الحرب العالمية الثانية. ومهما يكن من أمر ، فإن براءة النظرات ، ألوان والأشكال المرتعشة » وبعض الغموض في بقع الألوان ، وهي أن متنوعة ولكنها غير حارة . ... الأشياء كل هذا لبوني يتيح وجوداً متواضعاً خجولاً ، على أنه وجود يؤثر في النفس والشعور .
تعليق