الخفيفين . وهي تتميز بما فيها من الاحتشام البارد قليلا . بيد أن فيها الكثير الكثير من الرقة .
الملتونون :
اذا كان الفكر الحديث قد ظل حيا وخصبا بین ۱۹۱۸ و ۱۹۳۹ فلم يكن ذلك بفضل الفنانين الذين ذكرناهم آنفاً دون سواهم . فقد استمر بونار و ماتيس ودوني في اتحافنا بدورهم بروائع مبتكرة لذيذة . لكن هذه الروائع في جملتها تكشف تلك التي سبق الكلام عنها حتى الآن . فهؤلاء المصورون ملونون ، مولعون بماونة مشعة ، وهم يعبرون ، قبل كل شيء ء ، عن فرحة الحياة ، عن اهتمامات مختلفة عن هم وعن السعادة ، .
فبونار الذي كان في صباه يحب الألوان المخففة ، الصامتة ، راح يغزو اللون النقي حوالي عام ۱۹۱۰ . الا أن بعض السمات التي امناز بها في أوائل عهده ظلت تميزه طوال أيام ممارسته للفن . وأولى هذه السمات هي تلك البراءة التي تتيح له أن يعالج أي موضوع بنفس الروح المندهشة كتصويره مقهى في مونتمارتر عند المساء ، أو عدد من الأشخاص يقومون بنزهة في الباخرة أو مرفأ ، أو حدائق على نهر السين ، أو البحر الأبيض المتوسط . أو فواكه وعلبة من جبن الكاممبير على مائدة ، أو أمرأة عارية منصرفة الى زينتها . أو صورته هو نفسه ، منعكسة في المرآة ، ذات صباح . . . كل هذا يتخذ تحت ريشته مظهرا عجيبا ، وتتحول التفاهات الى مظاهر ساحرة من الطبيعي أنه ليس سوى الاطفال من يملك القدرة على الاندهاش الى هذا الحد أمام حقائق عادية جداً كهذه . بيد أنه من الضروري أن نقول أن بونار اذا كان قريبا من الاطفال من حيث البراءة فان فنه خال تماما من الطفولة بل هو قريب الى فن الانطباعيين فبونار هو خليفة ديغا وخليفة رينوار بآن واحد، على أنه خليفة متميز الشخصية لأن في نظرته حرارة أكثر مما في نظرة ديغا ولأنه يستعمل اللون بسحر وفتنة أكثر من رينوار لأنه يشعر بحرية أكبر ازاء الموضوع الذي يعالجه.
وجماع القول أن بونار واحد من اكثر الملونين مغامرة في القرن العشرين . وهو أيضاً من أكثر هم غنى وتنعماً . ففي لوحاته تهتز الألوان الحمراء الضاجة ، وتموجات قزحية متلاشية ، والألوان البرتقالية الشديدة الى جانب الألوان الليلكية والزهرية والبنفسجية الناعمة والألوان الزرقاء والخضراء والتي تكون تارة كثيفة ، وطورا خفيفة شفافة ، واذا كان أحب في السابق تصوير النور المخفف داخل المنازل ، فان لوحاته الآن تظهر ضوءا حارا فيه من الصفاء النير أكثر مما فيه من الحدة . . . أما الظل فإما أن عنه بلون واضح صريح حتى أن الظل لا يبدو هنا شيئا معاكسا للضوء ، بقدر ما يبدو لونا كسائر الألوان .
ومع كل هذا ، لايتخذ بونار سمات الفنان الثوري . ومن هذه الناحية أيضاً لم يتغير أبداً فعندما كان من زمرة الأنبياء كان . أعماله الجريئة . وظل على هذا التمويه حتى بدا فنه وكأنه يدين بكل شيء للالهام فقط . ولا يدين بشيء للتبصر . والحقيقة هي أنه يخلق نفسه خلق وئيدا وأنه يستجيب لمطالب دقيقة أن بونار يعبر عن نفسه تعبيراً موفقا الى حد أن الناظر الى لوحاته لا يكتشف فيها أي أثر للجهد . فهل يعود ذلك الى الطابع المزهر الملونته أم يعود الى الانسجام الطبيعي للألوان المستعملة ؟ أم هي الشاعرية الأخاذة لتلك الالوان .
أما ماتيس فنحن ندرك بصورة أيسر وأوضح ماهي الأسباب التي يخضع لها عمله . واذا كان التفكير يشترك دائماً مع الغريزة في عمله ابان أوج العهد الوحشي ، فقد صار بعد هذا العهد يحرص ، فوق ذلك على أن يحل المسائل التي يطرحها على نفسه حلا واعيا . وفي الفترة ١٩١٦ - يتضح بصورة خاصة اهتمامه بالاسلوب . فأخذ يخفف مافي رسمه من مرونة ومافي لونه من حساسية وأخذ ينحو منحى هندسيا ويجعل الأشياء أكثر تسطحا ، وبصورة أدق من ذي قبل ، وطفق يبسط بنية التركيب ، حتى أن المرء قد يقول انه يجعل كل عنصر من عناصرها يحس ويدرك بصورة أوضح قيمته ومزاياه ... ولاشك في أن وجود التكعيبية يفسر هذا الاتجاه على أننا لا نستطيع أن نتحدث هنا عن تأثير مباشر لها عليه . بيد أن ماتيس لا يتنكر لفنه حين يبسطه ، كما أنه لا يفقره . وعلينا أن نعترف أن لوحاته « المراكشيون في الصلاة » و « درس في البيانو » و « آنسات النهر التي صورها في هذه الفترة ، انما تمثل قمماً في تطور هذا الفنان . وما فيها من تصميم مقصود ، ومن طابع قاسي لا يحول دونها ودون أن تكون ذات حساسية عميقة . واذا كنا قد استطعنا أن نجد بعض الرصانه في بعض صور الأشخاص بين ۱۹۱۰ و ۱۹۱۲ ، فنحن نجد هذا الطابع أكثر فأكثر صورة غريتا بروزور ،، عام ١٩١٦ وفي لوحة الريش الأبيض ، عام ١٩١٩ .
وبعد زمن قليل من تنفيذه لهذه اللوحة الأخيرة ، أخذ ماتيس يعرض لوحات أقل توترا وأقل جرأة. وفي آخر عام ۱۹۱۷ ، استقر به المقام في مدينة نيس . وظل عدة أعوام يكتفي بأن يعبر عن اللذة التي يشعر بها في العيش في هذا المناخ الجنوبي جالسات في تكاسل أو مضطجعات في قاعة فانه يزين هذا المشهد بألوان الشرق المسكرة. ويستعمل أشكالا أقل جدة أشكاله المعتادة ، فيضع هنا وهناك قولبة خفيفة ويعطي الناظر انطباعا بوجود السعة بوسائل لا تختلف عن وسائل فن النهضة الا أن فكره المبدع لانني يظهر في مجال التلوين الذي أصبح أثمن وأغنى بالرقة من كل وقت مضى ، وقد غالى في السحر وأحياناً في التأنق المتحذلق ، حتى أنه في النهاية ارتد عن هذا الاسلوب .
وحوالي عام ۱۹۳٠ ، عاد الى الوان أكثر صراحة ، وعاد في الوقت أكثر تركيبا، وبكلمة وجيزة رة نقول أنه عاد الى الوحشية ، ولكنه لم يعد اليها ليكرر نفسه فيما صنع ، وانما عاد اليها لكي يعبر عن نفسه بجرأة لاتقل عن - جرأته في الماضي وثقة أكبر في نفسه . فاذا صور أمرأة في منزلها ، أو امرأة عارية ، أو طبيعة صامتة كان اهتمامه الرئيسي أن ينوع الألوان ، وأن يبتكر توافقات جديدة فيها . والألوان، في الواقع ، هي التي تضفي على اللوحة مافيها من ضياء وجو . والألوان أيضاً التي تشترك مع تموجات الخط في تحديد معنى اللوحة وهذا هو الذي يدعوه الى أن يولي أهمية كبرى الى أرضية اللوحة ، والى الملابس . كما أن هذا السبب في مادرج عليه من تنويع هذه الملابس أكثر من تنويع الوجوه . ألم يسبق له أن قال عام ١٩٠٨ إن التعبير لا يكمن بالنسبة له في الوجه ؟ وقد ازداد هذا الاعتقاد لديه الى حد أنه أكثر من مرة صور الرأس بشكل بيضوي فارغ ومع ذلك فاللوحة لاتزال تعبر عما ماتيس التعبير عنه : وهو بعث نشوة الاحساس بالتوازن ، والراحة .
الملتونون :
اذا كان الفكر الحديث قد ظل حيا وخصبا بین ۱۹۱۸ و ۱۹۳۹ فلم يكن ذلك بفضل الفنانين الذين ذكرناهم آنفاً دون سواهم . فقد استمر بونار و ماتيس ودوني في اتحافنا بدورهم بروائع مبتكرة لذيذة . لكن هذه الروائع في جملتها تكشف تلك التي سبق الكلام عنها حتى الآن . فهؤلاء المصورون ملونون ، مولعون بماونة مشعة ، وهم يعبرون ، قبل كل شيء ء ، عن فرحة الحياة ، عن اهتمامات مختلفة عن هم وعن السعادة ، .
فبونار الذي كان في صباه يحب الألوان المخففة ، الصامتة ، راح يغزو اللون النقي حوالي عام ۱۹۱۰ . الا أن بعض السمات التي امناز بها في أوائل عهده ظلت تميزه طوال أيام ممارسته للفن . وأولى هذه السمات هي تلك البراءة التي تتيح له أن يعالج أي موضوع بنفس الروح المندهشة كتصويره مقهى في مونتمارتر عند المساء ، أو عدد من الأشخاص يقومون بنزهة في الباخرة أو مرفأ ، أو حدائق على نهر السين ، أو البحر الأبيض المتوسط . أو فواكه وعلبة من جبن الكاممبير على مائدة ، أو أمرأة عارية منصرفة الى زينتها . أو صورته هو نفسه ، منعكسة في المرآة ، ذات صباح . . . كل هذا يتخذ تحت ريشته مظهرا عجيبا ، وتتحول التفاهات الى مظاهر ساحرة من الطبيعي أنه ليس سوى الاطفال من يملك القدرة على الاندهاش الى هذا الحد أمام حقائق عادية جداً كهذه . بيد أنه من الضروري أن نقول أن بونار اذا كان قريبا من الاطفال من حيث البراءة فان فنه خال تماما من الطفولة بل هو قريب الى فن الانطباعيين فبونار هو خليفة ديغا وخليفة رينوار بآن واحد، على أنه خليفة متميز الشخصية لأن في نظرته حرارة أكثر مما في نظرة ديغا ولأنه يستعمل اللون بسحر وفتنة أكثر من رينوار لأنه يشعر بحرية أكبر ازاء الموضوع الذي يعالجه.
وجماع القول أن بونار واحد من اكثر الملونين مغامرة في القرن العشرين . وهو أيضاً من أكثر هم غنى وتنعماً . ففي لوحاته تهتز الألوان الحمراء الضاجة ، وتموجات قزحية متلاشية ، والألوان البرتقالية الشديدة الى جانب الألوان الليلكية والزهرية والبنفسجية الناعمة والألوان الزرقاء والخضراء والتي تكون تارة كثيفة ، وطورا خفيفة شفافة ، واذا كان أحب في السابق تصوير النور المخفف داخل المنازل ، فان لوحاته الآن تظهر ضوءا حارا فيه من الصفاء النير أكثر مما فيه من الحدة . . . أما الظل فإما أن عنه بلون واضح صريح حتى أن الظل لا يبدو هنا شيئا معاكسا للضوء ، بقدر ما يبدو لونا كسائر الألوان .
ومع كل هذا ، لايتخذ بونار سمات الفنان الثوري . ومن هذه الناحية أيضاً لم يتغير أبداً فعندما كان من زمرة الأنبياء كان . أعماله الجريئة . وظل على هذا التمويه حتى بدا فنه وكأنه يدين بكل شيء للالهام فقط . ولا يدين بشيء للتبصر . والحقيقة هي أنه يخلق نفسه خلق وئيدا وأنه يستجيب لمطالب دقيقة أن بونار يعبر عن نفسه تعبيراً موفقا الى حد أن الناظر الى لوحاته لا يكتشف فيها أي أثر للجهد . فهل يعود ذلك الى الطابع المزهر الملونته أم يعود الى الانسجام الطبيعي للألوان المستعملة ؟ أم هي الشاعرية الأخاذة لتلك الالوان .
أما ماتيس فنحن ندرك بصورة أيسر وأوضح ماهي الأسباب التي يخضع لها عمله . واذا كان التفكير يشترك دائماً مع الغريزة في عمله ابان أوج العهد الوحشي ، فقد صار بعد هذا العهد يحرص ، فوق ذلك على أن يحل المسائل التي يطرحها على نفسه حلا واعيا . وفي الفترة ١٩١٦ - يتضح بصورة خاصة اهتمامه بالاسلوب . فأخذ يخفف مافي رسمه من مرونة ومافي لونه من حساسية وأخذ ينحو منحى هندسيا ويجعل الأشياء أكثر تسطحا ، وبصورة أدق من ذي قبل ، وطفق يبسط بنية التركيب ، حتى أن المرء قد يقول انه يجعل كل عنصر من عناصرها يحس ويدرك بصورة أوضح قيمته ومزاياه ... ولاشك في أن وجود التكعيبية يفسر هذا الاتجاه على أننا لا نستطيع أن نتحدث هنا عن تأثير مباشر لها عليه . بيد أن ماتيس لا يتنكر لفنه حين يبسطه ، كما أنه لا يفقره . وعلينا أن نعترف أن لوحاته « المراكشيون في الصلاة » و « درس في البيانو » و « آنسات النهر التي صورها في هذه الفترة ، انما تمثل قمماً في تطور هذا الفنان . وما فيها من تصميم مقصود ، ومن طابع قاسي لا يحول دونها ودون أن تكون ذات حساسية عميقة . واذا كنا قد استطعنا أن نجد بعض الرصانه في بعض صور الأشخاص بين ۱۹۱۰ و ۱۹۱۲ ، فنحن نجد هذا الطابع أكثر فأكثر صورة غريتا بروزور ،، عام ١٩١٦ وفي لوحة الريش الأبيض ، عام ١٩١٩ .
وبعد زمن قليل من تنفيذه لهذه اللوحة الأخيرة ، أخذ ماتيس يعرض لوحات أقل توترا وأقل جرأة. وفي آخر عام ۱۹۱۷ ، استقر به المقام في مدينة نيس . وظل عدة أعوام يكتفي بأن يعبر عن اللذة التي يشعر بها في العيش في هذا المناخ الجنوبي جالسات في تكاسل أو مضطجعات في قاعة فانه يزين هذا المشهد بألوان الشرق المسكرة. ويستعمل أشكالا أقل جدة أشكاله المعتادة ، فيضع هنا وهناك قولبة خفيفة ويعطي الناظر انطباعا بوجود السعة بوسائل لا تختلف عن وسائل فن النهضة الا أن فكره المبدع لانني يظهر في مجال التلوين الذي أصبح أثمن وأغنى بالرقة من كل وقت مضى ، وقد غالى في السحر وأحياناً في التأنق المتحذلق ، حتى أنه في النهاية ارتد عن هذا الاسلوب .
وحوالي عام ۱۹۳٠ ، عاد الى الوان أكثر صراحة ، وعاد في الوقت أكثر تركيبا، وبكلمة وجيزة رة نقول أنه عاد الى الوحشية ، ولكنه لم يعد اليها ليكرر نفسه فيما صنع ، وانما عاد اليها لكي يعبر عن نفسه بجرأة لاتقل عن - جرأته في الماضي وثقة أكبر في نفسه . فاذا صور أمرأة في منزلها ، أو امرأة عارية ، أو طبيعة صامتة كان اهتمامه الرئيسي أن ينوع الألوان ، وأن يبتكر توافقات جديدة فيها . والألوان، في الواقع ، هي التي تضفي على اللوحة مافيها من ضياء وجو . والألوان أيضاً التي تشترك مع تموجات الخط في تحديد معنى اللوحة وهذا هو الذي يدعوه الى أن يولي أهمية كبرى الى أرضية اللوحة ، والى الملابس . كما أن هذا السبب في مادرج عليه من تنويع هذه الملابس أكثر من تنويع الوجوه . ألم يسبق له أن قال عام ١٩٠٨ إن التعبير لا يكمن بالنسبة له في الوجه ؟ وقد ازداد هذا الاعتقاد لديه الى حد أنه أكثر من مرة صور الرأس بشكل بيضوي فارغ ومع ذلك فاللوحة لاتزال تعبر عما ماتيس التعبير عنه : وهو بعث نشوة الاحساس بالتوازن ، والراحة .
تعليق