التكعيبيون بعد التكعيبية
في عام ۱۹۱٨ صدر كتاب عنوانه ( بعد التكعيبية ) . فهل يعني ذلك أن التكعيبية لم يمتد أ بية لم يمتد أجلها إلى ما بعد الحرب .
إن التكعيبية من حيث هي حركة فنية قد ماتت فعلا في شهر آب ١٩١٤ . وهذا أمر لا مجال للشك فيه . الا أن هذا المذهب روح هي تنتمي الفني لم تتلاشى .. فقد ظلت تتجلى في العديد من اللوحات . وليست هذه اللوحات أعمالاً خالية من دماء الحياة يقتصر واضعوها على نقل وتكرار لوحات سبقتها . وانما ابداعات أصيلة إلى تكعيبية متطورة . ولولا هذه اللوحات لظل الفن المعاصر مفتقرا إلى ناحية من أكثر النواحي طرافة . بل قد يجوز القول إن بعض التكعيبيين . أمثال مارکوسیس Marcoussis » وا جوان غري لم يحققوا القسم الجوهري من أعمالهم الا بعد أن كانت الحركة التكعيبية قد زالت . اذ أنهم كانوا في عام ١٩١٤ لم يتجاوزوا مرحلة الآمال .
وفي عام ۱۹۱۷ بدا أن بيكاسو Picasso كان راغباً في أن يقطع مابينه وبين الاتجاه الذي كان قد عمل هو نفسه ، وبحرارة ، على تبيان ملامحه ، وتقرير مصيره. لكنه في الحقيقة ، لم يحد عنه الا وقتاً قصيراً . بيد أن هذا الحدث جديد وجدير بأن يشار اليه . من فحوالي عام ۱۹۱۲ كان بيكاسو راغباً في أن يفسح مكانا في عمله الفني للمرأة التي يحبها . فلم يجد سبيلاً لذلك ، الا أن يكتب على لوحاته جميلني أو ( ايفا الحسناء ) . ولا يتردد في رسم صورة الراقصة ه اولغا كو كلوفا Olga Koklova التي تزوجها فيما بعد أي عام ۱۹۱۸ . وهذه اللوحة رسمها الفنان باسلوب واقعي يذكرنا بـ ( أنجر Ingres ) ، ثم رسم لوحات من هذا الطراز في السنوات التالية . لكنه ، في الوقت نفسه كان يصور لوحات وفق النظرية الجمالية للمذهب التكعيبي . فلماذا اتبع هذين الاسلوبين المتضادين تماماً ؟ ان السبب في ذلك هو أن بيكاسو كان ينفر نفوراً متزايداً أن يتقيد بنهج معين ، حتى لو كان هذا النهج جديداً ، وحتى لو كان من نتاج مكتسباته . وعلى كل حال ، فهو ، من هذه الفترة فصاعداً فنان كثير التغير . فيقفز إلى الأمام ويقفز إلى الوراء، دون أن يكون لهذه التغيرات المفاجئة أي ما تعليل سوى رغبته في أن يبرهن دائماً . أنه في عام ١٩٢١ أخذ برسم جانبية يونانية . لكن أجسامهن البدينة عارية أو مغطاة بأثواب قصيرة قديمة الزي . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، وفي الفترة نفسها ، أشخاصاً وطبائع صامتة يخترع أشكالها ، في نمط هندسي حتى أنه لم يعد فيها الا القليل من أشكال الحياة .
ولم يلبث أن أشاح بوجهه عن النماذج الجبسية اليونانية الرومانية القديمة. كما أنه ترك الاسلوب الذي يستلهم أنجر Ingres . وإذا كان قد ظل محافظاً على اسلوب التكعيبية وقواعدها فهو قد باشر منذ عام ۱٩٢٥ باستعمالها ولكن بروح انطباعية ، وهو يظهر ذلك بشكل عنيف في لوحة ( المستحمات ) التي رسمها عام ۱۹۲۹ ، في مدينة دينار. فهو لم يتقيد فيها قط بتركيب الجسم البشري بل انه لم يكتف بتشويه الأجساد ، فراح يعيد تركيبها على هواه ، في كثير من اللامبالاة . وقد أقدم على ذلك بتأثير السيرياليين فإنك تجد فيها هنا مايذكرك بدجاجة قد احتمت تحت بقايا جناحيها المنتصبين. وتجد هناك كائناً غريباً مركباً ، يشبه في بعضه منظر ( السلطعان ) ويشبه في بعضه الآخر منظر الآلة . ويشبه وجهه ملزمة حديدية ذات رؤوس جارحة . وليس من ينكر أن في مثل هذه اللوحات نزوة وسخرية لاذعة . ويمكن تعليلها بأنها محاولات في مجال الشكل : فهي بدلاً من أن تظهر لنا وجوهاً نسائية ، تقترح علينا حجوماً مخترعة بحرية. ومما يبرهن على ذلك أن بيكاسو ، في هذه الفترة بالذات، يحس بالحاجة إلى أن يعود إلى النحت.
وعلى كل حال ، فبعد أن صور حوالي عام ۱۹٣١ عدداً من الطبائع الصامتة التي تجمع بين الألوان الرنانة كأنها في نشوة النصر ، وبين الخطوط الحازمة واللينة في وقت واحد الا الله . ساقه حب جديد إلى أن يكتشف في المرأة مشاهد أقرب إلى المألوف وخاصة أكثر جاذبية وإذا كان لم ينفك عن تركيب الجسم تركيباً يخترعه هو ، فقد أصبح الخط منحنياً ، متعرجاً في نشوة ، أخاذاً ، ومداعباً ، وكذلك يظهر نوع من الحنو في التلوين يكاد يبلغ أحياناً الظرف وفي مرات كثيرة تبدو المرأة ، وهي مستسلمة للنوم متراخية ، كما تبدو أحياناً وكأنها في غيبوبة حلم صاف معز . في حين تظهر مرات أخرى وكأنها تختلج بتأثير كابوس .
وبعد فترة وجيزة ، عاد رسمه فتخلى مرة ثانية عن طابعه التموجي، أو ، على الأقل ، بدأت تظهر فيه خطوط مستقيمة صلبة ، وزوايا حادة ، تتنافر مع الخطوط المنحنية. كما بدأت تظهر غالباً في صور الأشخاص تعابير متوترة أو قلقة . وفي عام ۱۹٣٤ ، أخذ الفنان يرسم لوحات سباق الثيران ، فيبرز للمشاهد منظر الحيوان المجروح المتألم الذي ينتظر الموت. وبعد ذلك بثلاث سنوات ، لم يعد الأمر أمر حيوان يمزقه الألم ، لأن الحرب قد نشبت في وطن بيكاسو . وفي ٢٨ نیسان ۱۹۳۷ أصاب الدمار مدينة غرنيكا Guernica بفعل القنابل التي قذفها بها طيارون ألمان يعملون في جيش فرانكو. وكان بيكاسو قد عبر بصور منقوشة عن اسهامه في هذه الحرب فصمم أن يجعل من هذا القصف موضوعاً للوحة كبيرة يعدها لجناح الجمهورية الأسبانية في معرض باريس الدولي . وبالفعل ، كانت هذه اللوحة ، أقوى آثاره على الاطلاق ، وأكثرها إثارة للعواطف . وهي ، وحدها ، تكفي لتبرير اسلوب الرسم الحديث كما تكفي للبرهان على أن هذا الأسلوب يستطيع أن ينأى كثيراً عن المعقول ، دون أن يفقد قوته المعبرة . وفي الواقع فإن الحرية التي يترجم بها بيكاسو معطيات الحياة هي التي تضفي على عمله الفني هذه القوة الشديدة التأثير في النفس . ومن أنه غير مواقع العيون في وجوه النساء . وجعل هذه العيون تبدو وكأنها تائهة فوق الثغور الصارخة . وقد عبر بذلك ، وبصورة مباشرة جداً عن الهلع المجنون الذي أثارته الكارثة. كذلك جعل لسان الحصان على شكل رأس حربة حادة تبرز من بين الأسنان ، مما يجعلنا نشعر فوراً بالألم الحاد الذي يحسه الحيوان الجريح وهو يتلوى قبل أن يخر صريعاً . وبصورة عامة ، فإن الخط والشكل يعبران عن كل شيء في هذه اللوحة . أما اللون فلا يدخل مطلقاً ، وهو يتألف ، بصورة رئيسية من الرمادي وتنوعاته ويبرز أقساماً مضيئة ، وأقساماً ظليلة ، فينشأ من اصطدامها تعبیر شدید .
وبعد غرنيكا لم يعد بيكاسو يعيش في معزل الأحداث . ولم يعد يقتصر على أن يكون رجلاً ويصور بقصد حل بعض القضايا التصويرية أو بقصد التعبير عما يلقاه في حياته الخاصة من فرح و انزعاج وغضب ... لقد أصبح رجلاً يحس بمصير شعبه وبمصير المجتمع الذي يحيط به وطبعاً لم يكن تحسسه محصوراً بالمآسي . فنراه في أعوام ۱۹۳۷ إلى ۱۹۳۹ يخلق لوحات تظهر جيشان عواطفه بتأثير سحر امرأة حسناء وأناقتها . الا أنه حين نشبت الحرب انصرف ، بصورة رئيسية ، إلى التعبير عما تسببه من تمزقات وكاد فنه كله أن يقتصر على ماهو تصوير للفظائع والمآسي وإذا كان بيكاسو وبراك يتشابهان في زمن التكعيبية حتى يكاد المرء ألا يميز بين لوحات هذا ولوحات ذاك ، فإنهما قد سلكا بعد عام ۱۹۱۸ سبيلين مختلفين. أما براك فإن اهتمامه بالكائن البشرى أقل من اهتمامه بالطبيعة الصامتة ، ويظل تصويره يحمل طابع التكعيبية في النقاط الأساسية من فنه . بيد أنه كف عن تجزئة الأشياء وصار يعطيها شكلاً أكثر دقة . وأكثر تمكيناً من التعرف عليها . وهو يأخذ بعين الاعتبار أيضاً ، إلى حد ما ، ماللأشياء من سمك ، ومن وزن ومن مادة . على أنه يرجع بها آخر الأمر إلى عناصر تشكيلية في تركيب فني هو في مجموعه واقع تصويري بحت. وتحقيقاً لهذا الغرض ، فهو عندما يصور ، الابريق الصغير أو المندولين أو عنقود العنب أو الغليون أو الكأس يغير أشكالها ، ويصبغها بألوان يخترعها لها . ومع ذلك ، فإنها لا توحي بأن المصور قد شوهها ، ولعل السبب في ذلك أن خطوطه
في عام ۱۹۱٨ صدر كتاب عنوانه ( بعد التكعيبية ) . فهل يعني ذلك أن التكعيبية لم يمتد أ بية لم يمتد أجلها إلى ما بعد الحرب .
إن التكعيبية من حيث هي حركة فنية قد ماتت فعلا في شهر آب ١٩١٤ . وهذا أمر لا مجال للشك فيه . الا أن هذا المذهب روح هي تنتمي الفني لم تتلاشى .. فقد ظلت تتجلى في العديد من اللوحات . وليست هذه اللوحات أعمالاً خالية من دماء الحياة يقتصر واضعوها على نقل وتكرار لوحات سبقتها . وانما ابداعات أصيلة إلى تكعيبية متطورة . ولولا هذه اللوحات لظل الفن المعاصر مفتقرا إلى ناحية من أكثر النواحي طرافة . بل قد يجوز القول إن بعض التكعيبيين . أمثال مارکوسیس Marcoussis » وا جوان غري لم يحققوا القسم الجوهري من أعمالهم الا بعد أن كانت الحركة التكعيبية قد زالت . اذ أنهم كانوا في عام ١٩١٤ لم يتجاوزوا مرحلة الآمال .
وفي عام ۱۹۱۷ بدا أن بيكاسو Picasso كان راغباً في أن يقطع مابينه وبين الاتجاه الذي كان قد عمل هو نفسه ، وبحرارة ، على تبيان ملامحه ، وتقرير مصيره. لكنه في الحقيقة ، لم يحد عنه الا وقتاً قصيراً . بيد أن هذا الحدث جديد وجدير بأن يشار اليه . من فحوالي عام ۱۹۱۲ كان بيكاسو راغباً في أن يفسح مكانا في عمله الفني للمرأة التي يحبها . فلم يجد سبيلاً لذلك ، الا أن يكتب على لوحاته جميلني أو ( ايفا الحسناء ) . ولا يتردد في رسم صورة الراقصة ه اولغا كو كلوفا Olga Koklova التي تزوجها فيما بعد أي عام ۱۹۱۸ . وهذه اللوحة رسمها الفنان باسلوب واقعي يذكرنا بـ ( أنجر Ingres ) ، ثم رسم لوحات من هذا الطراز في السنوات التالية . لكنه ، في الوقت نفسه كان يصور لوحات وفق النظرية الجمالية للمذهب التكعيبي . فلماذا اتبع هذين الاسلوبين المتضادين تماماً ؟ ان السبب في ذلك هو أن بيكاسو كان ينفر نفوراً متزايداً أن يتقيد بنهج معين ، حتى لو كان هذا النهج جديداً ، وحتى لو كان من نتاج مكتسباته . وعلى كل حال ، فهو ، من هذه الفترة فصاعداً فنان كثير التغير . فيقفز إلى الأمام ويقفز إلى الوراء، دون أن يكون لهذه التغيرات المفاجئة أي ما تعليل سوى رغبته في أن يبرهن دائماً . أنه في عام ١٩٢١ أخذ برسم جانبية يونانية . لكن أجسامهن البدينة عارية أو مغطاة بأثواب قصيرة قديمة الزي . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، وفي الفترة نفسها ، أشخاصاً وطبائع صامتة يخترع أشكالها ، في نمط هندسي حتى أنه لم يعد فيها الا القليل من أشكال الحياة .
ولم يلبث أن أشاح بوجهه عن النماذج الجبسية اليونانية الرومانية القديمة. كما أنه ترك الاسلوب الذي يستلهم أنجر Ingres . وإذا كان قد ظل محافظاً على اسلوب التكعيبية وقواعدها فهو قد باشر منذ عام ۱٩٢٥ باستعمالها ولكن بروح انطباعية ، وهو يظهر ذلك بشكل عنيف في لوحة ( المستحمات ) التي رسمها عام ۱۹۲۹ ، في مدينة دينار. فهو لم يتقيد فيها قط بتركيب الجسم البشري بل انه لم يكتف بتشويه الأجساد ، فراح يعيد تركيبها على هواه ، في كثير من اللامبالاة . وقد أقدم على ذلك بتأثير السيرياليين فإنك تجد فيها هنا مايذكرك بدجاجة قد احتمت تحت بقايا جناحيها المنتصبين. وتجد هناك كائناً غريباً مركباً ، يشبه في بعضه منظر ( السلطعان ) ويشبه في بعضه الآخر منظر الآلة . ويشبه وجهه ملزمة حديدية ذات رؤوس جارحة . وليس من ينكر أن في مثل هذه اللوحات نزوة وسخرية لاذعة . ويمكن تعليلها بأنها محاولات في مجال الشكل : فهي بدلاً من أن تظهر لنا وجوهاً نسائية ، تقترح علينا حجوماً مخترعة بحرية. ومما يبرهن على ذلك أن بيكاسو ، في هذه الفترة بالذات، يحس بالحاجة إلى أن يعود إلى النحت.
وعلى كل حال ، فبعد أن صور حوالي عام ۱۹٣١ عدداً من الطبائع الصامتة التي تجمع بين الألوان الرنانة كأنها في نشوة النصر ، وبين الخطوط الحازمة واللينة في وقت واحد الا الله . ساقه حب جديد إلى أن يكتشف في المرأة مشاهد أقرب إلى المألوف وخاصة أكثر جاذبية وإذا كان لم ينفك عن تركيب الجسم تركيباً يخترعه هو ، فقد أصبح الخط منحنياً ، متعرجاً في نشوة ، أخاذاً ، ومداعباً ، وكذلك يظهر نوع من الحنو في التلوين يكاد يبلغ أحياناً الظرف وفي مرات كثيرة تبدو المرأة ، وهي مستسلمة للنوم متراخية ، كما تبدو أحياناً وكأنها في غيبوبة حلم صاف معز . في حين تظهر مرات أخرى وكأنها تختلج بتأثير كابوس .
وبعد فترة وجيزة ، عاد رسمه فتخلى مرة ثانية عن طابعه التموجي، أو ، على الأقل ، بدأت تظهر فيه خطوط مستقيمة صلبة ، وزوايا حادة ، تتنافر مع الخطوط المنحنية. كما بدأت تظهر غالباً في صور الأشخاص تعابير متوترة أو قلقة . وفي عام ۱۹٣٤ ، أخذ الفنان يرسم لوحات سباق الثيران ، فيبرز للمشاهد منظر الحيوان المجروح المتألم الذي ينتظر الموت. وبعد ذلك بثلاث سنوات ، لم يعد الأمر أمر حيوان يمزقه الألم ، لأن الحرب قد نشبت في وطن بيكاسو . وفي ٢٨ نیسان ۱۹۳۷ أصاب الدمار مدينة غرنيكا Guernica بفعل القنابل التي قذفها بها طيارون ألمان يعملون في جيش فرانكو. وكان بيكاسو قد عبر بصور منقوشة عن اسهامه في هذه الحرب فصمم أن يجعل من هذا القصف موضوعاً للوحة كبيرة يعدها لجناح الجمهورية الأسبانية في معرض باريس الدولي . وبالفعل ، كانت هذه اللوحة ، أقوى آثاره على الاطلاق ، وأكثرها إثارة للعواطف . وهي ، وحدها ، تكفي لتبرير اسلوب الرسم الحديث كما تكفي للبرهان على أن هذا الأسلوب يستطيع أن ينأى كثيراً عن المعقول ، دون أن يفقد قوته المعبرة . وفي الواقع فإن الحرية التي يترجم بها بيكاسو معطيات الحياة هي التي تضفي على عمله الفني هذه القوة الشديدة التأثير في النفس . ومن أنه غير مواقع العيون في وجوه النساء . وجعل هذه العيون تبدو وكأنها تائهة فوق الثغور الصارخة . وقد عبر بذلك ، وبصورة مباشرة جداً عن الهلع المجنون الذي أثارته الكارثة. كذلك جعل لسان الحصان على شكل رأس حربة حادة تبرز من بين الأسنان ، مما يجعلنا نشعر فوراً بالألم الحاد الذي يحسه الحيوان الجريح وهو يتلوى قبل أن يخر صريعاً . وبصورة عامة ، فإن الخط والشكل يعبران عن كل شيء في هذه اللوحة . أما اللون فلا يدخل مطلقاً ، وهو يتألف ، بصورة رئيسية من الرمادي وتنوعاته ويبرز أقساماً مضيئة ، وأقساماً ظليلة ، فينشأ من اصطدامها تعبیر شدید .
وبعد غرنيكا لم يعد بيكاسو يعيش في معزل الأحداث . ولم يعد يقتصر على أن يكون رجلاً ويصور بقصد حل بعض القضايا التصويرية أو بقصد التعبير عما يلقاه في حياته الخاصة من فرح و انزعاج وغضب ... لقد أصبح رجلاً يحس بمصير شعبه وبمصير المجتمع الذي يحيط به وطبعاً لم يكن تحسسه محصوراً بالمآسي . فنراه في أعوام ۱۹۳۷ إلى ۱۹۳۹ يخلق لوحات تظهر جيشان عواطفه بتأثير سحر امرأة حسناء وأناقتها . الا أنه حين نشبت الحرب انصرف ، بصورة رئيسية ، إلى التعبير عما تسببه من تمزقات وكاد فنه كله أن يقتصر على ماهو تصوير للفظائع والمآسي وإذا كان بيكاسو وبراك يتشابهان في زمن التكعيبية حتى يكاد المرء ألا يميز بين لوحات هذا ولوحات ذاك ، فإنهما قد سلكا بعد عام ۱۹۱۸ سبيلين مختلفين. أما براك فإن اهتمامه بالكائن البشرى أقل من اهتمامه بالطبيعة الصامتة ، ويظل تصويره يحمل طابع التكعيبية في النقاط الأساسية من فنه . بيد أنه كف عن تجزئة الأشياء وصار يعطيها شكلاً أكثر دقة . وأكثر تمكيناً من التعرف عليها . وهو يأخذ بعين الاعتبار أيضاً ، إلى حد ما ، ماللأشياء من سمك ، ومن وزن ومن مادة . على أنه يرجع بها آخر الأمر إلى عناصر تشكيلية في تركيب فني هو في مجموعه واقع تصويري بحت. وتحقيقاً لهذا الغرض ، فهو عندما يصور ، الابريق الصغير أو المندولين أو عنقود العنب أو الغليون أو الكأس يغير أشكالها ، ويصبغها بألوان يخترعها لها . ومع ذلك ، فإنها لا توحي بأن المصور قد شوهها ، ولعل السبب في ذلك أن خطوطه
تعليق