اندلس(عماره وفنون)
Al-Andalus - Al-Andalûs
العمارة والفنون العربية في الأندلس
تطلق تسمية الأندلس Andaloucia اليوم على المنطقة الواقعة جنوبي إسبانية. وتضم محافظات ألمرية[ر] Almeria وقادش Cadix وقرطبة Cordoba وغرناطة Grenade وخلوة Huelua وجيان Jaen. والمعروف أن شعوباً كثيرة سكنت إسبانية عامة وأسهمت كلها في تطوير الفنون فيها لكن التأثير العربي الإسلامي في شبة جزيرة إيبرية وخاصة في أقسامها الجنوبية والجنوبية الغربية يظل أكثرها أهمية وديمومة لكثرة المشيدات التي بقيت فيها شاهداً على النهضة الفكرية والفنية التي عرفتها الخلافة الأموية والإمارات العربية المختلفة في الأندلس من القرن الثاني حتى التاسع الهجري /الثامن حتى الخامس عشر الميلاديين، ولامتداد التأثيرات الفنية العربية إلى بقية مناطق إسبانية التي ظلت في يد الإسبان أو استردوها حتى زوال حكم العرب منها.
العمارة والفنون العربية في الأندلس إبّان الحكم العربي الإسلامي: كانت حقبة الحكم العربي للأندلس حقبة تطور حضاري مهم، فقد وصلت الحضارة العربية إلى تلك البلاد بخصائصها العربية الإسلامية التي كانت قد بدأت تتبلور في بلاد الشام إبان الحكم الأموي. وقد حمل العرب إلى الأندلس أسلوب معيشتهم وكيفوه تبعاً لشروط الحياة فيها كالمسكن المنفتح على الفِناء الداخلي المزين بالحدائق والسطوح المائية. وطوروا الزراعة وري الأراضي حتى عم الرخاء المدن والريف، وقد نظمت المدن التي أقاموا فيها وفق الأسلوب المشرقي بشوارع ضيقة ذات محاور متكسرة درءاً للشمس وحماية للسكان. وازدهرت صناعة النسيج والخزف والجلود في قرطبة وصناعة الأسلحة في طليطلة. واستخرج الذهب والفضة والقصدير والنحاس والحديد والزئبق، واستخدمت تلك المواد في البناء والتزيين وفي الصناعات المعدنية؛ وكانت غرناطة مركزاً لصياغة الذهب والفضة، واستعمل الذهب في التنزيل والتزيين فطليت به أبواب المساجد والقصور وقطع الأثاث، وما تزال صناعة التنزيل بخيوط الذهب على القصدير والنحاس والرصاص قائمة حتى اليوم في طليطلة وغيرها من المدن الإسبانية.
وإذا كانت اللغة العربية وعلومها وفنون الكتابة (الخط العربي) من الأمور المهمة التي أدخلها العرب المسلمون إلى الأندلس فقد نقل هؤلاء معهم كذلك ذوقهم في تنسيق الحدائق ومعرفتهم بالنواعير وطرائق رفع المياه والتحكم فيها (مازالت آثار ذلك على النهر الكبير في قرطبة)، كما نقل العرب معرفتهم في صناعة السلاح من سيوف وخناجر ومدى بمقابضها ونصولها الغنية بالزخارف الإسلامية (سيف أبي عبد الله آخر سلاطين الأندلس).
وكانت بلاطات الخلفاء والأمراء في الأندلس مركز إشعاع ثقافي حضاري فاجتذبت العلماء والكتّاب والشعراء والفنانين والصناع المهرة. وقد اهتم الخلفاء والأمراء بنشر المدارس والجامعات (وأشهرها جامعة قرطبة) والمكتبات العامة (وأشهرها مكتبة الخليفة الحكم) وبناء الأسواق والمشافي والحمامات العامة وملاجئ الفقراء.
صنفت عهود الحكم العربي في الأندلس في أربعة عصور: عصر الإمارة والخلافة الأموية وعصر دول الطوائف، وعصر المرابطين والموحدين وعصر نهاية الأندلس والعرب المتنصّرين.
العمارة المدنية: يقتضي الحديث عن الصروح العمرانية في الأندلس التطرق إلى هندسة المدن وتنظيمها. فقد كانت قرطبة في أيام الحاجب المنصور (الوزير محمد بن أبي عامر) واحدة من أعظم المدن في العالم، ويقال إنها كانت تحتوي على مئتي ألف قصر وستمئة مسجد وسبعمئة حمام، وكانت طرقها مرصوفة بالحجارة ومحفوفة بطوارين على الجانبين، وكانت تضاء في الليل حتى يقال إن المسافر كان يستطيع أن يسير على ضوء المصابيح وبين صفين من المباني مسافة عشرة أميال. ولم يغفل الخلفاء والأمراء بناء الجسور على الأنهار ومد قنوات مياه الشرب إلى المنازل والقصور والحمامات إضافة إلى الحدائق والمتنزهات التي تزينها برك الماء المتدفق. ويقال إن عبد الرحمن الداخل أنشأ في قرطبة قصراً فخماً أطلق عليه اسم قصر الرصافة تيمناً بالقصر الذي قضى فيه صباه بالقرب من مدينة الرقة في سورية، وحذا حذوه من أتى بعده من الأمراء والخلفاء فبنوا قصوراً تغنى بها الشعراء الأندلسيون، مثل الروضة وقصر المعشوق وقصر السرور وقصر التاج. وقد كانت هذه القصور التي اندثر أكثرها آية في الجمال والبراعة العمرانية والترف والذوق الرفيع. من أشهر المشيدات العمرانية في حقبة الإمارة العربية والخلافة الأموية ضاحية الزهراء التي تقع إلى الشرق من قرطبة وقد شيدها الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر الثالث (300 ـ350هـ) تخليداً لاسم زوجته، واستغرق بناؤها سنوات طويلة (325 - 351هـ، 936 - 961م) وتشتمل الزهراء على ثلاث مدن متدرجة في البناء عثر عليها المعمار الإسباني فلاسكيز عام 1910م، وتنحدر تلك المدن نحو الوادي الكبير ولكل منها سورها، القصور في أعلاها والبساتين والجنان في الثانية، وفي الثالثة الديار والجامع.
وابتنى الناصر لنفسه قصره العظيم دار الروضة، ويذكر المقري في كتابه «نفح الطيب» أن حيطان القصر كانت من الذهب والرخام السميك الصافي، وفي وسط القصر صهريج عظيم مليء بالزئبق، وأبواب من العاج والأبنوس المرصع بالجواهر، وكانت الشمس تضرب أشعتها من خلالها في صدر المجلس، فيصير من ذلك نور يأخذ الأبصار. وزين مجلسه في قصر الزهراء بتماثيل من الذهب مرصعة بالجواهر في دار الصناعة في قرطبة، وأقام مجمَع منحوتات في قصره هذا، وجلب إليه بركة منقوشة في دمشق ومذهبة فيها نقوش وتماثيل على صور الإنسان لا تقدّر بثمن. ونصب منحوتاتٍ من الذهب الأحمر مرصّعة بالدر النفيس الغالي ممّا عمل بدار الصناعة بقرطبة، تمثل أسداً وغزالاً وتمساحاً يقابلها ثعبان وعقاب وفيل، وعلى الجانبين ركزت حمامة وشاهين وطاووس ودجاجة وديك وحدأة ونسر، وكلّها يخرج من أفواهها الماء.
ويقال إن قصر الروضة كان يقوم على ألف ومئتي عمود من الرخام وإن سقف مجلس الحكم فيه وجدرانه كانت من الرخام والذهب، وله ثمانية أبواب مطعمة بخشب الأبنوس والعاج والحجارة الكريمة. وفي الطرف المقابل للروضة شيد الحاجب المنصور في عام 368هـ/ 978م قصر الزاهرة الذي ضاهى القصر الأول في الفخامة. وانتشر حول القصرين بيوتات الأشراف والمغنين والعازفين والشعراء والخدم. وقد اشتهرت مدينة الزاهرة بالترف والغنى ورخاء الحياة حتى صارت مضرب الأمثال في ذلك الوقت. وقد احترق القصران في ثورة عام 1010م ولم يبق منهما سوى بعض الآثار. وذابت الضاحية كلها في مدينة قرطبة بعد ذلك التاريخ.
من الآثار التي تعود إلى هذه الحقبة أيضاً جامع طليطلة الصغير ويعود بناؤه إلى نهاية القرن العاشر الميلادي/الرابع الهجري. وقد حول بعد الحكم العربي إلى كنيسة تعرف اليوم باسم كنيسة القديس كريستو ديلالوث Santo Cristo de la luz. لكن أهم المشيدات العمرانية التي تعود إلى هذه الحقبة المسجد الجامع في قرطبة ويسميه الإسبان «المسجد الجامع» La Mosquita Aljama.
يقوم المسجد الجامع في قرطبة فوق بقعة صخرية تقع جنوبي غربي المدينة على مقربة من القنطرة العربية القديمة على نهر الوادي الكبير، وتحيط به الدروب الضيقة من جوانبه الأربعة.
يشغل هذا المسجد مكانة في تاريخ الفن الإسلامي تقارب ما للمسجد الأموي الكبير في دمشق، وهو كما يصفه أحد المؤرخين «اللحظة الأولى للقاء الغرب بالإسلام، وهو واحد من أعظم الروائع في العالم».
Al-Andalus - Al-Andalûs
العمارة والفنون العربية في الأندلس
تطلق تسمية الأندلس Andaloucia اليوم على المنطقة الواقعة جنوبي إسبانية. وتضم محافظات ألمرية[ر] Almeria وقادش Cadix وقرطبة Cordoba وغرناطة Grenade وخلوة Huelua وجيان Jaen. والمعروف أن شعوباً كثيرة سكنت إسبانية عامة وأسهمت كلها في تطوير الفنون فيها لكن التأثير العربي الإسلامي في شبة جزيرة إيبرية وخاصة في أقسامها الجنوبية والجنوبية الغربية يظل أكثرها أهمية وديمومة لكثرة المشيدات التي بقيت فيها شاهداً على النهضة الفكرية والفنية التي عرفتها الخلافة الأموية والإمارات العربية المختلفة في الأندلس من القرن الثاني حتى التاسع الهجري /الثامن حتى الخامس عشر الميلاديين، ولامتداد التأثيرات الفنية العربية إلى بقية مناطق إسبانية التي ظلت في يد الإسبان أو استردوها حتى زوال حكم العرب منها.
العمارة والفنون العربية في الأندلس إبّان الحكم العربي الإسلامي: كانت حقبة الحكم العربي للأندلس حقبة تطور حضاري مهم، فقد وصلت الحضارة العربية إلى تلك البلاد بخصائصها العربية الإسلامية التي كانت قد بدأت تتبلور في بلاد الشام إبان الحكم الأموي. وقد حمل العرب إلى الأندلس أسلوب معيشتهم وكيفوه تبعاً لشروط الحياة فيها كالمسكن المنفتح على الفِناء الداخلي المزين بالحدائق والسطوح المائية. وطوروا الزراعة وري الأراضي حتى عم الرخاء المدن والريف، وقد نظمت المدن التي أقاموا فيها وفق الأسلوب المشرقي بشوارع ضيقة ذات محاور متكسرة درءاً للشمس وحماية للسكان. وازدهرت صناعة النسيج والخزف والجلود في قرطبة وصناعة الأسلحة في طليطلة. واستخرج الذهب والفضة والقصدير والنحاس والحديد والزئبق، واستخدمت تلك المواد في البناء والتزيين وفي الصناعات المعدنية؛ وكانت غرناطة مركزاً لصياغة الذهب والفضة، واستعمل الذهب في التنزيل والتزيين فطليت به أبواب المساجد والقصور وقطع الأثاث، وما تزال صناعة التنزيل بخيوط الذهب على القصدير والنحاس والرصاص قائمة حتى اليوم في طليطلة وغيرها من المدن الإسبانية.
وإذا كانت اللغة العربية وعلومها وفنون الكتابة (الخط العربي) من الأمور المهمة التي أدخلها العرب المسلمون إلى الأندلس فقد نقل هؤلاء معهم كذلك ذوقهم في تنسيق الحدائق ومعرفتهم بالنواعير وطرائق رفع المياه والتحكم فيها (مازالت آثار ذلك على النهر الكبير في قرطبة)، كما نقل العرب معرفتهم في صناعة السلاح من سيوف وخناجر ومدى بمقابضها ونصولها الغنية بالزخارف الإسلامية (سيف أبي عبد الله آخر سلاطين الأندلس).
وكانت بلاطات الخلفاء والأمراء في الأندلس مركز إشعاع ثقافي حضاري فاجتذبت العلماء والكتّاب والشعراء والفنانين والصناع المهرة. وقد اهتم الخلفاء والأمراء بنشر المدارس والجامعات (وأشهرها جامعة قرطبة) والمكتبات العامة (وأشهرها مكتبة الخليفة الحكم) وبناء الأسواق والمشافي والحمامات العامة وملاجئ الفقراء.
صنفت عهود الحكم العربي في الأندلس في أربعة عصور: عصر الإمارة والخلافة الأموية وعصر دول الطوائف، وعصر المرابطين والموحدين وعصر نهاية الأندلس والعرب المتنصّرين.
وابتنى الناصر لنفسه قصره العظيم دار الروضة، ويذكر المقري في كتابه «نفح الطيب» أن حيطان القصر كانت من الذهب والرخام السميك الصافي، وفي وسط القصر صهريج عظيم مليء بالزئبق، وأبواب من العاج والأبنوس المرصع بالجواهر، وكانت الشمس تضرب أشعتها من خلالها في صدر المجلس، فيصير من ذلك نور يأخذ الأبصار. وزين مجلسه في قصر الزهراء بتماثيل من الذهب مرصعة بالجواهر في دار الصناعة في قرطبة، وأقام مجمَع منحوتات في قصره هذا، وجلب إليه بركة منقوشة في دمشق ومذهبة فيها نقوش وتماثيل على صور الإنسان لا تقدّر بثمن. ونصب منحوتاتٍ من الذهب الأحمر مرصّعة بالدر النفيس الغالي ممّا عمل بدار الصناعة بقرطبة، تمثل أسداً وغزالاً وتمساحاً يقابلها ثعبان وعقاب وفيل، وعلى الجانبين ركزت حمامة وشاهين وطاووس ودجاجة وديك وحدأة ونسر، وكلّها يخرج من أفواهها الماء.
من الآثار التي تعود إلى هذه الحقبة أيضاً جامع طليطلة الصغير ويعود بناؤه إلى نهاية القرن العاشر الميلادي/الرابع الهجري. وقد حول بعد الحكم العربي إلى كنيسة تعرف اليوم باسم كنيسة القديس كريستو ديلالوث Santo Cristo de la luz. لكن أهم المشيدات العمرانية التي تعود إلى هذه الحقبة المسجد الجامع في قرطبة ويسميه الإسبان «المسجد الجامع» La Mosquita Aljama.
يقوم المسجد الجامع في قرطبة فوق بقعة صخرية تقع جنوبي غربي المدينة على مقربة من القنطرة العربية القديمة على نهر الوادي الكبير، وتحيط به الدروب الضيقة من جوانبه الأربعة.
يشغل هذا المسجد مكانة في تاريخ الفن الإسلامي تقارب ما للمسجد الأموي الكبير في دمشق، وهو كما يصفه أحد المؤرخين «اللحظة الأولى للقاء الغرب بالإسلام، وهو واحد من أعظم الروائع في العالم».
تعليق