الفقر poverty، بمعناه العام، هو حال للفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الأمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفقر poverty، بمعناه العام، هو حال للفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الأمة

    الفقر

    الفقر poverty، بمعناه العام، هو حال للفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الأمة؛ تضعف فيها القدرات البشرية إلى مستوى ينحرف بها عن الوضع الوسطي أو النمطي في اتجاه الطرف الأدنى الذي يهدّد سعادة الإنسان وحريته وكرامته وبقاءه؛ وهي حال يُعاني الإنسان فيها الحرمان وانعدام الكفاية، فيُقصّر فيها الإنسان عن إشباع حاجاته وتلبية رغباته وتحقيق ذاته، ويخفق جزئياً أو كلياً في مواجهة التحدّيات أو دفع المخاطر والتهديدات إزاء متطلبات الأنا والآخر ومقتضيات الداخل والخارج، لقلة حيلته وضعف وسيلته؛ وهي حال تمنح الإنسان منزلة اجتماعية social status دونية هامشيّة، تجعله عرضة لانتهاك الحقوق في نطاق مجتمعه المحلّي، ويصبح معها تابعاً للآخر، محتاجاً إليه، مسلوب الإرادة، منقوص الحرية.
    أنواع الفقر ومؤشّرات قياسها
    تشير أدبيات العلوم الاجتماعية إلى صور متعددة من الفقر، منها الثنائيات المتقابلة الآتية: الفقر المطلق والفقر النسبي، والفقر المزمن والفقر العارض، والفقر الفردي والفقر الجماهيري. وربما استُعملت في صور أخرى للفقر على سبيل الاستعارة والمجاز، كالفقر المادي والفقر الروحي والفقر العاطفي والفقر الأخلاقي والفقر المعرفي أو الثقافي.
    ـ الفقر المطلق والفقر النسبي: يبيّن الفقر المطلق absolute مستوى الحرمان الإنساني أو عدم كفاية موارد العيش للإنسان في نطاق مجتمع أو جماعة، يُحدد استناداً إلى معيار واحد يدعى خط الفقر. يُعرّف خط الفقر بطرائق متعددة، منها تعريفه بحدّ الكفاف، أي أقل مقدار ممكن من موارد العيش الضروري لبقاء الإنسان (الفرد) على قيد الحياة، ثمّ يحوّل هذا المقدار إلى وحدات الدخل المالية اللازمة لشرائه، لتسهيل عمليات القياس والمقارنة. وقد عرّفت الأمم المتحدة هذا الحد بأنه مستوى دخل الفرد اليومي البالغ دولاراً واحداً أو ما يعادله من العملات الوطنية، حسب الأسعار الرسمية لصرف قيمة الدولار. بيد إن هذا التعريف لا يخلو من مشكلات، أهمها أنه لا يتضمن معياراً واحداً يبرر استعماله على مستوى العالم، بسبب اختلاف القيمة الشرائية للدولار (ما يمكن شراؤه من سلع وخدمات بالدولار أو ما يعادله) بين أمم العالم.
    أمّا الفقر النسبي أو المقارن comparative فلا يُقاس بمقدار مطلق، بل بمقدار نسبي، كأن يقال: إن الفقراء هم الـ:20% الأقل دخلاً من مجموع سكان مجتمع ما. ويشير الفقر النسبي إلى ذوي المكانة الدنيا في المجتمع، التي يتكشّف عنها توزيع الدخل عند فئات المجتمع المحددة على أساس الجنس أو العمر أو مكان الإقامة أو الانتماء السياسي أو الديني أو القومي. وتشير البحوث الميدانية إلى أن النساء وكبار السن والأطفال والمعوقين والمنتمين إلى أقلّيّات إثنية يؤلفون الشرائح الأساسية الحاضنة للفقر في المجتمع المعاصر. ويُنظر بصفة عامة إلى الفقر النسبي على أنه باعث للتغيرات الاجتماعية.
    ـ الفقر المزمن والفقر العارض: يمتد الأول على مدى فترة زمنية طويلة نسبياً (أكثر من 5 سنوات) أو يكون فقراً تتوارثه الأجيال في الأسرة الواحدة. وينجم الفقر العارض عن ظروف طارئة (مثل الكوارث العامة والحوادث الشخصية).
    ـ الفقر الفردي والفقر الجماهيري: يبيّن الأول السمات الفردية للفقر، وتُولى فيه أهمية خاصة للمسؤولية الفردية؛ أما الفقر الجماهيري فُيولى الاهتمام الأكبر فيه لإبراز السمات العامة للجماعة الفقيرة وللمسؤولية الجمعية. يتحدث اليوم أنصار العولمة عن دور العولمة في إفقار الجماهير، مثلما تحدّث الماركسيون من قبل عن دور تراكم الرأسمال في إفقار الجماهير.
    متلازمات الفقر أو مظاهره
    يتجلى الفقر في ثلاثة مظاهر، عرف بها في كل مكان وزمان، يمكن دعوتها متلازمات الفقر، فكل منها ملازمة للأخرى وملازمة للفقر، وتلك هي:
    ـ ضعف القدرات الإنسانية: يلازم ضعف القدرة الفقر منذ نشأته الأولى، ويستمر معه في جميع مراحله، إنه السمة الأساس للفقر في جميع مراحله وصوره، وهو أسّ الفقر، وسبب ما عداه من مظاهر وسمات تُنسب إليه.
    ـ الحرمان أو عدم كفاية موارد العيش المتاحة: يؤدي ضعف القدرات الإنسانية إلى عدم الكفاية والحرمان، أي الحرمان، مع ما يترتّب عليه من إخفاق في إشباع الحاجات وتحقيق الرغبات وبلوغ المآرب والغايات.
    ـ المنزلة المنخفضة أو الدونية: تنشأ المنزلة نتيجة المقارنة والترتيب بين الأشخاص والجماعات من حيث امتلاك عناصر القوة أو القدرة، ومن ثم تصنيفهم في طبقات وفق نظم التدرّج الاجتماعي social stratification المعروفة. وحسب هذا النظام تعدّ الطبقة الأدنى أفقر من الطبقة أو الطبقات التي تعلوها.
    وتُعدّ توزيعات الدخل (أو أيٍّ من عناصر القدرة الإنسانية الأخرى) التي تُرصد وفق معايير اجتماعية كالجنس أو العمر أو العرق أو الدين من الأدوات المناسبة لتعرُّف مستوى اللامساواة وخصائص نظام التدرّج الاجتماعي.
    محدِّدات الفقر (أسبابه وعوامله)
    إن ضعف القدرات الإنسانية ـ في المنظور الذي تقدّم ذكره ـــ هو سمة الفقر الأكثر أهمية، وهو سببه الرئيس. وتدعى العناصر المكوّنة لهذه القدرات محدّدات الفقر أو أسبابه القريبة. تشمل محدّدات الفقر أو المكوّنات الأساسية للقدرة البشرية ثلاث مجموعات هي الآتية:
    ـ القدرة الاقتصادية: تُقاس القدرة الاقتصادية بحجم الدخل وتدفق إمداداته من ثلاثة مصادر: أجور العمل، عائدات الثروات الخاصة ولاسيما المولّدة للدخل، العائدات المتأتّية من إمكانية الوصول إلى الثروات والخدمات العامة.
    ـ الرأسمال البشري والثقافي: يشمل الرصيد الصحي والتعليمي والمعرفي والقيمي والأخلاقي.
    ـ قوة التنظيم الاجتماعي والسياسي: يشمل هذا المحدّد عناصر القوة المستمدة من قدرة التنظيم الاجتماعي والسياسي على توفير الأمن والأمان وصيانة الحريات وتحقيق التضامن الاجتماعي وتقديم الرعاية والمساندة وتقليص اللامساواة.
    في حين يُنظر وفق هذا المنظور إلى العوامل الأخرى، كالنمو السكاني والتركيب الديمُغرافي ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والبنية التحتية على أنها أسباب بعيدة تؤثر في الفقر بصورة غير مباشرة من خلال تأثيرها في هذه المحدّدات.
    الفئات الاجتماعية الحاملة للفقر في المجتمع المعاصر
    يمكن القول نسبياً إنه لا أمان من الفقر في المجتمع المعاصر إلا للطبقات العليا، لما يملكه أفرادها من مداخيل عالية ذات مصادر متعدّدة ومتنوعة. إنها الفئة الأقل تعرّضاً للفقر، وكل ما سواها من فئات اجتماعية معرّض للفقر بدرجات متفاوتة. أمّا أكثر الفئات تعرّضاً للفقر فهي الآتية:
    ـ العاملون بأجر من ذوي الدخل المنخفض الذين يكسبون رزقهم من قوة عملهم.
    ـ السكان المصنفون خارج القوة البشريّة من كبار السن والأطفال والمعوقين.
    ـ السكان المعرضون للتمييز كالنساء وأفراد الأقلّيات السياسية والإثنية.
    ـ أفراد الطبقة الوسطى من الفلاحين مالكي الحيازات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الأعمال الصغيرة والحرفيين المستخدمين ذاتياً، إذ ترتفع معدلات تعرّض هؤلاء للفقر بسبب الهزات الاقتصادية وتقلّبات دورات الأعمال والضرائب وسياسات التسعير والحماية الجمركية والتغيرات الهيكلية وهبوط القوة الشرائية وضعف الرأسمال البشري.
    نتائج الفقر أو آثاره
    لا يقتصر تأثير الفقر على الفقراء، بل يمتد إلى المجتمع كله وسائر شرائحه. يتسبب الفقر لصاحبه بشقاء إنساني كبير، ويُلحق به أذى جسدياً ونفسياً، فيدمّر قوته الإنتاجية والإبداعية ويفسد عليه حياته. تشير نتائج البحوث السكانية والاجتماعية إلى ارتفاع معدلات الوفيات والمرض والجريمة والجنوح والانتحار والتسرّب المدرسي والأميّة وعدم الالتحاق بالمدارس عند الفقراء بصورة لافتة للنظر. كما تشير إلى تميّز الفقراء بنماذج خاصّة لكل من الوفاة والمرض والانحراف الاجتماعي؛ إذ يموت الفقراء غالباً بسبب الأمراض الإنتانية والطفيلية وسوء التغذية أو نقصها، وهم أكثر تعرّضاً لمخاطر الأوبئة والحروب والمجاعات والكوارث.
    وللفقراء معدلات ونماذج خاصة من المرض النفسي والعقل، فمع الفقر المطلق الملازم للحرمان ينشأ الإحباط والاكتئاب وينمو الخوف واليأس؛ ويتولّد مع الفقر المزمن الكسل والخمول واللامبالاة وقلّة الدافعية. وينمّي الفقر النسبي أو المقارن مشاعر الحسد والغيرة والشعور بالمرارة ويقود إلى الحطّ من قيمة الذات، ويفضي الفقر بوجه عام إلى المبالغة بقيمة السلع المادية؛ بينما يُسِفّ من القيم الفكرية والاجتماعية.
    سياسات مكافحة الفقر وبرامجها
    خلص النقاش الجديد والقديم لقضية الفقر والتنمية إلى نتائج مهمّة، كان لها كبير الأثر في إرساء التوجّه السائد حاليّاً لوضع سياسات عملية لمكافحة الفقر في العالم تلقى التأييد والاتفاق، يمكن إيجازها بالآتي:
    ـ الفقر ظاهرة إنسانية غير حتمية يمكن التحرّر منها: زالت الغشاوة وعمّت القناعة اليوم بأن الفقر ظاهرة إنسانية، وأنه غير حتمي، وأنه يمكن الحدّ منه وإزالته؛ بل لقد أصبحت محاربته والقضاء عليه مطلباً ملحاً لحقوق الإنسان وضرورة أخلاقية وأولوية تنموية وقاعدة لإقامة السلم واجتثاث شأفة الحروب والفتن والإرهاب على مستوى العالم أو أيّ من مجتمعاته، فسقطت بذلك نظريات الفقر القائلة بحتمية غيبية، التي يمثلّ معظمها آراء شعبية ذات توجّه ديني؛ أو القائلة بحتمية طبيعية، كالمالتوسية والداروينية الاجتماعية.
    ـ انتهاء الجدال المثار حول النهج الإصلاحي التدريجي والنهج الثوري لمكافحة الفقر: أنهت الضرورة العملية جدالاً كبيراً واسعاً في امتداده المكاني والزمني أُثير حول أسلوب مواجهة الفقر بين نظريات ذات توجّه ليبرالي، تدعو إلى اتباع نهج إصلاحي جزئي تدريجي (يقوم على إحداث إصلاحات اقتصادية وإنشاء آليات اجتماعية وثقافية تعمل على تعزيز التضامن الاجتماعي وتقليص اللامساواة الاجتماعية وتوسيع نطاق الحريات والمشاركة الشعبية) ونظريات أخرى ذات توجّه ماركسي تأخذ بنهج ثوري انقلابي يؤسّس لمجتمع جديد بكل بناه وعلاقاته، يقوم على المساواة. (يستدعي هذا القيام بجملة إجراءات منها الإطاحة بالبنية الاقتصادية والاجتماعية المتفاوتة والمنقسمة طبقياً وإزالة العلاقات الاستغلالية ومسبّباتها).
    ـ ليست التنمية كافية بذاتها لمكافحة الفقر: بات جليّاً أن التنمية لا تكفي بذاتها للقضاء على الفقر أو حتى للحدّ منه، بل ربما عملت على توسيع رقعة الفقر عن طريق زيادة التفاوت بين الفئات الاجتماعية، ومردّ ذلك أن المشروع التنموي انتقائي بطبيعته، حيث يفضي إلى ظفر الأغنياء بالنصيب الوافر من مزايا التنمية وثمراتها، بما لهم من قوة ونفوذ، فتلك هي طبيعة الأمور. وهكذا تصبح التنمية غير ذات جدوى لمكافحة الفقر، ولهذا لابد من آليات تسوية اجتماعية لتقريب المسافة بين الطبقات وتقليص اللامساواة، إضافة إلى ضرورة تطهير برامج التنمية من الطابع الانتقائي للمشروعات.
    ـ أصبح الفقر ظاهرة عالمية وباتت محاربته شأناً عالمياً: وضعت الأمم المتحدة خطة للتنمية، أسمتها خطة التنمية للألفية من أجل إزالة الفقر، تعاهدت بموجبها دول العالم على التعاون من أجل اجتثاث الفقر، بتحقيق الأهداف المحددة لهذه الخطة في غضون الفترة 1995-2015 وتخفيض عدد فقراء العالم إلى النصف وفق جدول زمني محدّد.
    مستويات الفقر واتجاهاته في العالم
    قُدّر عدد فقراء العالم الذين يعيشون تحت خط الفقر (مستوى دولار واحد لدخل الفرد في اليوم) في عام 2002 نحو 1000 مليون نسمة، وقُدّر أيضاً أن معظم هؤلاء هم من سكان الأقطار النامية المقيمين في مناطق جنوبي الصحراء الأفريقية وجنوبي آسيا والشرق الأوسط. ويمكن القول إن الفقر المطلق المعرّف وفق حد الكفاف هو مشكلة العالم الثالث فقط، فقد أوشك على الاختفاء في الأقطار الأكثر تطوراً، ومازالت أعداد الفقراء ونسبهم في الأقطار الأقل تطوراً تزداد حتى اليوم.
    وللفقـر المطلق في البلدان المتقدّمـة نموذج شديد الاختلاف عن مثيله في الأقطار النامـية، فقد بلغ عدد من يعيشون في الولايات الأمريكية المتحدة بمستوى 12 دولاراً أمريكياً أو أقل لدخل الفرد في اليوم في عام 2001 نحو 33 مليون نسمة، يؤلفون نحو 12% من السكان. ومن المؤكد أنه لو استُعمل هذا المعيار لتعريف الفقر في بلد متوسط التنمية لكان معظم سكانه دون خط الفقر، بيد أن الاختلاف بين المجمعات المتقدّمة والمجتمعات النامية سيكون حول نموذج الفقر أكبر منه حول مستواه؛ ففي نموذج الفقر للولايات المتحدة يلاحظ أن 70% من الأسر الفقيرة كانت في عام 2001 تملك سيارة وأن 40% منها كانت تملك منزلها الخاص.
    وأخيراً، مهما يكن الأمر، فإنه ربما أمكن توقع انتهاء الفقر المطلق المعرّف بحد الكفاف من العالم في غضون خمسة عقود قادمة، لكن من المتعذر توقّع أي نهاية لزوال الفقر النسبي من العالم في الأمد المنظور، ويمكن التوقع أيضاً أن النجاح في مواجهة مشكلتي البطالة واللامساواة سيكون التحدّي الأكبر إزاء العالم وشعوبه للتغلّب على الفقر.
    هاني عمران
يعمل...
X