اماميه (اثنا عشريه)
Imamates (Twelver Shi'ism) - Imamates (Chiisme duodécimain)
الإمامية الاثنا عشرية
الإمامية الاثنا عشرية هي الفرقة الكبرى والرئيسة من فرق الشيعة[ر] الباقية إلى اليوم. والفرق الشيعية الأساسية ثلاث هي: الاثنا عشرية والإسماعيلية[ر] والزيدية[ر]. والشيعة هم الذين شايعوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه الذين والوه وقالوا بإمامته في زمان النبيّ وبعده، ثم باستمرار الإمامة في ذريته.
أما الإمامية فهم الشيعة القائلون بوجوب الإمامة، شأن السواد الأعظم من فرق المسلمين القائلة بوجوب الإمامة وإن اختلفوا في شروطها، وينفرد الشيعة بالقول بعصمة الأئمة وعقيدة الوصيّة والنصّ، أي وجوب النصّ على الإمام المقبل من قبل الإمام القائم. ويقول الإماميون كافة بسلسلة أئمة، ويختلفون في ترتيب تسلسل الأئمة وفي عددهم. فقد وقف بعضهم عند عدد معيّن لا يتجاوز الإمام السادس أو السابع بعد علي ثم يجيء بعد ذلك أئمة مستورون. ووقفت الاثنا عشرية عند الإمام الثاني عشر وأولهم الإمام علي. وتابع آخرون من إسماعيلية وغيرهم تسلسل الأئمة بلا حد معيّن. وقد أقرّ الإماميون الإمامة بمعناها الديني والروحي، ولم يوجبوا الخروج خلافاً للزيدية والخوارج والمعتزلة، واختاروا مصطلح الإمامية لاعتقادهم أن التكليف يوجب وجود مكلف يخلف الرسولr بعد انقطاع الوحي.
والاثنا عشرية فرقة شيعية متصلة الوجود في التاريخ الإسلامي منذ مشايعتها الإمام علياً، وهي موفورة العدة والنشاط، ويمثّلون في انتشارهم الجغرافي نحو تسعة أعشار أهل إيران وشطراً كبيراً من أهل العراق ، وبعضاً من أهل سائر البلاد العربية والإسلامية، فضلاً عن أقليّات منتشرة في أرجاء العالم المختلفة. وأول الأئمة علي بن أبي طالب. وقد ذكر النوبختي وهو مُصنِّف بارز من مصنّفي الاثني عشرية في القرن الثالث الهجري، أن الشيعة فرقة علي في زمان النبي وبعده. وأنهم معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته. والإمامية عموماً يقولون بإمامة علي بعد النبي «نصّاً ظاهراً ويقيناً صادقاً». ومن الثابت أنهم انطلقوا من خبر «غدير خمّ» في السنة العاشرة للهجرة. وبيان الخبر أن الرسولe نزل في موقع غدير خمّ حين قفل راجعاً من حجة الوداع تلك السنة، وخطب الناس، فنعى نفسه إلى الأمة، ووصّى بأهل بيته، وقال الحديث المنسوب إليه: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه». (مسند الكوفيين). وأضافوا أن سبب نزول الرسولe في ذلك المكان مع عدم صلاحه للنزول على غير توقّع، هو نزول الوحي عليه بنصب علي بن أبي طالب، خليفة في الأمة بعده، وربطوا واقعة غدير خمّ وما جرى فيها بالآية الكريمة التي نزلت قبلها مباشرة وهي )يا أيُّها الرسولُ بلِّغْ ما أُنزِل إليكَ من ربِّك، وإن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالتَه، والله يَعْصِمُك من الناس، إن الله لا يَهدي القومَ الكافرين( (المائدة 67). وقالوا إنها تعني استخلاف علي والنصّ بالإمامة عليه بإمرة المؤمنين. وينكر معظم أهل السنة صحة حديث غدير خمّ.
يبالغ معظم الإماميين في إجلال آل البيت، ويعتقدون أنهم ينفردون بالعناية بـالعترة النبوية. وأضافوا ذكر آل الرسول، أو آل بيت علي حيثما وجدت صلاة على النبي في الأدعية والابتهالات، وبات التشيّع متميزاً بالحرص على إبراز دور آل البيت. وهكذا يقول الإماميّون إن إمامة علي بن أبي طالب إنما تمت عن طريق النصّ والوصيّة. وتتصل بهذا عقيدة الولاية المنبثقة عن قول الرسولr في خمّ: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». وهي تعني الإخلاص للأئمة. وفي حديث آخر يعتمده الشيعة يقول الرسولr: «أنا مدينة الحكمة (أو العلم) وعليٌّ بابها» (سنن الترمذي).
آمن الإمامية جميعاً بحق علي في الخلافة والإمامة، أي في رئاسة الدولة الإسلامية زمنياً وروحياً. وقد انتقل هذا الحق عند الإمامية الاثني عشرية من بعده حكماً إلى أعقابه وفق ترتيبهم الخاص للأئمة، فكان عددهم اثني عشر إماماً.
ولما احتُضِرَ علي على أثر اعتداء الخارجي ابن ملجم عليه سنة 40هـ، دفع إلى ابنه الحسن قبل موته الكتب والسلاح بحضور آل البيت. وأمره أن يدفعها حين يوافيه الموت إلى أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلى ابنه علي بن الحسين ثم تنتقل إلى الأبناء بالتعاقب.
وهكذا يكون الإمام الثاني هو الحسن بن علي الذي امتدت إمامته سنتين وتسعة أشهر، وقد آثر الصلح مع معاوية لما رأى أصحابه ينكلون عن القتال، ورغبة منه في حقن الدماء، فتخلّى عن الخلافة سنة 41هـ بمقتضى شروط، منها أن يصير خليفة بعد معاوية. وأقام في المدينة إلى أن مات سنة 49هـ. ويقال إنه مات مسموماً. وقد فسّر الشيعة نزول الحسن عن حقه الموروث، إضافة إلى ما سبق، بأنه سلوك من باب «التقية» أملته تلك الأحوال. ولما تولى الخلافة يزيد بن معاوية، رفض الإمام الثالث الحسين بن علي مبايعته، واستجاب لدعوة أهل الكوفة له، وكان في جمع قليل مع أهله، فاعترضته القوات الأموية التي وجهها عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص في موقع كربلاء وحدثت مواجهة دامية في العاشر من المحرم سنة 61هـ، أسفرت عن استشهاد الحسين ومعظم من كانوا معه، وصارت هذه الحادثة ذكرى فاجعة تتجدّد على مرّ الأيام. وكان للحسين ابن أكبر، اسمه علي قتل دون أبيه في كربلاء، وابن أصغر هو علي بن الحسين الملقّب فيما بعد زين العابدين، وكان أحد خمسة نجوا من القتل، وإليه انتقلت الإمامة شرعاً مع ادّعاء الكيسانية[ر] القائلين بالغيبة والرجعة وعقيدة الرّجاء، وأن الإمامة بعد الحسين تؤول إلى عمه محمد بن الحنفية الذي ثار لاحقاً وعرفت شيعته بالكيسانية، ولما توفي أنكرت الكيسانية وفاته وزعمت أنه متغيب بجبل رضوى. كما ثار سليمان بن صرد على رأس جماعة «التوّابين» المطالبين بثأرِ الحسين وخَلْعِ مروان بن الحكم الأموي فقُتِل وأخفقت ثورته. أما زين العابدين فقد عاش تقيّاً راغباً عن تسلّم الرئاسة الزمنية أو العلنية وتوفي سنة 95هـ. وخلفه في الإمامة ابنه محمد بن علي الملقّب بالباقر لتبحّره في العلم، وإليه ينسب إيضاح الفرق بين مفهومات الرسول والنبيّ والإمام وإقرار عصمة الأئمة بوجه خاص. وقد تجنّب الباقر الثورة، إلا أن أخاه زيد بن علي ثار في الكوفة وقُتل. وتوفي الباقر سنة 114هـ وخلفه ابنه جعفر بن محمد وهو الإمام السادس الملقّب بالصادق، وعاش خمساً وستين سنة، وكان أطول الأئمة عمراً. وعنه تروى الأحاديث الشيعية الرئيسية. وقد تجنّب العمل السياسي علناً، وربما كان ذلك تقيّة. ونال شهرة عريضة علماً وخُلُقاً، وأخذ عنه أئمة كبار مثل أبي حنيفة ومالك بن أنس، وزكّاه الشهرستاني: «بأنه ذو علم غزير في الدّين والأدب، كامل في الحكمة، وزهدٍ بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات». وإليه يرجع تأكيد مبادئ أساسية في الإمامة، منها: أن الإمامة تكون بالنصّ، وهي حق خاص يُنعِم به الله على شخص مُختار من أهل البيت، ويقوم هذا الشخص قبل وفاته ، وبهداية إلهية، بنقل الإمامة إلى خلفه بنصّ واضح جليّ. وأسبقية النصّ تعود إلى عليّ وهو من يعتقد الشيعة بأنه قد عُيِّن بالنصّ وصيّاً للنبي وخليفة له. وفي الإمام تجتمع كل سلطات الإمام الشرعي والوحيد، سواء أكان يحكم الأمة في زمانه أم لا. ولم يعد ضرورياً بموجب هذه القاعدة أن يثور الإمام على النّظام القائم لكي يصبح الحاكم الفعلي. وهذا يعني التفريق بين مؤسستي الإمامة والخلافة، وإمكان وجود إمام غير حاكم ليس مُلْزَماً بالقبض على سلطة الخلافة إذا كانت الأحوال لا تسمح بذلك.
ومنها أن الإمامة تقوم على قاعدة من العلم والمعرفة الدينية الخاصة. والإمام هو صاحب الحق في ضوء هذا العلم الذي يأتي بفضل إلهام إلهي، ويُنقل بالنصّ من الإمام السابق. وهو المصدر المأذون الخالص المعرفة بشأن تحديد أمور الخير والشرّ للمسلمين والسير بهم على الطريق المستقيم. وسيكتسب الإمام بذلك الوظائف ذات الأهميّة الكليّة التي تهيئ الهداية الروحية لمن يواليه، وتشرح المعنى الباطني للقرآن الكريم وأوامر الدين وأهميتها.
ومنها تهذيب مبدأ التقيّة. ومنها قصر القداسة على سلسلته الخاصة من الأئمة (الحسينيين) من أهل البيت تخصيصاً. والسبب هو أن الحسين ورث الإمامة عن أخيه الحسن الذي لم تدّع ذريته إمامية النصّ البتة. وقد آلت الإمامة بعد الصادق إلى ابنه موسى ابن جعفر وكان له ستة إخوة وتسع أخوات، وكان إسماعيل بن جعفر هو الأخ الأكبر المعيّن للإمامة. وقد اختُلِف في مسألة وفاته، وقيل إنه توفي في حياة أبيه، غير أن قسماً من الشيعة أنكروا موته وقالوا: «إنه لم يمت حقيقة بل حجبه الله إلى الوقت الذي يشاء فيه ظهوره» وعرف هؤلاء باسم «الإسماعيلية الواقفية» بيد أن فريقاً رئيسياً قالوا إن إسماعيل توارى ثم مات. وانتقلت الإمامة بعد موته إلى ابنه محمد ابن إسماعيل بالنصّ. وهم الذين عرفوا بالإسماعيلية أو «السبعية» لكون إسماعيل سابع الأئمة وأقاموا الخلافة الفاطمية لاحقاً.
وقد عارض هذا الفريق فكرة انتقال الإمامة بعد جعفر إلى ابنه الأصغر موسى الكاظم بناء على أن الإمامة تنتقل بالنصّ من الأب إلى الابن، والنصّ ثابت من جعفر لابنه إسماعيل بما يشبه الإجماع ، ولا يوجد نصّ ثابت مؤكّد آخر لموسى، ولا يجوز للإمام الرجوع، ولا يجوز للإمامة أن تنتقل من الإمام إلى أخيه. ولكن قسماً آخر من الشيعة وهم الإمامية الاثنا عشرية بالمعنى الدقيق نسبوا أشياء مختلفة إلى إسماعيل لتسويغ رأيهم في انتقال الإمامة إلى موسى الابن الرابع من أبناء جعفر، ولقّبوه بالكاظم لكظمه الغيظ. ودُعِيَ العبد الصالح لاهتمامه بالعبادة أكثر من السياسة، وتوفي سنة 183هـ. وخلف علي الملقّب بالرضا أباه الكاظم. وكان الخليفة المأمون يحاول التقرّب من الشيعة عامة، إما لدواع سياسية، وإما لأنه كان شيعياً على رأي بعض الإمامييّن. وقد أظهر عطفاً شديداً على بيت الإمام الرضا وزوّج هذا الإمام ابنته أم حبيب، وعهد إليه بولاية عهده. ولكن علي الرضا مات، وقيل إنه مات مسموماً، وصلّى المأمون عليه، ودُفِنَ في طوس سنة 203هـ/818م. واستمر حدب المأمون على آل الرضا وزوّج ابنته أم الفضل الإمام التاسع محمد ابن علي الملقّب بالجواد أو التقي. وذُكِرَ أن هذه الزوجة الناشز دسَّت السمّ لزوجها فمات سنة 220هـ/835م في خلافة المعتصم ودفن في مشهد الكاظميين في بغداد إلى جوار جدّه موسى الكاظم. ولم يجاوز الإمام العاشر علي ابن محمد الملقّب بالهادي أو النقيّ السنة السابعة من عمره يوم وفاة أبيه الجواد. ولما كبر ارتاب الخليفة بنشاطه وفرض عليه الإقامة في سامراء، واستمرّت هذه الإقامة الجبرية عشرين سنة. وتوفي الإمام علي الهادي سنة 254هـ/868م. وخلفه ابنه الحسن الملقّب بالعسكري والصامت والرفيق، وكان هدفاً لمضايقة الخليفة المهتدي، ومات في سامراء سنة 260هـ/874م. وقيل إنه مات مسموماً. أما الإمام الثاني عشر والأخير فهو أبو القاسم محمد بن الحسن وأشهر ألقابه المهدي أو صاحب الزمان. وقد ولد في سامراء سنة 255هـ أو 256هـ أيام الخليفة المعتمد وكان عمره عند غيبته ست سنوات أو سبعاً أو تسعاً، وقيل إن له غيبتين غيبة صغرى وغيبة كبرى، ويروي بعض الأتباع أنه كان يظهر للمؤمنين بعد الصلاة في «الغيبة الصغرى" وتمتد من مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء أربعاً وسبعين سنة حتى سنة 329هـ/940م. وقد ناب عنه في هذه المدة وكلاء أربعة سمّوا بالسفراء، أولهم أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، ثم أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي. وأخيراً أبو الحسن علي بن محمد السمّري، ولما سُئِل السفير الأخير أبو الحسن أن يوصي الأمر قال: «لله أمر هو بالغه». فبدأت بذلك «الغيبة الكبرى» للمهدي الذي لا يظهر إلا في نهاية الوقت فيملأ الأرض عدلاً. ويكفي الاقتصار على ذكر بعض من الألقاب والنعوت الكثيرة التي تطلق عليه ومنها: القائم المنتظر والحجّة، والخلف الصالح، وخاتم الأئمة، وخليفة الله، ووصيّ الأوصياء، وحافظ أسرار رب العالمين، ونور الله الذي لا يطفأ، والصاحب، وصاحب الدار، والحضرة، والناحية المقدّسة، والغريم (للتقيّة)، والغائب المنتظر، وأشهرها: المهدي صاحب الزمان.
Imamates (Twelver Shi'ism) - Imamates (Chiisme duodécimain)
الإمامية الاثنا عشرية
الإمامية الاثنا عشرية هي الفرقة الكبرى والرئيسة من فرق الشيعة[ر] الباقية إلى اليوم. والفرق الشيعية الأساسية ثلاث هي: الاثنا عشرية والإسماعيلية[ر] والزيدية[ر]. والشيعة هم الذين شايعوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه الذين والوه وقالوا بإمامته في زمان النبيّ وبعده، ثم باستمرار الإمامة في ذريته.
أما الإمامية فهم الشيعة القائلون بوجوب الإمامة، شأن السواد الأعظم من فرق المسلمين القائلة بوجوب الإمامة وإن اختلفوا في شروطها، وينفرد الشيعة بالقول بعصمة الأئمة وعقيدة الوصيّة والنصّ، أي وجوب النصّ على الإمام المقبل من قبل الإمام القائم. ويقول الإماميون كافة بسلسلة أئمة، ويختلفون في ترتيب تسلسل الأئمة وفي عددهم. فقد وقف بعضهم عند عدد معيّن لا يتجاوز الإمام السادس أو السابع بعد علي ثم يجيء بعد ذلك أئمة مستورون. ووقفت الاثنا عشرية عند الإمام الثاني عشر وأولهم الإمام علي. وتابع آخرون من إسماعيلية وغيرهم تسلسل الأئمة بلا حد معيّن. وقد أقرّ الإماميون الإمامة بمعناها الديني والروحي، ولم يوجبوا الخروج خلافاً للزيدية والخوارج والمعتزلة، واختاروا مصطلح الإمامية لاعتقادهم أن التكليف يوجب وجود مكلف يخلف الرسولr بعد انقطاع الوحي.
والاثنا عشرية فرقة شيعية متصلة الوجود في التاريخ الإسلامي منذ مشايعتها الإمام علياً، وهي موفورة العدة والنشاط، ويمثّلون في انتشارهم الجغرافي نحو تسعة أعشار أهل إيران وشطراً كبيراً من أهل العراق ، وبعضاً من أهل سائر البلاد العربية والإسلامية، فضلاً عن أقليّات منتشرة في أرجاء العالم المختلفة. وأول الأئمة علي بن أبي طالب. وقد ذكر النوبختي وهو مُصنِّف بارز من مصنّفي الاثني عشرية في القرن الثالث الهجري، أن الشيعة فرقة علي في زمان النبي وبعده. وأنهم معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته. والإمامية عموماً يقولون بإمامة علي بعد النبي «نصّاً ظاهراً ويقيناً صادقاً». ومن الثابت أنهم انطلقوا من خبر «غدير خمّ» في السنة العاشرة للهجرة. وبيان الخبر أن الرسولe نزل في موقع غدير خمّ حين قفل راجعاً من حجة الوداع تلك السنة، وخطب الناس، فنعى نفسه إلى الأمة، ووصّى بأهل بيته، وقال الحديث المنسوب إليه: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه». (مسند الكوفيين). وأضافوا أن سبب نزول الرسولe في ذلك المكان مع عدم صلاحه للنزول على غير توقّع، هو نزول الوحي عليه بنصب علي بن أبي طالب، خليفة في الأمة بعده، وربطوا واقعة غدير خمّ وما جرى فيها بالآية الكريمة التي نزلت قبلها مباشرة وهي )يا أيُّها الرسولُ بلِّغْ ما أُنزِل إليكَ من ربِّك، وإن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالتَه، والله يَعْصِمُك من الناس، إن الله لا يَهدي القومَ الكافرين( (المائدة 67). وقالوا إنها تعني استخلاف علي والنصّ بالإمامة عليه بإمرة المؤمنين. وينكر معظم أهل السنة صحة حديث غدير خمّ.
يبالغ معظم الإماميين في إجلال آل البيت، ويعتقدون أنهم ينفردون بالعناية بـالعترة النبوية. وأضافوا ذكر آل الرسول، أو آل بيت علي حيثما وجدت صلاة على النبي في الأدعية والابتهالات، وبات التشيّع متميزاً بالحرص على إبراز دور آل البيت. وهكذا يقول الإماميّون إن إمامة علي بن أبي طالب إنما تمت عن طريق النصّ والوصيّة. وتتصل بهذا عقيدة الولاية المنبثقة عن قول الرسولr في خمّ: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». وهي تعني الإخلاص للأئمة. وفي حديث آخر يعتمده الشيعة يقول الرسولr: «أنا مدينة الحكمة (أو العلم) وعليٌّ بابها» (سنن الترمذي).
آمن الإمامية جميعاً بحق علي في الخلافة والإمامة، أي في رئاسة الدولة الإسلامية زمنياً وروحياً. وقد انتقل هذا الحق عند الإمامية الاثني عشرية من بعده حكماً إلى أعقابه وفق ترتيبهم الخاص للأئمة، فكان عددهم اثني عشر إماماً.
ولما احتُضِرَ علي على أثر اعتداء الخارجي ابن ملجم عليه سنة 40هـ، دفع إلى ابنه الحسن قبل موته الكتب والسلاح بحضور آل البيت. وأمره أن يدفعها حين يوافيه الموت إلى أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلى ابنه علي بن الحسين ثم تنتقل إلى الأبناء بالتعاقب.
وهكذا يكون الإمام الثاني هو الحسن بن علي الذي امتدت إمامته سنتين وتسعة أشهر، وقد آثر الصلح مع معاوية لما رأى أصحابه ينكلون عن القتال، ورغبة منه في حقن الدماء، فتخلّى عن الخلافة سنة 41هـ بمقتضى شروط، منها أن يصير خليفة بعد معاوية. وأقام في المدينة إلى أن مات سنة 49هـ. ويقال إنه مات مسموماً. وقد فسّر الشيعة نزول الحسن عن حقه الموروث، إضافة إلى ما سبق، بأنه سلوك من باب «التقية» أملته تلك الأحوال. ولما تولى الخلافة يزيد بن معاوية، رفض الإمام الثالث الحسين بن علي مبايعته، واستجاب لدعوة أهل الكوفة له، وكان في جمع قليل مع أهله، فاعترضته القوات الأموية التي وجهها عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص في موقع كربلاء وحدثت مواجهة دامية في العاشر من المحرم سنة 61هـ، أسفرت عن استشهاد الحسين ومعظم من كانوا معه، وصارت هذه الحادثة ذكرى فاجعة تتجدّد على مرّ الأيام. وكان للحسين ابن أكبر، اسمه علي قتل دون أبيه في كربلاء، وابن أصغر هو علي بن الحسين الملقّب فيما بعد زين العابدين، وكان أحد خمسة نجوا من القتل، وإليه انتقلت الإمامة شرعاً مع ادّعاء الكيسانية[ر] القائلين بالغيبة والرجعة وعقيدة الرّجاء، وأن الإمامة بعد الحسين تؤول إلى عمه محمد بن الحنفية الذي ثار لاحقاً وعرفت شيعته بالكيسانية، ولما توفي أنكرت الكيسانية وفاته وزعمت أنه متغيب بجبل رضوى. كما ثار سليمان بن صرد على رأس جماعة «التوّابين» المطالبين بثأرِ الحسين وخَلْعِ مروان بن الحكم الأموي فقُتِل وأخفقت ثورته. أما زين العابدين فقد عاش تقيّاً راغباً عن تسلّم الرئاسة الزمنية أو العلنية وتوفي سنة 95هـ. وخلفه في الإمامة ابنه محمد بن علي الملقّب بالباقر لتبحّره في العلم، وإليه ينسب إيضاح الفرق بين مفهومات الرسول والنبيّ والإمام وإقرار عصمة الأئمة بوجه خاص. وقد تجنّب الباقر الثورة، إلا أن أخاه زيد بن علي ثار في الكوفة وقُتل. وتوفي الباقر سنة 114هـ وخلفه ابنه جعفر بن محمد وهو الإمام السادس الملقّب بالصادق، وعاش خمساً وستين سنة، وكان أطول الأئمة عمراً. وعنه تروى الأحاديث الشيعية الرئيسية. وقد تجنّب العمل السياسي علناً، وربما كان ذلك تقيّة. ونال شهرة عريضة علماً وخُلُقاً، وأخذ عنه أئمة كبار مثل أبي حنيفة ومالك بن أنس، وزكّاه الشهرستاني: «بأنه ذو علم غزير في الدّين والأدب، كامل في الحكمة، وزهدٍ بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات». وإليه يرجع تأكيد مبادئ أساسية في الإمامة، منها: أن الإمامة تكون بالنصّ، وهي حق خاص يُنعِم به الله على شخص مُختار من أهل البيت، ويقوم هذا الشخص قبل وفاته ، وبهداية إلهية، بنقل الإمامة إلى خلفه بنصّ واضح جليّ. وأسبقية النصّ تعود إلى عليّ وهو من يعتقد الشيعة بأنه قد عُيِّن بالنصّ وصيّاً للنبي وخليفة له. وفي الإمام تجتمع كل سلطات الإمام الشرعي والوحيد، سواء أكان يحكم الأمة في زمانه أم لا. ولم يعد ضرورياً بموجب هذه القاعدة أن يثور الإمام على النّظام القائم لكي يصبح الحاكم الفعلي. وهذا يعني التفريق بين مؤسستي الإمامة والخلافة، وإمكان وجود إمام غير حاكم ليس مُلْزَماً بالقبض على سلطة الخلافة إذا كانت الأحوال لا تسمح بذلك.
ومنها أن الإمامة تقوم على قاعدة من العلم والمعرفة الدينية الخاصة. والإمام هو صاحب الحق في ضوء هذا العلم الذي يأتي بفضل إلهام إلهي، ويُنقل بالنصّ من الإمام السابق. وهو المصدر المأذون الخالص المعرفة بشأن تحديد أمور الخير والشرّ للمسلمين والسير بهم على الطريق المستقيم. وسيكتسب الإمام بذلك الوظائف ذات الأهميّة الكليّة التي تهيئ الهداية الروحية لمن يواليه، وتشرح المعنى الباطني للقرآن الكريم وأوامر الدين وأهميتها.
ومنها تهذيب مبدأ التقيّة. ومنها قصر القداسة على سلسلته الخاصة من الأئمة (الحسينيين) من أهل البيت تخصيصاً. والسبب هو أن الحسين ورث الإمامة عن أخيه الحسن الذي لم تدّع ذريته إمامية النصّ البتة. وقد آلت الإمامة بعد الصادق إلى ابنه موسى ابن جعفر وكان له ستة إخوة وتسع أخوات، وكان إسماعيل بن جعفر هو الأخ الأكبر المعيّن للإمامة. وقد اختُلِف في مسألة وفاته، وقيل إنه توفي في حياة أبيه، غير أن قسماً من الشيعة أنكروا موته وقالوا: «إنه لم يمت حقيقة بل حجبه الله إلى الوقت الذي يشاء فيه ظهوره» وعرف هؤلاء باسم «الإسماعيلية الواقفية» بيد أن فريقاً رئيسياً قالوا إن إسماعيل توارى ثم مات. وانتقلت الإمامة بعد موته إلى ابنه محمد ابن إسماعيل بالنصّ. وهم الذين عرفوا بالإسماعيلية أو «السبعية» لكون إسماعيل سابع الأئمة وأقاموا الخلافة الفاطمية لاحقاً.
وقد عارض هذا الفريق فكرة انتقال الإمامة بعد جعفر إلى ابنه الأصغر موسى الكاظم بناء على أن الإمامة تنتقل بالنصّ من الأب إلى الابن، والنصّ ثابت من جعفر لابنه إسماعيل بما يشبه الإجماع ، ولا يوجد نصّ ثابت مؤكّد آخر لموسى، ولا يجوز للإمام الرجوع، ولا يجوز للإمامة أن تنتقل من الإمام إلى أخيه. ولكن قسماً آخر من الشيعة وهم الإمامية الاثنا عشرية بالمعنى الدقيق نسبوا أشياء مختلفة إلى إسماعيل لتسويغ رأيهم في انتقال الإمامة إلى موسى الابن الرابع من أبناء جعفر، ولقّبوه بالكاظم لكظمه الغيظ. ودُعِيَ العبد الصالح لاهتمامه بالعبادة أكثر من السياسة، وتوفي سنة 183هـ. وخلف علي الملقّب بالرضا أباه الكاظم. وكان الخليفة المأمون يحاول التقرّب من الشيعة عامة، إما لدواع سياسية، وإما لأنه كان شيعياً على رأي بعض الإمامييّن. وقد أظهر عطفاً شديداً على بيت الإمام الرضا وزوّج هذا الإمام ابنته أم حبيب، وعهد إليه بولاية عهده. ولكن علي الرضا مات، وقيل إنه مات مسموماً، وصلّى المأمون عليه، ودُفِنَ في طوس سنة 203هـ/818م. واستمر حدب المأمون على آل الرضا وزوّج ابنته أم الفضل الإمام التاسع محمد ابن علي الملقّب بالجواد أو التقي. وذُكِرَ أن هذه الزوجة الناشز دسَّت السمّ لزوجها فمات سنة 220هـ/835م في خلافة المعتصم ودفن في مشهد الكاظميين في بغداد إلى جوار جدّه موسى الكاظم. ولم يجاوز الإمام العاشر علي ابن محمد الملقّب بالهادي أو النقيّ السنة السابعة من عمره يوم وفاة أبيه الجواد. ولما كبر ارتاب الخليفة بنشاطه وفرض عليه الإقامة في سامراء، واستمرّت هذه الإقامة الجبرية عشرين سنة. وتوفي الإمام علي الهادي سنة 254هـ/868م. وخلفه ابنه الحسن الملقّب بالعسكري والصامت والرفيق، وكان هدفاً لمضايقة الخليفة المهتدي، ومات في سامراء سنة 260هـ/874م. وقيل إنه مات مسموماً. أما الإمام الثاني عشر والأخير فهو أبو القاسم محمد بن الحسن وأشهر ألقابه المهدي أو صاحب الزمان. وقد ولد في سامراء سنة 255هـ أو 256هـ أيام الخليفة المعتمد وكان عمره عند غيبته ست سنوات أو سبعاً أو تسعاً، وقيل إن له غيبتين غيبة صغرى وغيبة كبرى، ويروي بعض الأتباع أنه كان يظهر للمؤمنين بعد الصلاة في «الغيبة الصغرى" وتمتد من مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء أربعاً وسبعين سنة حتى سنة 329هـ/940م. وقد ناب عنه في هذه المدة وكلاء أربعة سمّوا بالسفراء، أولهم أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، ثم أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي. وأخيراً أبو الحسن علي بن محمد السمّري، ولما سُئِل السفير الأخير أبو الحسن أن يوصي الأمر قال: «لله أمر هو بالغه». فبدأت بذلك «الغيبة الكبرى» للمهدي الذي لا يظهر إلا في نهاية الوقت فيملأ الأرض عدلاً. ويكفي الاقتصار على ذكر بعض من الألقاب والنعوت الكثيرة التي تطلق عليه ومنها: القائم المنتظر والحجّة، والخلف الصالح، وخاتم الأئمة، وخليفة الله، ووصيّ الأوصياء، وحافظ أسرار رب العالمين، ونور الله الذي لا يطفأ، والصاحب، وصاحب الدار، والحضرة، والناحية المقدّسة، والغريم (للتقيّة)، والغائب المنتظر، وأشهرها: المهدي صاحب الزمان.
تعليق