ولذا فانه من الطبيعي أن لا يثير
( الباوهاوس ) سوى الاستحسان فمنذ عام ١٩٢٤ أجبرت الحكومة الرجعية القائمة آنذاك الـ «الباو هاوز » على مغادرة فايمار فاستقر في دسو Dessau بيد أن هذه المدينة لفظته في عام ۱۹۳۲ . فانتقل الى برلين. ولكن عمله فيها استمر بضعة أشهر فقط . اذ أراد النازيون في عام ۱۹۳۳ أن يفرضوا عليه اتجاهاً موافقاً لآرائهم . فحمل ذلك مدير المعهد آنئذ المهندس «مایس فان در روه على اغلاقه نهائياً . ومع ذلك ففي خلال عشر سنوات تقريباً ، كان هذا المعهد مركز اشعاع من التي ملكها الفن الحديث ( الفن الكبير والفن التطبيقي ) في العالم .
وتأثير هذا المعهد لم يقصر على الطلاب . بل جاوزهم الى الفنانين الذين يلقون فيه الدروس . فمهما كان ماضيهم الفني ، ومهما كان مزاجهم الشخصي ، فقد أصبح لهم جميعاً اهتمامات مشتركة . وأصبحوا يراقبون طريقة تعبيرهم. ويتساءلون عن الوسائل ويسعون للتعرف على امكاناتها وفضائلها . وعمد فان ديسبورغ Van Doesbur مجلة الاسلوب الى هذا المعهد . كما قام ليستسلكي ومو هولي ناغي بادخال آراء الفنانين البنائيين الروس الى المعهد المذكور .
وقد نتساءل عن كندينسكي . هل تأثر بالمذهب البنائي أثناء اقامته في روسيا بعد عودته اليها عام ١٩١٤ ؟ ان الدليل على هذا التأثر أو على عدمه ، ليس متوفراً . غير أن الأمر الأكيد هو أن فنه أصبح ، منذ عام ۱۹۲۰ أقل ضجيجاً وأخذت الأشكال لديه تنحو نحو الهندسة . الى أن أصبحت هندسية تماما ، وبصورة جذرية، منذ انتسب الى ( الباو هارر ) ليكون مدرساً فيه عام ۱۹۲۲ . فمنذ ذلك الحين ، أصبح لكل عنصر من عناصر لوحاته شكل دقيق الملامح ، منسجم مع بقية الأشكال ، في نظام واضح ذلك .... فلا تفقد لوحاته من جراء .... ومع ذلك مافيها من ديناميكية. وأخذت الخطوط المائلة والخطوط المنحنية أو المتموجة تتفوق على الخطوط الأفقية والعمودية . وكثيراً ما بدت الأشكال وكأنها تتحرك سابحة في فضاء لاحدود له. كما هو الأمر في لوحات التعبيريين ... ويدأب كندينسكي على التنويع فيها دون كلل أو ملل . وهو يبتكرها . ويجمع بينها . منساقا وراء خيال قوي جامح لايزال يجد لنفسه موارد جديدة . . . ثم أن هذه الصور ، مهما كانت هندسية الأشكال ، يشعر صاحبها أنها تنبض بالحياة . فكتب يقول : ان الخط الأفقي ما انضم الى خط مائل، أحدثا معا نغما يكاد يكون مأساويا واذا مست زاوية حادة دائرة من الدوائر ، حدث من ذلك مالا يقل روعة عن يد الله وهي تمس بد آدم في لوحة ميكيل آنج. .. وكتب أيضاً ان نقطة في لوحة قد تكون اليوم أكثر تعبيراً من صورة وجه انساني .
بيد أن كندينسكي بدءاً من ۱۹۳۰ تقريباً ، وبصورة خاصة بعد ۱۹۳۳ عندما استقر في باريز فارا من الحكم الهتلري ، أخذ يرنو بأبصاره الى تجاوز هذه الدقة الفكرية الهندسية . ومع أنه ظل شديد السيطرة على نفسه ، وظل مستمراً على رسم الأشكال الواضحة ، فان هذه الاشكال تلك الأشكال التي قد نجدها في أعماق الطبيعة عمداً أخذت تقترب من عندما نسبرها بالمجهر .
والألوان أيضاً كثيرة التنوع ، فهي ألوان خفيفة ، لطيفة باسمة، أو على العكس ألوان غنية ، فخمة . . . وكثيراً ما اكتسبت هذه الالوان عظمة تستحق أن تنعت بشرقية. ولا ينكر أن التلوين يبدو أحياناً مبرقشاً مجرد زخرفي وأن بعض التآلفات بالنسبة للغربيين ذات طابع غريب ، بل بربري . ومع ذلك فانه ليجدر بنا أن نتساءل عما اذا كان ناجماً تصوير كندينسكي يعبر عن ضرب مــــــن الشعور يكاد يكون غريبا عنا. لأنه احساس فنان من العرق السلافي نشأ بيئة متأثرة باشعاع الفن البيزنطي .
ولما دخل كلي klee الى المعهد المسمى « باوهاوز » عام ۱۹۲۱ ، كان قد تملك من أسلوبه . وكان قد حاول محاولات كثيرة في اتجاهات مختلفة .. وأمعن الفكر طويلا في وسائله. وكما أن كندينسكي نشر أفكاره عام ۱۹۱۲ تحت عنوان : الروحاني في الفن» ، كذلك كتب كلي عام ۱۹۱۸ كتيباً صغيراً عنوانه اعترافات مبدع ، وافتتحه بالعبارة التالية التي أصبحت فيما بعد شهيرة : ان الفن لا ينقل الشيء المرئي وانما يجعل الشيء مرئياً به دروسه التي يلقيها في معهد باوهاوز » الى تحليل مفاهيمه وتجاربه بشكل منظم أكثر وقد ألقى محاضرة في عام ١٩٢٤ في مدينة ابينا أظهر فيها المصور على شكل بناء همه الاكبر ان الرسام هو رجل يعمر ويبني . وأكبر همه أن يجمع عناصر الشكل بطريقة فيها من الصفاء والمنطق ما يجعل كل عنصر في المكان اللائق به ، بحيث لايضر بسواه من العناصر . وان العمل الذي يقوم به الفنان دون أي برنامج موضوع له خصيصا ، قد بتأويل ، أو عنوان لعمله الفني وليس ثمة ما يحول دون أن يقبل بهما اذا وجدهما مناسبين . وقد يحدث أحياناً أن التأويل والعنوان المذكورين يحملان الفنان على اضافة عنصر جديد يتلاءم منطقياً مع الموضوع المحدد مسبقاً . واذا كان المصور محظوظاً، جاءت هذه العناصر الجديدة تحتل المكان المناسب،
أي المكان الذي كان فيه شيء من الضعف ، كما لو كان مقدر عليها منذ البداية ، توجد فيه .
بيد أن كلي يقول أيضاً في معرض آخر أنه « ليس من شيء يستطيع أن يقوم مقام الحدس » . ويشير أيضاً : اذا كان من الأهمية بمكان أن يشتغل الفنان مستنداً الى قوانين معينة ، فليس معنى ذلك أن اللوحة مجرد برهان ، بل أن كلي يتحدث عن أولئك « المصابين بالربو » الذين يعجزون ، لما في أنفاسهم من ضيق ، عن أن يفهموا أن القوانين انما هو توفير التربة اللازمة لتنمو فوقها الأزهار . » وبالفعل فان الازهار تتفتح لديه بسرعة فائقة ، هذا مالاشك فيه . وأن الاحساس يتدخل دوماً الى جانب التفكير وليس اتباع الدقة والصرامة في العمل لينفي اللطف والخيال المجنح ، والنزوات الباسمة . وحتى اذا كانت اللوحة مجرد مجموعة من المستطيلات والمربعات ، فان المرء يحس أن فيها رعشة غامضة ، ، ذلك لأن كلي مهما كان يبدو أحياناً فنانا تجريديا ، فهو لا ينفك عن البقاء على اتصال بالطبيعة وهو يلاحظها ويدرسها بدأب ، لا بغرض نقلها ، بل لمعرفة وظائفها وسيرها الخلاق ينقل ماهو موجود فعلا ، فهو يريد بالفعل أن يبدع أشياء من المحتمل أن على الأقل، أن يبدع فنا يكون خاضعا لنفس الضرورات التي يخضع لها منتجات الطبيعة ، محتفظاً بنفس مظاهر الحرية التي تتمتع بها المنتجات المذكورة . وان رغبته في أن يبقى للخطوط نقاوة بسيطة تضفي على لوحاته مظهراً يذكر باللوحات التي يرسمها الأطفال أنه علينا أن لا نخدع بذلك . ان اعماله أبعد ما يكون عن انتاج عقلية الأطفال والصغار . فهو من أكثر الفنانين ثقافة . ومن أشدهم تعقيداً .
وفنه مشحون بالمعاني المسترة ، وبالرقة والتنوع . ألسنا ننتقل بين لوحاته من وجوه الأزاهير الى التوازن غير المستقر أو الى آلة التغريد»، ومن قناع امرأة » الى رقصة ( الفساتين الحمراء ) و من جبل في الشتاء الى خرافة النيل » أو الى مفستو بشكل بالاس ( الشيطان المجسد بالعملاق بالاس ) . . . واذن فلسنا نجد شيئاً من السذاجة لافي الفكرة لديه ولا في دراستها . على أننا لن نجد ، من جهة ثانية ، شيئاً من الاسلوب الأدبي . فالمواضيع التي يرسمهاهي، كما قلنا آنفا ، نهاية للعمل الخلاق. وليس منطلقاً لهذا العمل . واذا هذه المواضيع بشكل معبر الى هذا الحد ، ذلك أن في أعماق نفسه شاعر حالم وهذه الشاعرية الحالمة هي التي تلهم كلي البناء .
واذا نظرنا الى الوسائل التي يستعملها في الرسم وجدنا أنها لاتقل تنوعاً عن تنوع فنه . ففي بعض لوحاته نرى أن الخط هو المسيطر ، أنه خط ناعم ، سريع ، معبر . في حين أن هذا الخط يصبح بطيء التحرك ، قصير الخطى ، في لوحاته الأخرى ، فيترك على اللوحة أثراً وهو ، بعد هذا ، خط يبدو من جهة أولى شبيها بخط الكتابة ، مسرعاً أو متأنيا . ويبدو من جهة ثانية مجرد عنصر صغير من هيكل فتراه قد تخلى عن أن تكون له حياة مستقلة بذاته ، وراح ينصهر في تخوم حقول الألوان . . . أما الألوان نفسها ، فهي. في العادة ، ذات طابع وديع ، تتدرج برقة ونعومة . . . الا أنه قد يحدث أن تكون الألوان قاطعة وصريحة .
وفي الثلاثينات تخلى كلي عن قسم من تحفظه . فراحت لوحاته تكبر
( الباوهاوس ) سوى الاستحسان فمنذ عام ١٩٢٤ أجبرت الحكومة الرجعية القائمة آنذاك الـ «الباو هاوز » على مغادرة فايمار فاستقر في دسو Dessau بيد أن هذه المدينة لفظته في عام ۱۹۳۲ . فانتقل الى برلين. ولكن عمله فيها استمر بضعة أشهر فقط . اذ أراد النازيون في عام ۱۹۳۳ أن يفرضوا عليه اتجاهاً موافقاً لآرائهم . فحمل ذلك مدير المعهد آنئذ المهندس «مایس فان در روه على اغلاقه نهائياً . ومع ذلك ففي خلال عشر سنوات تقريباً ، كان هذا المعهد مركز اشعاع من التي ملكها الفن الحديث ( الفن الكبير والفن التطبيقي ) في العالم .
وتأثير هذا المعهد لم يقصر على الطلاب . بل جاوزهم الى الفنانين الذين يلقون فيه الدروس . فمهما كان ماضيهم الفني ، ومهما كان مزاجهم الشخصي ، فقد أصبح لهم جميعاً اهتمامات مشتركة . وأصبحوا يراقبون طريقة تعبيرهم. ويتساءلون عن الوسائل ويسعون للتعرف على امكاناتها وفضائلها . وعمد فان ديسبورغ Van Doesbur مجلة الاسلوب الى هذا المعهد . كما قام ليستسلكي ومو هولي ناغي بادخال آراء الفنانين البنائيين الروس الى المعهد المذكور .
وقد نتساءل عن كندينسكي . هل تأثر بالمذهب البنائي أثناء اقامته في روسيا بعد عودته اليها عام ١٩١٤ ؟ ان الدليل على هذا التأثر أو على عدمه ، ليس متوفراً . غير أن الأمر الأكيد هو أن فنه أصبح ، منذ عام ۱۹۲۰ أقل ضجيجاً وأخذت الأشكال لديه تنحو نحو الهندسة . الى أن أصبحت هندسية تماما ، وبصورة جذرية، منذ انتسب الى ( الباو هارر ) ليكون مدرساً فيه عام ۱۹۲۲ . فمنذ ذلك الحين ، أصبح لكل عنصر من عناصر لوحاته شكل دقيق الملامح ، منسجم مع بقية الأشكال ، في نظام واضح ذلك .... فلا تفقد لوحاته من جراء .... ومع ذلك مافيها من ديناميكية. وأخذت الخطوط المائلة والخطوط المنحنية أو المتموجة تتفوق على الخطوط الأفقية والعمودية . وكثيراً ما بدت الأشكال وكأنها تتحرك سابحة في فضاء لاحدود له. كما هو الأمر في لوحات التعبيريين ... ويدأب كندينسكي على التنويع فيها دون كلل أو ملل . وهو يبتكرها . ويجمع بينها . منساقا وراء خيال قوي جامح لايزال يجد لنفسه موارد جديدة . . . ثم أن هذه الصور ، مهما كانت هندسية الأشكال ، يشعر صاحبها أنها تنبض بالحياة . فكتب يقول : ان الخط الأفقي ما انضم الى خط مائل، أحدثا معا نغما يكاد يكون مأساويا واذا مست زاوية حادة دائرة من الدوائر ، حدث من ذلك مالا يقل روعة عن يد الله وهي تمس بد آدم في لوحة ميكيل آنج. .. وكتب أيضاً ان نقطة في لوحة قد تكون اليوم أكثر تعبيراً من صورة وجه انساني .
بيد أن كندينسكي بدءاً من ۱۹۳۰ تقريباً ، وبصورة خاصة بعد ۱۹۳۳ عندما استقر في باريز فارا من الحكم الهتلري ، أخذ يرنو بأبصاره الى تجاوز هذه الدقة الفكرية الهندسية . ومع أنه ظل شديد السيطرة على نفسه ، وظل مستمراً على رسم الأشكال الواضحة ، فان هذه الاشكال تلك الأشكال التي قد نجدها في أعماق الطبيعة عمداً أخذت تقترب من عندما نسبرها بالمجهر .
والألوان أيضاً كثيرة التنوع ، فهي ألوان خفيفة ، لطيفة باسمة، أو على العكس ألوان غنية ، فخمة . . . وكثيراً ما اكتسبت هذه الالوان عظمة تستحق أن تنعت بشرقية. ولا ينكر أن التلوين يبدو أحياناً مبرقشاً مجرد زخرفي وأن بعض التآلفات بالنسبة للغربيين ذات طابع غريب ، بل بربري . ومع ذلك فانه ليجدر بنا أن نتساءل عما اذا كان ناجماً تصوير كندينسكي يعبر عن ضرب مــــــن الشعور يكاد يكون غريبا عنا. لأنه احساس فنان من العرق السلافي نشأ بيئة متأثرة باشعاع الفن البيزنطي .
ولما دخل كلي klee الى المعهد المسمى « باوهاوز » عام ۱۹۲۱ ، كان قد تملك من أسلوبه . وكان قد حاول محاولات كثيرة في اتجاهات مختلفة .. وأمعن الفكر طويلا في وسائله. وكما أن كندينسكي نشر أفكاره عام ۱۹۱۲ تحت عنوان : الروحاني في الفن» ، كذلك كتب كلي عام ۱۹۱۸ كتيباً صغيراً عنوانه اعترافات مبدع ، وافتتحه بالعبارة التالية التي أصبحت فيما بعد شهيرة : ان الفن لا ينقل الشيء المرئي وانما يجعل الشيء مرئياً به دروسه التي يلقيها في معهد باوهاوز » الى تحليل مفاهيمه وتجاربه بشكل منظم أكثر وقد ألقى محاضرة في عام ١٩٢٤ في مدينة ابينا أظهر فيها المصور على شكل بناء همه الاكبر ان الرسام هو رجل يعمر ويبني . وأكبر همه أن يجمع عناصر الشكل بطريقة فيها من الصفاء والمنطق ما يجعل كل عنصر في المكان اللائق به ، بحيث لايضر بسواه من العناصر . وان العمل الذي يقوم به الفنان دون أي برنامج موضوع له خصيصا ، قد بتأويل ، أو عنوان لعمله الفني وليس ثمة ما يحول دون أن يقبل بهما اذا وجدهما مناسبين . وقد يحدث أحياناً أن التأويل والعنوان المذكورين يحملان الفنان على اضافة عنصر جديد يتلاءم منطقياً مع الموضوع المحدد مسبقاً . واذا كان المصور محظوظاً، جاءت هذه العناصر الجديدة تحتل المكان المناسب،
أي المكان الذي كان فيه شيء من الضعف ، كما لو كان مقدر عليها منذ البداية ، توجد فيه .
بيد أن كلي يقول أيضاً في معرض آخر أنه « ليس من شيء يستطيع أن يقوم مقام الحدس » . ويشير أيضاً : اذا كان من الأهمية بمكان أن يشتغل الفنان مستنداً الى قوانين معينة ، فليس معنى ذلك أن اللوحة مجرد برهان ، بل أن كلي يتحدث عن أولئك « المصابين بالربو » الذين يعجزون ، لما في أنفاسهم من ضيق ، عن أن يفهموا أن القوانين انما هو توفير التربة اللازمة لتنمو فوقها الأزهار . » وبالفعل فان الازهار تتفتح لديه بسرعة فائقة ، هذا مالاشك فيه . وأن الاحساس يتدخل دوماً الى جانب التفكير وليس اتباع الدقة والصرامة في العمل لينفي اللطف والخيال المجنح ، والنزوات الباسمة . وحتى اذا كانت اللوحة مجرد مجموعة من المستطيلات والمربعات ، فان المرء يحس أن فيها رعشة غامضة ، ، ذلك لأن كلي مهما كان يبدو أحياناً فنانا تجريديا ، فهو لا ينفك عن البقاء على اتصال بالطبيعة وهو يلاحظها ويدرسها بدأب ، لا بغرض نقلها ، بل لمعرفة وظائفها وسيرها الخلاق ينقل ماهو موجود فعلا ، فهو يريد بالفعل أن يبدع أشياء من المحتمل أن على الأقل، أن يبدع فنا يكون خاضعا لنفس الضرورات التي يخضع لها منتجات الطبيعة ، محتفظاً بنفس مظاهر الحرية التي تتمتع بها المنتجات المذكورة . وان رغبته في أن يبقى للخطوط نقاوة بسيطة تضفي على لوحاته مظهراً يذكر باللوحات التي يرسمها الأطفال أنه علينا أن لا نخدع بذلك . ان اعماله أبعد ما يكون عن انتاج عقلية الأطفال والصغار . فهو من أكثر الفنانين ثقافة . ومن أشدهم تعقيداً .
وفنه مشحون بالمعاني المسترة ، وبالرقة والتنوع . ألسنا ننتقل بين لوحاته من وجوه الأزاهير الى التوازن غير المستقر أو الى آلة التغريد»، ومن قناع امرأة » الى رقصة ( الفساتين الحمراء ) و من جبل في الشتاء الى خرافة النيل » أو الى مفستو بشكل بالاس ( الشيطان المجسد بالعملاق بالاس ) . . . واذن فلسنا نجد شيئاً من السذاجة لافي الفكرة لديه ولا في دراستها . على أننا لن نجد ، من جهة ثانية ، شيئاً من الاسلوب الأدبي . فالمواضيع التي يرسمهاهي، كما قلنا آنفا ، نهاية للعمل الخلاق. وليس منطلقاً لهذا العمل . واذا هذه المواضيع بشكل معبر الى هذا الحد ، ذلك أن في أعماق نفسه شاعر حالم وهذه الشاعرية الحالمة هي التي تلهم كلي البناء .
واذا نظرنا الى الوسائل التي يستعملها في الرسم وجدنا أنها لاتقل تنوعاً عن تنوع فنه . ففي بعض لوحاته نرى أن الخط هو المسيطر ، أنه خط ناعم ، سريع ، معبر . في حين أن هذا الخط يصبح بطيء التحرك ، قصير الخطى ، في لوحاته الأخرى ، فيترك على اللوحة أثراً وهو ، بعد هذا ، خط يبدو من جهة أولى شبيها بخط الكتابة ، مسرعاً أو متأنيا . ويبدو من جهة ثانية مجرد عنصر صغير من هيكل فتراه قد تخلى عن أن تكون له حياة مستقلة بذاته ، وراح ينصهر في تخوم حقول الألوان . . . أما الألوان نفسها ، فهي. في العادة ، ذات طابع وديع ، تتدرج برقة ونعومة . . . الا أنه قد يحدث أن تكون الألوان قاطعة وصريحة .
وفي الثلاثينات تخلى كلي عن قسم من تحفظه . فراحت لوحاته تكبر
تعليق