المجال الكبير الذي يفسحه لما يوحي به
( اللامعقول ) لا يكتفي في هذه اللوحات بما تأتي به الآلية فحسب .
وفي الثلاثينات ، أخذت الأشكال تبعد عن الهندسة وتصبح أقل انتظاماً ، وأكثر عضوية في مظاهرها . ومن ذلك الوقت أخذت تظهر في لوحات ميرو ، هذه الأشخاص البشرية البدائية التي تذكرنا بمخلوقات ما قبل التاريخ . إلا أنها ليست وليدة السذاجة . وإنما هي وليدة ما دون الذي لا يجهل المركبات ، كما أنها وليدة عقل يعتمد على القوة التعبيرية للمشاهد الساخرة : وفي ١٩٣٥ أخذت هذه الأشخاص البسيطة تتخذ رسمة ، قاسية ، شريرة ، تجمع بين البلاهة والعدوانية الخبيثة . بيد أنها تظل منغمسة. في هذه الحياة البدائية التي ليس فيها إلا ما في البهائم من الشهوات الأساسية ، والاندفاعات ، والمطامع ، والكراهيات . . . وفي هذا المعنى ، نرى أن فن ميرو لا يحسب أي حساب للمدنية وللجهود التي تبذلها لكي تصد الحيوانية وتكبحها ، أو على الأقل تسترها بقناع. وهو على العكس من ذلك ، يكشف ما تخفيه الأقنعة . ولكنه بينما أنه يفعل ذلك دون أقوال طنانة ، ويظهر من الثورة أقل مما يظهر من التهكم . لذلك تبدو أشخاصه في العادة مضحكة أكثر مما . . ومع ذلك ، فهي تشير إلى حقائق ووقائع . ولن تلبث الحرب أن تظهر مدى ما يمكن أن تكون عليه الحقائق من مخيفة هي شر وهول .
وإذا كان ميرو قد أراد أن يعري ما هو قابع مستتر في أعماق الإنسان ، فإن مثل هذا العمل هو فضل السيريالية الرئيسي وأن هذا الفضل جدير ، بأن نعترف به حتى ولو كنا قليلي التحسس للتصوير میر و للتعبير عن ( الفوتوغرافي ) الذي غالباً ما استعمله ذاته . وبالطبع ليس ميرو الفنان الوحيد في القرن العشرين الذي تشهد أعماله على مثل هذا الحرص وإن يكن أكثر من غيره إلحاحاً في ذلك ، فمن قبل أن يولد ميرو كان لللامعقول نصيب كبير في لوحات « شاغال Chagall » ، كما رأينا . وسيظل الأمر كذلك عبر جميعا التطورات التي مر بها هذا المصور .
شاغال CHAGALL
وكان شاغال في روسيا عندما اندلعت الحرب فاضطر للبقاء فيها فكان ذلك سبباً في حمله على إنتاج لوحات أقرب إلى واقع الحياة الخارجية . ولا شك في أن مرد ذلك هو اتصاله بهذا الواقع اتصالاً مباشراً . بينما لم يكن يراه في باريز إلا من خلال ذكريات مليئة بالحنين ، فإن خياله ، حتى في هذه الفترة ، قد يتغلب كثيراً من الأحيان على الواقع . وعلى سبيل المثال رسم في ١٩١٤ لوحة « حاخام أخضر » ، والشكل فيها من صنع مصور واقعي لا يجهل التكعيبية . إلا أن وجه الحاخام أخضر ، شديد الاخضرار فوق لحية صفراء وهذا ما يخرجه من عالم المألوف اليومي ، ولكأن في أعماقه تجثم فكرة صوفية تحول كل شيء فيه حتى لحمه . ولكن شاغال ينساق وراء خياله في اللوحات التي كرسها للمسنين من اليهود في مدينة فيتبسك Vitebsk أقل مما ينساق وراءه في اللوحات التي يريد فيها أن يجعلنا شهوداً على سعادته العائلية . فها هو مع زوجته ، في بعض لوحاته يطيران فوق المدينة تحملهما نشوة الحب. وها أن الزوجة ، في لوحة أخرى ، قوية أنيقة تتقدم وهي تحمل زوجها على كتفيها وقد بدت النشوة العارمة على وجهه . وهو يحيي الناظرين رافعاً كأساً من الخمر الأحمر يطير فوقه طفل له جناحا ملاك .
ومع أن ثورة أكتوبر جعلت من شاغال و مفوض الفنون الجميلة في مدينة فيتبسك فهي لا تستطيع انتزاعه من عالمه الخيالي . وقد استقال من منصبه عام ۱۹۱۹ . وبعد ثلاث سنوات غادر الاتحاد السوفييتي عائداً إلى باريس . وفيها تلاشت آخر ذكريات التكعيبية . ففقدت الخطوط حدتها وطابعها الهندسي ، في حين أصبح التلوين أكثر خفة وأكثر دغدغة للعين . وقد استمر الحب الذي يكنه لزوجته مصدراً لإلهامه كما ظلت روسيا النائية مصدر وحي بيد أن الأوساط التي يعيش فيها في فرنسا تنعكس أيضاً في أعماله ، وهكذا كانت مشاهد السيرك موضوعاً لعدة مجموعات من لوحاته. وليس من المدهش أن نراه ينطلق في حرية كبيرة في معالجة مثل هذا الموضوع ، فإذا هو يجعلنا نتنقل بين عنزة تدخن غليوناً إلى عنزة تعزف على الكمان . ومن البلهوان الذي يأخذ جسمه شكل الفيولونسيل إلى الفارسة التي تمتطي ديكاً . وإنما ما يمكن أن يثير دهشتنا . أن هذه الصور لا تأتي مضحكة ، وإنما هي مؤثرة تبعث الحنان ، والسبب في ذلك هو أن المصور قد حملها حنواً كثيراً ، وأن ما فيها من غرابة لا يرجع إلى مجرد حاجة الفنان إلى أن يربكنا . فالبنسبة لشاغال ليس الشيء الشاذ سوى وسيلة للتعبير تعبيراً مباشراً عما في نفسه من افتتان. وعن هذه العواطف الأخوية التي يكنها لكل إنسان ولكل شيء . ومثل هذا الموقف يعني ضمناً أنه ليس بالرجل الذي لا يبالي بالمآسي التي يجابهها الإنسان ، ولا سيما الإنسان اليهودي أيام صار هتلر سيداً لألمانيا ، ولذلك نراه في أواخر هذه الفترة ينتج لوحات مفعمة بالمأساة . كلوحة « الصلب الأبيض » التي التي رسمها عام ۱۹۳۸ ، والتي ينتصب في وسطها المسيح المصلوب عاجزاً بينما يشتعل حوله الكنيس والمنازل ، وبينما ينوح يهود ، وقد فقدوا صوابهم وراحوا يولون الأدبار هاربين من قسوة مضطهديهم وإذا لم تكن هذه اللهجة جديدة تمام الجدة عند شاغال ، فهي هنا أكثر حدة من كل ما سبق وذلك بتأثير ما كان في تلك الحقبة من أهوال .
( اللامعقول ) لا يكتفي في هذه اللوحات بما تأتي به الآلية فحسب .
وفي الثلاثينات ، أخذت الأشكال تبعد عن الهندسة وتصبح أقل انتظاماً ، وأكثر عضوية في مظاهرها . ومن ذلك الوقت أخذت تظهر في لوحات ميرو ، هذه الأشخاص البشرية البدائية التي تذكرنا بمخلوقات ما قبل التاريخ . إلا أنها ليست وليدة السذاجة . وإنما هي وليدة ما دون الذي لا يجهل المركبات ، كما أنها وليدة عقل يعتمد على القوة التعبيرية للمشاهد الساخرة : وفي ١٩٣٥ أخذت هذه الأشخاص البسيطة تتخذ رسمة ، قاسية ، شريرة ، تجمع بين البلاهة والعدوانية الخبيثة . بيد أنها تظل منغمسة. في هذه الحياة البدائية التي ليس فيها إلا ما في البهائم من الشهوات الأساسية ، والاندفاعات ، والمطامع ، والكراهيات . . . وفي هذا المعنى ، نرى أن فن ميرو لا يحسب أي حساب للمدنية وللجهود التي تبذلها لكي تصد الحيوانية وتكبحها ، أو على الأقل تسترها بقناع. وهو على العكس من ذلك ، يكشف ما تخفيه الأقنعة . ولكنه بينما أنه يفعل ذلك دون أقوال طنانة ، ويظهر من الثورة أقل مما يظهر من التهكم . لذلك تبدو أشخاصه في العادة مضحكة أكثر مما . . ومع ذلك ، فهي تشير إلى حقائق ووقائع . ولن تلبث الحرب أن تظهر مدى ما يمكن أن تكون عليه الحقائق من مخيفة هي شر وهول .
وإذا كان ميرو قد أراد أن يعري ما هو قابع مستتر في أعماق الإنسان ، فإن مثل هذا العمل هو فضل السيريالية الرئيسي وأن هذا الفضل جدير ، بأن نعترف به حتى ولو كنا قليلي التحسس للتصوير میر و للتعبير عن ( الفوتوغرافي ) الذي غالباً ما استعمله ذاته . وبالطبع ليس ميرو الفنان الوحيد في القرن العشرين الذي تشهد أعماله على مثل هذا الحرص وإن يكن أكثر من غيره إلحاحاً في ذلك ، فمن قبل أن يولد ميرو كان لللامعقول نصيب كبير في لوحات « شاغال Chagall » ، كما رأينا . وسيظل الأمر كذلك عبر جميعا التطورات التي مر بها هذا المصور .
شاغال CHAGALL
وكان شاغال في روسيا عندما اندلعت الحرب فاضطر للبقاء فيها فكان ذلك سبباً في حمله على إنتاج لوحات أقرب إلى واقع الحياة الخارجية . ولا شك في أن مرد ذلك هو اتصاله بهذا الواقع اتصالاً مباشراً . بينما لم يكن يراه في باريز إلا من خلال ذكريات مليئة بالحنين ، فإن خياله ، حتى في هذه الفترة ، قد يتغلب كثيراً من الأحيان على الواقع . وعلى سبيل المثال رسم في ١٩١٤ لوحة « حاخام أخضر » ، والشكل فيها من صنع مصور واقعي لا يجهل التكعيبية . إلا أن وجه الحاخام أخضر ، شديد الاخضرار فوق لحية صفراء وهذا ما يخرجه من عالم المألوف اليومي ، ولكأن في أعماقه تجثم فكرة صوفية تحول كل شيء فيه حتى لحمه . ولكن شاغال ينساق وراء خياله في اللوحات التي كرسها للمسنين من اليهود في مدينة فيتبسك Vitebsk أقل مما ينساق وراءه في اللوحات التي يريد فيها أن يجعلنا شهوداً على سعادته العائلية . فها هو مع زوجته ، في بعض لوحاته يطيران فوق المدينة تحملهما نشوة الحب. وها أن الزوجة ، في لوحة أخرى ، قوية أنيقة تتقدم وهي تحمل زوجها على كتفيها وقد بدت النشوة العارمة على وجهه . وهو يحيي الناظرين رافعاً كأساً من الخمر الأحمر يطير فوقه طفل له جناحا ملاك .
ومع أن ثورة أكتوبر جعلت من شاغال و مفوض الفنون الجميلة في مدينة فيتبسك فهي لا تستطيع انتزاعه من عالمه الخيالي . وقد استقال من منصبه عام ۱۹۱۹ . وبعد ثلاث سنوات غادر الاتحاد السوفييتي عائداً إلى باريس . وفيها تلاشت آخر ذكريات التكعيبية . ففقدت الخطوط حدتها وطابعها الهندسي ، في حين أصبح التلوين أكثر خفة وأكثر دغدغة للعين . وقد استمر الحب الذي يكنه لزوجته مصدراً لإلهامه كما ظلت روسيا النائية مصدر وحي بيد أن الأوساط التي يعيش فيها في فرنسا تنعكس أيضاً في أعماله ، وهكذا كانت مشاهد السيرك موضوعاً لعدة مجموعات من لوحاته. وليس من المدهش أن نراه ينطلق في حرية كبيرة في معالجة مثل هذا الموضوع ، فإذا هو يجعلنا نتنقل بين عنزة تدخن غليوناً إلى عنزة تعزف على الكمان . ومن البلهوان الذي يأخذ جسمه شكل الفيولونسيل إلى الفارسة التي تمتطي ديكاً . وإنما ما يمكن أن يثير دهشتنا . أن هذه الصور لا تأتي مضحكة ، وإنما هي مؤثرة تبعث الحنان ، والسبب في ذلك هو أن المصور قد حملها حنواً كثيراً ، وأن ما فيها من غرابة لا يرجع إلى مجرد حاجة الفنان إلى أن يربكنا . فالبنسبة لشاغال ليس الشيء الشاذ سوى وسيلة للتعبير تعبيراً مباشراً عما في نفسه من افتتان. وعن هذه العواطف الأخوية التي يكنها لكل إنسان ولكل شيء . ومثل هذا الموقف يعني ضمناً أنه ليس بالرجل الذي لا يبالي بالمآسي التي يجابهها الإنسان ، ولا سيما الإنسان اليهودي أيام صار هتلر سيداً لألمانيا ، ولذلك نراه في أواخر هذه الفترة ينتج لوحات مفعمة بالمأساة . كلوحة « الصلب الأبيض » التي التي رسمها عام ۱۹۳۸ ، والتي ينتصب في وسطها المسيح المصلوب عاجزاً بينما يشتعل حوله الكنيس والمنازل ، وبينما ينوح يهود ، وقد فقدوا صوابهم وراحوا يولون الأدبار هاربين من قسوة مضطهديهم وإذا لم تكن هذه اللهجة جديدة تمام الجدة عند شاغال ، فهي هنا أكثر حدة من كل ما سبق وذلك بتأثير ما كان في تلك الحقبة من أهوال .
تعليق