لكنه يجمع بينها أو يربط بعضها ببعض بطريقة تجعل منها مجموعة غامضة وغير معقولة. والحقيقة أن كل شي في لوحاته غدار . فكل شيء ينصب لنظر الناظر فخاً . حتى اسم اللوحة أو عنوانها يسهم في مواراة معنى الصورة الحقيقي . ويستعمل ماغريت الواقعية الأكثر بساطة ، الأكثر محافظة ، ليدخلنا في عالم كل مافيه يهدف إلى بلباتنا وارتباكنا فهل يصل الفنان إلى هدفه هذا ؟ ينبغي القول أولاً أن المرء يحس في هذا الفن بروداً يعود سببه جزئياً بلا شك إلى الطابع المتقن للصورة ، وهذا البرود يحول دون أن يؤثر هذا الفنان فينا بقدر تأثير ماكس أرنست. فأرنست يستطيع أن يجعلنا نحس نفس القلق الذي يحسه في نفسه وذلك أن المرء يرى حتى في طريقته وأسلوبه ، ما كان يعانيه فيها من تمزق في داخل نفسه .
أما الإسباني سلفادور دالي فلم ينضو تحت لواء السيريالية إلا في عام ١٩٢٩ . وهو يؤثر التأدية الفنية الدقيقة. لكن في لوحات ماغريت ما يبدو معقولاً إذا قيس بلوحات دالي التي يسود فيها هذيان عدواني . بيد أن هذا الهذيان يخضع إلى قدر لا بأس به من التوجيه . وفيه مالا بأس به من المداراة والمسايرة حتى ليكاد يتعذر على المرء أن يعرف ما هو نصيب الخداع الساخر في كل هذا . ومهما يكن من أمر فإن في لوحات دالي الكثير الكثير من الأشياء الوحشية ومن التشوهات الجسمية ، ومن الأجساد نصف المتعفنة . ويتميز الضوء فيها بمظهر حالم كاذب يزيد في كراهية هذه المشاهد وهذه المناظر الشبيهة بما في الأحلام المخيفة والكوابيس وليس ثمة ما هو أكثر أكاديمية وانتفاخاً من تكوين الصورة عند هذا السيريالي . أما ألوانه فهي سخيفة ومبتذلة للغاية . وتذكر بألوان أبغض الصور المطبوعة الرخيصة، وبالطبع فان سوء الذوق هذا إنما هو أمر مقصود . وان التكلف المزعج في اللون يقصد منه إبراز ناحية التحدي في هذا التصوير الذي يرفض عن عمد جميع القيم العزيزة على الفن الحديث ، إن لم نقل العزيزة على الفن بإطلاقه . وليس سبب ذلك أن دالي يرفض المهارة فهو يدأب على إظهار مهارته ، ولكنه ينتسب إلى بيكلين Boecklin وإل ( ميسونيه Meissonier ) . ولا يبالي مطلقاً بالأبحاث التي يقوم بها الفن الحديث في مجال الشكل . وان الأمر الوحيد الذي يهمه هو أن يعرض علينا صوراً غريبة تشذ . المألوف. وان الهدف الذي يرمي إليه بشكل واضح هو أن يثير فينا الدهشة وأن يبعث في نفوسنا الاهتمام والتساؤل ، وهو يجتهد لبلوغ هذا الهدف بواسطة تلك الطريقة المستهجنة ، والمسرحية ، التي يبرز فيها شخصيته هو بمثل ما يبرزها أو بأكثر مما يبرزها ، بواسطة لوحاته . ولست لتجد عند تانغي Tanguy الأسلوب الطنان الذي يمتاز به دالي . فهو يدخلنا برقة إلى مشاهد لا يمكن لأية حياة بشرية أن تتفتح فيها . ففيها مساحات شاسعة واسعة يلفها البرد والضباب . وليس فيها إلا كائنات يرقانية تعيش عيشة مريبة. وكثيراً ما نجد في المساحات المترامية أشياء خيالية لا يدرك كنهها . تشبه من بعيد حصى تلويناً غير معقول . ومرتبة ترتيباً لا يدرك معناه أو سببه . وليس بين كل هذه الأشياء علاقة ما ، اللهم إلا العلاقة التي ينسجها الفراغ ، وهذا اليباب المقفر الذي يستولي على كلى ما في اللوحة .
ولكن . . ألم ينتج أي عمل فني تصويري عن هذه الآلية النفسانية التي تكلم عنها بيان السيريالية والتي مارسها الشعراء ؟ بلى أندريه ماسون أنتج حوالي عام ۱۹۲٦ رسوماً كل ما فيها مستمد من الإلهام المباشر والوحي الفوري .. واللمسة فيها أسرع ما تكون لمسات تكاد تكون ذات كيان خاص . وان رسمت شيئاً يذكر بجسم عار أو بيد بشرية أو بشيء ما ، فإنما تفعل ذلك بصورة خفية ، ويتبع ( ماسون ) هذا الأسلوب نفسه في التصوير على خلفية رملية . ولكنه إذا صور على القماش فلا تلبث خطوطه أن تصبح أقل اندفاعاً . وقد تبقى هذه الخطوط ذات مرونة وذات تعرج وتموج أقل آلية . وبعد بضع سنوات ، أصبحت خطوطه قوية الاندفاع ، شديدة الجماح . بيد أن اللوحة لم تعد وليدة العفوية المحضة . وكان في ألوانه أولاً شيء من اللطف والحنان . ثم أصبحت أكثر حيوية وأشد حدة . حتى أن مواضيع اللوحات تعبر عن القسوة . من معارك بين الديكة ، وصراعات بين الأسماك ومصارعات هائلة مريعة مع الثيران. ومجازر تحت الشمس ... وحتى في المواضيع الجنسية يبدو في اللوحات هياج حانق يجرح ، ويبقر ويهدم .
على أن ماسون ، وإن كان يطلق العنان لما يعتريه من هواجس لا يخطر بباله مطلقاً أن يتنكر للفن الحديث. وكان في مطلع عهده بالفن متأثراً بالمذهب التكعيبي . وهو يبعد كل البعد عن الرغبة في العودة إلى ميسونييه Meissonier وبيكلين Boecklin وهو ينطق ، على الدوام ، بلغة التصوير في أيامنا هذه .
وهذا هو شأن ميرو Miro أيضاً فقد كان أول أمره يصغي إلى تعاليم التكعيبيين. وفي عام ۱۹۲٤ ، انضم إلى السيريالية . وكان وقتئذ يرسم لوحات حيث الأشكال بسمتها الهندسية ، وبطريقة ترتيبها ، توافق بوعي كامل مقتضيات الفن التشكيلي وتدل أعماله الفنية أيضاً على نزوات في الذوق تزداد تحرراً يوماً بعد يوم . وإذا كان لا يزال بوسعنا أن نتعرف على الأشياء في لوحة الأرض المحروقة : ( ۱۹۲۳ - ١٩٢٤ ) ففي لوحة ( مشهد من كتالونيا ) ( ١٩٢٣ - ١٩٢٤ ) ، أو لوحة و كرنفال آرلوکان » ( ١٩٢٤ ۱۹۲۵ ) يلقى الناظر عنتاً شديداً في التعرف على الأشياء المرسومة . فبعضها قد ضخمت ، وكبرت أبعادها إلى درجة المغالاة . وبعضها وهي الكثرة صغرت وانكمشت. وقد يصبح بعضها رقيقاً هزيلاً حتى لا يعدو حجمه حجم قوائم عنكبوت أو خيط. فكل ما في لوحة ( كرنفال آرلوكان ) غريب دعـاب . ولا تقل الألوان غرابة ساخرة عن ا الأشكال ذاتها .
فماذا أفاد ميرو من معاشرة السيرياليين ؟ أنه افاد الجرأة على التمادي في الاهتمام بما هو غير عقلاني . ولكي يفسح المجال لهذا الشيء غير العقلاني للتعبير عن ذاته دون عائق ، فقد تخلى المصور عن كل دراسة ولم يعد يقبل إلا اللقطات العفوية . . . ولما كان يعلم أن مثل هذا التوقير للإلهام لا يمكن أن يتماشى مع الأعمال الطويلة النفس ، فقد بين عامي ١٩٢٤ و ۱۹۲۷ في باريز لوحات تبدو في غاية البساطة بالنسبة لأعماله السابقة . فعلى خلفية ذات لون واحد ، تبدو بقع متراخية ، وخطوط غالباً دقيقة شاردة ، كأنها مترددة فلا يكاد المرء يتعرف على هذا الفنان الذي كان يمتلك قبل زمن قليل خطاً ثابتاً ، والذي كان يخلق دون جهد ، كما يبدو ، لوحات معقدة أشد التعقيد .
بيد أن هذا الأسلوب يمثل بالنسبة لميرو بالذات عودة إلى المصادر وبالفعل فقد أعانه هذا الأسلوب على تجديد فنه ، كما يبدو ذلك واضحاً في تلك الفترة من حياته في اللوحات التي رسمها أثناء فترات إقامته في اسبانيا . فقد بدا التنسيق فيها أكثر وضوحاً مما كان عليه في لوحاته السابقة . وأصبحت عناصرها أقل عدداً ، وكل منها أكثر وضوحاً وظهوراً ، سواء أكان ذلك من ناحية اللون أو الخط . هذا ، وان الفنان ميرو يستسلم في هذه اللوحات باطمئنان إلى ما في خياله من دعابة وتخابث . فإذا عام ١٩٢٦ صورة جرادة ، جعل قائمتيها الخلفيتين ملتصفتين بحيث تشكلان ما يشبه قدما بشرية كبيرة . وجعل الجرادة رسم رسم رسم قائمة على قمة جبل وهي تقفز قفز البائس متجهة نحو الشمس . حيث ينتظرها سلم ممتد بين ثلاثة براكين تقذف ألسنة من ا النار . . . وإذا . صورة أرنب بري حوالي ۱۹۲۷ ، يبدو لنا هذا الحيوان وكأنه ينبئنا ساخراً عابئاً أنه يعرف كيف يتحاشى الرصاصة التي نراها في اللوحة تدور عبثاً أمامه في حلقة لولبية . وإذا ، بعد ذلك بسنة واحدة داخل منازل هولندية مستوحياً إياها من أعمال جان ستين Jan steen و « ه م سورغ H.M.Sorgh » رأيناه يشوه كل ما استعاره من النموذج ويتلاعب بجميع النسب حتى ليخيل للناظرين أن الأشكال المختلفة تتحول وتتغير أمام أعينهم . بل ان الخطوط نفسها تتحرك ، تضحك ضحكات رنانة وتغمز غمزات لاهية مسلية . أما اللون فقد غدا أكثر حيوية وأشد وقعاً وأكثر تحرراً من ذي قبل . وأصبح له جانب من المخابثة . ومع ذلك ، فليس في لوحاته شيء من الابتذال ولا شيء من الإهمال . . . ومهما بدا تكوين الصورة من الغرابة والاستخفاف ، فهو في الحقيقة خاضع لترتيب ونظام ، والألوان موزعة توزيعاً صحيحاً ، والأشكال كثيرة ولكنها مرتبة بحيث يوازن بعضها بعضاً ، وبحيث يبرز كل منها قيمة الآخر ومرد ذلك إلى أن ميرو رغم
أما الإسباني سلفادور دالي فلم ينضو تحت لواء السيريالية إلا في عام ١٩٢٩ . وهو يؤثر التأدية الفنية الدقيقة. لكن في لوحات ماغريت ما يبدو معقولاً إذا قيس بلوحات دالي التي يسود فيها هذيان عدواني . بيد أن هذا الهذيان يخضع إلى قدر لا بأس به من التوجيه . وفيه مالا بأس به من المداراة والمسايرة حتى ليكاد يتعذر على المرء أن يعرف ما هو نصيب الخداع الساخر في كل هذا . ومهما يكن من أمر فإن في لوحات دالي الكثير الكثير من الأشياء الوحشية ومن التشوهات الجسمية ، ومن الأجساد نصف المتعفنة . ويتميز الضوء فيها بمظهر حالم كاذب يزيد في كراهية هذه المشاهد وهذه المناظر الشبيهة بما في الأحلام المخيفة والكوابيس وليس ثمة ما هو أكثر أكاديمية وانتفاخاً من تكوين الصورة عند هذا السيريالي . أما ألوانه فهي سخيفة ومبتذلة للغاية . وتذكر بألوان أبغض الصور المطبوعة الرخيصة، وبالطبع فان سوء الذوق هذا إنما هو أمر مقصود . وان التكلف المزعج في اللون يقصد منه إبراز ناحية التحدي في هذا التصوير الذي يرفض عن عمد جميع القيم العزيزة على الفن الحديث ، إن لم نقل العزيزة على الفن بإطلاقه . وليس سبب ذلك أن دالي يرفض المهارة فهو يدأب على إظهار مهارته ، ولكنه ينتسب إلى بيكلين Boecklin وإل ( ميسونيه Meissonier ) . ولا يبالي مطلقاً بالأبحاث التي يقوم بها الفن الحديث في مجال الشكل . وان الأمر الوحيد الذي يهمه هو أن يعرض علينا صوراً غريبة تشذ . المألوف. وان الهدف الذي يرمي إليه بشكل واضح هو أن يثير فينا الدهشة وأن يبعث في نفوسنا الاهتمام والتساؤل ، وهو يجتهد لبلوغ هذا الهدف بواسطة تلك الطريقة المستهجنة ، والمسرحية ، التي يبرز فيها شخصيته هو بمثل ما يبرزها أو بأكثر مما يبرزها ، بواسطة لوحاته . ولست لتجد عند تانغي Tanguy الأسلوب الطنان الذي يمتاز به دالي . فهو يدخلنا برقة إلى مشاهد لا يمكن لأية حياة بشرية أن تتفتح فيها . ففيها مساحات شاسعة واسعة يلفها البرد والضباب . وليس فيها إلا كائنات يرقانية تعيش عيشة مريبة. وكثيراً ما نجد في المساحات المترامية أشياء خيالية لا يدرك كنهها . تشبه من بعيد حصى تلويناً غير معقول . ومرتبة ترتيباً لا يدرك معناه أو سببه . وليس بين كل هذه الأشياء علاقة ما ، اللهم إلا العلاقة التي ينسجها الفراغ ، وهذا اليباب المقفر الذي يستولي على كلى ما في اللوحة .
ولكن . . ألم ينتج أي عمل فني تصويري عن هذه الآلية النفسانية التي تكلم عنها بيان السيريالية والتي مارسها الشعراء ؟ بلى أندريه ماسون أنتج حوالي عام ۱۹۲٦ رسوماً كل ما فيها مستمد من الإلهام المباشر والوحي الفوري .. واللمسة فيها أسرع ما تكون لمسات تكاد تكون ذات كيان خاص . وان رسمت شيئاً يذكر بجسم عار أو بيد بشرية أو بشيء ما ، فإنما تفعل ذلك بصورة خفية ، ويتبع ( ماسون ) هذا الأسلوب نفسه في التصوير على خلفية رملية . ولكنه إذا صور على القماش فلا تلبث خطوطه أن تصبح أقل اندفاعاً . وقد تبقى هذه الخطوط ذات مرونة وذات تعرج وتموج أقل آلية . وبعد بضع سنوات ، أصبحت خطوطه قوية الاندفاع ، شديدة الجماح . بيد أن اللوحة لم تعد وليدة العفوية المحضة . وكان في ألوانه أولاً شيء من اللطف والحنان . ثم أصبحت أكثر حيوية وأشد حدة . حتى أن مواضيع اللوحات تعبر عن القسوة . من معارك بين الديكة ، وصراعات بين الأسماك ومصارعات هائلة مريعة مع الثيران. ومجازر تحت الشمس ... وحتى في المواضيع الجنسية يبدو في اللوحات هياج حانق يجرح ، ويبقر ويهدم .
على أن ماسون ، وإن كان يطلق العنان لما يعتريه من هواجس لا يخطر بباله مطلقاً أن يتنكر للفن الحديث. وكان في مطلع عهده بالفن متأثراً بالمذهب التكعيبي . وهو يبعد كل البعد عن الرغبة في العودة إلى ميسونييه Meissonier وبيكلين Boecklin وهو ينطق ، على الدوام ، بلغة التصوير في أيامنا هذه .
وهذا هو شأن ميرو Miro أيضاً فقد كان أول أمره يصغي إلى تعاليم التكعيبيين. وفي عام ۱۹۲٤ ، انضم إلى السيريالية . وكان وقتئذ يرسم لوحات حيث الأشكال بسمتها الهندسية ، وبطريقة ترتيبها ، توافق بوعي كامل مقتضيات الفن التشكيلي وتدل أعماله الفنية أيضاً على نزوات في الذوق تزداد تحرراً يوماً بعد يوم . وإذا كان لا يزال بوسعنا أن نتعرف على الأشياء في لوحة الأرض المحروقة : ( ۱۹۲۳ - ١٩٢٤ ) ففي لوحة ( مشهد من كتالونيا ) ( ١٩٢٣ - ١٩٢٤ ) ، أو لوحة و كرنفال آرلوکان » ( ١٩٢٤ ۱۹۲۵ ) يلقى الناظر عنتاً شديداً في التعرف على الأشياء المرسومة . فبعضها قد ضخمت ، وكبرت أبعادها إلى درجة المغالاة . وبعضها وهي الكثرة صغرت وانكمشت. وقد يصبح بعضها رقيقاً هزيلاً حتى لا يعدو حجمه حجم قوائم عنكبوت أو خيط. فكل ما في لوحة ( كرنفال آرلوكان ) غريب دعـاب . ولا تقل الألوان غرابة ساخرة عن ا الأشكال ذاتها .
فماذا أفاد ميرو من معاشرة السيرياليين ؟ أنه افاد الجرأة على التمادي في الاهتمام بما هو غير عقلاني . ولكي يفسح المجال لهذا الشيء غير العقلاني للتعبير عن ذاته دون عائق ، فقد تخلى المصور عن كل دراسة ولم يعد يقبل إلا اللقطات العفوية . . . ولما كان يعلم أن مثل هذا التوقير للإلهام لا يمكن أن يتماشى مع الأعمال الطويلة النفس ، فقد بين عامي ١٩٢٤ و ۱۹۲۷ في باريز لوحات تبدو في غاية البساطة بالنسبة لأعماله السابقة . فعلى خلفية ذات لون واحد ، تبدو بقع متراخية ، وخطوط غالباً دقيقة شاردة ، كأنها مترددة فلا يكاد المرء يتعرف على هذا الفنان الذي كان يمتلك قبل زمن قليل خطاً ثابتاً ، والذي كان يخلق دون جهد ، كما يبدو ، لوحات معقدة أشد التعقيد .
بيد أن هذا الأسلوب يمثل بالنسبة لميرو بالذات عودة إلى المصادر وبالفعل فقد أعانه هذا الأسلوب على تجديد فنه ، كما يبدو ذلك واضحاً في تلك الفترة من حياته في اللوحات التي رسمها أثناء فترات إقامته في اسبانيا . فقد بدا التنسيق فيها أكثر وضوحاً مما كان عليه في لوحاته السابقة . وأصبحت عناصرها أقل عدداً ، وكل منها أكثر وضوحاً وظهوراً ، سواء أكان ذلك من ناحية اللون أو الخط . هذا ، وان الفنان ميرو يستسلم في هذه اللوحات باطمئنان إلى ما في خياله من دعابة وتخابث . فإذا عام ١٩٢٦ صورة جرادة ، جعل قائمتيها الخلفيتين ملتصفتين بحيث تشكلان ما يشبه قدما بشرية كبيرة . وجعل الجرادة رسم رسم رسم قائمة على قمة جبل وهي تقفز قفز البائس متجهة نحو الشمس . حيث ينتظرها سلم ممتد بين ثلاثة براكين تقذف ألسنة من ا النار . . . وإذا . صورة أرنب بري حوالي ۱۹۲۷ ، يبدو لنا هذا الحيوان وكأنه ينبئنا ساخراً عابئاً أنه يعرف كيف يتحاشى الرصاصة التي نراها في اللوحة تدور عبثاً أمامه في حلقة لولبية . وإذا ، بعد ذلك بسنة واحدة داخل منازل هولندية مستوحياً إياها من أعمال جان ستين Jan steen و « ه م سورغ H.M.Sorgh » رأيناه يشوه كل ما استعاره من النموذج ويتلاعب بجميع النسب حتى ليخيل للناظرين أن الأشكال المختلفة تتحول وتتغير أمام أعينهم . بل ان الخطوط نفسها تتحرك ، تضحك ضحكات رنانة وتغمز غمزات لاهية مسلية . أما اللون فقد غدا أكثر حيوية وأشد وقعاً وأكثر تحرراً من ذي قبل . وأصبح له جانب من المخابثة . ومع ذلك ، فليس في لوحاته شيء من الابتذال ولا شيء من الإهمال . . . ومهما بدا تكوين الصورة من الغرابة والاستخفاف ، فهو في الحقيقة خاضع لترتيب ونظام ، والألوان موزعة توزيعاً صحيحاً ، والأشكال كثيرة ولكنها مرتبة بحيث يوازن بعضها بعضاً ، وبحيث يبرز كل منها قيمة الآخر ومرد ذلك إلى أن ميرو رغم
تعليق