الدادائية والسريالية
الدادائية LE DADAISME
إن الدادائية تهم تاريخ الفكر وتاريخ الحضارة أكثر مما تهم تاريخ الفن . وقد سميت بهذا الإسم في زوريخ عام ١٩١٦ . أما أهم مكتشفيها في هذه المدينة فهم : الشاعر الروماني « تريستان تزارا Loius Aragon » والكاتبان الألمانيان «هو غوبل » و «ريتشار دهو لسنبيك Hugo Ball et Richard Huelsenbeck » والمصور والنحات الألزاسي «هانس آرب Hans-Arp » . وفي الفترة نفسها أدخلت هذه المدرسة الفنية إلى نيويورك على يد مارسيل دوشان Marcel Duchamp » وبيكابيا Picabia » . وبعد فترة وجيزة ظهرت الدادائية أيضاً في باريز وكولونيا وبرلين وهانوفر .
وكان السبب في تفتح هذه المدرسة هو الثورة على المجزرة، والثورة على منطق الأكاذيب التي كانوا يحاولون أن يبرروا بها هذه المجزرة ، والثورة على العلم والتقنية اللذين يضعان نفسيهما في خدمة الهدم والتخريب، والثورة أخيراً على الفن الذي يجله هؤلاء الرجال الذين يقتلون بعضهم بعضاً . ولهذا كله نرى جماعة هذه المدرسة يقبلون على تسخيف العقل ، والهزء بالمنطق ، والسخرية من العصر الآلي ، والاستخفاف بفن التصوير وإنكار كل تمييز فيما بين الفن وبين ما يعتبر عادة نقيضاً له .
وهكذا نرى بيكابيا الذي كان بالأمس رائداً من رواد التجريد بصور مخططات هيكلية للآلات ، دقيقة للغاية في تركيبها . ولكنها مع ذلك لاتجدي ولا تنفع في شيء ، اللهم الا في ابراز سخرية مخترعها . و كذلك عمد مارسيل دوشان إلى وضع صورة شاربين ولحية على نسخة من الجوكندا . وأخذ حاملة زجاجات من التي تصنعها المعامل بالجملة فمهرها بتوقيعه كما لو كانت منتحوتة فنية. وفي عام ۱۹۱۷ وقع باسم مستعار ، هو ا ر . م ت على مبولة وأرسلها إلى معرض ( المستقلين ) في نيويورك لتعرض فيه تحت اسم « منهل ولما رفض المعرض هذا الأثر وزع ( دوشان ) منشوراً كتب فيه : ليس من الأهمية في شي أن يكون السيد – « مت – صنع بيديه هذا المنهل أم لم يصنعه . انما المهم هو أنه قد أختاره فقد عمد إلى عنصر عادي من عناصر الحياة اليومية ، ورتبه ، ، وأبرزه معه معناه النفعي وراء الاسم الجديد ، ووراء وجهة النظر الجديدة لقد خلق فكرة جديدة لهذا الشي » . ومثل هذا التصريح يكشف عن حقيقة الأمر . فحتى ذلك الحين كان العمل الفني يعتبر لدى الناس جميعاً نتيجة عمل قام به الفنان . أما « دوشان » فرأيه هو أن الأمر الجوهري ليس في صنع العمل الفني بل في اختياره ، وبفضل أي شي ولو كان كثير الابتذال ، ولو كان مما تصنعه المعامل باعداد كبيرة قابلاً لأن يكون عملاً فنياً المستحيل أن نجد رفضاً حاسماً أكثر من هذا الرفض البات لعملية الخلق وبالتالي لقيمة المقدرة الفنية بالذات. وإذا نحن أخذنا بالعبارات التي ذكرناها من كلام دوشان لأصبح كل انسان قادراً على أن يكون فناناً ، ولأصبح كل شيء عملاً فنياً .
وهكذا ندرك مرامي دوشان وكذلك ندرك أن محاولته إعطاء أي شي معنى جديداً لا تخلو من الارتباط بما فعله التكعيبيون بالورق ذلك يجوز لنا أن نتساءل : هل حققت هذه العملية ما تهدف إليه ؟ لقد كان دوشان يريد أن يثور ضد عبادة الصور الأصنام التي يخيل للبعض أنهم محقون في أن يرفضوا باسمها ولأجلها كل تجديد . ولم يؤد عمله آخر الأمر إلى التأثير في خصوم الفن الحديث بل لعله قد أشاع في نفوسهم الطمأنينة. إذ أتاح لهم حججاً وذرائع يبررون بها كراهيتهم لهذا الفن الحديث. أما عمله الصبياني في تشويه وتدنيس وجه الجو كندا ، فلم ينقص من مقام هذه اللوحة بل زاده ورفعه في أعين جميع المعجبين بها .
وكان طبيعياً أن نرى دوشان يعرض عن التصوير بسبب ميوله المعادية للفن . بيد أن جميع الدادائيين لم يتخذوا نفس الموقف . وصحيح أن مروجي هذه الحركة الفنية الذين كانوا يجتمعون في حانة «فولتير» في زوريخ كانوا يظهرون نفسية عدوانية متحدية . وصحيح أنهم كانوا يصرحون أن عملاً كبيراً ، عملاً هداماً وسلبياً يقع على عاتقهم ، وصحيح أيضاً أنهم كانوا يشيدون باللغو . وليس أدل على ذلك . هذا الاسم بالذات لحركتهم . فقد فتحوا القاموس كيفما اتفق فوقعوا صدفة على لفظة دادا ، فاصطنعوا إسماً لمذهبهم . ذلك فلم يكن هدفهم كله محصوراً في التهديم صحيح . ومع والتخريب . فقد كتب هوغو بل في مجموعة من النصوص المختارة : ان الهدف الذي ترمي إليه هذه المجموعة هو تذكير الناس بأن وراء الحرب ، ووراء الأوطان ، يوجد رجال مستقلون ، لهم مثل عليا مختلفة عن مثل غيرهم يقول ، بعد مدة ، « ان الهدم كان ضرورياً حتى يستطيع هؤلاء الماديون البؤساء أن يتعرفوا في الأطلال الباقية على ما هو جوهري . وقد قام آرب بصنع أول منحوتاته البارزة فجاءت أعمالا تجريدية كانت فاتحة الحقبة الدادائية .
وثمة آخرون من مناضلي الدادائية كان لهم مكان في تاريخ الفن ولا سيما " ماكس ارنست Max Ernst ممثل الحركة في مدينة كولونيا . و « کورت شفیترز يعمل في هانوفر وظل حتى رمقه الأخير وفياً للنهج الدادائي . وقد استطاع أن يحقق تلصيقات جميلة تلفت النظر من قصاصات الجرائد والاعلانات والنشرات والغلافات وتذاكر الدخول وقسائم الترامواي وبالاجمال من كل هذه الأشياء التي لم يعد لها نفع و التي أعتاد الناس أن يلقوا بها . وبالطبع ، فنحن واجدون هنا أيضاً مايذكرنا بالأوراق الملصقة التي صنعها التكعيبيون . بيد أنه كان من خصائص شفيترز أنه أكثر تنافراً وتباعداً ، وأكثر ابتذالاً من التي أستعملها التكعيبيون ، وأقل منها قابلية لأن تحول ، وتجمع معاً . وقد أستطاع هو أن يحولها ويجمعها . ثم ان هذه التجميعات تمتاز بحسن الترتيب والتنسيق ، وبتلوين رهافة الحس والذوق ، بل يمتاز أحياناً بلمسات من الذوق الرفيع .
الدادائية LE DADAISME
إن الدادائية تهم تاريخ الفكر وتاريخ الحضارة أكثر مما تهم تاريخ الفن . وقد سميت بهذا الإسم في زوريخ عام ١٩١٦ . أما أهم مكتشفيها في هذه المدينة فهم : الشاعر الروماني « تريستان تزارا Loius Aragon » والكاتبان الألمانيان «هو غوبل » و «ريتشار دهو لسنبيك Hugo Ball et Richard Huelsenbeck » والمصور والنحات الألزاسي «هانس آرب Hans-Arp » . وفي الفترة نفسها أدخلت هذه المدرسة الفنية إلى نيويورك على يد مارسيل دوشان Marcel Duchamp » وبيكابيا Picabia » . وبعد فترة وجيزة ظهرت الدادائية أيضاً في باريز وكولونيا وبرلين وهانوفر .
وكان السبب في تفتح هذه المدرسة هو الثورة على المجزرة، والثورة على منطق الأكاذيب التي كانوا يحاولون أن يبرروا بها هذه المجزرة ، والثورة على العلم والتقنية اللذين يضعان نفسيهما في خدمة الهدم والتخريب، والثورة أخيراً على الفن الذي يجله هؤلاء الرجال الذين يقتلون بعضهم بعضاً . ولهذا كله نرى جماعة هذه المدرسة يقبلون على تسخيف العقل ، والهزء بالمنطق ، والسخرية من العصر الآلي ، والاستخفاف بفن التصوير وإنكار كل تمييز فيما بين الفن وبين ما يعتبر عادة نقيضاً له .
وهكذا نرى بيكابيا الذي كان بالأمس رائداً من رواد التجريد بصور مخططات هيكلية للآلات ، دقيقة للغاية في تركيبها . ولكنها مع ذلك لاتجدي ولا تنفع في شيء ، اللهم الا في ابراز سخرية مخترعها . و كذلك عمد مارسيل دوشان إلى وضع صورة شاربين ولحية على نسخة من الجوكندا . وأخذ حاملة زجاجات من التي تصنعها المعامل بالجملة فمهرها بتوقيعه كما لو كانت منتحوتة فنية. وفي عام ۱۹۱۷ وقع باسم مستعار ، هو ا ر . م ت على مبولة وأرسلها إلى معرض ( المستقلين ) في نيويورك لتعرض فيه تحت اسم « منهل ولما رفض المعرض هذا الأثر وزع ( دوشان ) منشوراً كتب فيه : ليس من الأهمية في شي أن يكون السيد – « مت – صنع بيديه هذا المنهل أم لم يصنعه . انما المهم هو أنه قد أختاره فقد عمد إلى عنصر عادي من عناصر الحياة اليومية ، ورتبه ، ، وأبرزه معه معناه النفعي وراء الاسم الجديد ، ووراء وجهة النظر الجديدة لقد خلق فكرة جديدة لهذا الشي » . ومثل هذا التصريح يكشف عن حقيقة الأمر . فحتى ذلك الحين كان العمل الفني يعتبر لدى الناس جميعاً نتيجة عمل قام به الفنان . أما « دوشان » فرأيه هو أن الأمر الجوهري ليس في صنع العمل الفني بل في اختياره ، وبفضل أي شي ولو كان كثير الابتذال ، ولو كان مما تصنعه المعامل باعداد كبيرة قابلاً لأن يكون عملاً فنياً المستحيل أن نجد رفضاً حاسماً أكثر من هذا الرفض البات لعملية الخلق وبالتالي لقيمة المقدرة الفنية بالذات. وإذا نحن أخذنا بالعبارات التي ذكرناها من كلام دوشان لأصبح كل انسان قادراً على أن يكون فناناً ، ولأصبح كل شيء عملاً فنياً .
وهكذا ندرك مرامي دوشان وكذلك ندرك أن محاولته إعطاء أي شي معنى جديداً لا تخلو من الارتباط بما فعله التكعيبيون بالورق ذلك يجوز لنا أن نتساءل : هل حققت هذه العملية ما تهدف إليه ؟ لقد كان دوشان يريد أن يثور ضد عبادة الصور الأصنام التي يخيل للبعض أنهم محقون في أن يرفضوا باسمها ولأجلها كل تجديد . ولم يؤد عمله آخر الأمر إلى التأثير في خصوم الفن الحديث بل لعله قد أشاع في نفوسهم الطمأنينة. إذ أتاح لهم حججاً وذرائع يبررون بها كراهيتهم لهذا الفن الحديث. أما عمله الصبياني في تشويه وتدنيس وجه الجو كندا ، فلم ينقص من مقام هذه اللوحة بل زاده ورفعه في أعين جميع المعجبين بها .
وكان طبيعياً أن نرى دوشان يعرض عن التصوير بسبب ميوله المعادية للفن . بيد أن جميع الدادائيين لم يتخذوا نفس الموقف . وصحيح أن مروجي هذه الحركة الفنية الذين كانوا يجتمعون في حانة «فولتير» في زوريخ كانوا يظهرون نفسية عدوانية متحدية . وصحيح أنهم كانوا يصرحون أن عملاً كبيراً ، عملاً هداماً وسلبياً يقع على عاتقهم ، وصحيح أيضاً أنهم كانوا يشيدون باللغو . وليس أدل على ذلك . هذا الاسم بالذات لحركتهم . فقد فتحوا القاموس كيفما اتفق فوقعوا صدفة على لفظة دادا ، فاصطنعوا إسماً لمذهبهم . ذلك فلم يكن هدفهم كله محصوراً في التهديم صحيح . ومع والتخريب . فقد كتب هوغو بل في مجموعة من النصوص المختارة : ان الهدف الذي ترمي إليه هذه المجموعة هو تذكير الناس بأن وراء الحرب ، ووراء الأوطان ، يوجد رجال مستقلون ، لهم مثل عليا مختلفة عن مثل غيرهم يقول ، بعد مدة ، « ان الهدم كان ضرورياً حتى يستطيع هؤلاء الماديون البؤساء أن يتعرفوا في الأطلال الباقية على ما هو جوهري . وقد قام آرب بصنع أول منحوتاته البارزة فجاءت أعمالا تجريدية كانت فاتحة الحقبة الدادائية .
وثمة آخرون من مناضلي الدادائية كان لهم مكان في تاريخ الفن ولا سيما " ماكس ارنست Max Ernst ممثل الحركة في مدينة كولونيا . و « کورت شفیترز يعمل في هانوفر وظل حتى رمقه الأخير وفياً للنهج الدادائي . وقد استطاع أن يحقق تلصيقات جميلة تلفت النظر من قصاصات الجرائد والاعلانات والنشرات والغلافات وتذاكر الدخول وقسائم الترامواي وبالاجمال من كل هذه الأشياء التي لم يعد لها نفع و التي أعتاد الناس أن يلقوا بها . وبالطبع ، فنحن واجدون هنا أيضاً مايذكرنا بالأوراق الملصقة التي صنعها التكعيبيون . بيد أنه كان من خصائص شفيترز أنه أكثر تنافراً وتباعداً ، وأكثر ابتذالاً من التي أستعملها التكعيبيون ، وأقل منها قابلية لأن تحول ، وتجمع معاً . وقد أستطاع هو أن يحولها ويجمعها . ثم ان هذه التجميعات تمتاز بحسن الترتيب والتنسيق ، وبتلوين رهافة الحس والذوق ، بل يمتاز أحياناً بلمسات من الذوق الرفيع .
تعليق