المسماة ( الجسر ) ، وأحد هؤلاء أوتو مولر ليس عنده شي من الشدة . ومواضيعه المفضلة تمثل فتيات لهن أعضاء رشيقة ، يصورهن عادة عاريات في مشهد طبيعي غزلي. ولا يعرفن المرح ، ولا ينصر فن قط إلى لهو يثير النشوة ، فوجو هن لا مبالية أو حزينة يغطيها لون رمادي كامد ومحزن إلى حد ما .
ومثل هذه الرصانة تعارض كلياً طبيعة « نولد ، الذي لا يشعر بالراحة الا في أقصى العنف والبذاءة. ومن بين كافة الذين يمثلون التعبيرية الألمانية ، هو أكثرهم عصبية وفظاظة . ولذلك ابتعد عن حر الجسر بعد سنة فقط من انتمائه إليها . أنه بحاجة إلى الوحدة . على الرغم من أنه غالباً ما يقضي فصل الشتاء في برلين ، الا أنه يفضل العمل في الريف في مقاطعة «شليفيخ حيث رأى النور فيعيش بقرب البحر ويستطيع أن يتأمل السماء الواسعة الممتلئة بغيوم اما كثيفة أو تحرقها شمس الغروب بألوان حمراء وبرتقالية اسطورية . ومع فالكائن البشري هو موضوعه المفضل لا المنظر الطبيعي ، وهو يعود إليه دائماً ليضعنا أمام وجه من أبشع الوجوه البشرية التي صورت . وتبدو الوجوه كأنها أقنعة مرقوشة بشدة والأجسام مصغرة بشكل سيء وتقريبية. ومهما يكن مقام الأشخاص المصورين سواء أكان الأمر يتعلق بالمسيح والرسل الملتفين حول العشاء السري ، أو بابنة فرعون التي تجد موسى ، أو بشخصين غامضين من سلوفين » يقابلهما في علبة من علب الليل في برلين ، فالطريقة هي نفسها . اذ أن القيمة «العليا لدى نولد» تكمن في البدائي والوحشي والقاسي ، فيرى في القبح حقيقة أكبر من التي يراها في الجمال ويرى في التعبير الفوري فضائل أكثر من تلك التي يراها في التعبير المراقب ، سيان عنده أكان اللون فجاً وصارخاً أو كانت مادته لا تعطي متعة ما ، أو كان الشكل الذي بصوره غليظاً ومرتخياً . فهو يريد أن يؤثر بقوة حين يحول رؤاه إلى مادة وهنا يكمن هدفه الوحيد .
أما أهداف النمساوي کو کوشکا Kokochka فطموحه أكثر : وقد حقق قبل حرب ١٩١٤ أعمالاً مؤثرة وبديعة بنفس المقدار ، ليست سوى صور اشخاص وذلك في عصر ، ندر ما اهتم فيه الفن بخصائص الوجه . يشير عمل هذا الفنان إلى مدى غرابة اسلوبه . لكن كو كوشكا» لا يهتم فقط بالوجه . وهو اذ يقطن المدينة التي شاهدت ابتكار التحليل النفسي فإنه لا يرتضي ، حين يكون أمام جليسه ، بتسجيل المظاهر السطحية فهو يرى ، ويشعر ويسجل ما يختفي داخل القلوب ، يتحسس بالمزيد من هذا الشعور لأن جلساءه الفنانين ، أو هواة فن ، أو كتاب ، من المحيط الذي يعيش فيه هو نفسه . ولا . يعكس في صورهم شيئاً من قلقه الذاتي. إذ أن كافة لوحاته تقريباً تصور لنا أشخاصاً قلقين ضعفاء منحلين. وتبدو الأيدي فيها معبرة بقدر الوجوه . جميعها عصبية ، وإذا ما بدا أغلبها غاية في الأحساس أو متعباً للغاية لمباشرة عمل ، ترتعش في بعضها طاقة متوترة ، تكاد عادة هم من أنه ريب تتشنج .
ويبدو كوكوشكا في أعماله الأولى التي أنتجها حوالي ۱۹۰۷ رساماً قبل كل شيء ، حيث يصلح خطه الحاد المتعرج بمهارة للتعبير بنوع من العناء النابض عن الحقيقة المعراة . وحوالي عام ۱۹۱۲ أصبح أكثر عرضاً ، من ذي قبل. هي ذي الريشة ، الخط اليوم ، تخطه وتجعله أحياناً يتلوى مثل الدودة . وهاهي الالوان تتحرر بنفس الوقت وتتأكد أكثر ، بيد أن الجو المعنوي لا يتغير ، يبدو القلق ظاهراً في جميع و كذلك اضطراب النفس وعدم الرضى .
هذا العجز عن قبول الحياة ضمن الشروط التي أعطيت لنا ، هذه الثورة وهذا التشاؤم اللذين نقابل بهما نداءات الحياة واغراءاتها ، هذه سمات نراها لدى عدد من التعبيريين مهما كان اسلوب التعبير لديهم ومهما كان أصلهم وجنسيتهم .
هذه السمات قليلاً ما نجدها لدى الفنانين الرئيسيين الذين شكلوا في عام ١٩١١ في ميونيخ فئة ( الفارس الأزرق ) وهم كاندينسكي وه مارك Marc ماك Macke » وانضم اليهم « كلي Klee كما نستطيع أن نضع إلى جوار هم « يافلينسكي Jawlensky » و فايننكر Feinninger » . في النهاية يمت هؤلاء الفنانون بصلة إلى الوحشيين وحتى إلى التكعيبيين أكثر من صلتهم بمواطنيهم من حر الجسر » واثنان منهم « يافلينسكي » و « كاندينسكي » الروسيان كانا في باريز ( الأول في عام ۱۹۰٥ والثاني في عام ١٩٠٦ – ١٩٠٧ ) وقد عرضا في صالة الخريف كما أجرى يافلينسكي اتصالات ماتيس » . أما باقي الفنانين الألمان مارك » و « ماك » و « كلي » والأمريكي « فايننكر » فعلى العكس يطلبون النصح من التكعيبيين وبصورة خاصة من ( دولونيه )
ويافلنسكي ، أكبرهم سناً ، صور بين عام ١٩٠٥ وعام ١٩١٤ وجوهاً ومناظر طبيعية ولوحات من الطبيعة الصامتة فيها شكل بدائي محصور بخط عريض مغطى بلون غني. وليست الألوان الزرقاء لديه أقل اشراقاً قط من الألوان الحمراء والبنفسجية ، وأحياناً كثيرة يحمل مجمل اللوحة طابع التوتر الكبير إلى حد أن الحسية تبلغ فيها الوج د الصوفي .
ولتوافقات « كاندينسكي شدة مماثلة بيد أن الألوان أحسن تدرجاً. وهو بعمله في مورنو قرب ميونخ نفذ بدءاً من عام ۱۹۰۸ لوحات فيها مناظر طبيعية وتكاوين يستوحي بعضها من الطبيعة التي هي تحت نظره بينما يستوحي البعض الآخر مصادره من رحلة وصل فيها إلى تونس قبل تنفيذ ه هذه اللوحات بفترة قصيرة. هنا وهناك يعطي نفس التبسيط للشكل ونفس الاستقلال في أختيار الألوان . ولا يستغرب في عام ۱۹۱۰ التخلي عن الأشياء . وسنرى أن الاسلوب التجريدي هو من تحقيق جوهر أعماله . أما ( مارك ) على الرغم من صلته الوثيقة ب " كاندينسكي منذ عام ۱۹۱۰ ، فإنه يتميز عنه بمواضيعه وبأسلوبه . واذ يجد أن الأنسان » قبيح وفيه غش ، فقد وهب حبه للحيوان إذ يرى أنه لم يزل يحيى في نقاوة وفي كمال فردوسيين . ولذا يحلم في أن يتحد ذاتياً بالحيوان أو بالأحرى في أن يعطي للحيوان مظاهر حلمه . وتظهر مثاليته في تفضيله لنبل الخيول والحساسية اليحمور الرقيق الخائف . وتظهر مثاليته أيضاً في ألوانه : فحصان أحمر ، طبيعي بالنسبة إليه بقدر حصان أزرق . أما بالنسبة للشكل فيجعله هندسياً ، تمهيداً لتجزئته . وإذا نتجت هذه التجزئة من علاقاته مع « دولوني» الذي رآه في عام ۱۹۱۲ في باريس، فإنه يتجاوب أيضاً مع ميله الشخصي إذ أن امع التجزئة تتيح له إمكانية ربط الحيوان بالوسط الذي يعيش فيه بشكل أوثق . بيد أنه مع الوقت ، أخذ الحيوان يبدو ا مارك ملطخاً بالقبح .
ولا يلبث في عامي ۱۹۱۲ - ۱۹۱۳ أن يتطور نحو فن تجريدي متزايد حتى تنتهي اللوحة بأن تتشكل من قوى متضادة ومتعاكسة ، تتجابه أحياناً في معارك مأساوية . أما ماك وهو من مقاطعة « رينانيا » فإنه أقل بحثاً في النظريات من ( مارك) وأقل منه نزوعاً إلى اعطاء فنه خواطر فلسفية . وهو من أكثر أتباع الفارس الأزرق ، تقرباً من فرنسا . لم يتأثر ب « دولوني » فحسب بل تأثر أيضاً : ( سورا ) وب ( ماتيس ) . لا عكر في فنه ولا في مشاعره ولا في اسلوبه . ولا ينحرف ( ماك ) عن كما أنه لا يظهره مثقلا بالاضطراب . ويحب أن يمثله على شكل متنزه ذي قد متطاول ووجه غير منفعل يتمتع بالصيف تحت أشجار حديقة . واذا كان موضوع اللوحة امرأة فإنها غالباً مانراها تتأمل واجهة بائعة قبعات أو محل خياطة ، وتبدو رشيقة أنيقة مقولبة بشكل واضح بعيد عن الصلابة ، وتبدو وكأنها أخت لتلك المتنزهات اللواتي يظهر هن ( سورا ) في لوحته يوم أحد في الصيف في موقع الجراندجات » بيد أنها أقل تكلفاً منهن وأقل جموداً . أما التلوين الذي يخصص مكاناً واسعاً فيه للأصفر والبرتقالي هو واضح ودافئ ولكنه يتحاشى أن يكون صارخاً .
قتل الفنانان مارك » و « ماك » خلال الحرب الأولى ١٩١٤ - ۱۹۱۸ . وقصر مدة عملهما في هذا الفن لم يحل دون تحقيقهما لأعمال هامة وتصنيفهما بين أكثر الفنانين تشويقاً .
ولو حدث أن مات كلي في الفترة نفسها لكان بعيداً عن الأكتمال ، اذ كان وجد طريقه بالكاد عام ١٤ ١٩١٤ . ولم ينتج تأخره لاكتشافه موهبته بل عن سيره البطي الحذر. وقبل أن يتطرق بصراحة إلى اللون راح يرسم ويصنع نقوشاً ويدرس موضوع القيم مكتفياً في مجال الأسود والأبيض . ولا شك أنه من عام ١٩٠٥ بعض الأعمال يتذكر بها سيزان ويستخدم الألوان شبه النقية ولكنه لم يشترك في المعرض الأول لفئة « الفارس الأزرق » . ظهر فقط في المعرض الثاني الذي لم يشمل سوى نقوش ورسمات ، وعلينا أن ننتظر بضعة أسابيع قبل الحرب حيث وجد برفقة » ماك» في تونس ، لنراه يكتب في مذكراته اليومية هذه الجمل الشهيرة : اللون يمتلكني ، لم أعد بحاجة لمحاولة التملك منه . وهو يمتلكني للأبد ، أعرف ذلك . ذلك هو معنى هذا الوقت السعيد : أنا واللون لا نشكل أكثر من واحد وكان الى هذه الفترة لاينفذ سوى رسوم مائية بقياسات صغيرة وبقي لفترة طويلة يمارس الرسم المائي أكثر من ممارسة التصوير الزيتي . وهذا لم يحل دون أن تفرض أعماله نفسها سواء بصفاتها أم – باتجاهها بنفس المقدار . وفي هذه التي نفذها في تونس فاننا نكتشف بسهولة كافية الموضوع ، كما نرى بوضوح مماثل ميل الفنان الى جعل العمل جسماً . فهو ينقص العمق أو يزيله ويسطح الحجوم ، ويبسط الألوان في أقسام منتظمة الى حد ما . واذا ما استطاعت هذه الألوان أيضاً أن تكون على صلة مع العالم الخارجي ، فانها تعكس بصورة خاصة طبيعة ، حالم وأحياناً - مستقلاً الفنان الشعرية . فيحيطها غشاء من الحنان كما أن فيها شيء شيء من الحنين
وكان « فينينجر » أكبر سناً من كلي ، حين شرع يكتشف أسلوبه. ولد في الولايات المتحدة ووصل الى المانيا في عام ۱۸۸۷ حيث أمضى أطول فترة من حياته . بيد أنه رأى التكعيبين في عام ١٩١١ في باريس.
وفي السنة التالية صور لوحاته الأولى وبرهن فيها عن تأثره بالروح الجديدة السائدة آنئذ . وكان عادة يمثل أشكال عمارة وبواخر ، أما اسلوبه فيذكر بالاسلوب الذي استخدمه دولوني » في لوحاته ( برج ايفل باستثناء أن الوانه باردة أكثر فيها زوايا أكثر ، وأن زواياه الناتئة أحد ونوره أقسى ومأساوي أكثر فينينجر ) بالأشكال الهندسية أقل من اهتمامه بالقوى التي تشكلها ، وهو يظهر ديناميكيتها باتجاه خطوطه وبوثبتها . وفي ديناميكية الكتابة هذه، يمكننا أيضاً أن نكتشف قرابة مع المستقبليين ، كما يمكن رؤية تجانس مع التعبيريين في العصبية التي تكشفها التواترات بين النور والظل . بيد أن صفات «فينينجر » الشخصية تطغي على ما استعاره من الغير . وقد تأكد ابداعه خلال السنوات التالية .
ومثل هذه الرصانة تعارض كلياً طبيعة « نولد ، الذي لا يشعر بالراحة الا في أقصى العنف والبذاءة. ومن بين كافة الذين يمثلون التعبيرية الألمانية ، هو أكثرهم عصبية وفظاظة . ولذلك ابتعد عن حر الجسر بعد سنة فقط من انتمائه إليها . أنه بحاجة إلى الوحدة . على الرغم من أنه غالباً ما يقضي فصل الشتاء في برلين ، الا أنه يفضل العمل في الريف في مقاطعة «شليفيخ حيث رأى النور فيعيش بقرب البحر ويستطيع أن يتأمل السماء الواسعة الممتلئة بغيوم اما كثيفة أو تحرقها شمس الغروب بألوان حمراء وبرتقالية اسطورية . ومع فالكائن البشري هو موضوعه المفضل لا المنظر الطبيعي ، وهو يعود إليه دائماً ليضعنا أمام وجه من أبشع الوجوه البشرية التي صورت . وتبدو الوجوه كأنها أقنعة مرقوشة بشدة والأجسام مصغرة بشكل سيء وتقريبية. ومهما يكن مقام الأشخاص المصورين سواء أكان الأمر يتعلق بالمسيح والرسل الملتفين حول العشاء السري ، أو بابنة فرعون التي تجد موسى ، أو بشخصين غامضين من سلوفين » يقابلهما في علبة من علب الليل في برلين ، فالطريقة هي نفسها . اذ أن القيمة «العليا لدى نولد» تكمن في البدائي والوحشي والقاسي ، فيرى في القبح حقيقة أكبر من التي يراها في الجمال ويرى في التعبير الفوري فضائل أكثر من تلك التي يراها في التعبير المراقب ، سيان عنده أكان اللون فجاً وصارخاً أو كانت مادته لا تعطي متعة ما ، أو كان الشكل الذي بصوره غليظاً ومرتخياً . فهو يريد أن يؤثر بقوة حين يحول رؤاه إلى مادة وهنا يكمن هدفه الوحيد .
أما أهداف النمساوي کو کوشکا Kokochka فطموحه أكثر : وقد حقق قبل حرب ١٩١٤ أعمالاً مؤثرة وبديعة بنفس المقدار ، ليست سوى صور اشخاص وذلك في عصر ، ندر ما اهتم فيه الفن بخصائص الوجه . يشير عمل هذا الفنان إلى مدى غرابة اسلوبه . لكن كو كوشكا» لا يهتم فقط بالوجه . وهو اذ يقطن المدينة التي شاهدت ابتكار التحليل النفسي فإنه لا يرتضي ، حين يكون أمام جليسه ، بتسجيل المظاهر السطحية فهو يرى ، ويشعر ويسجل ما يختفي داخل القلوب ، يتحسس بالمزيد من هذا الشعور لأن جلساءه الفنانين ، أو هواة فن ، أو كتاب ، من المحيط الذي يعيش فيه هو نفسه . ولا . يعكس في صورهم شيئاً من قلقه الذاتي. إذ أن كافة لوحاته تقريباً تصور لنا أشخاصاً قلقين ضعفاء منحلين. وتبدو الأيدي فيها معبرة بقدر الوجوه . جميعها عصبية ، وإذا ما بدا أغلبها غاية في الأحساس أو متعباً للغاية لمباشرة عمل ، ترتعش في بعضها طاقة متوترة ، تكاد عادة هم من أنه ريب تتشنج .
ويبدو كوكوشكا في أعماله الأولى التي أنتجها حوالي ۱۹۰۷ رساماً قبل كل شيء ، حيث يصلح خطه الحاد المتعرج بمهارة للتعبير بنوع من العناء النابض عن الحقيقة المعراة . وحوالي عام ۱۹۱۲ أصبح أكثر عرضاً ، من ذي قبل. هي ذي الريشة ، الخط اليوم ، تخطه وتجعله أحياناً يتلوى مثل الدودة . وهاهي الالوان تتحرر بنفس الوقت وتتأكد أكثر ، بيد أن الجو المعنوي لا يتغير ، يبدو القلق ظاهراً في جميع و كذلك اضطراب النفس وعدم الرضى .
هذا العجز عن قبول الحياة ضمن الشروط التي أعطيت لنا ، هذه الثورة وهذا التشاؤم اللذين نقابل بهما نداءات الحياة واغراءاتها ، هذه سمات نراها لدى عدد من التعبيريين مهما كان اسلوب التعبير لديهم ومهما كان أصلهم وجنسيتهم .
هذه السمات قليلاً ما نجدها لدى الفنانين الرئيسيين الذين شكلوا في عام ١٩١١ في ميونيخ فئة ( الفارس الأزرق ) وهم كاندينسكي وه مارك Marc ماك Macke » وانضم اليهم « كلي Klee كما نستطيع أن نضع إلى جوار هم « يافلينسكي Jawlensky » و فايننكر Feinninger » . في النهاية يمت هؤلاء الفنانون بصلة إلى الوحشيين وحتى إلى التكعيبيين أكثر من صلتهم بمواطنيهم من حر الجسر » واثنان منهم « يافلينسكي » و « كاندينسكي » الروسيان كانا في باريز ( الأول في عام ۱۹۰٥ والثاني في عام ١٩٠٦ – ١٩٠٧ ) وقد عرضا في صالة الخريف كما أجرى يافلينسكي اتصالات ماتيس » . أما باقي الفنانين الألمان مارك » و « ماك » و « كلي » والأمريكي « فايننكر » فعلى العكس يطلبون النصح من التكعيبيين وبصورة خاصة من ( دولونيه )
ويافلنسكي ، أكبرهم سناً ، صور بين عام ١٩٠٥ وعام ١٩١٤ وجوهاً ومناظر طبيعية ولوحات من الطبيعة الصامتة فيها شكل بدائي محصور بخط عريض مغطى بلون غني. وليست الألوان الزرقاء لديه أقل اشراقاً قط من الألوان الحمراء والبنفسجية ، وأحياناً كثيرة يحمل مجمل اللوحة طابع التوتر الكبير إلى حد أن الحسية تبلغ فيها الوج د الصوفي .
ولتوافقات « كاندينسكي شدة مماثلة بيد أن الألوان أحسن تدرجاً. وهو بعمله في مورنو قرب ميونخ نفذ بدءاً من عام ۱۹۰۸ لوحات فيها مناظر طبيعية وتكاوين يستوحي بعضها من الطبيعة التي هي تحت نظره بينما يستوحي البعض الآخر مصادره من رحلة وصل فيها إلى تونس قبل تنفيذ ه هذه اللوحات بفترة قصيرة. هنا وهناك يعطي نفس التبسيط للشكل ونفس الاستقلال في أختيار الألوان . ولا يستغرب في عام ۱۹۱۰ التخلي عن الأشياء . وسنرى أن الاسلوب التجريدي هو من تحقيق جوهر أعماله . أما ( مارك ) على الرغم من صلته الوثيقة ب " كاندينسكي منذ عام ۱۹۱۰ ، فإنه يتميز عنه بمواضيعه وبأسلوبه . واذ يجد أن الأنسان » قبيح وفيه غش ، فقد وهب حبه للحيوان إذ يرى أنه لم يزل يحيى في نقاوة وفي كمال فردوسيين . ولذا يحلم في أن يتحد ذاتياً بالحيوان أو بالأحرى في أن يعطي للحيوان مظاهر حلمه . وتظهر مثاليته في تفضيله لنبل الخيول والحساسية اليحمور الرقيق الخائف . وتظهر مثاليته أيضاً في ألوانه : فحصان أحمر ، طبيعي بالنسبة إليه بقدر حصان أزرق . أما بالنسبة للشكل فيجعله هندسياً ، تمهيداً لتجزئته . وإذا نتجت هذه التجزئة من علاقاته مع « دولوني» الذي رآه في عام ۱۹۱۲ في باريس، فإنه يتجاوب أيضاً مع ميله الشخصي إذ أن امع التجزئة تتيح له إمكانية ربط الحيوان بالوسط الذي يعيش فيه بشكل أوثق . بيد أنه مع الوقت ، أخذ الحيوان يبدو ا مارك ملطخاً بالقبح .
ولا يلبث في عامي ۱۹۱۲ - ۱۹۱۳ أن يتطور نحو فن تجريدي متزايد حتى تنتهي اللوحة بأن تتشكل من قوى متضادة ومتعاكسة ، تتجابه أحياناً في معارك مأساوية . أما ماك وهو من مقاطعة « رينانيا » فإنه أقل بحثاً في النظريات من ( مارك) وأقل منه نزوعاً إلى اعطاء فنه خواطر فلسفية . وهو من أكثر أتباع الفارس الأزرق ، تقرباً من فرنسا . لم يتأثر ب « دولوني » فحسب بل تأثر أيضاً : ( سورا ) وب ( ماتيس ) . لا عكر في فنه ولا في مشاعره ولا في اسلوبه . ولا ينحرف ( ماك ) عن كما أنه لا يظهره مثقلا بالاضطراب . ويحب أن يمثله على شكل متنزه ذي قد متطاول ووجه غير منفعل يتمتع بالصيف تحت أشجار حديقة . واذا كان موضوع اللوحة امرأة فإنها غالباً مانراها تتأمل واجهة بائعة قبعات أو محل خياطة ، وتبدو رشيقة أنيقة مقولبة بشكل واضح بعيد عن الصلابة ، وتبدو وكأنها أخت لتلك المتنزهات اللواتي يظهر هن ( سورا ) في لوحته يوم أحد في الصيف في موقع الجراندجات » بيد أنها أقل تكلفاً منهن وأقل جموداً . أما التلوين الذي يخصص مكاناً واسعاً فيه للأصفر والبرتقالي هو واضح ودافئ ولكنه يتحاشى أن يكون صارخاً .
قتل الفنانان مارك » و « ماك » خلال الحرب الأولى ١٩١٤ - ۱۹۱۸ . وقصر مدة عملهما في هذا الفن لم يحل دون تحقيقهما لأعمال هامة وتصنيفهما بين أكثر الفنانين تشويقاً .
ولو حدث أن مات كلي في الفترة نفسها لكان بعيداً عن الأكتمال ، اذ كان وجد طريقه بالكاد عام ١٤ ١٩١٤ . ولم ينتج تأخره لاكتشافه موهبته بل عن سيره البطي الحذر. وقبل أن يتطرق بصراحة إلى اللون راح يرسم ويصنع نقوشاً ويدرس موضوع القيم مكتفياً في مجال الأسود والأبيض . ولا شك أنه من عام ١٩٠٥ بعض الأعمال يتذكر بها سيزان ويستخدم الألوان شبه النقية ولكنه لم يشترك في المعرض الأول لفئة « الفارس الأزرق » . ظهر فقط في المعرض الثاني الذي لم يشمل سوى نقوش ورسمات ، وعلينا أن ننتظر بضعة أسابيع قبل الحرب حيث وجد برفقة » ماك» في تونس ، لنراه يكتب في مذكراته اليومية هذه الجمل الشهيرة : اللون يمتلكني ، لم أعد بحاجة لمحاولة التملك منه . وهو يمتلكني للأبد ، أعرف ذلك . ذلك هو معنى هذا الوقت السعيد : أنا واللون لا نشكل أكثر من واحد وكان الى هذه الفترة لاينفذ سوى رسوم مائية بقياسات صغيرة وبقي لفترة طويلة يمارس الرسم المائي أكثر من ممارسة التصوير الزيتي . وهذا لم يحل دون أن تفرض أعماله نفسها سواء بصفاتها أم – باتجاهها بنفس المقدار . وفي هذه التي نفذها في تونس فاننا نكتشف بسهولة كافية الموضوع ، كما نرى بوضوح مماثل ميل الفنان الى جعل العمل جسماً . فهو ينقص العمق أو يزيله ويسطح الحجوم ، ويبسط الألوان في أقسام منتظمة الى حد ما . واذا ما استطاعت هذه الألوان أيضاً أن تكون على صلة مع العالم الخارجي ، فانها تعكس بصورة خاصة طبيعة ، حالم وأحياناً - مستقلاً الفنان الشعرية . فيحيطها غشاء من الحنان كما أن فيها شيء شيء من الحنين
وكان « فينينجر » أكبر سناً من كلي ، حين شرع يكتشف أسلوبه. ولد في الولايات المتحدة ووصل الى المانيا في عام ۱۸۸۷ حيث أمضى أطول فترة من حياته . بيد أنه رأى التكعيبين في عام ١٩١١ في باريس.
وفي السنة التالية صور لوحاته الأولى وبرهن فيها عن تأثره بالروح الجديدة السائدة آنئذ . وكان عادة يمثل أشكال عمارة وبواخر ، أما اسلوبه فيذكر بالاسلوب الذي استخدمه دولوني » في لوحاته ( برج ايفل باستثناء أن الوانه باردة أكثر فيها زوايا أكثر ، وأن زواياه الناتئة أحد ونوره أقسى ومأساوي أكثر فينينجر ) بالأشكال الهندسية أقل من اهتمامه بالقوى التي تشكلها ، وهو يظهر ديناميكيتها باتجاه خطوطه وبوثبتها . وفي ديناميكية الكتابة هذه، يمكننا أيضاً أن نكتشف قرابة مع المستقبليين ، كما يمكن رؤية تجانس مع التعبيريين في العصبية التي تكشفها التواترات بين النور والظل . بيد أن صفات «فينينجر » الشخصية تطغي على ما استعاره من الغير . وقد تأكد ابداعه خلال السنوات التالية .
تعليق