وهو لا يقترح أن يخترع الانسان من العدم بل أن يعبر عما رأى وعما شعر بتجسيده اياه بوسائل التصوير فحسب وبتلبية متطلباته بشكل كامل وهكذا فإنه غالباً ما يدخل في لوحاته المعبرة عن الطبيعة الصامتة أنسجة مزخرفة بغنى ، واذا مابدا واضحاً أنه يرسمها مستلمها من نموذج الواضح أيضاً أن جمال هذا النموذج وحده لا يفسر أبهة اللوحة : وينحصر دور القماش الحقيقي باثارة الألوان وبالايحاء بالتوافقات . أما لمعانها ونعومتها فيأتيان في النهاية من حساسية ( ماتيس ) .
وماهو موضوعه المفضل؟ حسب اعترافه ، هو الوجه الانساني : أكثر من أي شيء آخر بالتعبير عن العاطفة التي يكنها للحياة وتقارب العاطفة الدينية » . ولذا ، فنحن مدينون له أشخاص ، اذا مانعتناها بكهنوتية ، نكون ولا شك مبالغين ، ولكنها تتمتع بالرصانة على الرغم مماقد يكون في ألوانها من نضارة. كما أننا مدينون اليه بلوحات يتحول الجسم الانساني فيها إلى رقش عربي « آرابسك » في تأليف خيالي . بيد أن هذا الرقش ليس إلا زخرفياً هنا يعبر في الصورة عن الراحة ويتجلى كالفردوس في لوحته : ( سعادة الحياة ) عام ١٩٠٦ بينما يثير هذا الرقش العربي نفسه في لوحته « الرقص » التي صورها في ۱۹۰۹ - ۱۹۱۰ ايقاعات الرقص الرحيبة والمنسجمة .
ويضاف إلى المواضيع التي تطرحها الوجوه الطبيعة الصامتة ، موضوع المدى في الداخل ( داخل البيوت ) . ويهتم بذلك « ماتيس » كل الاهتمام ، ويسعى إلى حل هذه المسألة باسلوب يتلافى معه تخفيف اللون أكان في المقدمة أم على الجدار خلفية اللوحة أم في المنظر المرئي من خلال النافذة . وبالواقع ، في لوحته الشهيرة ديسرت ( Desserte Harmonie rouge» .
من أنتاج عام ١٩٠٨ وفي لوحته و المشغل الأحمر ( Atelier Rouge ) من انتاج عام ١٩١١ أو في لوحته المسماة الطبيعة الصامتة الكبيرة بالباذنجان من انتاج ۱۹۱۱ – ۱۹۱۲ ، في كل هذه اللوحات ، تبدو أبعد الأشياء وأقربها بألوان متساوية الحيوية ولا يتدخل النور ليجعلها أكثر صفاء ، كما انها ليست معتمة بأي ظل ولا تحجبها أية طبقة جوية. ومع ذلك فهناك حس بالعمق يتصاعد من هذه الأعمال بفضل تدرج بعض الأشياء أو بفضل بعض الخطوط المنحرفة التي ليس في رسمها أي الحاح. ولذا نشعر بمساحة اللوحة المسطحة ونشعر بنفس الوقت تقريباً بوهم المدى . ويحرص « ماتيس» بشكل بين أن ينقل اليناهذين الشعورين المتناقضين بآن واحد. وهكذا أبعدنا «ماتيس» عن المساحة القابلة للقياس المعروفة في عصر النهضة .
وللتطرق إلى قضايا بهذا القدر من التعقيد ولا يجاد حلول لها بهذا القدر من الأبداع لايكفي بدون شك التصوير مثل الفنان « فلامينك » بالقلب وبالكليتين بل يجب أن لا يقل صفاء الفنان عن جرأته وأن تنشط غريزته بشكل مستمر وتعزز وتصحح بذكائه . وعلى كل اذا كانت أبحاث ( ماتيس ) هي أكثر طموحاً من أبحاث كافة الوحشيين ، فليس هو الوحيد الذي يعمل بتفكير : فقد أثر أسلوبه على أغلبية دعاة الاتجاه المذكور خاصة على ( دوران ) Derain الذي صور معه في مدينة كولليور Collioure عام ۱۹۰٥ . ومن الجدير بالذكر أن «دوران لم يكن يملك قط عنف صديقه فلامينك» ولا فجاجته حتى في الفترة التي أسس معه ( مدرسة شاتو ) . ومع ذلك ، فاقامته في الجنوب قوت لديه ميله نحو التوازن والطابع المبهج في تصويره . ورغبة منه في التعبير عن أشراقة نور الجنوب وكذلك عن ملاحة هذا النور وعن صفائه المنعش ، فهو يعمد إلى تأليف لوحته باللجوء إلى الألوان الزهرية والبرتقالية والخضراء الزمردية والزرقاء الشفافة . وبطيبة خاطر يضع ألوانه على شكل عصيات يفصلها بعضها عن بعض بحيث تبدو كأن النور والهواء يحيطان بها ويهتران حولها .
وذهب في أعوام ۱۹۰۵ و ۱۹۰۶ مرتين إلى لندن . وفي بادئ الأمر ، نفذ ، أمام نهر التاميز Tamise وأمام البرلمان ، أعمالاً بتلوين غائم إلى حد ما فتصبح أقل دفئاً ولمساتها أكثر تقارباً . ثم يبدع بألوانه ويقل اهتمامه بالموضوع ، ويبسط تلك الألوان في حقول عريضة تسمح لكل منها أن يبلغ شدته القصوى . وبنفس الوقت يحدد الأشكال بخطوط مبسطة تذكر : ( لو تريك ) Lautrec وبأساتذة الرشم الياباني مما جعل هذه اللوحات تتميز باثارتها بقدر تميزها بمتانة هيكلها ، وتعد من بين أجمل المشاهد الطبيعية التي أنتجها الوحشيون . لايهتم « دوران » بالوجه الانساني بقدر مايهتم به زميله ( ماتيس ) في تلك الفترة على الأقل . حين يعالجه يستخدم تلوين المناظر الطبيعية نفسه ونلاحظ في عمله هذا نفس الاهتمام بالبنية .
أما الفنان ( ماركيه ) Marquet فتتكون أعماله من هيكل ظاهر مبني على رسم ملخص يشكل احدى ميزات هذه الأعمال وهذه تتصف أيضاً لا بحيويتها ، بل بما تتضمن ألوانها من صفاء ومن حساسية وصحة . في الواقع ، ألوان الأحمر والأصفر في لوحاته محاطة دائماً بتدرج الألوان الهادئة التي تعدل من تأججها ويصور « ماركيه بالدرجة الأولى المدن والشواطئ أي الأمكنة التي نظمها الانسان ويحييها بوجوده .
وحين ينظر من أعلى نافذة إلى مشهد شوارع باريس أو إلى المشهد الذي يكونه المصطافون في ( سانت آدريس ) Sainte Adresse أو في فيكان) Fecamp أو في « تروفيل » Trouville ، انما يكتشف مواقف وحركات غريبة أحياناً ، بيد أنها موحية دائماً فيثبتها على القماش برسم مقتصد .
وفي عام ١٩٠٦ . راح « دوني Dufy يعمل أحياناً إلى جانب ماركيه » على الشواطئ النورماندية . أما ألوانه فعادة أكثر اشباعاً وأكثر هي عند رفيقه . وفي حين أن هذا الأخير يملك الأسلوب الذي يبقى وفياً له حتى آخر أيامه ، فان دوفي على كونه يحقق أعمالاً تلفت النظر ، لم يزل في طور التفتيش ولن يجد حقيقته فعلاً الا بعد عشرة أعوام ، ونتبين حينئذ أهمية مروره بالوحشية بالنسبة له . ولا يحتفظ أحد غيره من الوحشية باستثناء ( ماتيس ) بطابع عميق إلى هذا الحد ولا يخلد أحد غيرهما بهذه القناعة عبادة اللون والحسية المتفائلة .
ومثل « فرییش » Friesz و براك Braque, كمثل دوني و ( ماركيه ) ، في رغبتهما تصوير المواضيع نفسها : فقد صورا في عام ١٩٠٦ في مدينة « آنفرس » وفي عام ١٩٠٧ في مدينة لاسيوتا La cciotate الا أن أمزجتهما مختلفة وأعمالهما تشير إلى ذلك بشكل واضح. و«براك هو الذي يعبر عن مشاعره باعتدال أكبر ، فطابعه يتطور بيط وليس في تلوينه ما يلهب حتى حين يستخدمه في التعبير عن مناظر من الجنوب . بينما لا يقدم لنا فرييش » في « لاسيوتا » مجموعة ألوان فرحة فحسب بل أيضاً رسماً أكثر عصبية فيندفع خطه إلى الأمام بعنف ثم يتلوى كالأفعى ، تاركاً على اللوحة أثر خط ثابت ولين معاً .
باللونين الأزرق أو الأحمر الموجودين لدى بائع الألوان ، . وبقدر ماتاق رفاقه إلى الهدف نفسه، كان من الطبيعي أن يشعروا بوجودهم بالمأزق ذاته كما أنه من الطبيعي أيضاً أن لا يهتز ( ماتيس ) بتانا بمثل هذه الملاحظات يرى بشكل واضح الفنانين في عام ١٩٠٨ مازالوا بعيدين عن اذ بلوغ آخر المطاف .
أما ( فلامينك ) و ( دوران ) و « فرییش » و « دوفي » و (براك ) فلم يغيروا الألوان فقط بل اكتشفوا لأنفسهم اهتماماً جديداً بالشكل و ( سيزان ) هو الذي ساهم في دفعهم نحو هذا الاتجاه ، سيزان الذي شاهدوا له معرضاً فيه تسلسل لأعماله الماضية في صالة الخريف عام ۱۹۰۷ وقرأوا ( في رسالة موجهة إلى ( اميل برنارد ونشرت في العام نفسه ) التوصية الشهيرة :
بمعالجة الطبيعة بالاسطوانة ، بالكرة وبالمخروط » . وقد نفذوا التوصية هذه بحمية بحيث أنه في نفس الوقت الذي أصبحت ألوانهم فيه خفيفة ومعتدلة وأحياناً عابسة ، صارت تآليفهم جافة . شرع » فلامينك » نفسه في مراقبة نفسه وفي التكوين ومع فغلواؤه يستمر ونشعر بنفاذ صبر هذا الغلواء تحت المراقبة التي يتعرض . ومن جهة ثانية فان انتقاء تلوين أصم وقائم واستخدام النور المعتم تظهر جانباً من فنه كان مختفياً تحت الالوان المشرقة وأصبح الآن بينا : وهو الجانب المأسوي.
واذا في الاسلوب الجديد ، راح « فرييش ، يتابع اظهار طبيعته الباروكية ، فأن ( دوران ) شرع في عام ۱۹۰۸ في تحويل الأشياء الى الأشكال بید أن القطيعة مع كتل مبسطة تحدها خطوط قاسية وصارمة والمساحة التقليدية ، هذه القطيعة التي يبشر بها في أعماله ، يتردد في تحقيقها بشكل نهائي. كما أنه يتردد في المضي في اتجاه واحد . فبينما يصور مثلاً في عام ۱۹۰۹ عراة بأشكال هندسية قاسية تسجل تأثراً بالنحت الزنجي ، ينصب أمامنا في ۱۹۱۲ - ۱۹۱۳ أشخاصاً بأجسام متمددة ووجوه قاسية بمظهر كهنوتي الى حد ما ، وتحدثنا هذه الوجوه عن فترة قوطية أو بيزنطية .
و « براك » و « دوفي » اللذان عملا في عام ۱۹۰۸ في ( الأستاك ) Estaque غرب مارسيليا كانا متقاربين جداً في تلك الفترة، وكان اسلوبهما قريباً من اسلوب ( دوران ) . ولكن لم يلبث « دوني » أن يلمس أن القسوة لاتلبي طبيعته بينما ينجذب ( براك ) بالقاعدة والتنسك . وهكذا بتخليه عن الوحشية ، يتجه ( براك )نحو نمط جديد يعمل هو على انتشاره وقد أطلق عليه فيما بعد اسم ( التكعيبية ) .
وماهو موضوعه المفضل؟ حسب اعترافه ، هو الوجه الانساني : أكثر من أي شيء آخر بالتعبير عن العاطفة التي يكنها للحياة وتقارب العاطفة الدينية » . ولذا ، فنحن مدينون له أشخاص ، اذا مانعتناها بكهنوتية ، نكون ولا شك مبالغين ، ولكنها تتمتع بالرصانة على الرغم مماقد يكون في ألوانها من نضارة. كما أننا مدينون اليه بلوحات يتحول الجسم الانساني فيها إلى رقش عربي « آرابسك » في تأليف خيالي . بيد أن هذا الرقش ليس إلا زخرفياً هنا يعبر في الصورة عن الراحة ويتجلى كالفردوس في لوحته : ( سعادة الحياة ) عام ١٩٠٦ بينما يثير هذا الرقش العربي نفسه في لوحته « الرقص » التي صورها في ۱۹۰۹ - ۱۹۱۰ ايقاعات الرقص الرحيبة والمنسجمة .
ويضاف إلى المواضيع التي تطرحها الوجوه الطبيعة الصامتة ، موضوع المدى في الداخل ( داخل البيوت ) . ويهتم بذلك « ماتيس » كل الاهتمام ، ويسعى إلى حل هذه المسألة باسلوب يتلافى معه تخفيف اللون أكان في المقدمة أم على الجدار خلفية اللوحة أم في المنظر المرئي من خلال النافذة . وبالواقع ، في لوحته الشهيرة ديسرت ( Desserte Harmonie rouge» .
من أنتاج عام ١٩٠٨ وفي لوحته و المشغل الأحمر ( Atelier Rouge ) من انتاج عام ١٩١١ أو في لوحته المسماة الطبيعة الصامتة الكبيرة بالباذنجان من انتاج ۱۹۱۱ – ۱۹۱۲ ، في كل هذه اللوحات ، تبدو أبعد الأشياء وأقربها بألوان متساوية الحيوية ولا يتدخل النور ليجعلها أكثر صفاء ، كما انها ليست معتمة بأي ظل ولا تحجبها أية طبقة جوية. ومع ذلك فهناك حس بالعمق يتصاعد من هذه الأعمال بفضل تدرج بعض الأشياء أو بفضل بعض الخطوط المنحرفة التي ليس في رسمها أي الحاح. ولذا نشعر بمساحة اللوحة المسطحة ونشعر بنفس الوقت تقريباً بوهم المدى . ويحرص « ماتيس» بشكل بين أن ينقل اليناهذين الشعورين المتناقضين بآن واحد. وهكذا أبعدنا «ماتيس» عن المساحة القابلة للقياس المعروفة في عصر النهضة .
وللتطرق إلى قضايا بهذا القدر من التعقيد ولا يجاد حلول لها بهذا القدر من الأبداع لايكفي بدون شك التصوير مثل الفنان « فلامينك » بالقلب وبالكليتين بل يجب أن لا يقل صفاء الفنان عن جرأته وأن تنشط غريزته بشكل مستمر وتعزز وتصحح بذكائه . وعلى كل اذا كانت أبحاث ( ماتيس ) هي أكثر طموحاً من أبحاث كافة الوحشيين ، فليس هو الوحيد الذي يعمل بتفكير : فقد أثر أسلوبه على أغلبية دعاة الاتجاه المذكور خاصة على ( دوران ) Derain الذي صور معه في مدينة كولليور Collioure عام ۱۹۰٥ . ومن الجدير بالذكر أن «دوران لم يكن يملك قط عنف صديقه فلامينك» ولا فجاجته حتى في الفترة التي أسس معه ( مدرسة شاتو ) . ومع ذلك ، فاقامته في الجنوب قوت لديه ميله نحو التوازن والطابع المبهج في تصويره . ورغبة منه في التعبير عن أشراقة نور الجنوب وكذلك عن ملاحة هذا النور وعن صفائه المنعش ، فهو يعمد إلى تأليف لوحته باللجوء إلى الألوان الزهرية والبرتقالية والخضراء الزمردية والزرقاء الشفافة . وبطيبة خاطر يضع ألوانه على شكل عصيات يفصلها بعضها عن بعض بحيث تبدو كأن النور والهواء يحيطان بها ويهتران حولها .
وذهب في أعوام ۱۹۰۵ و ۱۹۰۶ مرتين إلى لندن . وفي بادئ الأمر ، نفذ ، أمام نهر التاميز Tamise وأمام البرلمان ، أعمالاً بتلوين غائم إلى حد ما فتصبح أقل دفئاً ولمساتها أكثر تقارباً . ثم يبدع بألوانه ويقل اهتمامه بالموضوع ، ويبسط تلك الألوان في حقول عريضة تسمح لكل منها أن يبلغ شدته القصوى . وبنفس الوقت يحدد الأشكال بخطوط مبسطة تذكر : ( لو تريك ) Lautrec وبأساتذة الرشم الياباني مما جعل هذه اللوحات تتميز باثارتها بقدر تميزها بمتانة هيكلها ، وتعد من بين أجمل المشاهد الطبيعية التي أنتجها الوحشيون . لايهتم « دوران » بالوجه الانساني بقدر مايهتم به زميله ( ماتيس ) في تلك الفترة على الأقل . حين يعالجه يستخدم تلوين المناظر الطبيعية نفسه ونلاحظ في عمله هذا نفس الاهتمام بالبنية .
أما الفنان ( ماركيه ) Marquet فتتكون أعماله من هيكل ظاهر مبني على رسم ملخص يشكل احدى ميزات هذه الأعمال وهذه تتصف أيضاً لا بحيويتها ، بل بما تتضمن ألوانها من صفاء ومن حساسية وصحة . في الواقع ، ألوان الأحمر والأصفر في لوحاته محاطة دائماً بتدرج الألوان الهادئة التي تعدل من تأججها ويصور « ماركيه بالدرجة الأولى المدن والشواطئ أي الأمكنة التي نظمها الانسان ويحييها بوجوده .
وحين ينظر من أعلى نافذة إلى مشهد شوارع باريس أو إلى المشهد الذي يكونه المصطافون في ( سانت آدريس ) Sainte Adresse أو في فيكان) Fecamp أو في « تروفيل » Trouville ، انما يكتشف مواقف وحركات غريبة أحياناً ، بيد أنها موحية دائماً فيثبتها على القماش برسم مقتصد .
وفي عام ١٩٠٦ . راح « دوني Dufy يعمل أحياناً إلى جانب ماركيه » على الشواطئ النورماندية . أما ألوانه فعادة أكثر اشباعاً وأكثر هي عند رفيقه . وفي حين أن هذا الأخير يملك الأسلوب الذي يبقى وفياً له حتى آخر أيامه ، فان دوفي على كونه يحقق أعمالاً تلفت النظر ، لم يزل في طور التفتيش ولن يجد حقيقته فعلاً الا بعد عشرة أعوام ، ونتبين حينئذ أهمية مروره بالوحشية بالنسبة له . ولا يحتفظ أحد غيره من الوحشية باستثناء ( ماتيس ) بطابع عميق إلى هذا الحد ولا يخلد أحد غيرهما بهذه القناعة عبادة اللون والحسية المتفائلة .
ومثل « فرییش » Friesz و براك Braque, كمثل دوني و ( ماركيه ) ، في رغبتهما تصوير المواضيع نفسها : فقد صورا في عام ١٩٠٦ في مدينة « آنفرس » وفي عام ١٩٠٧ في مدينة لاسيوتا La cciotate الا أن أمزجتهما مختلفة وأعمالهما تشير إلى ذلك بشكل واضح. و«براك هو الذي يعبر عن مشاعره باعتدال أكبر ، فطابعه يتطور بيط وليس في تلوينه ما يلهب حتى حين يستخدمه في التعبير عن مناظر من الجنوب . بينما لا يقدم لنا فرييش » في « لاسيوتا » مجموعة ألوان فرحة فحسب بل أيضاً رسماً أكثر عصبية فيندفع خطه إلى الأمام بعنف ثم يتلوى كالأفعى ، تاركاً على اللوحة أثر خط ثابت ولين معاً .
باللونين الأزرق أو الأحمر الموجودين لدى بائع الألوان ، . وبقدر ماتاق رفاقه إلى الهدف نفسه، كان من الطبيعي أن يشعروا بوجودهم بالمأزق ذاته كما أنه من الطبيعي أيضاً أن لا يهتز ( ماتيس ) بتانا بمثل هذه الملاحظات يرى بشكل واضح الفنانين في عام ١٩٠٨ مازالوا بعيدين عن اذ بلوغ آخر المطاف .
أما ( فلامينك ) و ( دوران ) و « فرییش » و « دوفي » و (براك ) فلم يغيروا الألوان فقط بل اكتشفوا لأنفسهم اهتماماً جديداً بالشكل و ( سيزان ) هو الذي ساهم في دفعهم نحو هذا الاتجاه ، سيزان الذي شاهدوا له معرضاً فيه تسلسل لأعماله الماضية في صالة الخريف عام ۱۹۰۷ وقرأوا ( في رسالة موجهة إلى ( اميل برنارد ونشرت في العام نفسه ) التوصية الشهيرة :
بمعالجة الطبيعة بالاسطوانة ، بالكرة وبالمخروط » . وقد نفذوا التوصية هذه بحمية بحيث أنه في نفس الوقت الذي أصبحت ألوانهم فيه خفيفة ومعتدلة وأحياناً عابسة ، صارت تآليفهم جافة . شرع » فلامينك » نفسه في مراقبة نفسه وفي التكوين ومع فغلواؤه يستمر ونشعر بنفاذ صبر هذا الغلواء تحت المراقبة التي يتعرض . ومن جهة ثانية فان انتقاء تلوين أصم وقائم واستخدام النور المعتم تظهر جانباً من فنه كان مختفياً تحت الالوان المشرقة وأصبح الآن بينا : وهو الجانب المأسوي.
واذا في الاسلوب الجديد ، راح « فرييش ، يتابع اظهار طبيعته الباروكية ، فأن ( دوران ) شرع في عام ۱۹۰۸ في تحويل الأشياء الى الأشكال بید أن القطيعة مع كتل مبسطة تحدها خطوط قاسية وصارمة والمساحة التقليدية ، هذه القطيعة التي يبشر بها في أعماله ، يتردد في تحقيقها بشكل نهائي. كما أنه يتردد في المضي في اتجاه واحد . فبينما يصور مثلاً في عام ۱۹۰۹ عراة بأشكال هندسية قاسية تسجل تأثراً بالنحت الزنجي ، ينصب أمامنا في ۱۹۱۲ - ۱۹۱۳ أشخاصاً بأجسام متمددة ووجوه قاسية بمظهر كهنوتي الى حد ما ، وتحدثنا هذه الوجوه عن فترة قوطية أو بيزنطية .
و « براك » و « دوفي » اللذان عملا في عام ۱۹۰۸ في ( الأستاك ) Estaque غرب مارسيليا كانا متقاربين جداً في تلك الفترة، وكان اسلوبهما قريباً من اسلوب ( دوران ) . ولكن لم يلبث « دوني » أن يلمس أن القسوة لاتلبي طبيعته بينما ينجذب ( براك ) بالقاعدة والتنسك . وهكذا بتخليه عن الوحشية ، يتجه ( براك )نحو نمط جديد يعمل هو على انتشاره وقد أطلق عليه فيما بعد اسم ( التكعيبية ) .
تعليق