التي يعطيها الرشم الياباني . ما أن أدخل هذا الأخير إلى أوربا في عام ١٨٦٠ حتى أخذ الناس بغرابة تكويناته وبمعالجته للكتل ، وبرفضه المقولب ، وبألوانه المسطحة التي يطوقها خط دقيق وبكل ما لهذا الوشم من غريب بالنسبة للتقليد المنبثق عن عصر النهضة . على كل حال ، ، لم تؤثر هذه اللوحات اليابانية فقط على الانطباعيين بل على خلفائهم حتى من أتي في أوائل هذا القرن .
اذا ما رفض « رونوار » و « ديغا .. تقليد « موني » حين يقلص العالم إلى تألق غير ملموس ، فان سيزان يعارضه بمزيد من الحزم . فهو يستخدم بدون شك الألوان المشرقة المضيئة الحية ، وهو أيضاً يتحسس بالفكرة : « ان هنالك دقيقة من عمر الكون تمر » ويريد « رسمها في واقعها » ، الا أنه في النهاية ، يهتم بما هو ثابت و دائم أكثر . بما هو زائل . فبدلاً من أن يسجل الانطباعات كما تأتي بها اللحظة ، يعمل على فرزها وعلى توضيحها ، ويخضع مظاهر الكون لنظام ، ينزع عنها كل ماهو غامض ويحتفظ لها بنضارة وبقوة نابضة . ألم يوصي بمعالجة الطبيعة بواسطة الاسطوانة والكرة والمخروط » ؟ مما لاشك فيه سیزان » يتبع هذه النصيحة بأقل صرامة مما يفعله تلاميذه التكعيبيون الذين رأوا في هذه النصيحة نوعاً من الانجيل» ، ولكنه يبسط أشكال الطبيعة عن قصد . فان كان عمله صورة شخص ، أو طبيعة صامتة أو منظرا ، فالمعنى الذي يعطيه له ، يكمن أقل بكثير في الشيء الذي يمثله هذا العمل ، مما يكمن في الاسلوب الذي تتجاوب فيه المستقيمات والزوايا مع المنحنيات ، والألوان الحمراء مع الخضراء والبرتقالية مع الزرقاء الخطأ أن يقال أن ( سيزان ) هو أول من أعطى أهمية كبيرة إلى مايسمى عادة الوسائل ، اذ عرف كبار المصورين دائماً ، أن الشكل بمعناه الأوسع يلعب دوراً أساسياً في اللوحة مهما كان موضوعها .
" كان وكان و ماني » Manet ، قبل ذلك بقليل، قد صدم معاصريه ، خاصة وأنه في لوحتيه : ( الافطار على العشب ) و ( أولمبيا علق أهمية أكبر على الاسلوب منه على الموضوع . وهذا لم يمنع من أن يكون سيزان ) أول من أعطى تمجيداً مطلقاً لمزايا التصوير وحدها ، خلال مزاولته الطويلة للفن . ويساهم سيزان بشكل حازم في نشر فكرة عزيزة جداً في القرن العشرين أن اللوحة وحدة مستقلة يمكنها أن تستوحى من الطبيعة ، ولكن يجب أن تخضع بالنتيجة إلى قوانينها الخاصة ، وأن تكتفي بذاتها .
ان هذه الفكرة أصبحت أيضاً مألوفة لدى أئمة فناني الجيل اللاحق الذين وجدوا طريقهم في حوالي ۱۸۸٦ - ۱۸۸۸ وهم فيما عدا ذلك مختلفون كثيراً . والذين أطلق عليهم اسم الانطباعيين الجــــــدد » impressionnistes Neo 6 بزعامة Seurat يعارضون الانطباعية أكثر مما يكملونها . ومما لاشك فيه أنهم يجهدون إلى استعادة الظواهر الضوئية ، ولكن ما يعمله موني » بالحدس ، يعملونه هم بطريقة منتظمة متقيدين بنظريات اللون التي وضعها العلم في تلك الآونة بدقة متناهية . ومن هنا يأتي اللجوء الى تحليل الألوان بشكل نظامي والى هذا المظهر التنقيطي الذي - يعطي اللوحة طابع الفسيفساء ويهدف الى أن تبقى الألوان نقية على اللوحة لتمتزج في عين المشاهد . وينتج عن ذلك صورة تمت الى التأمل اكثر مما تمت الى ما يسمى عادة بالواقعية. وسنرى فيما بعد يكفي توسيع النقاط وتوزيعها بحرية أكبر حتى يولد في أوائل هذا القرن تصوير مناوىء بعنف للواقعية ، الا وهو تصوير الوحشيين Seurat ولكن الانطباعيين الجدد يظهرون أيضاً اهتمامهم بناحية أخرى : فهم يفرضون على الطبيعة نهجا معينا . فلوحات سورا هي بصورة خاصة بنى إرادية يصبح فيها الشكل هندسياً بصرامة اكبر وخاصة اكثر انتظاماً مما هو عليه عند « سيزان » .
أما بالنسبة الى غوغان ( Gauguin ) فيرى أن تجديد الفن لايتم باللجوء الى العلم ، بل بالعودة الى البدائية والى البربرية . وبكل تأكيد ، على الرغم من أنه راح يعيش في جزر أوقيانيوسيا فانه يبدو متحضراً جدا اذا ما قارنا ه بهؤلاء الذين مثلوا بعد وفاته الذوق البدائي في أوروبا ذلك فهو الذي خطا الخطوات الأولى في اتجاه ، وجد الفن فيه شبابا وقوى وخصباً جديداً . على أنه ولو أدار « غوغان «ظهره لعصر النهضة والاغريق ، ولو أنه أوصى بقوله :
ضعوا نصب أعينكم الفرس والكومبودجيين وقليلا العصريين» ، فانه ينظر بفائدة الى الفن الشعبي في الغرب ، وبالنتيجة فتصوير « غوغان » يقارب تصوير العصر القوطي . بدأ يستخدم الألوان الصافية وهـو مدين بها الى الانطباعيين منذ عام ۱۸۸۸ ليخلق أعمالاً تعبر عن مشاعره وعن آرائه الأدبية ( أحياناً ) اكثر مما تصور العالم الخارجي . وعلى كل حال فانه لم يحلل الطبيعة على طريقة موني ليعرض علينا مجموعة مركبة من الألوان المتدرجة : اذ أنه لا يتمسك الا بالالوان المسيطرة فهو ينقيها ، ويعطيها حيوية ، ويلجأ الى تعديلها عند الحاجة ، ويمدها على مساحات واسعة مفكراً بمعناها الرمزي أو الشعري بقدر تفكيره بقيمتها التصويرية . وهو أيضاً يقلص ، ويستبعد أحياناً التجسيم ليوحي بالحجم بواسطة تعاريج الخط المحيط بــه ومن جهة ثانية يحجم عن الظل المحمول ويتجاهل المنظور الهوائي الذي تتلاشى فيه الوان الأشياء البعيدة، فنه بأن يصبح نقيضاً للتقليد الواقعي . وهكذا ينتهي Van Gogh والأمر في فن و فان غوغ لا يختلف عما ذكر . فبعد عام ۱۸۸۷ أظهر كثيراً من التوافق مع فن « غوغان » والفنان الهولاندي الذي قادته عبادته للشمس الى مدينة آرل يتميز من بعض الجهات بحرارة لوحاته . قليلة هي الأعمال التي تضاهي لوحات ه فان غوغ » بالحرارة وبالشغف . واذا كان الفن عبارة عن بوح بما في أعماق الفنان فان فن هذا المصور بوح يحرك المشاعر بشكل خاص ، فمن خلال المناظر التي رسمها في أواسط فرنسا ، أو في مدينة «أ أو فرسور خلال صوره الذاتية واز » « Au Vers - Sur - Oise و من عجب اذا المؤثرة ، ولوحات عباد الشمس الملتهبة ، فانه يزيح الستار مباشرة عن اتقاد روحه ، عن وثباتها وكبواتها وتمزقاتها . وبذالك فلا أعتبر « فان غوغ» واحداً من الرواد الرئيسيين للتعبيرية الحديثة على كل حال . لم يقتصر على قذف صرخات التهليل أو صرخات الغم بوجه العالم . فقد حقق أعمالاً مأساوية مثيرة ، مع اهتمام كبير بانسجام الألوان وبندرتها وبحيويتها . بالاضافة الى ذلك ، فانه يحافظ على الشكل بصرامة متناهية ، واذا دخلت خطوطه في دوامات ، فان التكوين عنده لا ينقصه التوازن .
أما « تولوز لوتريك Toulouse Lautrec " فلم يكن له على فن القرن العشرين تأثير ( غوغان » و « فان غوغ » و « سيزان » .
اخفائه . لون حي ، وأحياناً ثاقب ، ينمي الطابع الهزلي لأعماله التي لا تكتفي في أن تكون نقداً لاذعاً جامعاً وشديداً . وحتى سن الأربعين بقيت عبقرية انسورتكمن في أعماقه ، وكانت لوحاته تتميز أيضاً بشاعرية تصويرية دقيقة : فهي تجمع بين روعة التصوير والدقة في العمل ، كما أن بعض التنافر بين الألوان الذي يسر الفنان في استخدامه ، يشير الى أي مدى تتجاوب الألوان بنجاح Odilon Redon روسو Henri Rousseau وتسجل نهاية القرن التاسع عشر أيضاً فنانين مجددين وهما وان كانا من جيل الانطباعيين ، فلا يريدان أن يكون لهما مع هؤلاء شيء مشترك، وهما اوديلون رودون » و « هنري ». وقد كتب « رودون » مشيراً الى موني » والى من يواكبه مايلي : « انهم طفيليون حقيقيون على الشيء فان اكثرهم قد مارسوا الفن في الحقل البصري الصرف وأغلقوه في وجه كل ما من شأنه أن يضع الضوء والروحانية في اكثر التجارب تواضعا». وهذا يعني أن « رودون لا يمثل العالم الخارجي الا للتذكير بشيء آخر وحسب أقواله ، انه يطمح الى وضع «منطق المرئي في خدمة اللامرئي» . وحتى عام / ١٨٩٠ ، كان ينفذ على الأخص رسمات يعبر فيها قلم الفحم عن حبه الأضواء الموحية للحنين وشبه الأظلال المرتعشة التي يهدد الليل بابتلاعها هنا وهناك . واستخدم فيما بعد ألواناً سحرية مضيئة برقة لتصوير « زهور قمرية و أصداف » و « ولادة فينوس و عربات آبولون » . وتشهد هذه الأعمال المختلفة على أنه اذا كان الفنان قد درس الطبيعة بشكل جيد ، فانه من ناحية أخرى حالم وصاحب رؤى، أما « هنري روسو Henri Rousseau الملقب بالجمركي ، فانه يجمع بين صفة صاحب الرؤى وصفة الملاحظ الدقيق ، وتظهرهاتان الصفتان في صوره للأشخاص كما تظهران في المشاهد الاسطورية التي أوحتها له الغابة العذراء ذلك فان اسلوب ( روسو ) نقيض . ومع اسلوب و رودون » ، فبقدر ما يحب هذا الأخير الأشكال التي تذوب في تألق ألوان الفراشات ، يكون الأول من أتباع الخط المحيط الواضح والثابت ، وليست ألوانه بأقل تأكيداً من رسمه . و ( روسو ) لا يتحمس للرؤية الطيفية أو للتأثير الذي يتناهى ، ولا يتصيد درجات الألوان المتغيرة ولا الشكل الذي يتحول : يتمسك ( بسذاجة ) بالموجود ، وبالذي يملك أبعاداً قابلة للتثبت ، وتماسكاً لا يمكن زعزعته ولوناً لا يغير النور من طبيعته قط . وبمعنى آخر فهو يطرح الأشياء من فعل الزمن ، ويعطيها صفة عدم ا ويمنح للوحاته بناء قل من بلغه من معاصريه . اذا أن يكون معجباً بـ ( بوغورو ) ولا يهم أن تكون قدحالت سذاجته وبعض رعونته دون أن يصبح ( مصوراً رسمياً ). المهم هو أنه أبدع أعمالا بجملتها شعرية ومتينة مملوءة بالخيال وبالصفات التصويرية ، أعمالا تحمس لها التكعيبيون فيما بعد ، وتعد من أكثر الانجازات تأثيراً في ذلك الزمن .
التي يعطيها الرشم الياباني . ما أن أدخل هذا الأخير إلى أوربا في عام ١٨٦٠ حتى أخذ الناس بغرابة تكويناته وبمعالجته للكتل ، وبرفضه المقولب ، وبألوانه المسطحة التي يطوقها خط دقيق وبكل ما لهذا الوشم من غريب بالنسبة للتقليد المنبثق عن عصر النهضة . على كل حال ، ، لم تؤثر هذه اللوحات اليابانية فقط على الانطباعيين بل على خلفائهم حتى من أتي في أوائل هذا القرن .
اذا ما رفض « رونوار » و « ديغا .. تقليد « موني » حين يقلص العالم إلى تألق غير ملموس ، فان سيزان يعارضه بمزيد من الحزم . فهو يستخدم بدون شك الألوان المشرقة المضيئة الحية ، وهو أيضاً يتحسس بالفكرة : « ان هنالك دقيقة من عمر الكون تمر » ويريد « رسمها في واقعها » ، الا أنه في النهاية ، يهتم بما هو ثابت و دائم أكثر . بما هو زائل . فبدلاً من أن يسجل الانطباعات كما تأتي بها اللحظة ، يعمل على فرزها وعلى توضيحها ، ويخضع مظاهر الكون لنظام ، ينزع عنها كل ماهو غامض ويحتفظ لها بنضارة وبقوة نابضة . ألم يوصي بمعالجة الطبيعة بواسطة الاسطوانة والكرة والمخروط » ؟ مما لاشك فيه سیزان » يتبع هذه النصيحة بأقل صرامة مما يفعله تلاميذه التكعيبيون الذين رأوا في هذه النصيحة نوعاً من الانجيل» ، ولكنه يبسط أشكال الطبيعة عن قصد . فان كان عمله صورة شخص ، أو طبيعة صامتة أو منظرا ، فالمعنى الذي يعطيه له ، يكمن أقل بكثير في الشيء الذي يمثله هذا العمل ، مما يكمن في الاسلوب الذي تتجاوب فيه المستقيمات والزوايا مع المنحنيات ، والألوان الحمراء مع الخضراء والبرتقالية مع الزرقاء الخطأ أن يقال أن ( سيزان ) هو أول من أعطى أهمية كبيرة إلى مايسمى عادة الوسائل ، اذ عرف كبار المصورين دائماً ، أن الشكل بمعناه الأوسع يلعب دوراً أساسياً في اللوحة مهما كان موضوعها .
" كان وكان و ماني » Manet ، قبل ذلك بقليل، قد صدم معاصريه ، خاصة وأنه في لوحتيه : ( الافطار على العشب ) و ( أولمبيا علق أهمية أكبر على الاسلوب منه على الموضوع . وهذا لم يمنع من أن يكون سيزان ) أول من أعطى تمجيداً مطلقاً لمزايا التصوير وحدها ، خلال مزاولته الطويلة للفن . ويساهم سيزان بشكل حازم في نشر فكرة عزيزة جداً في القرن العشرين أن اللوحة وحدة مستقلة يمكنها أن تستوحى من الطبيعة ، ولكن يجب أن تخضع بالنتيجة إلى قوانينها الخاصة ، وأن تكتفي بذاتها .
ان هذه الفكرة أصبحت أيضاً مألوفة لدى أئمة فناني الجيل اللاحق الذين وجدوا طريقهم في حوالي ۱۸۸٦ - ۱۸۸۸ وهم فيما عدا ذلك مختلفون كثيراً . والذين أطلق عليهم اسم الانطباعيين الجــــــدد » impressionnistes Neo 6 بزعامة Seurat يعارضون الانطباعية أكثر مما يكملونها . ومما لاشك فيه أنهم يجهدون إلى استعادة الظواهر الضوئية ، ولكن ما يعمله موني » بالحدس ، يعملونه هم بطريقة منتظمة متقيدين بنظريات اللون التي وضعها العلم في تلك الآونة بدقة متناهية . ومن هنا يأتي اللجوء الى تحليل الألوان بشكل نظامي والى هذا المظهر التنقيطي الذي - يعطي اللوحة طابع الفسيفساء ويهدف الى أن تبقى الألوان نقية على اللوحة لتمتزج في عين المشاهد . وينتج عن ذلك صورة تمت الى التأمل اكثر مما تمت الى ما يسمى عادة بالواقعية. وسنرى فيما بعد يكفي توسيع النقاط وتوزيعها بحرية أكبر حتى يولد في أوائل هذا القرن تصوير مناوىء بعنف للواقعية ، الا وهو تصوير الوحشيين Seurat ولكن الانطباعيين الجدد يظهرون أيضاً اهتمامهم بناحية أخرى : فهم يفرضون على الطبيعة نهجا معينا . فلوحات سورا هي بصورة خاصة بنى إرادية يصبح فيها الشكل هندسياً بصرامة اكبر وخاصة اكثر انتظاماً مما هو عليه عند « سيزان » .
أما بالنسبة الى غوغان ( Gauguin ) فيرى أن تجديد الفن لايتم باللجوء الى العلم ، بل بالعودة الى البدائية والى البربرية . وبكل تأكيد ، على الرغم من أنه راح يعيش في جزر أوقيانيوسيا فانه يبدو متحضراً جدا اذا ما قارنا ه بهؤلاء الذين مثلوا بعد وفاته الذوق البدائي في أوروبا ذلك فهو الذي خطا الخطوات الأولى في اتجاه ، وجد الفن فيه شبابا وقوى وخصباً جديداً . على أنه ولو أدار « غوغان «ظهره لعصر النهضة والاغريق ، ولو أنه أوصى بقوله :
ضعوا نصب أعينكم الفرس والكومبودجيين وقليلا العصريين» ، فانه ينظر بفائدة الى الفن الشعبي في الغرب ، وبالنتيجة فتصوير « غوغان » يقارب تصوير العصر القوطي . بدأ يستخدم الألوان الصافية وهـو مدين بها الى الانطباعيين منذ عام ۱۸۸۸ ليخلق أعمالاً تعبر عن مشاعره وعن آرائه الأدبية ( أحياناً ) اكثر مما تصور العالم الخارجي . وعلى كل حال فانه لم يحلل الطبيعة على طريقة موني ليعرض علينا مجموعة مركبة من الألوان المتدرجة : اذ أنه لا يتمسك الا بالالوان المسيطرة فهو ينقيها ، ويعطيها حيوية ، ويلجأ الى تعديلها عند الحاجة ، ويمدها على مساحات واسعة مفكراً بمعناها الرمزي أو الشعري بقدر تفكيره بقيمتها التصويرية . وهو أيضاً يقلص ، ويستبعد أحياناً التجسيم ليوحي بالحجم بواسطة تعاريج الخط المحيط بــه ومن جهة ثانية يحجم عن الظل المحمول ويتجاهل المنظور الهوائي الذي تتلاشى فيه الوان الأشياء البعيدة، فنه بأن يصبح نقيضاً للتقليد الواقعي . وهكذا ينتهي Van Gogh والأمر في فن و فان غوغ لا يختلف عما ذكر . فبعد عام ۱۸۸۷ أظهر كثيراً من التوافق مع فن « غوغان » والفنان الهولاندي الذي قادته عبادته للشمس الى مدينة آرل يتميز من بعض الجهات بحرارة لوحاته . قليلة هي الأعمال التي تضاهي لوحات ه فان غوغ » بالحرارة وبالشغف . واذا كان الفن عبارة عن بوح بما في أعماق الفنان فان فن هذا المصور بوح يحرك المشاعر بشكل خاص ، فمن خلال المناظر التي رسمها في أواسط فرنسا ، أو في مدينة «أ أو فرسور خلال صوره الذاتية واز » « Au Vers - Sur - Oise و من عجب اذا المؤثرة ، ولوحات عباد الشمس الملتهبة ، فانه يزيح الستار مباشرة عن اتقاد روحه ، عن وثباتها وكبواتها وتمزقاتها . وبذالك فلا أعتبر « فان غوغ» واحداً من الرواد الرئيسيين للتعبيرية الحديثة على كل حال . لم يقتصر على قذف صرخات التهليل أو صرخات الغم بوجه العالم . فقد حقق أعمالاً مأساوية مثيرة ، مع اهتمام كبير بانسجام الألوان وبندرتها وبحيويتها . بالاضافة الى ذلك ، فانه يحافظ على الشكل بصرامة متناهية ، واذا دخلت خطوطه في دوامات ، فان التكوين عنده لا ينقصه التوازن .
أما « تولوز لوتريك Toulouse Lautrec " فلم يكن له على فن القرن العشرين تأثير ( غوغان » و « فان غوغ » و « سيزان » .
اخفائه . لون حي ، وأحياناً ثاقب ، ينمي الطابع الهزلي لأعماله التي لا تكتفي في أن تكون نقداً لاذعاً جامعاً وشديداً . وحتى سن الأربعين بقيت عبقرية انسورتكمن في أعماقه ، وكانت لوحاته تتميز أيضاً بشاعرية تصويرية دقيقة : فهي تجمع بين روعة التصوير والدقة في العمل ، كما أن بعض التنافر بين الألوان الذي يسر الفنان في استخدامه ، يشير الى أي مدى تتجاوب الألوان بنجاح Odilon Redon روسو Henri Rousseau وتسجل نهاية القرن التاسع عشر أيضاً فنانين مجددين وهما وان كانا من جيل الانطباعيين ، فلا يريدان أن يكون لهما مع هؤلاء شيء مشترك، وهما اوديلون رودون » و « هنري ». وقد كتب « رودون » مشيراً الى موني » والى من يواكبه مايلي : « انهم طفيليون حقيقيون على الشيء فان اكثرهم قد مارسوا الفن في الحقل البصري الصرف وأغلقوه في وجه كل ما من شأنه أن يضع الضوء والروحانية في اكثر التجارب تواضعا». وهذا يعني أن « رودون لا يمثل العالم الخارجي الا للتذكير بشيء آخر وحسب أقواله ، انه يطمح الى وضع «منطق المرئي في خدمة اللامرئي» . وحتى عام / ١٨٩٠ ، كان ينفذ على الأخص رسمات يعبر فيها قلم الفحم عن حبه الأضواء الموحية للحنين وشبه الأظلال المرتعشة التي يهدد الليل بابتلاعها هنا وهناك . واستخدم فيما بعد ألواناً سحرية مضيئة برقة لتصوير « زهور قمرية و أصداف » و « ولادة فينوس و عربات آبولون » . وتشهد هذه الأعمال المختلفة على أنه اذا كان الفنان قد درس الطبيعة بشكل جيد ، فانه من ناحية أخرى حالم وصاحب رؤى، أما « هنري روسو Henri Rousseau الملقب بالجمركي ، فانه يجمع بين صفة صاحب الرؤى وصفة الملاحظ الدقيق ، وتظهرهاتان الصفتان في صوره للأشخاص كما تظهران في المشاهد الاسطورية التي أوحتها له الغابة العذراء ذلك فان اسلوب ( روسو ) نقيض . ومع اسلوب و رودون » ، فبقدر ما يحب هذا الأخير الأشكال التي تذوب في تألق ألوان الفراشات ، يكون الأول من أتباع الخط المحيط الواضح والثابت ، وليست ألوانه بأقل تأكيداً من رسمه . و ( روسو ) لا يتحمس للرؤية الطيفية أو للتأثير الذي يتناهى ، ولا يتصيد درجات الألوان المتغيرة ولا الشكل الذي يتحول : يتمسك ( بسذاجة ) بالموجود ، وبالذي يملك أبعاداً قابلة للتثبت ، وتماسكاً لا يمكن زعزعته ولوناً لا يغير النور من طبيعته قط . وبمعنى آخر فهو يطرح الأشياء من فعل الزمن ، ويعطيها صفة عدم ا ويمنح للوحاته بناء قل من بلغه من معاصريه . اذا أن يكون معجباً بـ ( بوغورو ) ولا يهم أن تكون قدحالت سذاجته وبعض رعونته دون أن يصبح ( مصوراً رسمياً ). المهم هو أنه أبدع أعمالا بجملتها شعرية ومتينة مملوءة بالخيال وبالصفات التصويرية ، أعمالا تحمس لها التكعيبيون فيما بعد ، وتعد من أكثر الانجازات تأثيراً في ذلك الزمن .
اذا ما رفض « رونوار » و « ديغا .. تقليد « موني » حين يقلص العالم إلى تألق غير ملموس ، فان سيزان يعارضه بمزيد من الحزم . فهو يستخدم بدون شك الألوان المشرقة المضيئة الحية ، وهو أيضاً يتحسس بالفكرة : « ان هنالك دقيقة من عمر الكون تمر » ويريد « رسمها في واقعها » ، الا أنه في النهاية ، يهتم بما هو ثابت و دائم أكثر . بما هو زائل . فبدلاً من أن يسجل الانطباعات كما تأتي بها اللحظة ، يعمل على فرزها وعلى توضيحها ، ويخضع مظاهر الكون لنظام ، ينزع عنها كل ماهو غامض ويحتفظ لها بنضارة وبقوة نابضة . ألم يوصي بمعالجة الطبيعة بواسطة الاسطوانة والكرة والمخروط » ؟ مما لاشك فيه سیزان » يتبع هذه النصيحة بأقل صرامة مما يفعله تلاميذه التكعيبيون الذين رأوا في هذه النصيحة نوعاً من الانجيل» ، ولكنه يبسط أشكال الطبيعة عن قصد . فان كان عمله صورة شخص ، أو طبيعة صامتة أو منظرا ، فالمعنى الذي يعطيه له ، يكمن أقل بكثير في الشيء الذي يمثله هذا العمل ، مما يكمن في الاسلوب الذي تتجاوب فيه المستقيمات والزوايا مع المنحنيات ، والألوان الحمراء مع الخضراء والبرتقالية مع الزرقاء الخطأ أن يقال أن ( سيزان ) هو أول من أعطى أهمية كبيرة إلى مايسمى عادة الوسائل ، اذ عرف كبار المصورين دائماً ، أن الشكل بمعناه الأوسع يلعب دوراً أساسياً في اللوحة مهما كان موضوعها .
" كان وكان و ماني » Manet ، قبل ذلك بقليل، قد صدم معاصريه ، خاصة وأنه في لوحتيه : ( الافطار على العشب ) و ( أولمبيا علق أهمية أكبر على الاسلوب منه على الموضوع . وهذا لم يمنع من أن يكون سيزان ) أول من أعطى تمجيداً مطلقاً لمزايا التصوير وحدها ، خلال مزاولته الطويلة للفن . ويساهم سيزان بشكل حازم في نشر فكرة عزيزة جداً في القرن العشرين أن اللوحة وحدة مستقلة يمكنها أن تستوحى من الطبيعة ، ولكن يجب أن تخضع بالنتيجة إلى قوانينها الخاصة ، وأن تكتفي بذاتها .
ان هذه الفكرة أصبحت أيضاً مألوفة لدى أئمة فناني الجيل اللاحق الذين وجدوا طريقهم في حوالي ۱۸۸٦ - ۱۸۸۸ وهم فيما عدا ذلك مختلفون كثيراً . والذين أطلق عليهم اسم الانطباعيين الجــــــدد » impressionnistes Neo 6 بزعامة Seurat يعارضون الانطباعية أكثر مما يكملونها . ومما لاشك فيه أنهم يجهدون إلى استعادة الظواهر الضوئية ، ولكن ما يعمله موني » بالحدس ، يعملونه هم بطريقة منتظمة متقيدين بنظريات اللون التي وضعها العلم في تلك الآونة بدقة متناهية . ومن هنا يأتي اللجوء الى تحليل الألوان بشكل نظامي والى هذا المظهر التنقيطي الذي - يعطي اللوحة طابع الفسيفساء ويهدف الى أن تبقى الألوان نقية على اللوحة لتمتزج في عين المشاهد . وينتج عن ذلك صورة تمت الى التأمل اكثر مما تمت الى ما يسمى عادة بالواقعية. وسنرى فيما بعد يكفي توسيع النقاط وتوزيعها بحرية أكبر حتى يولد في أوائل هذا القرن تصوير مناوىء بعنف للواقعية ، الا وهو تصوير الوحشيين Seurat ولكن الانطباعيين الجدد يظهرون أيضاً اهتمامهم بناحية أخرى : فهم يفرضون على الطبيعة نهجا معينا . فلوحات سورا هي بصورة خاصة بنى إرادية يصبح فيها الشكل هندسياً بصرامة اكبر وخاصة اكثر انتظاماً مما هو عليه عند « سيزان » .
أما بالنسبة الى غوغان ( Gauguin ) فيرى أن تجديد الفن لايتم باللجوء الى العلم ، بل بالعودة الى البدائية والى البربرية . وبكل تأكيد ، على الرغم من أنه راح يعيش في جزر أوقيانيوسيا فانه يبدو متحضراً جدا اذا ما قارنا ه بهؤلاء الذين مثلوا بعد وفاته الذوق البدائي في أوروبا ذلك فهو الذي خطا الخطوات الأولى في اتجاه ، وجد الفن فيه شبابا وقوى وخصباً جديداً . على أنه ولو أدار « غوغان «ظهره لعصر النهضة والاغريق ، ولو أنه أوصى بقوله :
ضعوا نصب أعينكم الفرس والكومبودجيين وقليلا العصريين» ، فانه ينظر بفائدة الى الفن الشعبي في الغرب ، وبالنتيجة فتصوير « غوغان » يقارب تصوير العصر القوطي . بدأ يستخدم الألوان الصافية وهـو مدين بها الى الانطباعيين منذ عام ۱۸۸۸ ليخلق أعمالاً تعبر عن مشاعره وعن آرائه الأدبية ( أحياناً ) اكثر مما تصور العالم الخارجي . وعلى كل حال فانه لم يحلل الطبيعة على طريقة موني ليعرض علينا مجموعة مركبة من الألوان المتدرجة : اذ أنه لا يتمسك الا بالالوان المسيطرة فهو ينقيها ، ويعطيها حيوية ، ويلجأ الى تعديلها عند الحاجة ، ويمدها على مساحات واسعة مفكراً بمعناها الرمزي أو الشعري بقدر تفكيره بقيمتها التصويرية . وهو أيضاً يقلص ، ويستبعد أحياناً التجسيم ليوحي بالحجم بواسطة تعاريج الخط المحيط بــه ومن جهة ثانية يحجم عن الظل المحمول ويتجاهل المنظور الهوائي الذي تتلاشى فيه الوان الأشياء البعيدة، فنه بأن يصبح نقيضاً للتقليد الواقعي . وهكذا ينتهي Van Gogh والأمر في فن و فان غوغ لا يختلف عما ذكر . فبعد عام ۱۸۸۷ أظهر كثيراً من التوافق مع فن « غوغان » والفنان الهولاندي الذي قادته عبادته للشمس الى مدينة آرل يتميز من بعض الجهات بحرارة لوحاته . قليلة هي الأعمال التي تضاهي لوحات ه فان غوغ » بالحرارة وبالشغف . واذا كان الفن عبارة عن بوح بما في أعماق الفنان فان فن هذا المصور بوح يحرك المشاعر بشكل خاص ، فمن خلال المناظر التي رسمها في أواسط فرنسا ، أو في مدينة «أ أو فرسور خلال صوره الذاتية واز » « Au Vers - Sur - Oise و من عجب اذا المؤثرة ، ولوحات عباد الشمس الملتهبة ، فانه يزيح الستار مباشرة عن اتقاد روحه ، عن وثباتها وكبواتها وتمزقاتها . وبذالك فلا أعتبر « فان غوغ» واحداً من الرواد الرئيسيين للتعبيرية الحديثة على كل حال . لم يقتصر على قذف صرخات التهليل أو صرخات الغم بوجه العالم . فقد حقق أعمالاً مأساوية مثيرة ، مع اهتمام كبير بانسجام الألوان وبندرتها وبحيويتها . بالاضافة الى ذلك ، فانه يحافظ على الشكل بصرامة متناهية ، واذا دخلت خطوطه في دوامات ، فان التكوين عنده لا ينقصه التوازن .
أما « تولوز لوتريك Toulouse Lautrec " فلم يكن له على فن القرن العشرين تأثير ( غوغان » و « فان غوغ » و « سيزان » .
اخفائه . لون حي ، وأحياناً ثاقب ، ينمي الطابع الهزلي لأعماله التي لا تكتفي في أن تكون نقداً لاذعاً جامعاً وشديداً . وحتى سن الأربعين بقيت عبقرية انسورتكمن في أعماقه ، وكانت لوحاته تتميز أيضاً بشاعرية تصويرية دقيقة : فهي تجمع بين روعة التصوير والدقة في العمل ، كما أن بعض التنافر بين الألوان الذي يسر الفنان في استخدامه ، يشير الى أي مدى تتجاوب الألوان بنجاح Odilon Redon روسو Henri Rousseau وتسجل نهاية القرن التاسع عشر أيضاً فنانين مجددين وهما وان كانا من جيل الانطباعيين ، فلا يريدان أن يكون لهما مع هؤلاء شيء مشترك، وهما اوديلون رودون » و « هنري ». وقد كتب « رودون » مشيراً الى موني » والى من يواكبه مايلي : « انهم طفيليون حقيقيون على الشيء فان اكثرهم قد مارسوا الفن في الحقل البصري الصرف وأغلقوه في وجه كل ما من شأنه أن يضع الضوء والروحانية في اكثر التجارب تواضعا». وهذا يعني أن « رودون لا يمثل العالم الخارجي الا للتذكير بشيء آخر وحسب أقواله ، انه يطمح الى وضع «منطق المرئي في خدمة اللامرئي» . وحتى عام / ١٨٩٠ ، كان ينفذ على الأخص رسمات يعبر فيها قلم الفحم عن حبه الأضواء الموحية للحنين وشبه الأظلال المرتعشة التي يهدد الليل بابتلاعها هنا وهناك . واستخدم فيما بعد ألواناً سحرية مضيئة برقة لتصوير « زهور قمرية و أصداف » و « ولادة فينوس و عربات آبولون » . وتشهد هذه الأعمال المختلفة على أنه اذا كان الفنان قد درس الطبيعة بشكل جيد ، فانه من ناحية أخرى حالم وصاحب رؤى، أما « هنري روسو Henri Rousseau الملقب بالجمركي ، فانه يجمع بين صفة صاحب الرؤى وصفة الملاحظ الدقيق ، وتظهرهاتان الصفتان في صوره للأشخاص كما تظهران في المشاهد الاسطورية التي أوحتها له الغابة العذراء ذلك فان اسلوب ( روسو ) نقيض . ومع اسلوب و رودون » ، فبقدر ما يحب هذا الأخير الأشكال التي تذوب في تألق ألوان الفراشات ، يكون الأول من أتباع الخط المحيط الواضح والثابت ، وليست ألوانه بأقل تأكيداً من رسمه . و ( روسو ) لا يتحمس للرؤية الطيفية أو للتأثير الذي يتناهى ، ولا يتصيد درجات الألوان المتغيرة ولا الشكل الذي يتحول : يتمسك ( بسذاجة ) بالموجود ، وبالذي يملك أبعاداً قابلة للتثبت ، وتماسكاً لا يمكن زعزعته ولوناً لا يغير النور من طبيعته قط . وبمعنى آخر فهو يطرح الأشياء من فعل الزمن ، ويعطيها صفة عدم ا ويمنح للوحاته بناء قل من بلغه من معاصريه . اذا أن يكون معجباً بـ ( بوغورو ) ولا يهم أن تكون قدحالت سذاجته وبعض رعونته دون أن يصبح ( مصوراً رسمياً ). المهم هو أنه أبدع أعمالا بجملتها شعرية ومتينة مملوءة بالخيال وبالصفات التصويرية ، أعمالا تحمس لها التكعيبيون فيما بعد ، وتعد من أكثر الانجازات تأثيراً في ذلك الزمن .
التي يعطيها الرشم الياباني . ما أن أدخل هذا الأخير إلى أوربا في عام ١٨٦٠ حتى أخذ الناس بغرابة تكويناته وبمعالجته للكتل ، وبرفضه المقولب ، وبألوانه المسطحة التي يطوقها خط دقيق وبكل ما لهذا الوشم من غريب بالنسبة للتقليد المنبثق عن عصر النهضة . على كل حال ، ، لم تؤثر هذه اللوحات اليابانية فقط على الانطباعيين بل على خلفائهم حتى من أتي في أوائل هذا القرن .
اذا ما رفض « رونوار » و « ديغا .. تقليد « موني » حين يقلص العالم إلى تألق غير ملموس ، فان سيزان يعارضه بمزيد من الحزم . فهو يستخدم بدون شك الألوان المشرقة المضيئة الحية ، وهو أيضاً يتحسس بالفكرة : « ان هنالك دقيقة من عمر الكون تمر » ويريد « رسمها في واقعها » ، الا أنه في النهاية ، يهتم بما هو ثابت و دائم أكثر . بما هو زائل . فبدلاً من أن يسجل الانطباعات كما تأتي بها اللحظة ، يعمل على فرزها وعلى توضيحها ، ويخضع مظاهر الكون لنظام ، ينزع عنها كل ماهو غامض ويحتفظ لها بنضارة وبقوة نابضة . ألم يوصي بمعالجة الطبيعة بواسطة الاسطوانة والكرة والمخروط » ؟ مما لاشك فيه سیزان » يتبع هذه النصيحة بأقل صرامة مما يفعله تلاميذه التكعيبيون الذين رأوا في هذه النصيحة نوعاً من الانجيل» ، ولكنه يبسط أشكال الطبيعة عن قصد . فان كان عمله صورة شخص ، أو طبيعة صامتة أو منظرا ، فالمعنى الذي يعطيه له ، يكمن أقل بكثير في الشيء الذي يمثله هذا العمل ، مما يكمن في الاسلوب الذي تتجاوب فيه المستقيمات والزوايا مع المنحنيات ، والألوان الحمراء مع الخضراء والبرتقالية مع الزرقاء الخطأ أن يقال أن ( سيزان ) هو أول من أعطى أهمية كبيرة إلى مايسمى عادة الوسائل ، اذ عرف كبار المصورين دائماً ، أن الشكل بمعناه الأوسع يلعب دوراً أساسياً في اللوحة مهما كان موضوعها .
" كان وكان و ماني » Manet ، قبل ذلك بقليل، قد صدم معاصريه ، خاصة وأنه في لوحتيه : ( الافطار على العشب ) و ( أولمبيا علق أهمية أكبر على الاسلوب منه على الموضوع . وهذا لم يمنع من أن يكون سيزان ) أول من أعطى تمجيداً مطلقاً لمزايا التصوير وحدها ، خلال مزاولته الطويلة للفن . ويساهم سيزان بشكل حازم في نشر فكرة عزيزة جداً في القرن العشرين أن اللوحة وحدة مستقلة يمكنها أن تستوحى من الطبيعة ، ولكن يجب أن تخضع بالنتيجة إلى قوانينها الخاصة ، وأن تكتفي بذاتها .
ان هذه الفكرة أصبحت أيضاً مألوفة لدى أئمة فناني الجيل اللاحق الذين وجدوا طريقهم في حوالي ۱۸۸٦ - ۱۸۸۸ وهم فيما عدا ذلك مختلفون كثيراً . والذين أطلق عليهم اسم الانطباعيين الجــــــدد » impressionnistes Neo 6 بزعامة Seurat يعارضون الانطباعية أكثر مما يكملونها . ومما لاشك فيه أنهم يجهدون إلى استعادة الظواهر الضوئية ، ولكن ما يعمله موني » بالحدس ، يعملونه هم بطريقة منتظمة متقيدين بنظريات اللون التي وضعها العلم في تلك الآونة بدقة متناهية . ومن هنا يأتي اللجوء الى تحليل الألوان بشكل نظامي والى هذا المظهر التنقيطي الذي - يعطي اللوحة طابع الفسيفساء ويهدف الى أن تبقى الألوان نقية على اللوحة لتمتزج في عين المشاهد . وينتج عن ذلك صورة تمت الى التأمل اكثر مما تمت الى ما يسمى عادة بالواقعية. وسنرى فيما بعد يكفي توسيع النقاط وتوزيعها بحرية أكبر حتى يولد في أوائل هذا القرن تصوير مناوىء بعنف للواقعية ، الا وهو تصوير الوحشيين Seurat ولكن الانطباعيين الجدد يظهرون أيضاً اهتمامهم بناحية أخرى : فهم يفرضون على الطبيعة نهجا معينا . فلوحات سورا هي بصورة خاصة بنى إرادية يصبح فيها الشكل هندسياً بصرامة اكبر وخاصة اكثر انتظاماً مما هو عليه عند « سيزان » .
أما بالنسبة الى غوغان ( Gauguin ) فيرى أن تجديد الفن لايتم باللجوء الى العلم ، بل بالعودة الى البدائية والى البربرية . وبكل تأكيد ، على الرغم من أنه راح يعيش في جزر أوقيانيوسيا فانه يبدو متحضراً جدا اذا ما قارنا ه بهؤلاء الذين مثلوا بعد وفاته الذوق البدائي في أوروبا ذلك فهو الذي خطا الخطوات الأولى في اتجاه ، وجد الفن فيه شبابا وقوى وخصباً جديداً . على أنه ولو أدار « غوغان «ظهره لعصر النهضة والاغريق ، ولو أنه أوصى بقوله :
ضعوا نصب أعينكم الفرس والكومبودجيين وقليلا العصريين» ، فانه ينظر بفائدة الى الفن الشعبي في الغرب ، وبالنتيجة فتصوير « غوغان » يقارب تصوير العصر القوطي . بدأ يستخدم الألوان الصافية وهـو مدين بها الى الانطباعيين منذ عام ۱۸۸۸ ليخلق أعمالاً تعبر عن مشاعره وعن آرائه الأدبية ( أحياناً ) اكثر مما تصور العالم الخارجي . وعلى كل حال فانه لم يحلل الطبيعة على طريقة موني ليعرض علينا مجموعة مركبة من الألوان المتدرجة : اذ أنه لا يتمسك الا بالالوان المسيطرة فهو ينقيها ، ويعطيها حيوية ، ويلجأ الى تعديلها عند الحاجة ، ويمدها على مساحات واسعة مفكراً بمعناها الرمزي أو الشعري بقدر تفكيره بقيمتها التصويرية . وهو أيضاً يقلص ، ويستبعد أحياناً التجسيم ليوحي بالحجم بواسطة تعاريج الخط المحيط بــه ومن جهة ثانية يحجم عن الظل المحمول ويتجاهل المنظور الهوائي الذي تتلاشى فيه الوان الأشياء البعيدة، فنه بأن يصبح نقيضاً للتقليد الواقعي . وهكذا ينتهي Van Gogh والأمر في فن و فان غوغ لا يختلف عما ذكر . فبعد عام ۱۸۸۷ أظهر كثيراً من التوافق مع فن « غوغان » والفنان الهولاندي الذي قادته عبادته للشمس الى مدينة آرل يتميز من بعض الجهات بحرارة لوحاته . قليلة هي الأعمال التي تضاهي لوحات ه فان غوغ » بالحرارة وبالشغف . واذا كان الفن عبارة عن بوح بما في أعماق الفنان فان فن هذا المصور بوح يحرك المشاعر بشكل خاص ، فمن خلال المناظر التي رسمها في أواسط فرنسا ، أو في مدينة «أ أو فرسور خلال صوره الذاتية واز » « Au Vers - Sur - Oise و من عجب اذا المؤثرة ، ولوحات عباد الشمس الملتهبة ، فانه يزيح الستار مباشرة عن اتقاد روحه ، عن وثباتها وكبواتها وتمزقاتها . وبذالك فلا أعتبر « فان غوغ» واحداً من الرواد الرئيسيين للتعبيرية الحديثة على كل حال . لم يقتصر على قذف صرخات التهليل أو صرخات الغم بوجه العالم . فقد حقق أعمالاً مأساوية مثيرة ، مع اهتمام كبير بانسجام الألوان وبندرتها وبحيويتها . بالاضافة الى ذلك ، فانه يحافظ على الشكل بصرامة متناهية ، واذا دخلت خطوطه في دوامات ، فان التكوين عنده لا ينقصه التوازن .
أما « تولوز لوتريك Toulouse Lautrec " فلم يكن له على فن القرن العشرين تأثير ( غوغان » و « فان غوغ » و « سيزان » .
اخفائه . لون حي ، وأحياناً ثاقب ، ينمي الطابع الهزلي لأعماله التي لا تكتفي في أن تكون نقداً لاذعاً جامعاً وشديداً . وحتى سن الأربعين بقيت عبقرية انسورتكمن في أعماقه ، وكانت لوحاته تتميز أيضاً بشاعرية تصويرية دقيقة : فهي تجمع بين روعة التصوير والدقة في العمل ، كما أن بعض التنافر بين الألوان الذي يسر الفنان في استخدامه ، يشير الى أي مدى تتجاوب الألوان بنجاح Odilon Redon روسو Henri Rousseau وتسجل نهاية القرن التاسع عشر أيضاً فنانين مجددين وهما وان كانا من جيل الانطباعيين ، فلا يريدان أن يكون لهما مع هؤلاء شيء مشترك، وهما اوديلون رودون » و « هنري ». وقد كتب « رودون » مشيراً الى موني » والى من يواكبه مايلي : « انهم طفيليون حقيقيون على الشيء فان اكثرهم قد مارسوا الفن في الحقل البصري الصرف وأغلقوه في وجه كل ما من شأنه أن يضع الضوء والروحانية في اكثر التجارب تواضعا». وهذا يعني أن « رودون لا يمثل العالم الخارجي الا للتذكير بشيء آخر وحسب أقواله ، انه يطمح الى وضع «منطق المرئي في خدمة اللامرئي» . وحتى عام / ١٨٩٠ ، كان ينفذ على الأخص رسمات يعبر فيها قلم الفحم عن حبه الأضواء الموحية للحنين وشبه الأظلال المرتعشة التي يهدد الليل بابتلاعها هنا وهناك . واستخدم فيما بعد ألواناً سحرية مضيئة برقة لتصوير « زهور قمرية و أصداف » و « ولادة فينوس و عربات آبولون » . وتشهد هذه الأعمال المختلفة على أنه اذا كان الفنان قد درس الطبيعة بشكل جيد ، فانه من ناحية أخرى حالم وصاحب رؤى، أما « هنري روسو Henri Rousseau الملقب بالجمركي ، فانه يجمع بين صفة صاحب الرؤى وصفة الملاحظ الدقيق ، وتظهرهاتان الصفتان في صوره للأشخاص كما تظهران في المشاهد الاسطورية التي أوحتها له الغابة العذراء ذلك فان اسلوب ( روسو ) نقيض . ومع اسلوب و رودون » ، فبقدر ما يحب هذا الأخير الأشكال التي تذوب في تألق ألوان الفراشات ، يكون الأول من أتباع الخط المحيط الواضح والثابت ، وليست ألوانه بأقل تأكيداً من رسمه . و ( روسو ) لا يتحمس للرؤية الطيفية أو للتأثير الذي يتناهى ، ولا يتصيد درجات الألوان المتغيرة ولا الشكل الذي يتحول : يتمسك ( بسذاجة ) بالموجود ، وبالذي يملك أبعاداً قابلة للتثبت ، وتماسكاً لا يمكن زعزعته ولوناً لا يغير النور من طبيعته قط . وبمعنى آخر فهو يطرح الأشياء من فعل الزمن ، ويعطيها صفة عدم ا ويمنح للوحاته بناء قل من بلغه من معاصريه . اذا أن يكون معجباً بـ ( بوغورو ) ولا يهم أن تكون قدحالت سذاجته وبعض رعونته دون أن يصبح ( مصوراً رسمياً ). المهم هو أنه أبدع أعمالا بجملتها شعرية ومتينة مملوءة بالخيال وبالصفات التصويرية ، أعمالا تحمس لها التكعيبيون فيما بعد ، وتعد من أكثر الانجازات تأثيراً في ذلك الزمن .
تعليق