الفلسفة الإنكليزية English philosophy في القرن 20، آخر مراحل أطوار الفلسفة البريطانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفلسفة الإنكليزية English philosophy في القرن 20، آخر مراحل أطوار الفلسفة البريطانية

    الفلسفة في القرن العشرين (إنكلترا)

    تمثلت الفلسفة الإنكليزية English philosophy في القرن العشرين، آخر مراحل أطوار الفلسفة البريطانية، بمذهب الواقعية[ر] المقابل للمثالية[ر]، والذي يؤرخ بدايته مع ظهور كتاب جورج مور[ر] Moore «تفنيد المثالية» (1903)، الذي ابتدع فيه منهج التحليل، وتابعه رسل[ر] Russell في كتابه «مبادئ الرياضيات»، فصار المذهب الرسمي للفلسفة في بريطانيا بين الحربين، وواصله برود Broad وأوينغ Owing في كمبريدج، وحتى في أوج المثالية في أكسفورد كان هذا المذهب قائماً بفعل كتابات توماس كيسThomas Kees ما بين (1844-1925).
    فمنذ الثلاثينات بدأ يظهر في إنكلترا ضرب جديد من الوضعية المنطقية[ر]، عرف باسم الفلسفة اللغوية. وقد لاقى هذا التيار انتشاراً كبيراً بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في جامعتي أكسفورد وكمبريدج. فتميزت الفلسفة الإنكليزية بأنها تحليلية لغوية معادية للميتافيزيقا، علماً أنه لم يكن في أولها مبادئ تعارض الميتافيزيقا. ووفِّق كل من مور ورسل في القضاء على هيمنة الفلسفة المثالية الألمانية عامة ومثالية برادلي F.H.Bradley خاصة في الفلسفة الإنكليزية. وذاعت آراؤهم في أمريكا خاصة، واتفقت إلى حد ما مع آراء البراغماتيين الأمريكيين من أمثال بيرس Pierce ووليم جيمس[ر] W.James. وكان التحليل في رأيهما سواء تم بالمنطق الرمزي أم باللغة العادية، هو الأداة الوحيدة لتوضيح المشكلات الفلسفية وحلها، وبهذا فقد مهدا الطريـق للثورة الحقيقية التي تولاها غيرهما، أمثال صامـويل ألكسندرAlexander ما بين (1859-1938) وتلميذه جـون أنـدرسنAnderson ما بين (1893-1962)، وألفرد نورث وايتهدAlfred N.Whitehead ما بين (1861-1947)، وتزعمها بحق لودڤيغ فتغنشتاين[ر] L.Wittgenstein الذي كانت لفلسفته أعمق الآثار حتى اليوم في التقليد البريطاني، وكان كتابه المبكر «الرسالة المنطقية الفلسفية Tractatus Logico-Philosophicus, عام (1922)؛ أكبر تعبير عن الذرية المنطقية التي توصل إليها هو ورسل. ثم كتابه المتأخر «أبحاث فلسفية» Philosophical Investigations عام (1953)؛ الذي تخلى فيه عن فكرة اللغة المثالية التي دافع عنها في كتابه الأول، وعرض فيه أفكاره الجديدة في التحليل اللغوي وكانت له أصداؤه على الفلسفة المعاصرة.
    وقد حاول عدد من الفلاسفة الإنكليز الذين تأثروا بمور ورسل الأخذ بالتحليل الفلسفي، ورفض المثالية لتحقيق الهدف المحدود الذي رسمته جماعة ڤيينا[ر]، مدفوعين بفلسفة ڤتغنشتاين، وهو تخليص الفلسفة من المبهمات الميتافيزيقية والاعتبارات الأخلاقية، التي تنشأ عن الجهل بمبادئ الرمزية وسوء استخدام اللغة، فمهمة الفلسفة اللغوية توضيح اللغة والأفكار منطقياً، وتحليل الإطارات المعرفية. ومن أشهر ممثلي هذا التيار اللغوي آير[ر] Ayer في كتابه «اللغة والصدق والمنطق»، وكارل بوبر[ر] Karl Popper في كتابه «منطق الكشف العلمي».
    وقد اختلف الفلاسفة فيما بينهم حول اللغة موضوع التحليل، فركَّز بعضهم أمثال رسل وڤتغنشتاين في مرحلته المبكرة، وأيضاً كارناب Carnap على تأسيس أنساق لغوية جديدة اصطناعية artificial (أنساق رمزية رياضية)، وهؤلاء عرفوا بالوضعيين المناطقة، واهتم فلاسفة آخرون أمثال مور وڤتغنشتاين (المرحلة المتأخرة) وأوستن Austin بتحليل اللغة الطبيعية العادية natural ordinary language التي تستخدم في عملية التواصل، وبالمقابل اتفق الفلاسفة جميعاً على أن الفلسفة في حقيقتها ذات طبيعة لغوية، وأنه يمكن عدُّ القضايا الفلسفية قضايا لغوية محضة. فبدلاً من دراسة السؤال الأبدي «ما هي الحقيقة؟» مثلاً يجب دراسة استعمال كلمة «حقيقة» وكيفية مصادفتها في جمل اللغة الإنكليزية، ومعالجة الكلمات والعبارات كافة التي تثير المشكلات. فتميز في إنكلترا بين عامي 1945 و1959 نوعان من الفلسفة التحليلية اللغوية، الأول وهو المذهب الخالص الذي طرحه ڤتنغشتاين في أواخر أيامه في كتابه «أبحاث فلسفية»، وهو تيار التحليل اللغوي، والثاني فلسفة أكسفورد في اللغة العادية التي كان داعيتها الأكبر غيلبرت رايل[ر] Ryle وجون أوستن.
    ومن أهم فلاسفة التحليل اللغوي الذين تأثروا بڤتغنشتاين، فلاسفة كمبريدج آرثر جون ويزدَم Wisdom، وجورج بول Boole، ولكن بعد موته انتقل الاهتمام إلى فلاسفة أكسفورد، وأهمهم إضافة إلى رايل وأوستن، كوينتن Quinton وستراوسن Strawson.
    وقد راد ڤتغنشتاين الحركة الإنكليزية للتحليل اللغوي، فبدأ رسلياً وانتهى مورياً، ووافق رسل في نظريته الذرية المنطقية، فرفض الميتافيزيقا واعتبر قضاياها عديمة المعنى وعقيمة، لأنها ليست تجريبية ولا تحصيل حاصل، وهذا ما تبناه فيما بعد تيار الوضعية المنطقية، على الرغم من أن ڤتغنشتاين لم يكن أبداً عضواً في جماعة ڤيينا، لكنه بمرحلته الأخيرة، وبتأثير من مور شدّد على تحليل اللغة العادية ordinary language لا العلمية (كما جاء في رسالته المنطقية الأولى 1921). فقد أيقن أن المشكلات الميتافيزيقية تأتي نتيجة الإخفاق في فهم كيفية توظيف اللغة، وهذا ما أسماه القلق اللغوي linguistic anxiety.
    أما جون ويزدَم، وبسبب اهتماماته الدينية، لم ير أن قضايا الميتافيزيقا فارغة من المعنى، بل حاول فهم العيب الذي من أجله يشعر الفيلسوف الميتافيزيقي بضرورة التحدث بأساليبه اللغوية الشاذة، لهذا ركّز على التماثلات غير الكاملة بين الأنواع المختلفة للعبارات، بغية حل المسائل الميتافيزيقية، فأضاف بعداً جديداً إلى التحليل اللغوي، وهو بعد التحليل النفسي في كتابه «الأصل اللاشعوري في فلسفة بركلي» (1953) لأنه كفيل بالكشف عن الأسس الشعورية التي تقوم عليها الميتافيزيقا.
    وقد توافق رأي رايل مع ڤتغنشتاين، بأن العبارات الميتافيزيقية عبارات مضللة، وخالية من المعنى، ولهذا عزا للفلسفة التحليلية وظيفتين: أولهما علاجية والثانية لكشف الصورة الحقيقية للوقائع، وعليه بيّن أن الثنائية بين العقلي والطبيعي إنما هي ناشئة عن اضطراب في الألفاظ الخاصة بما هو عقلي، وأن ديكارت[ر] Descartes قد أخطأ في الترويج لهذه الثنائية[ر]، وقد استخدم رايل منهج التحليل اللغوي في بيان «فساد مفهوم الثنائية».
    وعزز أنتوني كوينتن ما جاء في كتاب رايل «صور العقل»، وعدّه مرجعاً قيماً في الفلسفة اللغوية مدة ما بين 1945-1960، بسبب طرحه أفكاراً مقتبسة من أعمال ڤتغنشتاين المتأخرة، تعبر عن فلسفة العقل وكيفية استخدام اللغة.
    ووجد ستراوسن، أن من منافع التحليل اللغوي، كشف أخطاء كثير من المشكلات الفلسفية التقليدية، والكشف عن التفكير الفعلي والأدوات التصويرية واللغوية الفعلية. لهذا سعى في كتابه «الأفراد» إلى تحليل اللغة العادية لبيان كيفية التوصل إلى نتائج عامة تخص العالم. والواقع أن تحليله كان أوسع أفقاً من رايل لأنه لم يساير ڤتغنشتاين في رفض الميتافيزيقا البتة، وإنما اتفق مع مور في إمكانية نوع منها، فلا يوجد في نظره تناقض حقيقي بين التحليل اللغوي وبين نوع معين من الميتافيزيقا، إذ ميّز بين نوعين من الميتافيزيقا: ميتافيزيقا وصفية descriptive، وميتافيزيقا تعديلية revisionary.
    وأخيراً أوستن الذي أكد أهمية اللغة، والتمييزات النحوية المركبة في الإنكليزية: دراسة النحو عامة من الناحية الفلسفية. وبرأيه أن الوقت لم يحن للتأمل الفلسفي، ولابد أولاً من استيعاب كيفية عمل اللغة الطبيعية قبل محاولة حسم المشكلات الفلسفية، ويجب عدم النظر إلى اللغة ظاهرة منعزلة في حالة تجريد عن سياقها السلوكي الإنساني، فالأسلوب الذي يتبعه بعض الفلاسفة في تناولهم القضايا بمعزل عن السياقات العملية هو مصدر متاعبهم.
    ويؤكد كوينتن ضرورة تركيز علم اللغويات على ظاهرة اللغة البشرية، وهذا ما كان يهدف إليه تشومسكي Nodm Chomsky في كتابه «البنيات التركيبية» Syntactic Structures عام (1957) بتقديم نظرية لغوية عامة تنقل علم اللغة من المرحلة الوصفية إلى المرحلة التفسيرية أو النظرية.
    أحدثت الفلسفة الإنكليزية ثورة في الفلسفة، ومن شأن تحديد مجال الفلسفة بتحليل اللغة توجيه ضربة قاضية ليس فقط للأبحاث الميتافيزيقية التقليدية، بل أيضاً للدين، لأن الدين ينطوي على علم اللاهوت، وعلم اللاهوت نوع من الميتافيزيقا. لقد استعاضت الفلسفة اللغوية عن العالم الموضوعي بما يقال عنه، فطابقت بين التفكير واللغة.
    سوسن بيطار
يعمل...
X